الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نساء فى حياة الأنبياء «عروة».. العَدُوَّة التى يملكها: النبى هود حذر «عاد» متوعدًا! "7"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 فى منطقة الأحقاف باليَمن كان يعيش قوم عاد، وهم من ذرية المؤمنين الذين نجوا مع النبى نوح، وبمرور الوقت أشرك قوم عاد فأرسل الله لهم النبى هود: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُون)، الأعراف 65.

 

والآيات 128 - 135 من سورة الشعراء، توضّح أنهم كانوا متقدمين فى البناء، وأقاموا مصانع تُخلد ذكرهم، وكانوا جبارين يرفضون أن يَعبدوا الله وحده، وتحدّوا النبى هود أن يأتيهم بالعذاب إن كان صادقًا، فأهلكهم الله بالهواء الذى جعله ريحًا مدمرة.

وأصبح قوم عاد الذين استكبروا وقالوا من أشد منا قوة وكانوا جبارين فى بطشهم، عبرة لكل جبار عنيد، ويُعرَف قوم عاد بالعرب البائدة، أى الذين تم هلاكهم.

والمؤمنون الذين نجوا أصبحوا «عاد الثانية» التى آمنت، أمّا «عاد الأولى» فهى التى كفرَت: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى)، النجم 50، وقد وصفهم تعالى بأنهم كانوا أصحاب رؤية وفكر وحضارة: (..وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)، العنكبوت 38، ومع ذلك ضلوا فكفروا فأهلكهم تعالى، بعد أن حذّرهم النبى هود من العذاب.

 زوجة النبى هود:

وفى الروايات أن «عروة» هو اسم زوجة النبى هود، وأنه كان يومًا يسقى الزرع فجاء قوم إلى بيته يريدونه، فخرجت إليهم امرأة شمطاء عوراء فقالوا: «جئنا إلى هود نسأله أَن يدعو اللَّه حتى تمطر وتخصب بلادنا، فقالت: لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه لقلة الماء، ثم جاءوا إليه فقالوا: يا نبى اللَّه قد أجدبت بلادنا ولم تمطر فاسأل اللَّه أن يخصب بلادنا وتمطر، فتهيأ للصلاة وصلى ودعا لهم، وقال: ارجعوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم، فقالوا: يا نبى اللَّه رأينا فى منزلك امرأة شمطاء عوراء، فقال هود: تلك أهلى وأنا أدعو اللَّه لها بطول البقاء، فقالوا: وكيف ذلك؟!، قال: لأنه ما خَلق اللَّه مؤمنًا إلا وله عدو يؤذيه، وهى عدوّتى، فلأن يكون عدوّى ممن أملكه خير من أن يكون عدوّى ممن يملكنى».

 بداية الدعوة:

عندما بدأ بالدعوة بدأ الجدال بينه وبينهم: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ)، الأعراف 65، هى نفس الدعوة إلى أنه لا إله إلا الله ما لهم من إله غيره.

قال لهم: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَاتَّقُوا الَّذِى أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، الشعراء 128-135، كانوا متقدمين فى البناء إلى درجة أنهم كانوا يبنون عجائب معمارية لمجرد التفاخر والغرور، وكانوا يعيشون متمتعين بثروة حيوانية وزراعية وكثرة سكانية، فكانوا قوة جبارة، وكانت هناك أقوام حولهم ولم يكونوا فى قوتهم؛ بل كانوا ضحية لجبروتهم.

ردّوا عليه: (قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ. إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ. وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)، الشعراء 136-138، لا فائدة من وعظه لأنهم يتبعون دين آبائهم، ويعبدون الثوابت التى وجدوا عليها آباءهم.

وبعد ذلك: (قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِى سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ)، الأعراف 66، هم السفهاء الكاذبون ويتهمونه بالسفاهة والكذب.

رد عليهم: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ. أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، الاعراف 67-69. 

جاء ردّه مع الإشارة إلى أن الله زادهم فى القوة الجسدية؛ ليتذكروا نِعَمَ الله عليهم: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)، الأعراف 70، يستنكرون أن يعبدوا الله وحده، وأن يتركوا عبادة ما وجدوا عليه آباءهم، ثم يتحدونه بأن يأتيهم بالعذاب إن كان صادقًا.

