
حسن عيسى
كدهوّن!.. بابا هيتجوز يا صافو
توجست خيفة من نظرات زوجتى الصامتة لى وكانها تبحث خلفى عن سبب مقنع يبرّر للمحكمة الموقرة قتلى؛ خصوصًا أنها متفرغة تمامًا لمتابعة لقاءات الزوجات القاتلات على السوشيال ميديا وتبدى تعاطفها معهن وكِدَهُوَّن.. قررت أن أقلل من فترات تواجدى بالمنزل بقدر الإمكان حتى لا أستفزها بأى تصرف غير مسئول منّى فتغضب وتتعصب وقد يوزها شيطانها على فعل شىء أهوج من وحى هذه الجرائم الزوجية.
خاصة أن الزّن على ودان زوجتى أمَرّ من السّحر والجان وأضيع أنا إلى الأبد وكِدَهُوَّن.. إلا أن المُرعب فى الموضوع أن زوجتى قد أدمنت مُشاهدة تلك اللقاءات الكئيبة بالفعل وأصبحت هى حديثها المفضل معى (التزمت الصمت) أو مع حماتى (ربنا يجعل كلامى خفيف عليها) أو صديقاتها على التليفون (ودول قنابل موقوتة سريعة الاشتعال) حتى رأيتها خلسة وهى تعبث بأوراقى الخاصة وكأنها تبحث عن أدلة إدانتى أو سبب لدبحى بسكينة التفاح ووصلت الإثارة لذروتها حين أمسكت بهاتفى المحمول فى محاولة خبيثة للتجسّس علىّ دون جدوى؛ حيث إنى قد قمت فى وقت سابق بتغيير الباسوورد الخاص به فى ظل هذه الطوارئ التى نحياها وصرخت فى وجهى: أنت غيرت الباسوورد بتاع موبايلك ليه يا منعم؟ فقلت لها بهدوء أحسد عليه: وهو أنا عمرى سألتك عن الباسوورد بتاع موبايلك؟؟ فصرخت بجنون زوجة مقبلة على قتل زوجها: ما تأخده هو أنا منعته عنك من إمتى؟ ثم بلهجة ذات مغزى؛ أنا ما عنديش أسرار أخبيها عليك يا منعم، فرسمت على وجهى ابتسامة شمعية وأنا أقول لها: ولا أنا يا حبيبتى، ثم خطفت موبايلى من بين يدها بسرعة نشال فى أوتوبيس عام وذهبت للنوم فى غرفة الصالون بعد أن تأكدت من إغلاق بابها بالمفتاح للحيطة والحذر. وكِدَهُوَّن.. واتفقت مع أختى الكبيرة الست مها هانم على أن تعزمنا أنا وهى والعيال مع الأخوات والأصدقاء على غداء دبلوماسى عندها كوسيلة مشروعة لأبعد مراتى عن هذا الجو المشحون بالسكاكين والطعنات الطائشة لأتفه الأسباب وبالمرة العيال يتفسحوا ويلعبوا مع أطفال الأسرة بعد حبسة الكورونا اللعينة وكِدَهُوَّن.. نجحت أختى فى مهمتها الإنسانية هذه لأبعد الحدود ولم تسمح لزوجتى أبدًا بأن يتطرّق بالحديث للزوجات القاتلات وتسرع بتغيير الموضوع فورًا لأحاديث مبهجة وضاحكة (وده طبعًا على غير رغبة زوجتى الحبيبة التى استسلمت مؤقتًا لحكايات أختى على أمل أن تنتهز أى فرصة وتخترق السياج الذى فرض عليها للعودة للحديث عن قاتلات الأزواج والدفاع عن موقفهن إلا أن أختى العزيزة كانت لها بالمرصاد وكِدَهُوَّن.. فى عز الانسجام والكلام الحلو عن ذكرياتنا فى العيد أيام الطفولة والهدوم الجديدة التى كانت تنام فى حضننا فى ليلة الوقفة حتى نرتديها أول لحظات نهار العيد وانتظار العيدية من الآباء بينما الأمهات تعد إفطار العيد الشهى وكيف كان جدى يمنح الأولاد ضعف عيدية البنات مما أثار سخط شقيقتى الصغرى وقالت له بعصبية «دى عيدية العيد مش ورث بتوزعه يا جدو» وكِدَهُوَّن.. ضحك الجميع حتى زوجتى ضحكت على استحياء حتى ظهرت ليلى فلذة كبدى الصغيرة وهى تحمل عروستها بين يديها وفجأة صرخت بدون أى مناسبة وقالت بابى (اللى هو أنا) هايتجوز صافو (صافو مين يا بت)وهنا سكت الكلام وخيم الصمت القاتل على المكان واختفت ذكريات الطفولة البريئة وسيطر الفضول على الموقف والجميع ينظر لليلى بانبهار فى انتظار المزيد من الأخبار المثيرة حتى أختى العزيزة (مافيش شك أن النميمة والفضايح العاطفية ألذ من ذكريات