الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا .. وزير «دارى على شمعتك» أمْ وزير سياسى يا دولة الفيسبوك؟!

مصر أولا .. وزير «دارى على شمعتك» أمْ وزير سياسى يا دولة الفيسبوك؟!

منذ شهر تقريبًا أصبح الحديث عن التغيير ضمْن أولويات النقاش على وسائل التواصُل الاجتماعى، وارتكز على التنبؤ أو استنتاج رحيل وزير أو بقائه، وكلها تنبؤات واستنتاجات لا تخلو من طرائف وقصص وحكايات، تخضع لمعايير شخصية مَرجعها ما يُكتَب من انطباعات تخلو غالبيتها من معلومات دقيقة عن شخصية هذا الوزير أو ذاك.



 

المثير للدهشة هو قدرة البعض على كتابة استنتاجاته على اعتبار أنها الحقيقة المُطلقة، لدرجة تجعل القارئ على يقين، وكأن كاتبَ «البوست» كان حاضرًا جلسات النقاش التى يتم فيها الاختيار، والمدهش أكثر أن العديد يبنى استنتاجاته إمّا على القصص التى تُروَّج فى الوسط الافتراضى، وهى قصص ما أنزل الله بها من سُلطان، وإمّا على «التأثر عاطفيًا» نحو وزير محدد أو ضده.

لا يشغلنى كثيرًا الأسماء بقدر ما تشغلنى أسئلة التغيير الأساسية، وهى: لماذا نحتاج إلى التغيير؟ ومَن الذى يجب تغييره؟ ومتى يتم التغيير؟ وهى أسئلة تبعد إجابتها تمامًا عن تحديد شخص بعينه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ودون أى إيحاءات تَفهمُ منها ما لا أقصده.

لماذا نحتاج إلى التغيير؟ أو بصيغة أخرى: هل نحتاج إلى التغيير؟ إنه سؤال يُفهَم بطريقتين؛ الأولى هى أن أصحاب تلك المناصب لم يقوموا بدورهم كما يجب، والثانية هى أن التغيير فيه تنوع فكرى وسياسى وإجرائى يعود بالنفع على المجتمع المصرى، وإن كنت أميل إلى المزج بينهما، فليس كل الوزراء قد قاموا بما هم منوطون به، كما أنهم ليسوا جميعًا يمتلكون كفاءة مطلقة تجعل بعضهم يستمر فى موقعه، وفى المقابل نجح الكثير من الوزراء فى مهامه بشكل لا بأس به.

وبالتالى؛ فإن التغيير هنا أمْرٌ مرغوبٌ ومطلوبٌ شعبيًا وسياسيًا.

أمّا السؤال الثانى؛ فهو: مَن الذى يجب تغييره؟ وهو سؤال يترتب على ما سبقه، بمعنى أنه يجب تغيير كل من كان أداؤه أقل مما يجب، وكل مَن لم ينجح فى الوفاء بمقتضيات منصبه، وبالتالى؛ فإن التغيير هنا سيرتبط بشكل أساسى بتقييم الجميع فيما قاموا به، بحيث يتم الفرز والعَزل أو الدعم والتجديد، وهو أمْرٌ يرتبط عند الوزراء بالدور السياسى الذى قاموا به، سواء من خلال المبادرات الجديدة أو من خلال تنفيذ رؤية الرئيس من جهة، وطموحات دولة 30 يونيو العظيمة من جهة أخرى. 

أعتقد أنه ضمن التقييم الأساسى لأصحاب تلك المناصب التنفيذية، هو مدى قدرتهم على دعم المبادرات الرئاسية التى تمس حياة المواطن المصرى، سواء اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو صحيًا، فضلاً عن مواجهة افتعال الأزمات، وتضخيم المشاكل بطريقة أكبر من حجمها، أو التهوين من المشاكل الحقيقية دون الحياد فى تناولها والتعامل معها لصالح المجتمع المصرى.

أمّا السؤال الأخير، حول توقيت التغيير، وهو أمْرٌ محكومٌ بالعديد من العوامل؛ فيتعلق باستنفاد مَن يتم تغييره لفرص أخرى من أجل البقاء والاستمرار.

