السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

7 عقود من الدعم المصرى لدول القارة السمراء.. من قلب إفريقيا هنـا القاهرة!

«أكثر من نصف قرن مضى على اجتماع الآباء المؤسسين الذين أرسوا سويًا لبنة الوحدة الإفريقية، فى أديس أبابا فى مايو 1963».. هذا ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال استلامه رئاسة الاتحاد الإفريقى، ليعبر عن مسيرة مصر فى دعم إفريقيا، والتى استمرت لعقود طويلة، كانت فيها القاهرة صمام الأمان لأبناء القارة السمراء، وملهمتهم نحو التحرر من الاستعمار، وداعمتهم فى القضاء على المرض والفقر، ومساندتهم فى التنمية والبناء.



 

الزعامة الإفريقية

علاقة مصر بمحيطها الإفريقى، عبر عنها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قائلًا: «أما عن إفريقيا فلن نستطيع الفكاك منها، حتى لو أردنا ذلك، فنحن جزء من القارة الإفريقية، والنيل، وهو سر وجودنا ينبع من قلب هذه القارة».. وأراد «عبدالناصر» أن يترجم كلماته إلى أفعال لا تمحى آثارها من أذهان أبناء إفريقيا، فامتدت المبادئ الرئيسية لثورة 23 يوليو إلى ربوع القارة، شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، لتنادى شعوب القارة بالقضاء على الإقطاع والاستعمار وسيطرة رأس المال، وتهتم ببناء حياة ديمقراطية سليمة وبناء جيش وطنى.

عبر عدة تحركات تاريخية، سجّلت مصر دورًا رائدًا فى السعى وراء تحقيق التلاحم الثورى الشعبى وتوحيد صفوف القوى الوطنية وحركات التحرر، حتى ارتبطت الثورة فى عقول الأفارقة بصورة «عبدالناصر»، الذى دعم وساند الحركات التحريرية منذ بدايتها من الشمال الإفريقى، وتحديدًا فى الجزائر وتونس، ثم المغرب وليبيا، ثم تحرك التيار إلى الجنوب مستلهمًا التجربة الناصرية، وامتد الزحف التحررى إلى الصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا، وبقى الدعم المصرى حاضرًا، حتى وصل إلى غانا وغينيا ونيجيريا.

وعزّزت مصر تواجدها فى الاتحاد الإفريقى؛ حيث قامت بالتصديق على 20 اتفاقية فى إطار الاتحاد، كما وقعت على الميثاق الإفريقى للشباب والاتفاقية الإفريقية لإنشاء برنامج التعاون الفنى، وميثاق النهضة الثقافية الإفريقية، والمعاهدة الإفريقية، لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية «معاهدة بليندبا»، والاتفاقية المؤسسة  للمعهد الإفريقى، لإعادة التأهيل وبروتوكول الميثاق الإفريقى بشأن إنشاء محكمة إفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بجانب إنشاء الصندوق الفنى المصرى للتعاون مع الدول الإفريقية، لتدعم مصر محيطها القارى بالخبراء والفنيين، والمعلمين والأطباء والعمالة الفنية، وتساهم فى إقامة السدود وتوليد الكهرباء المائية ببلدان عدة.

ومثلما ذكر «عبدالناصر» فى كتاب «فلسفة الثورة»: «سوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا، نحن الذين نحرس الباب الشمالى للقارة، والذين نُعتبر صلتها بالعالم الخارجى كله، ولن نستطيع بحال من الأحوال أن نتخلى عن مسئوليتنا فى المعاونة بكل ما نستطيع على نشر الوعى والحضارة حتى أعماق الغابة العذراء».. لذلك لم يكن غريبًا أن تدعم مصر ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻳﻴﻦ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺇﺫﺍﻋﺔ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺗﻤﺜﻞ ﺩﻋﻤًﺎ ﺇﻋﻼﻣﻴًﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻳﺔ، ﻭﺃُﻧﺸﺌﺖ ﺃﻭﻝ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻟﻠﺠﺰﺍﺋﺮ ﻓﻰ ﺍﻟﻤﻨﻔﻰ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻘﺮﻫﺎ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ﺳﻨﺔ 1958.

 

دعم حركات الاستقلال

من قبل الدور المصرى فى الجزائر، رفضت ﻣﺼﺮ ﻣﻨﺎﻭﺭﺍﺕ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻟﺘﺴﻮﻳﻒ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻣﻤﺎ ﻋﺠّﻞ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ 1953 ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺮ ﻭﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻭﻫﻮ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ، وأصبحت بذلك ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ أﻭﻝ ﺩﻭﻟﺔ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻓﻰ ﻳﻨﺎﻳﺮ 1956، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭﻝ ﺩﻭﻟﺔ ﺗﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﻫﻰ ﻣﺼﺮ، وقدم السفير المصرى أوراق اعتماده كأول سفير هناك.

