السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وهكذا لحقت برفيق العمر وداعـًا.. دلال عبدالعزيز

كان يومًا حزينًا، عندما أعلن خبر وفاة نجم الكوميديا «سمير غانم» فى 20 مايو الماضى، لتسقط ورقة أخرى من شجرة نجوم زمن الفن الجميل، لكنه كان يومًا صادمًا يوم السبت الماضى، عندما أعلن عن رحيل زوجته الفنانة «دلال عبدالعزيز»، إذ كان محبوها ينتظرون خبرًا آخر، وهو الخروج من المستشفى بعد التعافى. ومع ذلك، كان للقدر رأى آخر.



 

فى الوقت الذى سيطرت مشاعر افتقاد نجم كبير يصعب تكراره أثناء رحيل «سمير غانم»، اجتاح الأسى قلوب محبى «دلال»، وكأن أحد أفراد أسرتهم رحل دون سابق إنذار. وربما تعود تلك المشاعر للحميمية فى أدوار الفنانة الراحلة، خاصة فى أعمالها الأخيرة، التى جسدت فيها دور أم مصرية بجميع تفاصيلها الموجودة داخل كل منزل، أو أنها -ببساطة- أبرزت جانب الأمومة منها على الشاشة، مما جعلها ترتبط بمشاهديها ارتباطًا وجدانيًا.

بالطبع، لم يأت أداؤها الجياش من فراغ، بل هو نتاج سنين من الاجتهاد، النابع من شغف التمثيل. فمنذ 44 عامًا دخلت الفتاة «دلال» إلى عالم الفن، فى وقت وظروف، كان صعبًا على مثيلاتها خوض التجربة فيه، إذ كانت الفنانة تنتمى لعائلة مقيدة بعادات وتقاليد الفلاحين المصريين، التى كان يشوبها الصرامة إلى حد ما.

ومع ذلك، بدأت ممارسة موهبتها من خلال النشاط المدرسى، والوقوف على مسرح المدرسة. وما إن اشتد عود الفتاة حتى طلبت من أحد أقاربها، الذى كان يعمل بمبنى التليفزيون، أن يصحبها معه، من أجل مشاهدة هذا الصرح. وهناك، التقت بالمخرج الكبير «نور الدمرداش»، الذى يعد من رواد الإخراج التليفزيونى، والذى أعجب بشكل «دلال»، وقرر أن يسند لها دورًا فى مسلسل (بنت الأيام)، الذى عرض عام 1977. 

وبالفعل، قدمت «دلال» الدور، وكانت قد حصلت لتوها على شهادة الثانوية العامة. ومن ثم عرضت على أسرتها الاستمرار فى التمثيل، ولم تواجه منهم رفضًا. لكنها، واجهت قرارًا حاسمًا، بألا تدخل عالم التمثيل، إلا بعد حصولها على شهادة البكالوريوس.

تفهم - حينها - المخرج قرار أسرتها. وبعد أن تخرجت الشابة «دلال» فى الجامعة، تواصلت مع زوجة المخرج، الفنانة الراحلة «كريمة مختار»، فمنحها «الدمرداش» دورًا فى مسلسل (أصيلة) عام 1980. وفى كواليس هذا المسلسل تعرفت على الرجل، الذى فتح أمامها باب أحلامها، وهو النجم الراحل «جورج سيدهم»، الذى رشحها لدور آخر فى مسرحية (أهلاً يا دكتور)، ومعه «سمير غانم». وبالفعل، نجحت فى الاختبار، ونالت دورًا فى المسرحية، التى عرضت عام 1980.

وخلال هذا الوقت شعر «سمير» بإعجاب من جانب «دلال»، التى أصرت على الزواج منه، رغم فارق العمر الكبير بينهما. وبالفعل، تزوج النجمان فى عام 1984، ليأخذ كل منهما بيد الآخر، من أجل استكمال طريق النجاح.  

واستمر الزوجان -لسنوات- يتحدثان عن بعضهما باحترام شديد، إذ دائمًا- ما قالت «دلال» إن «سمير» هو ملهمها، بينما وصف الأخير زوجته -مرات- بأنها أساس كل شىء. ومن ثم، أثمر زواجهما عن ابنتين موهوبتين «دنيا، وإيمي» اللتين ورثتا جينات الفن، والإبداع، وقبل أى شىء التواضع، والتلقائية، والسير على درب النجاح. وبالعودة لأعمال «دلال عبدالعزيز» الفنية، فقد دخلت الدراما التليفزيونية بعد أول مسرحية- من أوسع أبوابها، ورأى المشاهدون، كم كانت «دلال» غزيرة الأعمال فى ذاك الحين، إذ شاركت فى مسلسلات، مثل: (أبواب المدينة، أديب، عصفور فى القفص..)، وغيرها. وفى الوقت ذاته، استمرت فى التواجد على خشبة المسرح، ليراها الجمهور فى مسرحيات: (هالة حبيبتى)، أمام الفنان الراحل «فؤاد المهندس»، ثم (فارس وبنى خيبان)، و(أخويا هايص وأنا لايص) أمام زوجها، و(حب فى التخشيبة) مع «جورج سيدهم»، رغم انفصاله الفنى عن «سمير غانم». 

