السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخلافة الرقمية (5) : تليجرام وأخواته.. خبايا مصانع الإرهاب «المشفر» المملوكة لـ«داعش»

عملت داعش منذ اللحظة الأولى لإعلان دولتها على أرض الواقع على عمل نسخة احتياطية منها على الإنترنت وكأنها buckup للخلافة فى حال تم محوها من الواقع لتستمر بشكل افتراضى، وهو ما حدث.



فرغم تمكن التحالف الدولى من تحرير جميع الأراضى التى احتلها التنظيم فى العراق وسوريا والقضاء على %90 من قوته، فإنها لاتزال موجودة كدولة بأركانها الأساسية، ولكن «إلكترونية»، اتخذت من الإنترنت أرضًا للخلافة الموازية.. ومن متابعى حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعى شعبًا.. وصنعت جيشًا من الكتائب الإلكترونية ونظامًا ماليًا وسلطة افتراضية تدير كل ذلك.

وفى هذه الحلقات «روزاليوسف» تنشر لكم تحقيقًا عن تفاصيل وأسرار خطة للتنظيم لضمان بقاء دولتهم الدموية «افتراضيًا» رغم كل ما تعرضوا له من هزائم.

 

مغامرة محفوفة بالمخاطر، خاضها «إروين»، 26 عامًا، طالب فرنسى فى علم الأنثروبولوچيا، عندما قرر الاقتراب أكثر من تنظيم داعش وشبكاته على الإنترنت، وإجراء لقاءات مع جهاديين عبر شبكات التواصل الاجتماعى والتطبيقات المشفرة، من أجل إجراء بحث ودراسة معمقة حول تنظيم الدولة.

«أبو جعفر»، هو الاسم المستعار الذى اختاره  الطالب لتنفيذ المهمة، قبل أن يشارك بدأب فى حملات الدعاية للتنظيم الإرهابى لينال ثقة عناصر التنظيم على الإنترنت، مقدمًا نفسَه لهم كجندى للخلافة، ومؤيدًا لها، لدرجة جعلته يتلقى الكثير من الدعوات من أجل الهجرة إلى العراق وسوريا.

لم يتوقف «أبوجعفر» عند هذا الحد؛ بل  قرر تأسيس غرفة دردشة سرّيّة على تطبيق «تليجرام» لهذا الغرض، ولم يدرك وقتها أن هذه الغرفة ستكون سببًا فى أسوأ نهاية يمكن أن يتخيلها على الإطلاق.

 سرعان ما تحولت قناة أبو جعفر على تليجرام إلى قِبلة لعناصر داعش، وجمعت داخلها «أفرادًا كل منهم أخطر من الآخر»، كما ذكرت المحكمة الفرنسية فى حيثياتها فيما بعد.

أبرز الحاضرين بالغرفة كان الإرهابى «رشيد قاسم»، التنظيمى الخطير الذى كان يعيش فى أراضى التنظيم بالعراق، والمطلوب دوليًا بسبب مسئوليته عن التخطيط لأكثر من 15 عملية إرهابية فى فرنسا لصالح «داعش»، منها ما تم تنفيذه بالفعل وأخرى تم إحباطها.

وجد «قاسم» أمامه مجموعة من الشباب الفرنسيين الموالين لداعش؛ فقرر أن يمارس هوايته المفضلة فى صناعة ذئاب منفردة تنهش فى فرنسا لصالح دولة الخلافة.

عن طريق هذه المجموعة جَنّد «قاسم» شابًا عشرينيًا من بولينيزيا اعترف فيما بعد أنه كان ينوى مهاجمة مركز شرطة أو يقتل عناصر من الجيش تنفيذًا لتوجيهات «قاسم»، وانتقامًا من «فرنسا التى تحارب المسلمين»- على حد تعبيره.

وعن طريق هذه المجموعة تمكن «قاسم» من استقطاب «العروسى عبدالله» الذى قَتل شرطيًا ورفيقته فى ضاحية باريسية، فى يونيو 2016. 

وكانت المجموعة أيضًا سببًا فى العلاقة التى نشأت فيما بعد بين «قاسم» من جانب، والإرهابيين «عادل كرميش» و«عبدالمالك بوتيجان» من جانب آخر، وأسفرت فى النهاية عن ذبح كاهن داخل كنيسته فى سانت إتيان بالقرب من مدينة روان غرب فرنسا فى يوليو 2017.

