الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إصلاح الفكر.. بداية الطريق للتغيير: تجديد الخطاب الدينى رهان الرئيس لمواجهة التطرف

يحمل ملف تجديد الخطاب الدينى مساحة كبيرة من الجدل حول أهميته وكيفية تنفيذه، مع انتشار الفكر الدينى المتطرف، وهو فكر لا يقبل التسامح أو التفاهم، ويعشق الجمود ويرفض المساس بأفكار تراثية دينية باعتبارها فوق النقد والتعديل.



وتعتبر قضية تجديد الخطاب الدينى من أهم القضايا التى دعا الرئيس «عبدالفتاح السيسى» إلى علاجها منذ عام 2014، ولم يترك فرصة فى مناسبة دينية أو رسمية إلا وطالب بضرورة تحقيق هذا الأمر؛ لكشف وتوضيح حقيقة دعاوَى الإرهابيين والمتطرفين.

وقال الرئيس خلال كلمة له فى مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامى فى 2020، والتى ألقاها رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى: «نحن متفقون على أن كثيرًا من أحكام هذا الفقه تغيرت من جيل إلى جيل على مدى عشرة قرون على الأقل، فلماذا يحرم جيلنا من هذه الأحكام التى تيسر الحياة، وجيلنا أحق الأجيال بالتجديد لما يواجه من تحديات تتغير كل يوم؛ بل كل لحظة».

وأكد الرئيس على أهمية قيام الأزهر بتجديد الخطاب الدينى، وقال إن التراخى عن الاهتمام بهذا الأمر من شأنه ترك الساحة لأدعياء العلم ليخطفوا عقول الشباب ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة وينقلوا لهم التفسير الخاطئ للقرآن والسُّنة.

وطالب الرئيس بالتجديد فى فقه المعاملات فى مجالات الحياة: «من رحمة الله بنا أن شرع لنا أحكامًا ثابتة، وأحكامًا تتغير وفقًا للتطور، والفتوَى تتغير من بلد لبلد، ومن عصر لعصر، ومن شخص لشخص».

مناسبات للمطالبة بالتجديد

ولم تكن هذه المناسبة الوحيدة التى يتحدث فيها الرئيس عن تجديد الخطاب الدينى، وقد بدأ ذلك منذ يوليو 2014، خلال الاحتفال بليلة القدر حيث قال الرئيس: «أتحدّث إليكم كإنسان مسلم مهموم بدينه ومظاهر الإساءة إليه».. مشددًا على «ضرورة أن يكون الاحتفال متضمنًا فهمًا حقيقيًا لكتاب الله بما يتناسب مع العصر وليس حفظه فقط».

وفى يناير 2015، خلال الاحتفال بالمولد النبوى، قال الرئيس إنه يُحمّل الأزهر الشريف مسئولية تجديد الخطاب الدينى، والدعوة بالحُسنى وتصحيح الأفكار والمفاهيم التى ليست من ثوابت الدين.. مطالبًا بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة.

وفى يوليو 2016، أكد الرئيس فى لقاء مع المجموعة الثالثة من الدارسين بالبرنامج الرئاسى، على أن مسئولية تجديد الخطاب الدينى مشتركة بين الدولة والمجتمع، وأن مصر ستقود تغيير الخطاب الدينى فى العالم.

وفى نوفمبر 2018، خلال منتدى شباب العالم، قال الرئيس: إن تصحيح الخطاب الدينى أحد أهم المَطالب التى نرغب فى تطبيقها بمصر والشرق الأوسط.. مضيفًا: «مش ممكن مفردات وآليات كان يتم التعامل بها من ألف سنة، تكون صالحة فى عصرنا».

وأوضح: «لا نتحدث فى تغيير دين، بس إزّاى تقنع أصحاب العقول والرأى والمعنيين بهذا الأمر، أن عندنا مشكلة حقيقية فى الخطاب والفهم الحقيقى للدين الذى نتعامل به فى هذا العصر، نحاول إيجاد مفردات لخطاب دينى تتناسب مع عصرنا، وبعد 50 سنة هنحتاج تطوير هذا الخطاب بتطوُّر المجتمع».

وفى فبراير 2019، خلال مشاركته فى مؤتمر ميونيخ للأمن، قال الرئيس إن عدم الاستقرار وظاهرة الإرهاب يمسّان أمن العالم، إذا لم يتم التعامل معهما بشكل متكامل بتعاون دولى حاسم.. مضيفًا: «فيه فرصة نتكلم عنها، فى بعض من المشاهدين سمعوا منّى من أكثر من 4 سنوات، وتحدثت عن أهمية إصلاح الخطاب الدينى، وللمرّة الأولى رئيس دولة مسلمة يتحدث بوضوح أمام أكبر مؤسّسة دولية، ويطلب هذا الطلب».

