الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى ذكرى عيد الجمهورية تونس تتحرر من «النهضة»

«يا غنوشى يا سفاح يا قاتل الأرواح»؛ بهذا الهتاف اجتمع الشعب التونسى على مدار أيام فى احتجاجات شعبية جابت البلاد، منددة بحكومة هشام المشيشى ومطالبة بمحاسبة حركة النهضة الإخوانية ومحاكمة رموزها، وكان عدد من النشطاء والشباب والفنانين قد دعوا للتظاهر فى 25 من يوليو تزامنًا مع ذكرى عيد الجمهورية عبر منصات التواصل الاجتماعى،  ليكون هذا اليوم هو نهاية فصل مظلم من التاريخ التونسى وبداية عهد جديد بعد أعوام فى ظل حكومات مظلمة تفشى الفساد فيها أرجاء البلاد وعانى الشعب الشقيق من ظلمات سياسات جماعة إرهابية كان سعيها فقط الحفاظ على مناصبها السياسية دون النظر لحق الشعب التونسى فى الحياة.



 

انتفاضة شعبية

فى الساعات الأولى من يوم الأحد الماضى شهدت الساحات العامة فى جل محافظات تونس احتجاجات شعبية واسعة، بدأت  من محيط البرلمان فى ساحة باردو وامتدت لمناطق أخرى فى البلاد منددة بحركة النهضة الإخوانية الإرهابية، وما عملت عليه من تفشى الفساد وتدنى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، خاصة بعد تفشى وباء فيروس كورونا أرجاء تونس، وعلى الرغم من أن الحراك الشعبى لم يحظ بأى تأييد حزبى سابق أو تنظيم من جهة ما؛ فإن الأوضاع بدأت فى تطور غير مسبوق بعد اقتحام مقرات جماعة حركة النهضة وحرق بعضها تعبيرًا عن الغضب الشعبى مطالبين برحيل أنصار الحركة الإرهابية ورحيل حكومة هشام المشيشى.

التطورات الأخيرة التى شهدتها تونس كانت دافعًا للرئيس قيس السعيد للإنصات إلى مطالب شعبه مستخدمًا حقه الدستورى والفصل 80 من الدستور التونسى فى إصدار عدد  من القرارات الحاسمة؛ كان أهمها تجميد كل سلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن أعضائه، وأوضح السعيد فى خطابه للشعب التونسى «أن الدستور لا يسمح بحل مجلس النواب ولكن لا يقف مانعا أمام تجميد كل أعماله»، وأضاف السعيد أنه سيتم رفع الحصانة عن كل أعضاء مجلس النواب وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشى من منصبه.

وبموجب الفصل 80 من الدستور، تولى الرئيس التونسى رئاسة النيابة العمومية للوقوف على كل الملفات والجرائم التى ترتكب فى حق تونس، وتولى السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة جديد ويعينه رئيس الجمهورية، وأكد السعيد فى كلمته: «لن نسكت على أى شخص يتطاول على الدولة ورموزها ومن يطلق رصاصة واحدة سيطلق عليه الجيش وابلًا من الرصاص».

وشهدت الشوارع التونسية احتفالات شعبية عقب القرارات الرئاسية، وعمد الرئيس التونسى إلى النزول مع شعبه للاحتفال بانتصار حق الوطن على قوة الظلام، ونشر التليفزيون التونسى صورًا حصرية للرئيس قيس سعيد  وسط حشود المحتفلين بشارع الحبيب بورقيبة، بالعاصمة التونسية.

من جهة أخرى، اقتحمت قوات الشعب الغاضبة والمحتفلون بقرارات رئيس الجمهورية، عددا من مقرات حزب النهضة الإخوانية فى الوقت الذى طوقت قوات من الجيش مبنى البرلمان.

الفصل 80 من الدستور التونسى

ووفق كلمة الرئيس التونسى، فإن القرارات الرئاسية ليست تعليقًا للدستور وليست خروجًا عن الشرعية الدستورية؛ وإنما يتم العمل بها فى إطار القانون، وهذا ما أقره الفصل 80 من مواد الدستور.