فى نهاية الأمر، وجد الطالب الفرنسى نفسه أمام المحاكم الفرنسية، مع 15 شابًا آخرين، جميعهم متهمون بالتخطيط لتنفيذ اعتداء إرهابى، ومراسلة «رشيد قاسم» القيادى بداعش عبر «تليجرام». 

قضية الطالب الفرنسى أثارت جدلًا كبيرًا فى الغرب، ودقت ناقوس الخطر حول خطورة تطبيق «تليجرام» ودوره فى صناعة الإرهاب.

قاعدة للحرب الرقمية 

 كان الهدف الرئيس من تطوير تطبيق «تليجرام» فى 2013، على يد المبرمج الروسى الشهير «بافل دوروف»، توفير وسيلة اتصال مشفرة تتيح خدمة إرسال واستقبال الرسائل بشكل آمن، وذلك للتغلب على عمليات الملاحقة والمراقبة التى تنتهجها الأجهزة الأمنية الروسية ضد المواطنين، والتنصت على اتصالاتهم الشخصية.

حقق التطبيق فى بداية ظهوره الغرض الرئيس منه، ونجح فى لفت الأنظار بشدة، وفى سنوات قليلة أصبح التطبيق الأكثر شعبية فى العالم؛ حيث يستخدمه أكثر من 400 مليون مستخدم نشط شهريًّا طبقا لآخر الإحصائيات فى 2020.

كان «تليجرام» على رأس قائمة وسائل الاتصال المعتمدة لدى تنظيم «داعش» منذ 2014، وضمن خطته الرقمية لتكريس وجوده بالمنصات المشفرة على شبكة الإنترنت، أولًا بسبب مميزات التطبيق التى لا يضاهيها فيه أى تطبيق آخر، وثانيًا بسبب الضغوط التى تعرّض لها التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعى التقليدية، بعد أن شنت شركات التكنولوچيا المالكة للشبكات ومعها الحكومات الغربية حربًا شرسة ضد نشاطه الإلكترونى، واتخذه بديلًا لمواقع التواصل الاجتماعى، قبل أن يتحول تدريجيًا من أداة بديلة إلى رئيسة، تستحوذ على مساحة مهمة من أنشطته الرقمية منذ 2015 حتى نهاية 2019.

استراتيچية «داعش» على «تليجرام» لا تختلف كثيرًا عن نظيرتها فى وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، مع بعض الإضافات البسيطة، التى فرضتها طبيعة التطبيق ومميزاته.

يستخدم «داعش» «تليجرام» كقاعدة لشن المناورات الإعلامية أو الغزوات الإعلامية- على حد تعبير عناصره- ويهدف من هذه المناورات إلى شقين، الأول دفاعى، يحافظ به على تواجد التنظيم ومحتواه على مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك عبر تجنيد مستخدمى «تليجرام» المؤيدين له وتوجيههم عبر غرف وقنوات التطبيق لمواجهة حرب الحذف والحجب التى تمارسها الشركات ضده، وإعادة بناء حسابات جديدة للتنظيم على وسائل التواصل الاجتماعى بدلاً من المحذوفة، ثم نقل الدعاية والأفكار والمحتوى من «تليجرام» لمنصات التواصل الاجتماعى الأكثر انفتاحًا على العالم، وفى حال أغلقت هذه الصفحات مرّة أخرى فيما بعد، يمكن للعنصر العودة لـ «تليجرام» من جديد لنقل المحتوى مجددًا للصفحات الجديدة، وهكذا.

 أمّا الشق الثانى؛ فهجومى من الدرجة الأولى، يستغل التنظيم خلاله مؤيديه على «تليجرام» لتنفيذ هجمات إعلامية ضد القنوات والصفحات المناهضة له، عبر استهداف مجموعة من القنوات والصفحات داخل وخارج «تليجرام»، ونقل أسمائها لباقى مستخدمى التطبيق المؤيدين لـ «داعش» فى غرف دردشة مغلقة، لـ يشنوا جميعًا حملة للإبلاغ عن هذه الصفحات لإغلاقها أو تعليقها، أو الرّد على محتواها فى أسوأ الأحوال.

