الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق عن جلسة مجلس  الأمن  لبحث أزمة السد  الإثيوبى: العالم أمام مشهد مهدد للأمن والسلم الدوليين

تصاعدت مؤخرًا وتيرة أزمة سد النهضة الإثيوبى بين كلٍ من  مصر والسودان من جانب  وبين إثيوبيا من جانب آخر حتى وصلنا إلى محطة مجلس الأمن، مصر طالبت المجلس بالنظر فى أزمة السد فورًا وبشكل عاجل، لأن هذه الأزمة يمكن أن تشكل خطرًا يهدد السلم الدولي. 



فيما أعلنت رئاسة مجلس الأمن الدولي، عن عقده جلسة (الخميس) حول سد النهضة الإثيوبي.

وفى رسالته للمجلس، قال وزير الخارجية سامح شكرى: إنه بعد سنوات من المفاوضات، تطورت المسألة إلى حالة تتسبب حاليًا فى إمكانية حدوث احتكاك دولي، يُعرِّض استمرار السلم والأمن الدولى للخطر، وعليه فقد اختارت مصر أن تعرض هذه المسألة على مجلس الأمن الدولي. 

فى حواره مع «روزاليوسف»، أكد السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الإفريقية على أهمية لجوء مصر والسودان إلى مجلس الأمن بشكل رسمى لعرض رؤية البلدين  حول أزمة سد النهضة، لافتًا إلى أن قبول المجلس عقد جلسة ثانية لبحث نفس الملف يعد تأكيدًا  على أن  هذا الملف بات مهددًا للأمن والسلم الدوليين. 

وقال حجازى إن الهدف من لجوء مصر إلى  مجلس الأمن هو إحاطته بمخاطر الوضع الذى قد يقود إلى عدم استقرار إقليمى شامل،  ورسالة منها بأن تهدئة هذه المنطقة أمر يخص الأسرة الدولية وليس الدول الثلاث المعنية فقط؛ بل يخص دول الخليج والدول الكبرى أيضًا التى ستتضرر  مصالحها هى الأخرى إذا حدث صراع إقليمى فى تلك المنطقة. 

وتوقع مساعد وزير الخارجية الأسبق أن تقود تحركات الدبلوماسية المصرية الأخيرة فى جميع الاتجاهات والموقف العربى الداعم  إلى الضغط الإقليمى والدولى على الموقف الإثيوبى، بما يحقق إرجاء عملية الملء الثانى للسد، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بحيث تتاح الفرصة الزمنية الممكنة لمزيد من التدخلات والوساطات الدولية والعمل فى إطار مناسب للتفاوض من أجل حل الأزمة. 

 قبل الوصول إلى محطة مجلس الأمن، كيف تُقيِّمون التحركات المصرية الأخيرة إزاء الملف ؟ 

أستطيع أن أقول أن التحرك المصرى فى تلك المرحلة - إقليميًا ودوليًا- هو  الأمثل بعد فشل جولات التفاوض مع الجانب الإثيوبى من أجل  التوصل لاتفاق قانونى ملزم يكفل حق إثيوبيا فى التنمية وتوليد الكهرباء دون إضرار بدولتى المصب مصر والسودان. 

فقد  واصلت  مصر   العمل خلال الفترة الماضية على التواصل مع جميع الشركاء الدوليين لشرح عدالة موقفها وتقديرها لخطورة الأزمة  ودعوتها للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا  لتحمل مسئولياتها كشركاء استراتيجيين  للبلدان الثلاث وواصلت بالتوازى مع ذلك  تحركاتها  مع الأطراف العربية وأعضاء مجلس الأمن والتواصل مع الأشقاء فى الخليج والدول ذات تأثير على الداخل الإثيوبى بوصفهم  شركاء لهم فى التنمية كالإمارات والمملكة  العربية السعودية وكذلك مع الأشقاء الأفارقة لشرح تطورات ملف سد النهضة والموقف المصرى فى هذا الشأن، وإطلاعهم على حقيقة وضع المفاوضات وتأكيد أهمية الجهود من أجل التوصل لاتفاق قانونى ملزم حول ملء وتشغيل السد على نحو يراعى مصالح الدول الثلاث،  وذلك قبل الشروع فى عملية الملء الثانى واتخاذ أى خطوات أحادية. 