العيد الساذجة) حتى أنا كان لدى من الفضول لأن أعرف باقى الحكاية (ده جواز ولازم أعرف هاتجوز مين) إلا أنى توقفت سريعًا عن فضولى وسرقت بعض النظرات إلى زوجتى فى محاولة لاكتشاف رد فعلها، خاصة أن فى إيدها سكينة اللحمة (ودى أخطر من سكينة التفاح) واستشعرت الخطر القادم بعد ذلك حيث إنى وجدتها هادئة جدًا على غير المتوقع فى تلك الظروف وأيقنت أنها لا تريد أن تتحدث حتى تستدرج ليلى لاعترافات كاملة دون أن توقفها أو تلفت نظرها لخطورة ما تقول وليلى بدورها (كتر خيرها) لم تتأخر عليهم كثيرًا وتجعلهم ينتظرون، والظاهر اللعبة عجبتها لاستحواذها على اهتمامهم فاتبرعت من تلقاء نفسها ودون أن يسألها أحد عن هوية هذه الصافو، فقالت أنا كمان بحب صافو ومبسوطة أوى أنها هاتتجوز بابى علشان هاعيش معاهم وهتلعب معايا كل يوم مش هاتسيبنى وتروح الشغل زى مامى ما بتعمل، وهنا خرج صوت هزيل من حنجرتى يحاول أن يتماسك دون جدوَى، فقد كانت المفاجأة أكبر من قدراتى على استيعاب ما يحدث، وأخيرًا نطقت: عيب ياليلى الكلام ده روحى العبى مع أصحابك علشان مازعلش منك (كنت أقصد طبعًا علشان ما تبقيش يتيمة)، إلا أن شقيقتى كانت أول من ضحّى بى (حتى أنت يا مها) وسألتها فى فضول: صافو مين ياحبيبتى؟ فقالت ليلى ببراءة قاتلة: صافو الجميلة اللى هايتجوزها بابا يا عمتو، وهنا توقف الزمن تمامًا بعد هذه الإجابة الصريحة وتحولت أنا فى لحظة لمّتهم والشاهد الوحيد على ذلك هى بنتى فلذة كبدى (كدابة وربونا) ومامتها (اللى هى مراتى ظلت هادئة وتركت كل شىء إللى على السفرة واحتفظت بفوطة السفرة فى إيدها (على طريقة رَيَّا وسكينة) وارتفعت ضحكات الجميع تطالبنى بالاعتراف إللى هو سيد الأدلة، إلا أنى قابلت تهكمهم هذا بتجهم الحكماء وطالبتهم بالتوقف عن هذا الهزار السخيف وأنا عينى تراقب زوجتى بمنتهى الدقة تحسبًا لأى تصرف مفاجئ تجاهى، إلا أنها تجاهلت الجميع وأخذت ليلى فى حضنها لاستدراجها للمزيد من المعلومات عن تلك الصافو: ما تخفيش يا حبيبتى وقولى انت شوفتيها فين؟ باباكى خلاكى تقابليها لوحدك ولاّ مع أختك؟ هى شكلها جميل بجد؟؟ طيب هى اسمها صافو ياليلى ولاّ صافى ولاّ صفاء ولاّ صفية ولاّ صنعاء، كنت عايز أقولها صنعاء دى اسم بلد بس ماحبتش أتدخل وأقطع حبل أفكارها فتركتها وانشغلت بالتعامل مع طبق المحشى ورق العنب إللى قدامى، خصوصًا أن وزوجتى بتصنع شىء غامض وبتقنعنا أنه محشى ورق عنب وكِدَهُوَّن.. أدرك الجميع حجم الأزمة الحقيقية التى تحولت إلى خطر ينبئ بحدوث جريمة قتل محتملة فصاحت شقيقتى بتوتر شديد: هو فى إيه يا جماعة انتم هاتخدوا كلام عّيّلة صغيرة على أنه حقيقة مفروغ منها (والنبى يا أختى) وبعدين هو فيه ست اسمها صافو؟! ثم نظرت إلى زوجتى وابتسمت؛ مش نعقل كده يا فريدة.. إلا أن فريدة (اللى هى مراتى) لم تلتفت لها ولم تنطق طيلة السهرة مع احتفاظها بفوطة السفرة فى إيدها منذ الغداء دون سبب واضح وكِدَهُوَّن.. تعمدت هذه الليلة أيضًا النوم فى غرفة الصالون مع الحرص على إغلاق بابها جيدًا جدًا (بالمفتاح والترباس) واستيقظت من نومى صباح اليوم التالى لأجد زوجتى مازالت ممسكة بفوطة السفرة وهى تستجوب ليلى انطقى مافيش ست اسمها صافو ياحبيبتى افتكرى كويس هى قالت لك اسمها إيه بالكامل يمكن اسمها صافى ولاّ صفاء ولاّ صفية ولاّ صنعاء؟ وهنا لم أستطع الاحتمال وتفجرت صارخًا فى وجهها: يا ستى صنعاء دى اسم بلد. وكِدَهُوَّن.. أمانة لو اختفيت اليومين دول بلغوا عن مراتى هى إللى قتلتنى.