أما فى مجال السينما، فقد شاركت الفنانة الراحلة فى عشرات الأفلام، كان أغلبها أمام «سمير غانم»، واتسم عدد كبير منها بالطابع (الكوميدى الخفيف)، وهى أدوار كانت «دلال» تقبلها على الفور، إذ تمتعت فيها بدور البطولة، على عكس الأفلام الكبرى، التى عرضت عليها، ورفضتها، بسبب صغر حجم الدور.

وهكذا استمرت «دلال» فى تقديم أعمال سينمائية، وتليفزيونية، ومسرحية، تنوعت بين الكوميديا، والتراجيديا، والرومانسية، والاستعراضية، وغير ذلك، إلى أن جاءت نقطة التحول الحقيقية فى مشوارها الفنى فى عام 1994، عندما لعبت دورًا مهمًا فى دراما، اعتبرت من أفضل مسلسلات هذا الوقت، هو مسلسل (لا)، للمخرج «يحيى العلمى»، عن قصة الكاتب الكبير «مصطفى أمين»، وبطولة الفنان «يحيى الفخرانى»، وقدمت وقتها - «دلال عبدالعزيز» العديد من المشاهد المبهرة، بأداء تمثيلى ناضج، مقارنة بالأعمال الخفيفة، التى لم تحقق لها الظهور الجيد، أو تمكنها من إثبات نفسها.

وبعدها، واصلت «دلال» العمل مع الفنان «يحيى الفخرانى»، وحققا  ثنائيًا مدهشًا على شاشة العرض الصغيرة من خلال أعمال: (على بابا والأربعين حرامى، للعدالة وجوه كثيرة، و ابن الأرندلى)، وفى فيلم (مبروك وبلبل)، الذى جسدت من خلاله شخصية العاهرة الطيبة، التى ترتبط بعلاقة حب مع متخلف عقلى، وأيضًا فى مسرحية (جوازة طليانى)، التى قدمت فيه الدور الأهم لها على خشبة المسرح، والذى يعد واحدًا من محطات التحول فى حياتها.

وبعد سنوات عديدة، بدأت «دلال»، ذات الابتسامة الجميلة، والوجه البشوش بالتأثير فى الجمهور سريعًا، إذ صار المشاهد يشعر عند رؤيتها على شاشات العرض الكبيرة، والصغيرة، أنها أمه، أو أخته، لحميميتها فى الكلام، والطيبة الظاهرة على ملامحها، والتعبير عن مشاعرها بعمق، باستخدام أبسط الكلمات.

وبعدها، بدأت مرحلة جديدة فى اختيار تلك الأدوار التى تشعر محبيها بأنها فرد من الأسرة، لترضى الناس من ناحية، وتواكب طموحها الفنى من ناحية ثانية، فعلى شاشة السينما، أدت دور الأم، فى كل من أفلام: (العالمى، آسف على الإزعاج، سمير وشهير وبهير، لا تراجع ولا استسلام، قلب أمه)، وغيرها.

ومن قبل، كان الفنان الكبير «عادل إمام» اختارها لنفس السبب، لتمثل أمامه فى فيلم (النوم فى العسل)، حيث قال لها، وقد كان ابنه «رامى» يؤدى دور ابنه فى الفيلم، إن: «يا «دلال» إذا أردت أن أختار ممثلة تؤدى دور أم «رامى» ابنى، لن أجد أفضل منك».

كما تألقت فى مسلسلات: (حديث الصباح والمساء، الناس فى كفر عسكر، دوران شبرا، الهروب، وسابع جار)، وغيرها من مسلسلات أبدعت فى تجسيدها باختلاف الشخصيات الدرامية.

ولم تتردد «دلال» فى مساندة ابنتيها «دنيا، وإيمى» فى الأعمال التى قدمتها على شاشتى السينما والتليفزيون، حتى وإن كان ظهورها مجرد مشاهد قليلة، أو كضيفة شرف، مثل مسلسلات: (لهفة، بدل الحدوتة 3، نيللى وشريهان، سوبر ميرو، وعزمى وأشجان).

..وبعد عقود من العطاء الفنى المتطور مع كل مرحلة جديدة فى حياتها، رحلت الفنانة «دلال عبدالعزيز» عن عالمنا، لتخيم  حالة من الحزن على الجمهور المصرى، والعربى. لكن، المواساة لهذا الرحيل، لا يكمن فى استمرار أعمالها الحية فحسب، بل لأنها رحلت إلى رفيق عمرها، الذى عاهدته ألا تفارقه.