وشاركت مصر عام 1962 فى تأسيس وتمويل «لجنة التنسيق لتحرير إفريقيا»، وأسهمت مصر عن طريق هذه اللجنة فى تقديم المساعدات المادية والعسكرية لحركات التحرر الإفريقية، وقامت بفتح مراكز للتدريب العسكرى لكوادرها، استقبلت أبناء أنجولا وموزمبيق وزيمبابوى وجنوب إفريقيا، واستضافت مصر قيادات وزعماء هذه الحركات وفتحت لهم مكاتب فى «الرابطة الإفريقية» التى أنشئت عام 1955، وبلغ عدد هذه المكاتب 19 مكتبًا لحركات التحرير فى بلدان شرق وغرب وجنوب القارة، وأدت تلك المكاتب مهامها حتى حصول شعوبها على الحرية والاستقلال، ولم تغفل القاهرة دورها الإعلامى بجانب السياسى، فأنشأت إذاعات موجهة لبلدان القارة الإفريقية لمساعدة شعوبها وحركات تحريرها، باللغات الإفريقية المحلية السائدة فيها، وبلغ عدد تلك اللغات 33 لغة.

وتحملت مصر مسئوليتها الإفريقية منذ المرحلة الأولى التى ولدت فيها منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، حيث تولت رئاستها - بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر- خلال الدورة الأولى للقمة الإفريقية التى انعقدت بالقاهرة عام 1964، وعلى مدار عقدين استمر الدعم المصرى للقارة، وبدأت جهود التنمية لبناء الدول الإفريقية فى حقبة ما بعد الاستعمار، ومن هنا كانت المبادرات التنموية المصرية «الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع إفريقيا»، بهدف مساعدة الدول الإفريقية على تحقيق التنمية المستدامة عبر برامج التعاون الفنى والبرامج التدريبية لبناء قدرات الكوادر الإفريقية التى يقدمها فى مختلف المجالات وعلى رأسها الزراعة والصحة والتعليم والأمن والقضاء والإعلام.

التنمية المصرية المستدامة

على قدم وساق، تسعى مصر إلى استعادة دورها الريادى فى إفريقيا؛ الذى بدأ منذ 7 عقود، خصوصًا أن القارة السمراء تمثل إحدى دوائر الأمن القومى المصرى، لذلك لا تدخر القاهرة جهدًا فى سبيل تعزيز أواصر التعاون مع محيطها الإفريقى، من خلال التركيز على مشروعات التنمية بصفة أساسية، بجانب تقديم الخدمات الاجتماعية، فضلًا عن دورها الأساسى فى التنوير والوعى الثقافى، والاهتمام بشباب القارة عن طريق البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب الإفريقى للقيادة.

استطاعت مصر خلال السنوات الماضية أن تعزّز وجودها الإفريقى من خلال عدة محاور، فاستردت عضويتها فى الاتحاد الإفريقى فى يونيو2014، وحصلت على عضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقى لمدة 3 سنوات، وترأست لجنة المناخ فى الاتحاد الإفريقى لعامين، بالإضافة إلى حصولها على العضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى وانخراطها فى العديد من القضايا والملفات التى تحملها أجندات دول القارة، لتعلن بداية عهد جديد فى العلاقات مع القارة السمراء.

ترتكز السياسة المصرية تجاه إفريقيا على عدة مسارات متوازية ومتكاملة، فهناك مسار التنمية وزيادة التجارة بين دول القارة الإفريقية، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، والتوسع فى مشروعات ريادة الأعمال من أجل تحسين مستوى معيشة المواطن الإفريقى وتجفيف بيئة العنف والإرهاب، وتحويل القارة من منطقة طاردة للبشر إلى منطقة جاذبة تنمو بكوادرها وأبنائها ومواردها الضخمة، لذلك نفذت مصر عدة مشروعات بالقارة، منها إنشاء 5 سدود، وحفر 75 بئرًا جوفية بأوغندا، وحفر 180 بئرًا جوفية فى كينيا، و60 بئرًا جوفية بتنزانيا، و10 آبار جوفية بإقليم دارفور، فضلاً عن تنفيذ 6 محطات مياه شرب جوفية فى جنوب السودان، وتدريب 437 متدربًا إفريقيًا من خلال أكثر من 35 دورة فى مجال الإدارة على المستوى الحقلى وتصميم وصيانة السدود.. وتتواجد شركة المقاولون العرب بداخل 23 دولة إفريقية عبر تنفيذ حزمة ضخمة من مشروعات البنية التحتية، وأعمال الطرق الكبرى، بالإضافة إلى المشروعات السكنية، والصحية، كإنشاء المستشفيات الكبرى، ومشروعات الطرق الضخمة وتستحوذ على النصيب الأكبر من إجمالى حجم الأعمال بدول القارة الإفريقية، والذى يتراوح بين مليار إلى مليار ونصف دولار سنويًا.

بجانب مشروعات البنية التحتية، تمنح مصر الملف الصحى فى دول القارة اهتمامًا بالغًا، عن طريق تنفيذ العديد من المبادرات وإرسال البعثات الطبية، بالإضافة إلى دورها فى مشروعات الربط الكهربائى، والربط المائى، والملاحى، وخطوط السكك الحديدية، ليتضاعف الوجود المصرى يومًا بعد يوم فى المحيط الإفريقى.