يقول التنظيم فى إحدى رسائله لمستخدميه على التطبيق: «أخى العزيز، لا تسجن نفسك فى قنوات تليجرام؛ لأن معظم أعضاء قناتك هم من أنصار الخلافة، ولكى نكسر السلسلة، انضم إلى قنوات ومواقع التواصل الخاصة بالكفار، هذه التحركات تزعج أعداءك».

عبر «تليجرام» أيضًا أسَّسَ «داعش» شبكة موزعة وضخمة استخدمها للدعاية، عبر نشر الأخبار، والفيديوهات الدعائية، وتنظيم الدعم المالى، وإصدار تقارير وتحديثات حول نشاطه العسكرى، والوصول عالميًا إلى المجندين المحتملين، والترويج لصورة طوباوية حول الحياة اليومية فى المناطق التى يسيطر عليها، ومحاربة أفكار العدو والتحريض ضده، ونشر جرائمه المزعومة ضد التنظيم.

فى البداية كان التطبيق مجرد «محطة» ثانوية؛ لنشر الدعاية والمحتوى، يلتقط منها العنصر المواد التحريضية والمنشورات والملفات، ويبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، أو يحوّلها إلى وسوم وتغريدات يتم تناقلها سريعًا داخل «فيس بوك» و«تويتر».

لكن فيما بعد، أصبح «تليجرام» منصة مهمة ورئيسة لنشر الدعاية، وتخزين المحتوى، ومع وجود خاصية البحث فى منشورات القنوات، وغرف الدردشة والرسائل الفردية أيضًا، أصبح التطبيق بمثابة قاعدة بيانات مجانية ومتاحة للجمهور، يمكن الوصول إلى محتواها بمجرد البحث، سواء عن طريق الهاتف الخلوى أو واجهة التطبيق المستندة إلى الويب، وهو ما حقق استفادة كبيرة لـ«داعش» بعد حذف محتواه من «جوجل» و«يوتيوب» ومواقع التواصل.

استخدم «داعش» المنصة أيضًا لتجنيد وتدريب الذئاب المنفردة عن بُعد، ومشاركة المواد التعليمية التى تدرّب هذه العناصر على التواصل بأمان والتهرب من المراقبة، وتنفيذ عمليات إرهابية بنجاح، والاحتفاء بهذه العمليات والتحريض على تكرارها. 

 

تطبيق إرهابى بامتياز

يتمتع التطبيق بالعديد من الخصائص التى تميزه عن تطبيقات المراسلة الأخرى، وتجعله أداة مثالية للتنظيمات الإرهابية، أهمها اعتماده على تقنية التشفير الخاصة على هواتف المستخدمين، وليس عبر خادم وسيط، ما يجعل الرسائل تتمتع بخاصية التشفير من النهاية إلى النهاية، وتمنع أى شخص- باستثناء المرسل والمتلقى- من الوصول إلى الرسائل المتبادلة، وهو ما يفرض صعوبات على إمكانية التجسُّس على المحادثات.

 يوفر التطبيق أيضًا خاصية التدمير الذاتى للرسائل؛ حيث يُمكن للمستخدم، قبل أن يرسل الرسالة، ضبط مؤقت التدمير الذاتى على مدة محددة، فتختفى الرسالة تلقائيًّا وبشكل دائم من كلا الجهازين بعد أن يقرأها المتلقى. 

كما يستند «تليجرام» إلى السحابة من أجل تخزين البيانات، ما يجعله متاحًا على العديد من الأجهزة المختلفة، مثل أجهزة الكمبيوتر التى تعمل بنظامى ويندوز ولينكس، ويساعد ذلك المستخدم فى إرسال الرسائل والوصول إليها من أى مكان وعبر أجهزة متعددة بجانب الهاتف المحمول، وهى خاصية غير موجودة فى تطبيقات المراسلة الأخرى.

ميزة أخرى مهمة فى التطبيق، هى أنه يوفر وسيطًا آمنًا لمشاركة وتحميل الملفات الكبيرة مباشرة دون الاضطرار إلى فتح وصلات خارجية.

الأمر الوحيد الذى كان عائقًا للتنظيم فى بداية استخدامه لـ«تليجرام»، هو ضرورة وجود رقم هاتف محمول لتسجيل الحسابات الجديدة، والتحقق منه بعد التسجيل من خلال رسالة نصية بهدف تنشيط الحساب، والعائق هنا أن استخدام أرقام الهواتف الفعلية قد يُعرّض عناصرَه للملاحقة أو الكشف عن هوياتهم الحقيقية.