وفى منتدى الشباب 2019، تحدّث الرئيس «عبدالفتاح السيسى» عن تأخر الخطاب الدينى فى مواكبة العصر، تأخر 800 سنة فى تفسير النصوص؛ حيث أكد الرئيس خلال فعاليات المؤتمر الوطنى الثامن للشباب، أن الخطاب الدينى لا بُد أن يواكب العصر، وأن الإرهاب كفكرة شيطانية الهدف منها ضرب مركز ثقل الدين للإنسانية.

الإسلام والتجديد

يطرح الإسلام مبدأ الحرية بمفهوم شامل يتضمن حرية العقيدة وحرية الشعائر وحرية الدعوة، وهى القواعد التى يجب أن تقوم عليها المشروعات لتجديد الخطاب الدينى، فالإسلام دين لكرامة الإنسان وضمان حقوقه فى العيش الآمن، متمتعًا بالعدل والمساواة وحرية العقيدة والفكر.

ولا يوجد فى الإسلام ما يسمى بالأحزاب السياسية الدينية؛ لأن ذلك يمثل احتكارًا للإسلام واستغلالًا له فى سبيل الوصول للحكم، فالتنافس السياسى يقوم على أساس الندية والمساواة، ومحاولة كل فريق كسب أصوات الناس، ويضيع ذلك حين يزعم فريق من السياسيين أنه يتكلم باسم الله تعالى ويمثل الإسلام، هنا يصبح من ينافسه خارج الساحة السياسية.

مثلًا جماعة الإخوان ظلوا 80 عامًا يفكرون ويعملون للوصول إلى الحكم فى مصر، ولم يفكروا 80 دقيقة فى طريقة الحكم، وجماعة الإخوان فى مصر مثل إخوان المغرب وتونس وسوريا واليمن، ولا تتغير سوى الأسماء.

الإخوان أعادوا إنتاج الفكر السلفى المتشدد بشعارات جديدة وصورة عصرية، مع إجادتهم للنفاق والتآمر والخطاب مزدوج المعنى، واعتمادهم لمبدأ «مكيافيلى»، وهو: الغاية تبرر الوسيلة.. فغايتهم الوصول للحكم تحت راية الإسلام.

وينتعش فكر التطرف فى مناخ مملوء بالإحباط، وبوجود المال والسلاح ومن خلال رفع شعارات إسلامية، يصبح من السهل تأسيس تنظيمات تجذب لها الشباب الفقير، وتجد لهم زعماء من الشباب المثقف من الطبقة الوسطى، يمكن استغلالهم فى تدمير الدول وإنعاش تجارة السلاح العالمية، ولذلك فإن تنظيم «داعش» لو انتهى سوف تولد تنظيمات أخرى؛ لأن بيئة التطرف لا تزال موجودة.

الإرهاب والخطاب

لقد أصبح تجديد الخطاب الدينى ضرورة، بعد أن امتدت أيدى الإرهاب لتحصد أراوح الكثيرين، واختلفت وسائله بين قتل وحرق وتفجير واختطاف.

والإرهاب الذى تمارسه الجماعات الدينية المتطرفة يعتبر أكبر إساءة إلى الدين الذى جعل الإرهاب جريمة: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، البقرة 205، فمن نتائج الإفساد خراب الأرض وقتل الناس وهما نفس ما ينتج عن الإرهاب.

ومواجهة تلك الجماعات لا يتم أمنيًا فقط؛ لكن يتم بمواجهتها فكريًا من داخل الدين، وهذا ما لم يتم فعله منذ بدأ الرئيس «جمال عبدالناصر» معركته مع الإخوان فى 1954، وكانت نتيجة عدم مواجهة فكر الإخوان أن انتشر فكرهم وزاد عددهم، وإذا لم يبدأ إصلاح سريع للفكر الدينى فسوف ينتشر فكرهم ويزداد عددهم ويتكرر مرّة أخرى ما حدث منهم.

والمواجهة تتم بإصلاح الفكر الدينى لكشف أمراض المتطرفين من كراهية وتكفير وقتل، والتى هى منبع الإرهاب، فإصلاح الفكر الدينى هو إصلاح ما تم إفساده من فكر وممارسة عملية للدين، فالإصلاح يهدم المفاهيم الفاسدة ويبنى مفاهيم تتفق مع مقاصد القرآن لتصحيح العلاقة ما بين الفرد ونفسه، وعلاقته مع الله تعالى، ومع الآخرين، مع توضيح الفرق بين مظاهر التدين وبين حقيقة الدين.