وينص الدستور التونسى لسنة 2014 فى فصله 80: «لرئيس الجمهورية فى حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادى لدواليب الدولة، أن  يتخذ  التدابير التى تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة  رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِن عن التدابير فى بيان إلى الشعب».

«وبعد مضى 30 يوما على سريان هذه التدابير، وفى كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البت فى استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية من أجل أقصاه 15 يوما».

وتقول المادة المذكورة: «ينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانا فى ذلك إلى الشعب».

اعتصام «النهضة»

من جهة أخرى،  وفى ظل الاحتفالات الشعبية بتحرير البلاد من قبضة الجماعة الإرهابية،  أعلن رئيس مجلس النواب المجمد راشد الغنوشى اعتصامه مع عدد من نواب أمام مقر البرلمان التونسى، وذلك عقب منعه من قبل قوات الجيش من الدخول إلى مقر المجلس.

وحاول الغنوشى وبعض النواب إقناع القوة بإفساح الطريق، لكن الرد جاءهم صارمًا بأن «التعليمات أن مجلس النواب مغلق».

ونقلت وكالة «رويترز» الإخبارية تصريحات رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المجمد، الذى توعد  فيها بأن قرارات رئيس البلاد ستتسبب بحدوث فتنة أهلية، مضيفًا: «نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة سيدافعون عن الثورة».

ومع إعلان اعتصام «حركة النهضة» تجمع عدة مئات من أنصار الرئيس سعيّد أمام البرلمان مرددين شعارات مناهضة لحركة النهضة ومنعوا أتباع الحزب من الوصول إلى المبنى. وأفادت وكالة «فرانس برس» الإخبارية بأن حالة احتقان تسود أمام مبنى البرلمان وأن الجانبين ألقيا الحجارة والزجاجات على بعضهما بعضا.

من جانبه، وجه الرئيس التونسى السابق، منصف المرزوقى، فجر الاثنين، رسالة إلى الشعب التونسى واصفا ما وقع الليلة الماضية بعد قرارات أصدرها الرئيس قيس بن سعيد بأنه «انقلاب».

وأضاف المرزوقى، أبرز أعضاء حركة النهضة، أن: «الناس التى  تهلل وفرحانة  بهذا الانقلاب لعداوتها للنهضة للأسف الشديد سترون يعنى إذا تواصلت هذه المهزلة  أن   وضعكم الاقتصادى والاجتماعى والصحى لن يتحسن بل بالعكس سيزداد سوءا ووضع تونس سيزداد سوءا..».

وعلى صعيد متصل، أعلنت ميليشيات تابعة لتنظيم الإخوان غربى ليبيا حالة الطوارئ داخل معسكراتها، واستدعت جميع عناصرها بأوامر عليا من قادة التنظيم، تزامنا مع قرارات الرئيس التونسى قيس سعيّد.

وأعلن خالد المشرى، رئيس ما يسمى المجلس الأعلى للدولة التابع لتنظيم الإخوان فى ليبيا رفضه لقرارات الرئيس التونسى، واصفا إياها بـ «الانقلاب».

ونقلت مصادر إخبارية ليبية عن إعلان جماعة الإخوانية الإرهابية حالة الاستنفار داخل معسكراتها على الحدود الليبية، وأوضحت المصادر أن 3 معسكرات تبعد عن الحدود التونسية 218 كيلومترا كانت من بين المعسكرات التى استنفرت عناصرها، وأن هناك تحركات تم رصدها للميليشيات تجاه الحدود التونسية.

فى المقابل، بارك القائد العام للقوات المسلحة الليبية خليفة حفتر انتفاضة الشعب فى تونس ضد الإخوان.

وقال حفتر: «نتطلع إلى انطلاق تونس نحو تحقيق أمانى شعبها فى مستقبل زاهر، بعد القضاء على أهم عثرة فى طريق تطورها».

تأييد شعبى

أيدت قوى سياسية فى تونس القرارات التى اتخذها الرئيس، قيس سعيّد، معتبرة أن من شأنها أن  تنقذ البلاد وترسى دعائم الاستقرار فيها.