وكانت رسالة مصر واضحة فى كل تلك الاتصالات، بأن استمرار الموقف الإثيوبى على جموده وتعنته هو من قبيل تهديد الأمن والسلم الإقليمى والدولى، مما يستدعى تدخل الشركاء الدوليين والأشقاء العرب والأفارقة لمزيد من الضغط على الموقف الإثيوبى للامتثال لقواعد القانون الدولي، والتوصل للاتفاق القانونى المنشود الذى يكفل مصلحة الجميع.

 

بعد تصريحات رئيس مجلس الأمن واستباقه قرار المجلس المكون من 15 عضوًا وتوقعه بأن المجلس لن يقدم جديدًا فى هذه القضية ..البعض يتساءل ما الفائدة من الذهاب إلى المجلس ؟

بكل تأكيد مصر والسودان فى حاجة للتمسك بكل الوسائل الدبلوماسية الممكنة وذلك لإشهاد المجتمع الدولى على تعنت الجانب الإثيوبى الذى يقود المنطقة إلى حلقة من الاحتكاك الدولى والتوتر فى منطقة تعد جغرافيًا من أهم المناطق الاستراتيجية فى العالم  كونها مجاورة لمضيق باب المندب والتى من الممكن فى حالة اضطرابها بأن تهدد حركة الملاحة الدولية والسفن والأساطيل البحرية وخطوط إمدادات النفط والغاز مما يهدد أمن الخليج والبحر الأحمر ومضيق باب المندب. 

ولذلك يُشكل التحرك المصرى، بالتعاون مع دولة السودان باتجاه عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولى إعادة إحالة لملف سد النهضة للآلية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين وهى آلية مجلس الأمن الذى عليه أن يضطلع بمسئولياته كاملة تجاه محاولة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم من خلال تمرير القرار العربى المقدم من الجامعة العربية، والذى روج له عدد من الأطراف العربية وكل من مصر والسودان. 

فمشروع القرار العربى يحمل فى طياته الحق الكامل للجانب الإثيوبى فى تنمية موارده المائية والكهربائية دون المساس بحق مصر المكتسب فى مياه النيل وكذلك دولة  السودان الشقيق،  والأمر الأهم هو أنه بانعقاد جلسة مجلس الأمن مرتين خلال مدة زمنية قصيرة دليل على إدراكهم أهمية هذا الملف. 

سبق أن تمت مناقشة الملف فى مجلس الأمن؛ فهل من الممكن أن يتخذ المجلس قرارًا، أم أن تكون الجلسة كسابقتها فى العام الماضى؟

لقد مثّلت إحالة الملف للاتحاد الإفريقى فى جلسة المجلس السابقة والتى نظرت الأزمة بناء على طلب مصر،  مدخلًا طبيعيًا لتولى المنظمة الإقليمية (الاتحاد الإفريقى) مسئولياتها، لكن بعد فشل رئاسة جنوب إفريقيا والرئاسة الكونغولية فى الوساطة،  كان من الطبيعى أن تعود مصر مرة أخرى بالملف لذات الجهة التى أحالت الملف للاتحاد الإفريقى حتى تتحمل مسئولياتها تجاه حفظ السلم والأمن الدوليين الذى بات مهددًا نظرًا لأن إقليم شرق إفريقيا كما أشرت هو أحد الأقاليم الجغرافية الاستراتيجية المرتبط  بخط المضايق وباب المندب وحركة الأساطيل البحرية العسكرية والتجارية، ًومن ثم  ارتباطه بأمن الخليج  وأمن البحر الأحمر وحركة صادرات النفط عبر البحر الأحمر والمحيط الهندى مرورًا بباب المندب  وقناة السويس. 

من هنا كان من الضرورى  أن يعى المجتمع الدولى أن المشهد بات مهددًا للأمن الإقليمى والأمن الدولى وأنه على مجلس الأمن تحمل مسئولياته. 

وبلجوء مصر إلى المجلس  تؤكد أنها لن تقبل تكرار سابقة الملء مهما كان مستواها، فتكرار عمليات الملء هو إضرار بالصبغة القانونية للاتفاقيات القائمة من خلال توليد حق الناتج عن الممارسة الفعلية التى لم يعترض عليها الأطراف.

لكن مصر اعترضت على الملء الأول وكذلك تعترض على الملء الثانى الذى هو فى تناقض كامل مع اتفاقية إعلان المبادئ أو الاتفاق الإطارى الموقع بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا فى الخرطوم فى مارس 2015 والداعى إلى التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم للملء والتشغيل. 