إذن.. مسألة التغيير فى المناصب الوزارية، والمحافظين من بَعدها، لن يفيد فيها مبدأ العلاقات الشخصية وخلافه من سُبُل التأثير الساذج، كما لن ينفع «تلميع» البعض فى الأيام الأخيرة أو تصدير صورته على اعتبار أنه بطل مميز أو على النقيض مشاكس ومشاغب و«راجل بتاع مشاكل»، حسبما ترى دولة الفيسبوك.

مَن يستطيع أن يقرأ السياسة المصرية الآن بشكل دقيق؛ يستطيع أن يلحظ تغيُّرًا جوهريًا فى ملامح التغيير، وهى اعتماد مرجعية تقييم الأداء وقاعدة معايير الاختيار للأفضل فى شغل تلك المناصب حتى يمثل إضافة حقيقية لها، ولا يتحول لعبء عليها.

حاول البعض خلال الأيام الماضية أن يرسم صورة لنفسه بما ليس له، ولكنها أساليب معروفة ومفهومة، لن تؤثر فى قرارات الاختيار؛ لأن التغيير أصبح يرتبط فى مصر بعملية معقدة لصُنع القرار السياسى، وهو ما يحدث منذ ثورة 30 يونيو، وتبقى مرحلة اتخاذ القرار وإصداره.

إن تقييم الأداء الذى ذكرته أكثر من مَرّة، هو تقييم يرتبط بأسلوب إدارة العمل وإنجازاته، وليس بأشخاص محددين تولوا مناصب معينة، وهو ما يجعلنا نقترب بوضوح شديد من تلك المناصب التى كنا نطمح فى وقت من الأوقات أن يتناسب دورها الفعلى مع متطلبات وتحديات المجتمع المصرى الحقيقية.

إن ذلك يجعلنى أؤكد على أهمية أن يكون لدينا، أو بتعبير أدق، يعود إلينا منصب الوزير السياسى تحديدًا، بمعنى وجود رؤية سياسية للوزير، فى تطبيق توجهات النظام السياسى المصرى من جهة، ولديه القدرة على مواكبة سرعة هذا النظام فى بناء الجمهورية الثانية الجديدة أو دولة 30 يونيو، ومدى قدرة هذا الوزير على ترجمة هذه التوجهات لبرنامج عمل تنفيذى يحقق أهداف وزارته من جانب، ويتواكب مع طموحات الوزير فى تفعيل دور الوزارة التى يتولاها على مستوى المجتمع من جانب آخر.

إن التغييرات، التى طرأت فى الفترة الأخيرة على الحياة السياسية المصرية، تؤكد على أننا قد دخلنا مرحلة جديدة تتسم بالتغيير والتقييم والتقويم، أكثر مما ترتبط بالثبات والجمود، وقد أصبح من المتوقع أن يكون التغيير مرتبطًا بشكل أساسى بما يمكن تقديمه من رؤية جديدة، تُمكِّن أصحابها من اختبار رؤيتهم عمليًا على مستوى التنفيذ، ومن قبلها، سياسيًا، على مستوى اتساق تلك الأفكار والبرامج مع القدرة على التنفيذ الناجز.

أعتقد أننا فى ظل المتغيرات المتلاحقة، أصبحنا فى أمَسِّ الحاجة لأن يكون لدينا وزراء سياسيون، بمنطق المسئولية ومنطق الوعى والتفكير، بحيث يستطيع الوزير أن يمارس جميع السُّلطات المخولة له من منطق المحاسبة والشفافية، وليس بمنطق «دارى على شمعتك تقيد»، وما يتطلب ذلك أن يكون لدى الوزير منطقٌ ومنهجٌ فى التفكير وأسلوب عملى فى التنفيذ.

نقطة ومن أول السطر..

من السهل ملاحظة أن اختيار الوزراء والمحافظين يخضع لمعايير محددة، منها: امتلاك رؤية واضحة فى إنجاز أى مهمة والانتهاء منها، والقدرة على إعداد وتنفيذ برنامج عمل جماعى بمنطق الشفافية التامة، والقدرة على اتخاذ قرارات وتحمُّل تبعيتها، والاستعانة بأهل الخبرة، وليس أهل الثقة.

إن السياسة هى فن صناعة الممكن.. غير أن العمل العام هو فن يصنعه وزير سياسى ناجح ومتميز.