وأعلن حزب «التحالف من أجل تونس» مساندته  لكل القرارات والإجراءات التى أعلن عنها سعيد، بما فى ذلك إقالة حكومة هشام المشيشى وتجميد أعمال البرلمان، أما حركة الشعب التونسية، فرأت أن قيس سعيّد لم يخرج بقراراته عن الدستور، وتصرف وفق ما تمليه عليه مسئوليته فى إطار القانون، كما أعلن أمين عام التيار الشعبى زهير حمدى  تأييده لجميع قرارات رئيس الجمهورية، داعيًا إلى إقرار خارطة طريق وأصدر الاتحاد التونسى للشغل  بيانًا أكد خلاله تأييده للقرارات الرئاسية موضحًا: أنه حان الوقت «لإنهاء هذه الحقبة التى وضعت تونس على صفيح من نار».

من جهة أخرى، أعلن حزب التيار الديمقراطى اختلافه مع الرئيس التونسى فى تأويله للمادة رقم 80 من دستور البلاد، ويرفض ما ترتب عنه من قرارات وإجراءات خارج الدستور، كما اعتبرت حركة النهضة قرارات سعيّد انقلابًا ضدها، وانضم معها عدد من الحركات السياسية المقربة منها، مثل ائتلاف الكرامة.

قرارات رئاسية

أصدر رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، الاثنين، أمرا رئاسيا قرّر من خلاله إعفاء وزراء الدفاع إبراهيم البرتاجى، ورئيس الحكومة والمكلف بادارة وزارة الداخلية هشام المشيشى ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان من مناصبهم.

وجاء فى الأمر الرئاسى أن قرار الإعفاء بدأ سريانه ابتداءً من يوم الأحد 25 يوليو 2021.

كما تقرّر، بمقتضى ذات الأمر، أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشئون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.

ونقلت وكالة «رويترز» الإخبارية عن مصادرها، بتكليف الرئيس التونسى مدير الأمن الرئاسى خالد اليحياوى، الإشراف على وزارة الداخلية.

تحالفات «الإرهابية».. وراء انتفاضة الشعب

فى تقرير لقناة «فرانس إنفو» الإخبارية الفرنسية أوضحت خلاله أن قرارات الرئيس التونسى قيس اسعيد نهاية طبيعية للتظاهرات التى شهدتها الشوارع التونسية على مدار أشهر احتجاجًا لتردى الأوضاع فى البلاد.

وأوضحت المحطة الفرنسية، أن خروج آلاف التونسيين إلى الشوارع، غاضبين من الأزمة الصحية وسوء إدارة الوباء وانخراط الحكومة التونسية والبرلمان الذى يسيطر عليه حزب النهضة فى الصراعات السياسية على حساب الأزمة الصحية، دفعهم للمطالبة باستقالة الحكومة وحل البرلمان.

ووفقا للمحطة الفرنسية، فإن الرئيس التونسى استمع إلى تلك المطالبات، بعدما باتت البلاد فى حالة شلل سياسى منذ عام 2019، معتبرة أن تلك القرارات جاءت «لإنقاذ تونس دولة وشعبا».

وأشارت «فرانس.إنفو»، إلى أن هذه الصراعات على السلطة هى التى أدت بشكل ملحوظ إلى الكارثة الصحية التى تعيشها تونس اليوم، ومن ثم تصاعد الغضب الشعبى، موضحة أن تونس لديها واحدة من أسوأ معدلات الوفيات الرسمية فى العالم بسبب تفشى فيروس كورونا؛ حيث وصلت حالات الوفيات إلى 18 ألف حالة لـ12 مليون نسمة، كما أن البنية التحتية للمستشفيات غير قادرة على الاستجابة للطوارئ.