هناك من يرى أن مجلس الأمن ليس الحل ولكن اللجوء إلى التحكيم الدولى بطلب مستعجل لإيقاف عملية الملء حتى ينتهى التحكيم؟  إثيوبيا تسعى إلى الوصول إلى الملء الثانى للسد دون الالتزام بتعهداتها وفقا للاتفاق الإطارى الذى كان يفرض عليها ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل بدء عمليات الملء الأحادى الأول أو الثانى.

وبناء على ذلك، فإن مصر لها كل الحق وكذلك السودان أيضًا فى دعوة مجلس الأمن للانعقاد لأن أمنهما القومى بات مهددًا،  وفى جميع الأحوال أنه من حق الدولة ولحين اتخاذ مجلس الأمن لقراره وفقا لمنطوق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أن تتخذ من التدابير ما يحول دون وقوع ضرر على أمنها القومى واستخدام كل الوسائل لتحقيق ذلك. 

كما يتوجب علينا أن نوجه أنظار العالم من خلال مجلس الأمن أننا لسنا أمام ملف تنموى ولكن ملف مهدد للأمن والسلم الدوليين وأنه على مجلس الأمن بوصفه الآلية الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين أن يتحمل مسئوليته فى هذا الصدد ومن هنا تكون زيارة الوزير سامح شكرى مهمة جدا، بالإضافة إلى التحركات المهمة التى قام بها مكتب الجامعة العربية فى نيويورك وكذلك الدول أعضاء اللجنة المكلفة من مجلس جامعة الدول العربية بالتباحث مع أعضاء مجلس الأمن ومندوبيهم الدائمين من أجل وضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته  وربما السيد سامح شكرى من خلال اتصالاته يضمن المزيد من الدعم لمشروع القرار العربى الذى سيتم تقديمه بما يضمن لإثيوبيا حقها فى التنمية وتوليد الكهرباء ولكل من مصر والسودان حقوقهما المائية المكتسبة. 

 وهل تتوقعون استجابة من المجتمع الدولى هذه المرة  لمساعى مصر وعدالة موقفها فى قضية مياه النيل، ومخاطر اتخاذ إثيوبيا  أى إجراءات أحادية جديدة ؟ 

المجتمع الدولى يدرك عدالة الموقف المصرى، وأن  مصر لديها المنطق والحق وشرعية القانون الدولى فى هذه القضية لأنها تتحدث عن نهر دولى وليس نهرًا  محليًا فى إثيوبيا، وبأن الجانب الإثيوبى ملزم بتقاسم السيادة فيما يخص التشغيل المشترك للسدود على نهر النيل وقد تمت دعوة الإثيوبيين  إلى مفاوضات سد النهضة بحسن نية وأن مياه نهر النيل حق مصر والسودان وإثيوبيا وليس إثيوبيا منفردة . 

كما يعى بأن مصر تصطف بقوة مع المجتمع الدولى من أجل رفض الخروقات الإثيوبية لاتفاقية الإعلان الإطارى الموقعة، ولممارساتها المغايرة  لقواعد القانون الدولي  المنظمة للعلاقة بين الدول المتشاطئة على نهر دولى.

فى مقابل استمرار إمعان إثيوبيا فى موقفها وتعنتها الذى قاد عشر سنوات من المفاوضات بين الدول الثلاث  إلى الفشل، كما أفشل جهود الاتحاد الإفريقى سواء فى فترة  الرئاسة الجنوب إفريقية أو الرئاسة الكونغولية. 

ولذلك فعلى المجتمع الدولى أن يتحمل مسئولياته كما ذكر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا الشأن . 

كما أن الهدف من لجوء مصر إلى  مجلس الأمن هو إحاطته بمخاطر الوضع الذى قد يقود إلى عدم استقرار إقليمى شامل،  ورسالة منها بأن تهدئة هذه المنطقة أمر يخص الأسرة الدولية وليس الدول الثلاث المعنية فقط؛ بل يخص دول الخليج والدول الكبرى أيضا التى ستتضرر  مصالحها هى الأخرى إذا حدث صراع إقليمى فى تلك المنطقة. 

لذلك  أتوقع  أن تقود تحركات الدبلوماسية المصرية الأخيرة فى جميع الاتجاهات والموقف العربى الداعم لنا إلى الضغط الإقليمى والدولى على الموقف الإثيوبى بما يحقق إرجاء عملية الملء الثانى للسد،  فى حالة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بحيث تتاح الفرصة الزمنية الممكنة لمزيد من التدخلات والوساطات الدولية والعمل فى إطار مناسب للتفاوض من أجل حل الأزمة، فمنطقة القرن الإفريقى مرتبطة  بأمن الخليج والممرات البحرية والتى قد تتعرض لتوترات حال استمرار التعنت الإثيوبي.