وفى مواجهة الإرهاب يجب البحث عن المصدر الحقيقى لفكر الإرهابيين ومعالجته، من خلال مراجعة الفكر الدينى، ومع أن الإسلام يدعو إلى السلام والرحمة؛ فإن فكر الإرهاب يظل موجودًا ليظهر حينما يبدأ الصراع على الحكم، فالإصلاح لن يتم باستبعاد الدين كما حدث فى الغرب؛ لأن الدين عندنا مكون أساسى للثقافة. 

ويحدث التغيير كما فى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، الرعد 11، وكلمة (بِأَنْفُسِهِمْ) تشمل المجموع والفرد فى العمل على التغيير المستمر للأفضل، وعندما تصبح نسبة الذين غيروا ما بأنفسهم من الباطل إلى الحق نسبة معينة فى المجتمع يحدث التغير للآخرين، أو ما يسمى علميًا بالكتلة الحرجة لبداية التغيير فى المادة، وتلك النسبة تبدأ من 15 % إلى25 % من مجموع التغييرات المطلوبة، وعندها يتحقق التغيير على مستوى الفكر والفعل.

والإصلاح يتضمن تهيئة الدعاة ورجال الدين ليكونوا علماء فعلًا: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، فاطر 28، فالعالم ليس بحفظ النص؛ بل العالم هو واسع المعرفة والثقافة بالدين والدنيا، ويتم ذلك بخطة مدروسة طويلة الأمد، تضمن قبول المجتمع للتحول التدريجى من الاعتماد على النقل إلى الاعتماد على العقل.

ولذلك فطريق الإصلاح يحتاج إلى أجيال متتابعة من أجل خَلق حالة فكرية جديدة لتحقيق إصلاح ثقافة المجتمع، فعندما ندرك أن مشكلتنا بدأت من تغييب العقل والمنطق والموضوعية، وعندما ندرك أن العدو الأول للإسلام هو الفهم غير الصحيح للإسلام، نكون قد بدأنا الخطوة الأولى باتجاه إصلاح الفكر الدينى.

أهمية تجديد الخطاب

إن مسألة تجديد الخطاب الدينى تتطلب تعاونًا من المؤسّسات الدينية سواء الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف؛ لأن الخطاب الدينى يهم جميع المصريين، فضلًا عن وزارات الثقافة والشباب والرياضة، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدنى التى لها دور كبير فى هذا الملف.

فالمجتمع بحاجة إلى خطاب دينى جديد، لمعالجة المذاهب الطائفية، كما يجب عمل تنقية للتراث من الإسرائيليات والأخبار الموضوعة والضعيفة، من خلال عمل مستمر لحُسن فهم الدين وحُسن عرضه.

فالفكر يواجه بالفكر، وتجديد الخطاب الدينى يتم بتعاون مؤسّسات الدولة: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ)، سبأ 24، ومن خلال القائمين على شئون المؤسّسات الدينية: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)، الأحزاب 39.

 توضيح ومواجهة

وتجديد الخطاب الدينى يتم من خلال تمكن وزارة الأوقاف من السيطرة على المساجد كلها، ومنع الإرهابيين والمتشددين من السيطرة عليها لنشر أفكارهم المتطرفة، فتجديد الخطاب الدينى ليس مسئولية الأزهر ووزارة الأوقاف فقط؛ بل أيضًا يتطلب مشاركة مؤسّسات التعليم والثقافة والإعلام، والاعتماد على الباحثين والمفكرين فى تجديد الخطاب الدينى.

إن تجديد الخطاب الدينى مسئولية كل صاحب فكر ورأى من الهيئات الثقافية والجامعية، ومؤسّسة الأزهر هى المسئولة أولًا عن التجديد بهيئاتها المختلفة سواء الأزهر الشريف أو دار الإفتاء، وعلماء الدين والوعاظ والدعاة وأهل الرأى، فالجميع مطالب أن يقدم ما يساعد الناس على مواجهة مستجدات الحياة من خلال صحيح الدين.

وتجديد الخطاب الدينى ليس له وقت معين، فالإسلام ترك لنا باب الاجتهاد مفتوحًا لكى نواجه المستجدات فى الحياة والتجديد مهم للغاية لمواجهة الإرهاب، وكلما جاء الجديد فى حياة الناس يجب أن يقابله تجديد فى الخطاب الدينى.

كما أنه لا يوجد تناقض بين تعاليم الدين وبين التجديد، فالنبى عليه الصلاة والسلام أول من تكلم عن التجديد فى الدين بقوله: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وفى القرآن الكريم يرجع التغيير إلى إرادة الإنسان فى المقام الأول، وقد جعله تعالى شرطًا للتغيير الذى يحدث بإرادة الله، وذلك فى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، الرعد 11.

ولذلك فإن تجديد الخطاب الدينى هو بداية لعمل إصلاح فعلى، وهذا الإصلاح يحتاج إلى العشرات من السنين حتى ينشأ عليه جيل يفهم المعنى الصحيح للدين.