ومن جهة أخرى، رأت وكالة «رويترز» فى تقريرها حول الأحداث فى تونس، أن من أهم أسباب اندلاع هذه الانتفاضة الشعبية ليس فقط تدنى الأوضاع الاقتصادية والصحية فى تونس، ولكن بسبب الانقسامات التى عملت عليها حركة النهضة فى تقسيم القوى السياسية فى البلاد، وأوضح تقرير «رويترز» أن راشد الغنوشى، رئيس البرلمان، كان «طرفا رئيسيا فى البلبلة التى اصطبغ بها المسرح السياسى منذ الثورة التونسية عام 2011»، وأوضحت «رويترز» أن قيس سعيد منذ توليه مهام منصبه اصطدم عدة مرات مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان بسبب ارتكازهما على التحالفات فى اختيار وزراء الحكومات، وهو الأمر الذى أدى إلى دخول البلاد فى عدة أزمات طاحنة، ووفق تقرير الوكالة الإخبارية، فإن المشيشى يحظى بدعم الغنوشى، بسبب التعديلات الوزارية والسيطرة على قوات الأمن، مما عقّد الجهود الرامية للتصدى لجائحة (كوفيد-19)  ومعالجة أزمة مالية تلوح فى الأفق.

وسرد التقرير أنه «مع تفجر الاحتجاجات فى يناير كانت الحكومة والأحزاب القديمة فى البرلمان هى التى واجهت التذمر الشعبى متمثلا فى موجة غضب انفجرت أخيرا الأسبوع الماضى مع ارتفاع الإصابات بكوفيد-19».

ورُصد أن محاولة فاشلة لإنشاء مراكز لتطعيم المواطنين، دفعت سعيد الأسبوع الماضى «لإعلان أن الجيش سيتولى جهود مكافحة الجائحة، فى تحرك اعتبره معارضوه أحدث خطوة فى صراعه على السلطة مع الحكومة»، ما مهد الطريق «لإعلان قراراته يوم الأحد فى أعقاب احتجاجات استهدفت حزب النهضة فى المدن بمختلف أنحاء البلاد».

ماذا بعد القرارات «الحاسمة»؟

فى ظل حالة من الترقب التى تجتاح الشارع التونسى عقب قرارات الرئيس قيس سعيد المفاجئة، يتوقع مراقبون أن يسرع الرئيس بالإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، وكذلك تسمية رئيس الحكومة الجديد، فيما أعلن الجيش حالة الاستنفار لحماية مؤسسات الدولة ضد أى أعمال شغب.

وأعلن عدد من الناشطين والسياسيين فى تونس أن قرارات سعيد جاءت استجابة لطلبات شرائح وفئات واسعة من الشعب التونسى بضرورة رحيل منظومة الحكم التى جثمت على البلاد منذ 2011 وأن هذا الأمر ليس محل خلاف بين القوى السياسية المعبرة عن رأى أغلب فئات الشعب تقريبًا.

ويتوقع مراقبون أن الرئيس التونسى سيعمل على اختيار أعضاء الحكومة الجديدة، والتى ستكون من الكفاءات وليس الأحزاب الموالية لفئة معينة، ووفق ما أكده الرئيس قيس سعيد فإن البلاد ستعمل على تأمين جميع الأراضى وعدم الوقوع فى أتون الفوضى، كما يتوقع المراقبون أن الأيام المقبله ستشمل محاسبة الفاسدين ومعاقبة المنتفعين الذين استولوا على مال الشعب وأفسدوا الحياة السياسية.

من جهة أخرى، أعلنت جريدة «الشروق» التونسية، عبر موقعها الإلكترونى، أنه يُنتظر أن يعلن رئيس الجمهورية التونسى قيس سعيد، خلال الساعات القادمة، عن الشخصية التى سيتم تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة.

كما ذكرت الجريدة التونسية، نقلًا عن مصادر مطلعة، أن رئيس الحكومة الذى تم إعفاؤه، هشام المشيشى، غادر قصر قرطاج متوجهًا إلى بيته فى الضاحية الجنوبية بالعاصمة، مؤكدة أن الساعات القليلة القادمة سيتم خلالها إعلان رئيس الدولة عن رئيس حكومة جديد.

وكانت الرئاسة التونسية قد أصدرت بيانًا تدعو فيه الشعب إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى، لافتة إلى أنه سيصدر خلال الساعات القادمة أمر يُنظّم هذه التدابير الاستثنائية التى حتّمتها الظروف والتى ستُرفع بزوال أسبابها.