السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ملهمات عبقريات عظمة على عظمة يا ست..التى اتخذت من القلم سلاحًا ومفتاحًا «لطيفة الزيات» والطرق على «الباب المفتوح»

إن حقوق المرأة وحريتها التى تتمتع بها الآن، ليست نتاج يوم أو عمل واحد، بل عقود من النضال المستمر، من أجل كسر القيود المجتمعية القديمة التى فرضت عليها، بألا يعلو أفق تطلعاتها أكثر من حوائط منزلها. ومع ذلك، أعلنت بعضهن عن رفضهن التام بسجن عقولهن، وسعين لكسر هذه القيود، ليثبتن  أن للمرأة حرية وحقًا فى التعلم، والعمل، والنضال، وألا تكون (المعرفة، والمقدرة) حكرًا على معشر الرجال فقط.



فى مصر، نساء تم تخليد أسمائهن، وأعمالهن..وفى هذه السلسلة ترصد (نون القوة) حياة وكفاح هؤلاء الملهمات، العبقريات، لتعرف فتيات ونساء اليوم وغدٍ، أنه لا يوجد مكان لكلمة (مستحيل). 

«لا أريد أن أموت موتًا سلبيًا»..كانت هذه كلمات الكاتبة والروائية المصرية، الدكتورة «لطيفة الزيات» فى غيبوبتها إثر مرض خطير أصابها وهى شابة، مؤكدة أنها لا تريد الموت هربًا من المشاكل، وفقًا لكتاب «حطم قيودك واصنع حياتك»، للمؤلفة «نجلاء محفوظ».

«لطيفة الزيات»، واحدة من أيقونات الأدب والنضال النسوى والوطنى المصرى، التى تفصلنا عشرة أيام عن الذكرى الـ(98) لميلادها. فهى المرأة التى وقفت فى وجه الاستبداد بجميع أشكاله، والتى عرفت -منذ البداية- أن تأثير القلم أقوى من رصاص الاحتلال، كما اعتبرت قلمها مفتاحًا يفك قيود النساء، لتتحرر من سجن التقاليد المجتمعية، التى كان يشوبها رجعية، حرمت المرأة من حقوقها وحريتها المشروعة. ولم يتوقف الأمر عند حرية المرأة المصرية فحسب، بل اتسع فى وجدانها مفهوم الحرية ليشمل حرية الإنسان، والوطن من الاستعمار.

 حياة متنقلة ومفعمة 

ولدت «لطيفة الزيات» فى 8 أغسطس عام 1923، بمدينة «دمياط»، حيث عاشت هناك مدة ست سنوات، وفقًا لمذكراتها «أوراق شخصية»، التى وصفت فيها الأماكن التى سكنت فيها من خلال صورة حكايات سردتها عن الجدة، والجد، وأبيها، بجانب ذكريات المنزل القديم المتهالك. 

فكانت الصغيرة تتنقل بين المدن بحكم وظيفة والدها فى مجالس البلديات بين «دمياط»، و«المنصورة»، حتى «أسيوط»، إلى أن توفى والدها، وهى فى الثانية عشرة من عمرها. وبعدها، انتقلت إلى «القاهرة»، وظلت تنتقل من بيت إلى آخر. ومع ذلك، تلقت تعليمها بالمدارس المصرية، وتدرجت فى تعليم وتثقيف نفسها.

وقد تشكل وجدان «لطيفة» منذ طفولتها بالأحداث الثورية والسياسية، فقد ولدت بعد أربعة أعوام من ثورة 1919. وفى سن الحادية عشرة من عمرها حكت أنها شاهدت إحدى المظاهرات، التى وقعت عام 1934، وقالت: «وأنا أنتفض بالشعور بالعجز، بالأسى وبالقهر، ورصاص البوليس يردى أربعة عشر قتيلاً من بين المتظاهرين ذلك اليوم، وأنا أصرخ بعجزى عن الفعل، بعجزى عن النزول إلى الشارع، لإيقاف الرصاص المنطلق من البنادق السوداء، أسقط الطفلة عنى، والصبية تبلغ قبل الأوان...ومصيرى المستقبلى يتحدد للتو واللحظة، وأنا أدخل الالتزام الوطنى من أقسى وأعنف أبوابه».

أدت نشأة الصغيرة المتنقلة من مكان إلى آخر، والمفعمة بالأحداث السياسية، إلى إدراكها مفهوم الحرية فى سن مبكرة، ونضوج عقلها بوتيرة سريعة فى قضايا لم تشغل بال الكثير من قرنائها. وقد ذكرت «لطيفة» أنها –دائماً- ما كنت تردد لنفسها أغنيتها المفضلة أثناء طفولتها: «يا مصر متخافيش..ده كله كلام تهويش.. إحنا بنات الكشافة.. وأبونا سعد باشا.. وأمنا صفصف هانم».

وعند التحاقها بكلية الآداب «جامعة فؤاد الأول»، التى صارت «جامعة القاهرة» لاحقاً، تعلقت الشابة بالفكر (الماركسي)، فى وقت كان الانضمام فيه إلى اليسار ليس بالأمر الهين، ويعرض صاحبه للاعتقال والحصار. 

وخلال فترة انتخابها فى سكرتارية (اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال)، حينما كانت فى الفرقة الرابعة من دراستها الجامعية فى عام 1946، شاركت فى تنظيم المظاهرات الطلابية فى 9 فبراير، ومظاهرات 21 فبراير الأوسع نطاقاً، وفقاً لما قالته الأديبة «رضوى عاشور» فى إحدى مقالاتها. 

