الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف كانت سياسة «بايدن» الخارجية خلال الستة أشهر الأولى؟! كشف حساب الرئيس الأمريكى

احتفل الرئيس الأمريكى «جو بايدن» مع إدارته بمرور ستة أشهر على توليه منصبه، فى الأسبوع الأخير من الشهر الماضى، وأثناء إلقائه لخطابه، وصفه بجملة لفتت انتباه الرأى العام العالمى، إذ قال إنه: «خطاب ممل، لكنه مهم».



وما لبث أن قال «بايدن» جملته، حتى انهالت أقلام المحللين، وكتاب الرأى حول العالم، يعقبون بأن كلمتى «ممل»، و«مهم»، هما ملخص الستة أشهر الماضية لإعادة بناء الرخاء الأمريكى، واسترجاع وضع «واشنطن» فى دور مركزى فى السياسة العالمية.

 

 بالنسبة للباحثين الغربيين، فقد سلطوا الضوء- تحديداً- على سياسة الرئيس الأمريكى الحالى الخارجية، وما تحتويه من تحركات هدفت إلى إصلاح ما أفسده سلفه «دونالد ترامب» فى علاقة «الولايات المتحدة» مع الدول، والمنظمات، بداية من إعادة انضمام «واشنطن» إلى المنظمات متعددة الأطراف، وتنشيط التحالفات، إلى التبرع باللقاحات للدول المحتاجة.

والآن، بعد أن أصبحت الخطوط العريضة لسياسات الإدارة الأمريكية الحالية أكثر وضوحاً، رصد الباحثون كيف تطورت أجندة السياسة الخارجية لـ«بايدن» فى غضون الستة أشهر الماضية، موضحين المتوقع حدوثه خلال الفترة المقبلة.

 المنافسة الاستراتيجية الأمريكية تجاه «الصين»

عندما تولى «جو بايدن» منصبه، اعتقد بعض الخبراء أن إدارته ستتحرك بسرعة، من أجل إعادة العلاقات بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»، وتقليص التعريفات التجارية، وتقليل العقوبات التى فرضت طوال فترة سلفه، لكن سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل، إذ رفض فريق السياسة الآسيوية فى الإدارة الأمريكية الحالية الدعوات الصينية لاستئناف حوار استراتيجى رفيع المستوى، واحتفظ «بايدن» بكامل قيود عهد «ترامب».

كما وافقت إدارة «بايدن» على أن يكون مفهوم «المنافسة الاستراتيجية» - الذى تبنته إدارة «ترامب» - هو الإطار المحدد للعلاقة. مع الفارق، أن فريق «بايدن» يسعى من خلال هذا النهج إلى إعادة استقرار العلاقة، وتأطير المنافسة، بدلاً من الاستمرار غوغائية التصرف، مثل الإدارة السابقة، وفقاً لتحليل «كيفين رود»، رئيس جمعية آسيا، ورئيس الوزراء الأسترالى السابق.

بصورة أسهل، فقد لخص تصريح وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» الجهد الأمريكى فى التعامل مع «الصين»، بأن نهج «واشنطن» تجاه «بكين»، يهدف إلى أن يكون تنافسياً عندما ينبغى أن يكون، ومتعاوناً عندما يكون ذلك ممكناً، وخصماً عندما يكون ضرورياً».

ومن جانبه، رأى «كيشور مهبوبانى»، كبير باحثى «معهد آسيا للبحوث» بجامعة «سنغافورة الوطنية»، أن «بايدن» يعانى من عيب تنافسى كبير فى التعامل مع نظيره الصينى «شى جين بينج»، إذ تعد الاهتمامات الرئيسية للرئيس الأمريكى قصيرة المدى، وتدور داخل تساؤل: كيف يمكن لحزبه الديمقراطى أن ينجو من انتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر 2022؟ وبالطبع، سوف يهاجمه الجمهوريون بشدة، إذا تهاون مع «الصين».

