الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. ابتسامة «محاربة»

كدهوّن!.. ابتسامة «محاربة»

كان كل شىء فى تلك الأيام يسير على قدم وساق استعدادًا للاحتفال الكبير الذى تحضره حرم الرئيس البطل أنور السادات، السيدة جيهان (فى ذلك الوقت) وهو حدث لو تدركون عظيم لأنه يحدث فى مدينة صغيرة كالمنصورة وكدهون ولأنه حدث استثنائى كانت التحضيرات أيضا استثنائية تحولت المدرسة لخلية نحل الكل يفكر ويخطط لشكل الحفل واختيار الأغانى والاستعراضات وتدريب التلاميذ بعد ذلك بمنتهى الدقة والنظام حيث إنها المرة الأولى التى تحضر فيها قرينة رئيس لمدينتنا وكدهون.



 

️لم أكن كطفل صغير أستوعب أو أفهم ماذا يعنى لقب السيدة الأولى الذى يتحدث عنه الجميع باهتمام كبير لا يخلو من الرهبة وتوتر وهل هو صفة أم اسمها كده، وتركت لخيالى الطفولى العنان لتخيل ما هى تلك السيدة ولماذا هى أولى وليست الثانية أو السابعة مثلا وهل هى تسبق فى الترتيب الملكة كليوباترا ؟؟ (مش عارف أيامها كنت أعرف كليوباترا منين) وربطت بين اللقب وأوائل الطلبة فهم أيضا أوائل مثلها وكيف يكون شكلها وسلوكها ولماذا تأتى لمدينتى الصغيرة لتحضر يوما رياضيا يقدمه الأطفال؟ واستمرت هذه التساؤلات تنمو بداخلى أيام وليالى فى انتظار أن تأتى السيدة جيهان سريعا لأحصل منها على أجوبة لتساؤلاتى إلا أن التى جاءت هى صدمتى العظيمة عندما تم استبعادى عن المشاركة فى الاحتفال نظرا لأنى قصير القامة، ولا أمتلك اللياقة الرياضية التى تؤهلنى للاشتراك فى هذا الحدث العظيم ولكنى لم أستسلم لهذا القرار الظالم من وجهة نظرى وصممت على المشاركة فى هذا الاحتفال الكبير بأى شكل واستخدمت كل ما أملك من رذالة وإلحاح رخامة مع أساتذتى دون جدوى حتى استجاب الله سبحانه وتعالى لدموعى ودعواتى وتقرر نقل الحفل المدرسى لاستاد المنصورة واشتراك كافة مدارس المنصورة فى هذا الاحتفال الكبير وبالتالى أصبح الاهتمام بالكم بجانب الكيف حتى يمتلئ الاستاد بالأطفال فتمت الاستعانة بالمستبعدين وأنا منهم لاستخدامهم كمجاميع صامتة خلف زملائنا المشاركين فى الاستعراضات وكدهون..وجاء اليوم الموعود وكان كل اهتمامى منصبا فى الاقتراب منها قدر المستطاع رغم الزحام الرهيب والمرافقين والضيوف لم أستطيع أن أرى غير كف يدها وهى تشير للجماهير الغفيرة داخل استاد المنصورة فقررت الاقتراب منها أكثر وأكثر حتى إنى انفصلت تماما عن زملائى وعن الاستعراض ذات نفسه وواصلت الاقتراب حيث تجلس وتتابع فقرات الحفل وكدهون ..تمكنت بخفة طفل صغير من تجاوز  الحدود المسموح بها حتى وجدتنى فجأة أقف أمامها وجها لوجه كم كانت جميلة ووجهها بشوش ولها ابتسامة مرحبة حتى إنى ارتبكت وحاولت التراجع للخلف بعد أن شاهدت نظرات التهديد والوعيد فى عيون المرافقين إلا أنى تعثرت وسقطت على الأرض فما كان منها إلا أن قالت لى بمنتهى العفوية والحنان اسم الله عليك يابنى.. وهنا توقف الزمن بى فى تلك اللحظة وتعجبت كيف للسيدة جيهان أن تتحدث حديث الأمهات وتقول اسم الله عليك يابنى؟؟ عرفت الكلام ده فين وإزاى وهى أول مرة تحضر للمنصورة؟؟ وكدهون.. انتهى الحفل ومرت الأيام إلا أنى احتفظت بابتسامتها الساحرة بقلبى وبقيت الذكرى تضىء مخيلتى وصرت أتابع أخبارها فى وسائل الإعلام المتاحة فى ذلك الوقت وبدأت أسمع لأول مرة عن دفاعها عن حقوق المرأة وخصوصا حقها فى التعليم والعمل حتى تكون شريكا حقيقيا لزوجها وليست عبئًا عليه وحتى نتجاوز موروث عقيم يصفها بأنها مكسورة الجناح وكدهون.. وكم كانت ملهمة لربات البيوت لاستكمال دراستهم بعد انقطاعهم عنها للزواج والإنجاب وانشغالهم بمسئولياتهم المنزلية عندما أخدت الخطوة الأولى واستكملت دراستها والتحقت بالجامعة لتكون قدوة ومثال يحتذى به لكل السيدات وخصوصا ربات البيوت اللاتى استيقظ بداخلهن الأمل فى تحقيق أحلامهن المجهضة على عتبة الزواج.. وأتذكر جيدا فى تلك الفترة أن أمى وخالتى آمال قررتا السير على نفس النهج وتقدمتا بأوراقهما لنيل الثانوية العامة والتحقت أمى بكلية الحقوق والتحقت خالتى بكلية الآداب دون أى تقصير تجاه مسئوليتهم الأسرية وتطور طموح خالتى أكثر وقررت أن تعمل بعد ذلك رغم رفض جميع الأسرة وبخاصة زوجها لهذه الخطوة ولكنها تحدتهم وصممت على العمل حتى جاء يوم توفى زوجها فجأة وهى أم لأطفال صغار ولم ينقذها من ذل الحاجة وطلب المساعدة غير عملها وشخصيتها التى نضجت كثيرا نتيجة خروجها للحياة والعمل ولتعبر بأسرتها لبر أمان واستمر إعجابى بمسيرة السيدة جيهان السادات فى محاولتها الجادة لتعديل قوانين الأحوال الشخصية رغم الهجوم الشرس الذى تعرضت له وقتها حتى إن البعض أطلق على قانون الأحوال الشخصية قانون جيهان رغم أنه كان مجرد خطوة لاسترداد المرأة المصرية كرامتها المهدرة داخل أروقة المحاكم وكدهون.. ربما لمتابعتى لمسيرة السيدة جيهان السادات فى طفولتى  هو ما جعلنى بعد ذلك أتحيز لقضايا المرأة وأستوعب جيدا أهمية دورها فى المجتمع وهو ما جعلنى أجمع أكثر من عشرين فيلما تسجيليا يرصد كفاح المرأة المصرية فى كافة المجالات لتحصل على حقها فى الحياة الكريمةوكشريك أساسى فى بناء المجتمع وأخيرا قدمت فيلما باسم صوت المرأة ثورة  للرد على ادعاءات البعض بضرورة عودتها للاختباء داخل المنزل وكدهون.

جيهان السادات لم تكن مجرد زوجة الرئيس فقط ولكنها المرأة النموذج التى أحبت شريك حياتها وآمنت به وحلمت معه ولكنها لم تنس حلمها الشخصى فى التعليم والعمل وكافحت من أجل تحقيق ذلك الحلم وتحدت الجميع للارتباط به وحققت ما حلمت به بإصرار وعزم المحاربين وساهمت فى تطوير مجتمعها وترسيخ فكرة المساواة بين الرجل والمرأة كشرط أساسى لتنمية المجتمع وإقامة أسرة عصرية تدرك حقوقها وواجباتها ولم تنكسر أبدا عندما فقدت الزوج والحبيب وهى فى عز شبابها ونجاحها فاستمرت فى العطاء والعمل فى صمت وتواصل عطاؤها لآخر يوم في حياتها.