لكن «داعش» تمكن فيما بَعد من التحايل على هذا الأمر بطريقتين، الأولى باستخدام أرقام هواتف وهمية يتم إنشاؤها عبر تطبيقات مخصصة لذلك، من أجل تسجيل الحسابات الجديدة، على أن يستقبل التطبيق أيضًا كود التفعيل فى رسالة مباشرة أو عبر تسجيل صوتى ومن ثم تنشيط الحساب بسهولة.

والثانية عن طريق استخدام رقم هاتف محمول حقيقى لمرّة واحدة فقط من أجل التسجيل، وبمجرد التحقق من المستخدم، يتم التخلص من الرقم نهائيًا، وهذه الطريقة هى الأكثر شيوعًا بين عناصر التنظيم فى سوريا والعراق تحديدًا.

 قنوات الموت

تعتبر خاصية إنشاء قنوات عامّة وغرف دردشة، إحدى أهم خصائص التطبيق، التى جعلته الأفضل لدى «داعش» وعناصره.

قنوات «تليجرام» فضاءٌ عامٌّ، يمكن أن ينضم إليه عددٌ لا نهائى من المشتركين وبلا شروط، ومتابعو القناة لا يستطيعون رؤية أو معرفة هوية المتابعين والمشتركين الآخرين، ولا يمكن لأحد بما فى ذلك مدير القناة رؤية أرقام المشتركين بها، كما أن الإرسال يكون باتجاه واحد؛ أى أن مدير القناة هو الوحيد القادر على الكتابة داخلها، وتمكنه الإعدادات من عدم السماح للمشتركين بالتعليق نهائيًّا، أو السماح لحسابات محددة بالتعليق.

 يستخدم «داعش» القنوات العامّة لنشر الدعاية والأخبار الرسمية فقط، ويبث ما يصل إلى 200 مشاركة يوميًا فى القناة الواحدة، وفى الغالب تتكرّر نفس المشاركات فى باقى القنوات التابعة له، والتى تدار جميعها من قِبَل عناصر إعلامية موثوق بها. 

أمّا غرف الدردشة فتعتبر فضاء أكثر خصوصية من القناة له حد أقصى من المشتركين، نحو 20 ألفًا، ويسمح لأعضائه بإرسال الرسائل والتعليقات والتفاعل والمناقشة مع بعضهم البعض ومشاركة المعلومات والإبلاغ عن الجواسيس والقنوات والغرف التابعة «للعدو».

يمكن للمشتركين بالغرفة معرفة باقى الأعضاء وأرقام هواتفهم، والتواصل معهم على الخاص إذا أرادوا، ومع ذلك، يحصل مسئولو المجموعة على أذونات لتقييد الرسائل من الأعضاء، وجعل المجموعة عامّة أو خاصة، وتحويل الأعضاء العاديين لمسئولين، وما إلى ذلك.  

 يدير غرف الدردشة عناصر تنظيمية إعلامية فى معظم الأحيان، وتضم مزيجًا من عناصر التنظيم وأنصاره الموثوق بهم، ويمنع دخول أى شخص مشكوك فى ولائه. 

يمكن أن تتضمن غرف الدردشة  تعليمات محددة قبل طلب الدخول إليها: (لا للمشركين والشيعة والنساء، ولا للإهانات واللغة البذيئة).

المحتوى السائد داخل غرف الدردشة شديد التنوع مقارنة بالقنوات، نجد بها صورًا دعائية ولقطات لقطع الرؤوس ودعوات للتجنيد ومقاطع فيديو وملفات صوتية وأناشيد ورموزًا تعبيرية وملصقات، وصور «GIF»، وميمات بطولية أو مضحكة، بجانب المحتوى الرسمى الذى ينشره «داعش» على القنوات ويعيد أعضاء الغرفة نشره فى مساحات الدردشة الخاصة.

يتراوح عمر غرف الدردشة، من بضع ساعات إلى ما يصل إلى سبعة أيام، قبل أن تغلق لاعتبارات أمنية، ويدشن المسئول بديلًا لها بنفس الاسم أحيانًا.