لذلك، توقع «مهبوبانى» أن الإجراءات التى تخدم مصالح «واشنطن» بصورة طويلة الأجل، بعيدة المنال فى الوقت الحالى، بما فى ذلك: إنهاء الحرب التجارية مع «الصين»، أو الانضمام إلى اتفاقية شراكة شاملة ومتقدمة عبر المحيط الهادئ. 

ثم أضاف أنه ليس من الحكمة أن يبنى «بايدن» سياساته على فكرة (أن العالم فى صراع أبيض وأسود بين الديمقراطيات، والأنظمة الاستبدادية)، فى وقت بدأت فيه معظم الدول- بهدوء- قبول أن «الصين» ستكون حتماً أكبر اقتصاد فى العالم، وأن قلة هم الذين يريدون الانضمام إلى حملة «واشنطن» لعزل «بكين»، ومن المتوقع أنه فى غضون عقد من الزمان، ستعمل معظم الدول مع «الصين»، أكثر من «الولايات المتحدة»، وإذا قطعت الأخيرة نفسها عن «بكين»، قد تجد «واشنطن» نفسها المعزولة.

أما «كيفين رود»، فاعتقد أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تنتصر فى منافستها الاستراتيجية مع «الصين»، ما لم تفتح أسواقها بشكل كامل، ومتبادل، لبقية «آسيا، وأوروبا» وما وراءهما، مما يوفر للأصدقاء والحلفاء الحاليين والمستقبليين بديلاً عن التوغل الاقتصادى العالمى الصينى.

 سياسة (الانخراط، والرد) على «روسيا»

كانت «روسيا» قضية محلية سامة داخل «الولايات المتحدة»، أثناء تولى «بايدن» الرئاسة الأمريكية، بسبب ثناء «ترامب» غير المسبوق على الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، والاعتقاد السائد فى بعض الأوساط الأمريكية، بأن «موسكو» ساعدت فى انتخاب «ترامب».

حتى الآن، اتبع «بايدن» سياسة (ثنائية المسار) مع «روسيا»، وهى الانخراط فيما هو فى مصلحة «الولايات المتحدة»، والرد- فى الوقت ذاته- على الإجراءات الروسية العدائية، وفقاً لمديرة «مركز الدراسات الأوروبية الآسيوية، والروسية، وأوروبا الشرقية» بجامعة «جورجتاون»، «أنجيلا ستينت».

وأوضحت أن أحد إجراءات السياسة الخارجية الأمريكية الأولى، كانت تجديد (New START) لمدة خمس سنوات، وهى المعاهدة الوحيدة المتبقية، التى تنظم الترسانات النووية للقوتين النوويتين العظميين فى العالم، والتى كان من المقرر أن تنتهى صلاحيتها فى فبراير الماضى. 

وعلى الجانب الآخر، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على «موسكو» فى أبريل الماضى، بسبب تدخلها فى انتخابات 2020، وأنشطتها الخبيثة الأخرى، بما فى ذلك الهجمات الإلكترونية.

وبعدها، التقى الرئيس الأمريكى بنظيره الروسى فى «جنيف» فى يونيو الماضى. وفى مؤتمرين صحفيين منفصلين، أوضح الرئيسان خلافاتهما، لكن كلاهما وصف القمة، بأنها «عملية، وواقعية». وأعطى «بايدن»- وقتها- «بوتين» قائمة تضم 16 قطاعاً حيوياً للبنية التحتية فى «الولايات المتحدة»، متعهداً بأن أى هجوم إلكترونى روسى ضد أى منها، من شأنه أن يؤدى إلى الانتقام.

على كل، مستقبل العلاقات الأمريكية- الروسية القريب تحت الملاحظة، إذ أكدت «ستينت» أن «بايدن» منح «روسيا» ستة أشهر، لمعرفة ما إذا كان الاجتماع ناجحاً. ولكن، منذ القمة، كان هناك المزيد من الهجمات الإلكترونية الروسية، ولم يظهر أى رد فعل انتقامى أمريكى صريح.