 انتظار العذاب:

واجههم بمصيرهم: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِى فِى أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّى مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ)، الأعراف 71، أنذرهم بالعذاب لأنهم يجادلونه تمسكًا بأسماء اخترعوها لآلهة وهمية، وعليهم أن ينتظروا وهو معهم ينتظر وقوع العذاب عليهم.

كان ردّهم: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)، هود 53- 54، تمسكوا بآلهتهم وكفرهم، وزعموا أن آلهتهم قد غضبت عليه فأصبح مجنونًا.

رد عليهم: (قَالَ إِنِّى أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّى بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، هود 54 - 56، تبرّأ مما يشركون، وتحداهم أن يتوعدوه كلهم وألا يعطوه مهلة، وأنه متوكل على الله وحده.

وبهذا وصل معهم إلى النهاية معلنًا أنه أبلغهم رسالة ربه، وأن مصيرهم أن يستخلف تعالى قومًا غيرهم بعد إهلاكهم: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)، هود 57. 

ظلت الريح تقتلعهم وتلقى بهم أسبوعًا حتى يموتوا موتًا بطيئًا فيراهم المؤمنون والذين كانوا يتعرّضون لبطش عاد: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)، الحاقة 6 8- ، هى ريح تصل قوتها إلى الصعق والعصف بالأذن.

هلكوا وصاروا صرعَى بجثثهم الضخمة: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ. إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ. تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)، القمر 18-20، كانت جثثهم كأشجار نخل مقطوعة ومقتلعة من جذورها.

 مدة العذاب:

ونلاحظ وجود آيتين عن مدة هلاكهم، الأولى أنه يوم واحد: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)، القمر 19، والثانية أنه أسبوع: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا..)، الحاقة 7، فالأولى تُعَبر عن إحساس الكافرين بأسبوع العذاب وكأنه يوم واحد (مُسْتَمِرٍّ) ممتد لأنهم لا يرون فيه إلا الظلام ولا يستطيعون تقدير الوقت، والثانية تُعَبر عن حساب الزمن الحقيقى لعذاب الكفار وكان سبع ليالى وثمانية أيام.

كانوا يَعرفون من قدوم الريح أنها تبشر بمَطر قادم، لذا فعندما رأوا ريحًا قادمة استبشروا بها ولم يعرفوا أنها آتية لإهلاكهم: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، الأحقاف 24. 

أهلكتهم ريح من نوع خاص: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)، الاحقاف 25، الريح كانت فى أول أمرها على شكل إعصار، فتجذب الناس والأشياء إليها ثم تقذف بهم، وبعد أن قام الإعصار بدوره فى القضاء على قوم عاد، تحوّل إلى عاصفة محملة بالرمال والأتربة استمرت أيامًا وليالى، حتى غطت المكان.

لقد سخّر تعالى ريحًا قوية على قوم عاد لمدة سبع ليال وثمانية أيام، حتى تردم الأودية فلا يبقى لهم باقية، فالتصحر الذى أصاب هذه المنطقة هو تصحر مفاجئ حدث مرّة واحدة.

كانوا يعيشون فى جنات وعيون: (وَاتَّقُوا الَّذِى أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)، الشعراء 132-134، وقتها ما كانوا فى صحراء: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)، الأحقاف 21، ينذرهم بالأحقاف وهى الرمال الكثيفة مثل الجبال.

فكان عذابًا نجا منه المؤمنون: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ)، هود 58، وأن المؤمنين الذين نجوا عاشوا يحملون نفس الاسم «عاد»، ولذلك كانت «عاد الأولى» التى أهلكها تعالى: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى)، النجم 50، ثم هناك «عاد الثانية» التى آمنت.

قال تعالى عن عاد: (أَلَمْ تَرَ  كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلادِ) الفجر 6 - 8، قوم عاد أقاموا مدينة إرم التى كان لقبها ذات العماد، وهو لقب يصف المدينة بعمرانها وبما فيها من أعمدة، وأنه لم تكن مدينة مثلها من قبل.

وقد بقيت مساكنهم شاهدة على نبوغهم فى العمارة: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)، العنكبوت 38، وصفهم تعالى بأنهم كانوا مستبصرين، بمعنى أصحاب نظر وفكر وحضارة، لولا أن الشيطان أضلهم فكفروا، فأهلكهم الله، بعد أن توعدهم النبى هود بالعذاب.