الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نساء فى حياة الأنبياء «والهة».. في الكفر وسوء الخلق امرأة النبي لوط جاسوسة لقومها! "4"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



في القرآن الكريم جاء أن النبي لوط عليه السلام كان موجودًا في زمن النبي إبراهيم عليه السلام: (فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ) العنكبوت 26، وفي الروايات أن النبي لوط كان ابن أخو النبي إبراهيم عليهما السلام، وهاجر النبيان من أور في العراق إلى أرض كنعان في فلسطين، ثم رحل النبي لوط إلى قرية سَدُوم، وحولها مجموعة قرى متجاورة جنوب البحر الميت.

لقد اختاره تعالى ليكون نبيًا إلى قومه ليحذرهم من عذاب الله ويدعوهم لترك المنكرات التي لم يسبقهم إليها أحد، فقد كانوا يمارسون شذوذ الذكور مع الذكور أو المثلية الجنسية علناً، ويقطعون السبيل، ويفعلون المنكرات جهراً: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) العنكبوت 28-29.

الشذوذ الجنسي

من أهداف التشريع الإلهي حماية المجتمع من الفساد الأخلاقي، ولذلك جاء في القرآن الكريم الأمر بعزل من تقوم بممارسة السحاق، وبعزل من يقوم بفعل قوم لوط عن المجتمع، بسبب أنهم أشخاص شواذ ومنبوذون.

قال تعالى: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) النساء 15، والإمساك في البيوت هو عزل تام لمن تقوم بالسحاق وإشعارها بالذل والنبذ، فالعقوبة ليست بدنية ولكنها نفسية، حتى توجد وسيلة تصرفها عن هذا الشذوذ، كعلاجها نفسياً.

وأيضاً عزل ونبذ لمن يمارس الشذوذ مع الرجال: (وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً) النساء 16، والإيذاء يكون نفسياً حتى توجد وسيلة تصرفه عن هذا الشذوذ، كعلاجه نفسياً، ومن يتوب منهم فيجب قبوله كفرد عادي في المجتمع، فالهدف هو محاربة الفواحش وليس الأشخاص، وهذه الفواحش مرفوضة وليست مجرد مرض نفسي أو أنها تولد مع الإنسان. 

وشذوذ قوم لوط هو الرد على من يقول بأن اشتهاء نفس الجنس أمر يولد به الإنسان، فليس من المعقول أن قوم لوط ولدوا كلهم بهذا الميل، وإنما كان فعلهم مخالفاً للفطرة.

فقوم لوط وصلوا إلى درجة كبيرة من الانحلال الخلقي، حتى مارسوا الشذوذ: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) الأعراف 81، فهو يعيب عليهم هذا الفعل، وكلمة (مُسْرِفُونَ)، تعني تجاوز الحدود الطبيعية في الفعل، ولم يأت في القرآن أن نساءهم كن يمارسن السحاق. 

العذاب والهلاك

وقابل قوم النبي لوط دعوته بمطالبته بنزول عذاب الله بهم: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) العنكبوت 29، ثم طالبوا بإخراجه من قريتهم: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون (النمل 56، فكلمة (يَتَطَهَّرُونَ) التي قالوها تعني أنهم أنفسهم يحبون النجاسة والدنس ويكرهون الطهارة والطيبات، فجعلوا في كلامهم سبباً لإدانتهم ليحكموا به على أنفسهم.

وهنا أعلن النبي لوط أنه يتبرأ منهم وينكر عليهم عملهم: (قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ. رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) الشعراء 168-169، وأرسل تعالى إليه ضيوفًا فاستقبلهم، ولم يعرف أنهم من الملائكة: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) هود 77، وعندما علم قومه بأن عنده ضيوف أسرعوا لبيته ليعتدوا على ضيوفه: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) هود 78، وسألهم مستنكراً بأنه ليس بينهم رجل فيه خير.

وقول النبي لوط: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)، لقد عرض عليهم بناته للزواج لا عن طريق الزنا، والعرض هو محاولة للنجاة بضيوفه: (قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) هود 79، وردوا عليه بأنهم ليس لهم رغبة في بناته وأنه يعلم غرضهم، كما قالوا له: (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) الحجر 70، بمعنى أنهم منعوه من أن يستضيف أي ضيوف من الغرباء عنده، وتمنى أن تكون له قوة تردع قومه وتردهم عن باطلهم: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) هود 80.  

امرأة النبي لوط

أخبرت الملائكة النبي لوط عليه السلام بحقيقة الأمر بهلاك القوم، وعليه الرحيل مصطحباً معه أهله، وهم ابنتاه، قبل مجيء الصبح ماعدا امرأته الكافرة: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) هود 81. 