 التقاعس تجاه «الشرق الأوسط» سيُحجم «واشنطن»

أشارت الستة أشهر الأولى من سياسات الإدارة الأمريكية الحالية ناحية «الشرق الأوسط» إلى تحقيق هدف واحد، وهو (احتواء) مشاكل المنطقة فقط، وفقاً للباحثة فى معهد «فريمان سبوجلى للدراسات الدولية» بجامعة «ستانفورد»، «لينا خطيب».

وقالت، إن ولاية «بايدن» تهتم بالبحث عن نهج (جيد بما فيه الكفاية) من منظور «الولايات المتحدة»، أى الانخراط بما يكفى لإبعاد مشاكل «الشرق الأوسط» فقط، حتى لا تنتشر خارج المنطقة، أو تشكل تهديداً للمصالح القومية للولايات المتحدة.

ثم استدلت بنهج «الولايات المتحدة» تجاه «إيران»، إذ تحاول «واشنطن» احتواء التدخل الإيرانى الإقليمى فى دولتى «سوريا، والعراق»، ومع ذلك لا يزال الدور الأوسع لطهران دون معالجة، بالإضافة إلى نظرة «واشنطن» إلى الصفقات التى يتم إبرامها- الآن- بين الجهات الفاعلة الإقليمية فى المنطقة على أنها عبء كبير على عاتقها.

لذلك، رأت «خطيب» أن الأنشطة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية المحدودة، بهدف احتواء الصراعات النشطة فى «الشرق الأوسط»، ربما تدعم «واشنطن» فى التركيز على مناطق أخرى من العالم كأولويات للسياسة الخارجية، ولكن فى الوقت ذاته، ترسخ النفوذ الروسى والإيرانى، خاصة فى «سوريا»، و«لبنان» على التوالى، كما أنه يمهد الطريق أمام «الصين» لتلعب دور أكبر فى «الشرق الأوسط».

واعتقدت أن «بايدن» قد يتصدى لأزمات «الشرق الأوسط» فى المستقبل المنظور، لكن، فك الارتباط الأمريكى بالمنطقة ليس أمراً محايداً مثلما يعتقد البعض، إذ سيؤدى التقاعس عن العمل المطلوب إلى ظهور عواقب ملموسة تطارد «واشنطن».

  إفريقيا: بداية جيدة لكن بلا استراتيجية

أكد الممثل الأمريكى السابق لدى «الاتحاد الإفريقي»، ونائب مساعد وزيرة الخارجية لشئون إفريقيا، «روبن بريجتى الثاني»، أن نهج الرئيس الأمريكى السابق «ترامب»، تجاه «إفريقيا» سيتم تعريفه- إلى الأبد- من خلال توصيفه للقارة، على أنها مجموعة من «البلدان القذرة»، إذ استقرت هذه الإهانة فى أذهان الأفارقة، وعقدت بشدة جهود الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين يحاولون تعزيز المصالح الوطنية.

لذلك، دعم «روبن» تحركات إدارة «بايدن» فى المشاركة رفيعة المستوى فى «إفريقيا»، إذ أعطى وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» الأولوية للتعامل مع القادة الأفارقة، فور توليه المنصب، كما شجع مراقبو «إفريقيا» تعيين الرئيس الأمريكى الحالى للدبلوماسية «ليندا توماس جرينفيلد» المخضرمة فى الشئون الافريقية، كممثل دائم للولايات المتحدة، لدى الأمم المتحدة.

ثم أوضح أن المهمة الحاسمة المقبلة، هى صياغة استراتيجية لإفريقيا تغطى عدة جوانب:

أولاً: يجب على فريق «بايدن» النظر إلى ما وراء الأزمات المباشرة، وإيضاح المصالح الأمريكية طويلة الأجل فى «إفريقيا».

ثانياً: يجب أن يؤخذ فى الاعتبار الأولويات التى حددتها «إفريقيا» لنفسها، مثل: مخطط التنمية للاتحاد الإفريقى (أجندة 2063). وهو ما يمكنه تعميق علاقات أعضاء «الاتحاد الإفريقى» مع «الولايات المتحدة» فى الشراكة، والاحترام المتبادل.