بايدن تحدث عن جهود أمريكية للتوصل لاتفاق يضمن أمن مصر المائى، لكن لم يلاق طلب مصر بالضغط من أجل تشكيل مبادرة دولية لحل الأزمة أو اقتراح العودة للاتفاق الذى رعته سابقًا الإدارة الأمريكية قبل أن تتحفظ إثيوبيا عليه .. استجابة من واشنطن رغم التصريحات الأمريكية بأنهم يتفهمون القلق المصرى ولن يتركوا 100 مليون مصرى يواجهون العطش ؟

المؤكد أن هناك حلولًا كثيرة كان من الممكن أن تضع حدًا لهذا التعنت الإثيوبى منها اتفاقية واشنطن التى أشرتِ إليها، حيث تبنتها الإدارة الأمريكية تحت رعاية وزير الخزانة الأمريكى نفسه فى الفترة من أكتوبر 2019 حتى فبراير 2020،  بحضور البنك الدولى وكانت مسودة مشروع الاتفاق جاهزة للتوقيع وبالفعل وقع عليها السيد سامح شكرى بالأحرف الأولى بينما امتنع الوفد الإثيوبى عن الحضور دون أسباب واضحة فى سابقة دبلوماسية غير مألوفة. 

الأمر الذى يجعل من الضرورى التأكيد على أن إدارة الرئيس الأمريكى بايدن والتى تسعى من خلال مبعوثها  جيفرى فيلتمان إلى المنطقة من أجل التوصل إلى حل بأن تدرك تماما أهمية وجود دور لطرف ثالث للوساطة سواء كان هذا الطرف الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبى من أجل  مساعدة الأطراف الثلاث للتوصل إلى حل الازمة. 

وهذا بالفعل ما سيتضمنه مشروع القرار العربى المقدم إلى مجلس الأمن، أى مشاركة المجتمع الدولى للاتحاد الإفريقى من خلال وسطاء من الأطراف الثلاثة التى ذكرتها كى تساعد الاتحاد الأفريقى كشركاء ووسطاء فى التوصل إلى حلول تقود الانفراجة فى هذا المشهد الذى يهدد الأمن والسلم والاستقرار العالمى.

وما تعليق معاليكم على ما يذهب إليه البعض من تضاؤل فرص الحل الدبلوماسى للأزمة  ومن يتحدث عن أن الصدام ربما أصبح أمرًا حتميًا الآن وربما يفتح طريقًا للخيار العسكرى بشكل تلقائى، خاصة إذا لم ينجح مجلس الأمن فى إيقاف مساعى إثيوبيا فى الملء الثانى للسد ؟ 

بكل تأكيد ندرك جميعًا أن المسار التفاوضى هو المسار الأولى والأهم، ولكن إذا ما تهدد أمنك القومى تتيح لك مواد ميثاق الأمم المتحدة الدفاع عن مصالحك أو ما يهدد أمنك القومى بالشكل الذى تراه مناسبًا؛ بمعنى أن مصر ستعطى للحل الدبلوماسى كل مساحاته وسوف تُشهد المجتمع الدولى على ذلك وهذا مهم جدا فى جلسة مجلس الأمن؛ حيث سوف تتقدم بمشروع قرار عادل ومنصف للأطراف الثلاثة خلال الجلسة: حق إثيوبيا فى توليد الكهرباء والاستفادة من مواردها ولكن دون الإضرار بمصالح كل من مصر والسودان  المائية المستقرة عبر تاريخهما. 

ولذلك أعتقد أننا أمام مشهد دولى مهم، وعلى المجتمع الدولى أن يتحمل مسئوليته إزاء هذا الملف كما شدد السيد الرئيس. 

ما لم يكن ذلك فسوف تتيح لك المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الدفاع عن مصالح أمنك القومى بالشكل الذى تراه مناسبًا. 

فالمياه هى هبة إلهية لا يمكن لطرف أن يحجبها عن طرف آخر أو يحقق أدوات تنميته على حساب بلدان أخرى ومصر لن تقبل فى جميع الأحوال بفرض الإرادات والهيمنة المائية و الأفعال الأحادية التى تضر بالعلاقات التاريخية بين دول حوض النيل.