الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. النظارة الحمراء

كدهوّن!.. النظارة الحمراء

قررت أن أضرب عصفورين بحجر واحد فأتخلص من صحبة حماتى وبناتها وأحفادها التى تعاملت معى منذ اليوم الأول لوجودى فى الساحل كمسئول الترفية الأول عن هذه  الأسرة الرائعة «بمن فيهم زوجتى طبعًا» حتى هلكت من كثرة المشاوير والعزايم «بصفتى الرجل الوحيد وسط النساء».



 

مجالسة أطفال  الأسرة حتى تعود النساء من جولاتهن اليومية فى الأسواق وكدهون تحولت إجازتى لأشغال شاقة مؤبدة فقررت قبول دعوة لحضور حفل عيد ميلاد ابنة صديق طفولتى وزميل الدراسة رغم عدم تحمسى لمثل هذا الحفلات الصاخبة فى العادة إلا أنها كانت فرصة مش بطالة للهروب من مسئولية الترفيه عن حماتى وأعوانها والاستجمام والاستمتاع بالهواء المنعش والشمس الحارقة والأهم مشاهدة الوجه الحسن الدى تقول عنه الأسطورة أنه موحود فى الساحل، وكدهون قررت أن أظهر بمظهر عصرى بسيط وعميق فى نفس الوقت، فارتديت بنطلون جينز «رمز الشقاوة فى جيلى» ومعه قميص أبيض من الكتان وضربت شعرى جيل ومانستش السلسلة الذهبية والحظاظة ذات الخرز الملون (لزوم الروشتة) ووضعت النظارة الشمسية السوداء، لزوم الغموض والحذاء الرياضى مع الشراب ناصح البياض، وانطلقت للحفلة وأنا أتخيل تأثيرى كرجل أربعينى يتمتع ببعض الشعيرات البيضاء سوف تغزوا قلوب العذارى والمراهقات، ووصلت أخيرًا لأرض المعركة ودخلت بقلب جامد وثقة غير معلوم مصدرها لأفاجأ بأنى قد دخلت معركة خاسرة من البداية مع شباب منفوخ العضلات بفورمة الساحل وفتيات اكتفين بارتداء أقل القليل من الثياب المشروعة وغير المشروعة، مع إطلاق شعرهن الغجرى المجنون «كما أخبرنا به عبدالحليم حافظ» ليطير فى الفضاء الخارجى مع رسم وشم عملاق يغطى أكبر مساحة ممكنة من أجسادهن الثائرة على الواقع الذى يفرض على أمثالى الانسحاب المشرف من الحفل قبل أن أدخل معركة غير مؤهل لها فى الوقت الحالى «لا سنى ولا لياقتى يسمحوا بدخول معركة معهم».