ثالثاً: يجب أن تكون استراتيجية «إفريقيا» قادرة على حشد دعم الحزبين فى الكونجرس الأمريكى، حتى يمكن أن تكون مستدامة بمرور الوقت.

 تأرجح «أوروبا» بين القوتين العظميين

كان انتخاب الرئيس الأمريكى «جو بايدن» بالنسبة لدول «أوروبا» هبة من السماء، إذ شعر القادة الأوروبيون بالارتياح لانتهاء المواجهة، التى لا يمكن التنبؤ بها من «ترامب» الذى احتقر «الاتحاد الأوروبى»، ومعظم الحلفاء التقليديين، وفقاً للمتخصص البريطانى فى العلاقات الدولية «روبن نيبليت»، مؤكداً أنها سرعان ما عاد «بايدن» للانضمام إلى (اتفاقية باريس)، و«منظمة الصحة العالمية»، كما شدد على التزام «الولايات المتحدة» بحلف الـ(ناتو).

ولكن الآن، بعد ستة أشهر من ولاية «بايدن»، أوضح «نيبليت» أن هناك قضيتين تمثلان التوتر المستمر عبر المحيط الأطلسى: القضية الأولى، والأهم: هى كيفية إدارة الوضع مع «الصين»، إذ  يراقب الأوروبيون صراع «الولايات المتحدة»، و«الصين» بخوف متزايد، نتيجة لاعتماد الصحة الاقتصادية للاتحاد الأوروبى على أداء الصادرات القوي؛ و«الصين» الآن، هى سوق التصدير الرئيسية، والمتنامية للاتحاد الأوروبى. ولا يزال الأوروبيون يأملون فى بناء مستقبل ثنائى يربح فيه الجميع.

لذلك، فإن جواب الأوروبيين، هو الوقوف إلى جانب «بايدن» خطابياً، مثلما فعلوا فى التصريحات المشتركة الأخيرة فى قمتى (مجموعة السبع)، و(حلف شمال الأطلسى)، اللتين سلطتا الضوء على «الصين»- لأول مرة- باعتبارها قضية ذات اهتمام مشترك، أما هدفهم النهائى، فهو شراء النفوذ فى «واشنطن»، من أجل نهج متوازن عبر الأطلسى تجاه «الصين». 

وأضاف أن هذه النية الأوروبية من الممكن أن تقوضها القضية الثانية، وهى: تركيز الحكومتين الأمريكية، والأوروبية على تحقيق انتعاش اقتصادى، أكثر شمولاً، وإنصافاً، بعد أزمة جائحة كورونا.

لهذا، اعتقد  «نيبليت» أنه خلال الأشهر الستة إلى الاثنى عشر المقبلة، ستختبر ما إذا كان القادة على جانبى المحيط الأطلسى، يستطيعون مواءمة أولوياتهم الاقتصادية المحلية، مع الحاجة المتضاربة المحتملة للتعاون مع «الصين».

وأكد أن الأوروبيين سيحتاجون إلى التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا الانتعاش الاقتصادى الرئيسية، بما فى ذلك: ضريبة حدود الكربون، وضريبة الحد الأدنى على الشركات، وفرض ضرائب على الأرباح العالمية لعمالقة التكنولوجيا فى «الولايات المتحدة»، والشركات متعددة الجنسيات الأخرى، وإزالة التعريفات الجمركية التى نُفذت عهد «ترامب» على صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية.

لذلك، رأى «نيبليت» أن نظرة «الولايات المتحدة» إلى «الصين» باعتبارها تهديداً استراتيجياً، ونظرة «أوروبا» إلى «الصين» كشريك اقتصادى ضرورى، يمكن أن تضعف (العلاقة عبر الأطلسى)، رغم البداية الإيجابية لإدارة «بايدن»، مع الحليف الأوروبى التقليدى القديم.