فالملائكة تنهاهم عن الالتفات، والاستثناء (إِلاَّ امْرَأَتَكَ)، إلا زوجته التي يصيبها ما أصاب قومها، والقرآن لم يقل أنها خرجت، ولكن نفهم أنها سواء خرجت أم لم تخرج فسوف تهلك، ولذلك فإن الاستثناء متعلق بالالتفات وليس بالخروج. 

في الروايات أن امرأة النبي لوط عليه السلام، كانت اسمها «والهة»، بمعنى التي ولهت وحنت إلى الكفر وعشقت سوء الخلق، وقد خانت زوجها بالانضمام إلى قومها وأصبحت جاسوسة تنقل لهم أخبار زوجها، فهلكت معهم. 

ويخرج النبي لوط مع أهله ويسيرون ليلاً، وعندما خرجوا من القرية أنزل تعالى العذاب على الكفار، وبدأت السماء تمطر عليهم حجارة: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الأعراف 83-84.

وصف تعالى قوم النبي لوط بأوصاف ثلاثة: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) الأعراف 81، دلالة على تجاوز الحدود، وقوله تعالى: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) الشعراء 166، دلالة على انحراف الفطرة، وقوله تعالى: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) النمل 55، دلالة على فساد العقل. 

وطلب القوم من النبي لوط أن يترك لهم ضيوفه فحجب تعالى عيونهم عن الإدراك: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ) القمر 37، وجاءتهم الصيحة: (فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) الحجر 73، بمعنى صوت شديد، والصيحة تشبه ما يحدث عند اختراق الطائرة لحاجز الصوت، فإنها تحدث صوتًا مزعجًا من تجمع الأمواج الصوتية التي تلحق بالطائرة، وتتحد الموجات الصوتية التي كانت تنطلق أمام الطائرة لتتجمع وتلحق بالطائرة، وفجأة يسمع صوت انفجار ضخم تهتز له المباني وينكسر زجاجها. 

ومسألة الإهلاك بالصيحة من المسائل التي انفرد بها القرآن، وتدل على أن الصوت الشديد يكون سبباً في تدمير المباني وإهلاك البشر: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) الحجر 74، أما قوله تعالى: (جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا)، فلا يعني أنها انقلبت ولكن انهدمت، وبسبب الصيحة جعل العالي سافلاً وليس أسفلاً، وإلا فلن يصيبهم المطر بالحجارة وقد صاروا أسفلها. 

لذلك سماهم القرآن الكريم بالمؤتفكة والمؤتفكات، وهى من الائتفاك، بمعنى انقلاب مدنهم الأعلى إِلى الأسفل نتيجة الزلزلة: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) النجم 53-54،  يعني مدائن لوط قلبها عليهم: (وَجَاءَ فِرْعـَوْنُ وَمَـنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) الحاقة 9.

ثم أمطرت السماء بحجارة صلبة من طين: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) هود 82-83، ومعنى (مَنْضُودٍ)، يتبع بعضها بعضًا في نزولها عليهم، ومعنى (مُسَوَّمَة)، محددة الهدف، قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) الحجر75، بمعنى أن ما حدث لهم فيه عبرة للمتأملين، المتفكرين. 

وتبقى آثارهم قائمة للعبرة: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) الحجر 76، على طريق القوافل إلى الشام يمر بها المسافرون في رحلة الصيف: (وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) العنكبوت 35، آثار منازلهم: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الصافات 137-138، فالناس يمرون على آثارهم في الصباح وفي الليل: (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً) الذاريات 37، فقد تركها تعالى عبرة، فالقصة في القرآن ليست للتسلية بل للعبرة والعظة.

وأصبحت زوجة النبي لوط عليه السلام مثلاً للكافرين، مثلها مثل زوجة النبي نوح عليه السلام، وكانت اسمها «والغة»، والتي بالغت في الكفر وغالت فيه، وولغت في الخيانة حتى خانت دعوة زوجها النبي نوح ولم تؤمن معه، فأصبحت زوجة كل من النبيين نوح ولوط عليهما السلام مثلاً للكافرين: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم 10.

فقد كانت كل منهما كافرة تساعد قومها ضد زوجها، كما كانت كل منهما عيناً أو جاسوسة لقومها على زوجها النبي، ولذلك فالخيانة هنا ليست خيانة زوجية، ولكنها خيانة بكشف أسرار زوجها، وخيانة عقيدة الإيمان، بسبب أن كلًا منهما فضلت البقاء على الكفر مع قومها، فهلكوا جميعاً.