 فقررت التقهقر للخلف عائدًا من حيث أتيت حيث نار حماتى أرحم من جنة هؤلاء القوم العارين وكدهون، تذكرت الأستاذ حسين رياض فى فيلم «لحن الخلود» عندما كان يحرص على ارتداء بدلة كاملة وكوفية صوف وصديرى وبالطو أسود ضخم أقرب لرجال العصابات ولا ينسى بالطبع النظارة السوداء رغم أنه فى البيت، وفى نفس الوقت نجد الست شادية ترتدى «فستان صيفى خفيف عارى الكتفين ذو ألوان صيفية مبهجة عارى الكتفين» دون أن ترتعد أو ترتعش أو ينهز لها شعرة، وكنت دائمًا أتساءل «كطفل بريء»  يا ترى هما فى الصيف ولا فى الشتاء وكدهون، حتى كبرت ونضجت ودخلت فى مرحلة العمرية للأستاذ حسين رياض وأدركت أن الفيلم يؤكد بقصد أو بدون قصد عدم منطقية التقاء الشتاء ممثلًا فى شخص الأستاذ حسين، بالصيف ممثلًا فى شخص الست شادية وكدهون، وقبل أن تتقهقر للخلف للهروب الاستراتيجى من أرض المعركة ظهرت فتاة رائعة تتقدم بخطى ثابتة فى اتجاهى وعلى وجهها ابتسامة ساحرة جعلتنى أتغاضى عن وشم التنين المرسوم على ذراعها وأنا بدورى رسمت ابتسامة عريضة على وجهى فى استقبالها استقبالًا يليق بجمالها فاقتربت أكثر وهى تهمس لى: ممكن لو سمحت آخد صورة ؟؟ وهنا عادت لى ثقتى بنفسى وبقدرتى على جذب الجميلات بشعرى الأبيض المتوسط والسلسلة الذهبية وخبرة الناضجين التى لا يدركها أصحاب العضلات المنفوخة، ولم أضيع وقتًا أكثر من ذلك، فأخذت وضع الاستعداد للتصوير مع شفط الكرش قدر الإمكان مع رسم ابتسامة بلاستيكية صغيرة «ابتسامة الثقة» على وجهى وقلت لها بصوت الحكماء: أيوه طبعًا اتفضلى هنا جانبى وكدهون، إلا أنى فوجئت بها تقدم لى هاتفها المحمول وتحتضن أحد وحوش الساحل بعضلاته المفتولة ووشمه الممتد على جسمه بشكل مبتذل، وأدركت أنها تريد أن ألتقط لها صورة مع هذا العملاق الرقيع وليس كما توهمت بسذاجة أنها تريد أن تتصور معى، واهتزت الكاميرا بيدى المرتعشة من هول الموقف وأعدت لها موبايلها وأنا أهم بالانصراف سريعًا وكدهون، تراجعت للخلف وأسرعت الخطى للخروج من هذا الجحيم، إلا أننى سمعت صوت صديقى «صاحب الدعوة» يهتف باسمى صارخًا إلى أين أنت ذاهب يا منعم؟ التفت خلفى ولكنى لم أستطع أن أشاهده وسط هذه الأعداد الغفيرة من المجانين الذين يرقصون بشكل هيستيرى على نغمات إحدى أغانى المهرجانات المنتشرة هذه الأيام، مما زاد من ضجرى، وقبل أن أعاود الهروب مرة أخرى ظهر أمامى فجأة من بين صفوف الراقصين كائن مخيف حافى القدمين يرتدى مايوه أصفر قصيرًا «متجاهلًا تقوس قدميه» متناثر الشعر كمتسول بائس ينظم إشارات المرور بميدان العتبة ويرتدى نظارة حمراء ضخمة، وقد رسم وشمًا متشابكًا ومتداخلًا فوق جسمه بالكامل «ربما لإخفاء ترهل جسده» حتى أنى اعتقدت أنه يرتدى ملابس مشجرة، وأطلق ضحكات هيستيرية مزعجة وهو يسألنى إنت لابس دولاب الهدوم بتاعك كله وانت جاى يا منعم ليه؟؟ وقبل أن أسأله حضرتك إنس ولا جن؟ عاد ليطلق ضحكاته المرعبة «زى الأستاذ عادل أدهم عندما قام بدور الشيطان» أنت لابس حذاء رياضى كمان؟؟ أنت فاكر نفسك هاتلعب ماتش فى الاستاد يا منعم؟؟ وقبل أن أتمتم ببعض الآيات القرآنية لأصرفه من أمامى اكتشفت أنه صديقى القديم فى ثوبة الجديد وكدهون.. قعدت مع أصحابى وأولادهم  بعد أن هدأت العاصفة وكل شخص بيحكى عن المطرب اللى يريد الاستماع له فاندفعت بتهور غير محسوب وقلت بحب جدًا أسمع أغانى عبد الوهاب بالليل وأنا قاعد لوحدى وهنا سكت الكلام وتبادل الشباب نظرات الاستفهام والحيرة إلى أن سألت طالبة جامعية أمها هو عبد الوهاب ده اللى هوا مين يا ماما. فردت الأم بوقار العالمين بخفايا الأمور: مطرب قديم يا حبيبتى، فردت المحروسة يعنى زى عبد الحليم كده؟ فردت الأم بحكمة العارفين: أيوه.. بس أقدم منه كمان بشوية وكدهون، بكيت وبكى كل الحاضرين من جيلي.