وفى نفس العام، حصلت المناضلة الصغيرة على شهادة فى آداب اللغة الإنجليزية من «جامعة القاهرة». وفى عام 1952، أخذت «لطيفة» تدرّس بكلية البنات فى «جامعة عين شمس»، وبدأت فى تلك الفترة تبدى اهتماماً كبيراً فى قضايا المرأة، وهمومها، وارتباط ذلك بقضايا المجتمع. ولم تتوقف «الزيات» عن التقدم فى التحصيل العلمى، فحصلت على درجة أستاذ فى النقد الإنجليزى، ثم حصلت على دكتوراه فى الأدب من كلية الآداب، جامعة القاهرة عام 1957. 

 زيجات صعبة

وأثناء محاولات الشابة لتحقيق طموحاتها على الصعيد الشخصى، والنسوى، والوطنى، صفعتها حياتها الشخصية عدة مرات بزيجات صعبة. 

ففى البداية، ورغم اتباعها الفكر الشيوعى،إلا أنها خطبت لـ«عبد الحميد الكاتب» الذى كان متديناً، ويمضى جزءًا كبيرًا من نهاره وليله فى المساجد، ويحفظ التاريخ الإسلامى بدرجة جيدة. وعليه، لم يقدر لهما الاستمرار. 

ثم دخلت تجربة ثانية أكثر ملاءمة لفكرها وطبيعتها. لكنها، لم تكن قصة من قصص الخيال التى تحلم بها أى فتاة، إذ أحاط بها الصعاب من كل حدب وصوب، فتزوجت بـ«أحمد شكرى سالم»، وهو أول شيوعى يحكم عليه بالسجن مدة سبع سنوات، ومن ثم انفصل الزوجان بالطلاق.

وبعدها، تزوجت المرأة اليسارية بالدكتور «رشاد رشدى»، الذى كان يمينى المنشأ، والفكر، والسلوك. لكنها، قالت عنه: «أول رجل يوقظ الأنثى فيّ». ومع ذلك، انفصلت عنه عام 1965، بعد معاناة فى اتخاذ القرار، وشرح الموقف للأهل والمجتمع. 

ورغم تولى زوجها الأخير -فيما بعد- منصب المستشار الثقافى للرئيس الراحل «أنور السادات»، إلا أن هذا لم يمنع اعتقالها ضمن المجموعة التى تحفظ عليها «السادات» فى سبتمبر 1981. ولكن، تم الإفراج عنها فى 13 يناير 1982.

  من قاع اليأس إلى قمة النجاح

أظهرت «الزيات» صلابة غير معهودة، رغم كل ما مرت به فى حياتها الشخصية. فلم تكن التجارب المريرة التى عاشتها، سوى وقود دفعها لاستكمال مشوار الكفاح. 

ولعل أهم عمل قامت به «لطيفة الزيات»، هو إطلاق روايتها الأشهر على الإطلاق (الباب المفتوح)، التى بدأت كتابتها عام 1957، لتنشرها عام 1960. ولخصت «لطيفة» فيها احترامها للتفرد الإنسانى، وحق الإنسان فى الحرية.

وقد فازت روايتها عام 1996، بأول دورة لجائزة نجيب محفوظ للأدب، كما حصلت على جائزة الدولة التقديرية للأدب فى العام نفسه. ناهيك عن تحول روايتها إلى فيلم بنفس العنوان، جسدت فيه سيدة الشاشة «فاتن حمامة» دور البطلة «ليلى».

كما أظهرت «الزيات» عزيمتها القوية مرة أخرى، أثناء أحداث طلاقها الأخيرة، عندما أصرت على تحضير رسالة الدكتوراه. ناهيك عن كتابتها مسرحية (بيع وشرا) عام 1966، أى بعد طلاقها بعام؛ لكنها، لم تنشر وقتها، بل نشرت عام 1994. بالإضافة إلى تحريرها بابًا أسبوعيًا فى شئون المرأة فى مجلة «حواء» فى الفترة من 1965 إلى 1968.

 تحقيق الذات

استطاعت الدكتورة «لطيفة الزيات» تحقيق ذاتها، من خلال نشاطاتها المتنوعة، إذ خاضت انتخابات اتحاد الكتاب، وفازت بعضوية مجلس الاتحاد. كما اختيرت عضواً بمجلس السلام، وعضواً بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة. كذلك، أشرفت على الملحق الأدبى لمجلة «الطليعة» بمؤسسة «الأهرام». وحصلت على درجة الأستاذية عام 1972، ثم ترأست قسم النقد الأدبى والمسرحى بمعهد الفنون المسرحية منذ عام 1970، حتى 1972، ثم مديرة أكاديمية الفنون لمدة عام منذ 1972، حتى 1973.

أما أعمالها الأدبية، فقد أصدرت مؤلفات أخرى بجانب المذكورة سابقًا، منها: (الشيخوخة وقصص أخرى)، رواية (صاحبة البيت)، والرواية القصيرة (الرجل الذى عرف تهمته). بالإضافة إلى الأعمال النقدية، فقدمت: حركة الترجمة الأدبية فى مصر، ومقالات فى النقد الأدبى، ومن صور المرأة فى القصص والروايات العربية.

كانت «لطيفة الزيات» ظاهرة نسائية فريدة من نوعها، ليس فقط بإنجازاتها المتعددة على صعيد الرواية، والقصة، والنقد، والمسرح، بل على صعيد النضال السياسى أيضًا.