 فى 2017 نشرت مجلة الإرهاب والعنف السياسى البحثية الأمريكية دراسة لعدد من باحثيها، راقبوا يوميًا ولمدة ثمانية أسابيع، 19 قناة وغرفة لـ «داعش» على «تليجرام».

أكدت الدراسة أن الوصول لقنوات وغرف «داعش» على «تليجرام» يمثل تحديًا كبيرًا لغير المرتبطين بعلاقة مع التنظيم؛ بسبب أن مديرى القنوات يختارون لها أسماء لا تدل على أى ارتباط بالتنظيم كى لا تتعرض للملاحقة. والمفتاح للوصول إلى الغرف والقنوات هو معرفة أسمائها أو عناوينها.

اللافت للنظر، أن الباحثين أنشأوا حسابات بـ هويات مستعارة لذكور وإناث للانخراط فى هذه الشبكة دون أن يشك فيهم أحد، واستخدموا أسماء مجهولة مع كُنَى مثل «أم» أو «أبو» لتحديد الجنس.

وذكرت الدراسة أن الباحثين الذين استخدموا أسماء نسائية مستعارة تعرّضوا للتحرش الإلكترونى من قِبَل أنصار التنظيم وعناصره، وأرسل عددٌ كبيرٌ منهم رسائل خاصة للحسابات النسائية بالعربية والإنجليزية، من أجل التعارف أو تقديم عروض الزواج والعمل، أو للمساعدة فى تسهيل السفر إلى الشام (سوريا). بينما حسابات الذكور لم تتلق رسائل مباشرة أو أى عروض مشابهة.

 منصة للذئاب

نجحنا فى الوصول إلى قنوات «داعش» المتخصصة فى تجنيد وتدريب الذئاب المنفردة من خلال أحد مواقع التنظيم على الإنترنت المظلم؛ حيث نشر أحد عناصره الإعلامية أكثر من 10 روابط تخص قنوات للذئاب المنفردة فقط، مع رسالة قصيرة: «إلى الذئاب المنفردة.. لنجتمع على تليجرام». 

داخل هذه القنوات أمضينا وقتًا كبيرًا فى متابعة محتواها وآلية عملها، ورصدنا تحوّلها لأرشيف كامل لكل المواد التجهيزية التى بثها «داعش» منذ تأسيسه لتدريب وتجهيز الذئاب المنفردة، بجانب دورها فى نشر أخبار الذئاب المنفردة حول العالم، والاحتفاء بهم.

يستخدم التنظيم قنواته كأدوات لوجستية لتوصيل الدعاية إلى الذئاب المنفردة فى كل أنحاء العالم بلغات مختلفة، ودعمهم معنويًا وماديًا، ويوفر لهم قوائم ببيانات وعناوين أفراد وعسكريين لاستهدافهم- يحصل عليها عن طريق القرصنة- وينشر لهم التدريبات والتوجيهات والتعليمات وطرُق التخفى لتنفيذ عمليات فردية ناجحة، ويمدهم بأدوات لتأمين محادثtاتهم وتحركاتهم عن طريق استخدام محرك بحث «تور»؛ ليتمكنوا من تفادى الملاحقة والمراقبة على الإنترنت، بالإضافة إلى إمدادهم بمعلومات لوجستية محددة حول الأدوات والمواقع والتكتيكات المناسبة لتحديد الهدف.

وفقًا لتقرير لجنة الأمن الداخلى بالولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2016، ارتبط «تليجرام» بما لا يقل عن 75 هجومًا إرهابيًّا نفذه تنظيم «داعش» ضد دول الغرب منذ أوائل 2014، منهم 34 لذئاب منفردة.

وكشفت التحقيقات الرسمية أن قنوات التطبيق كانت وسيلة رئيسة للتحريض على الهجمات الإرهابية فى باريس عام 2015، وتجنيد مرتكبى هجوم سوق عيد الميلاد فى برلين 2016، وتوجيه ودعم منفذ هجوم ليلة رأس السنة فى مَلهَى رينا الليلى فى إسطنبول 2017، ومنفذ هجوم مانشستر أرينا الإرهابى فى بريطانيا، مايو 2017.

قناة «أسرار المجاهدين» التابعة لـ «داعش» على التطبيق، كانت مهمتها الرئيسة، قبل إغلاقها فى مايو 2016، تقديم الإرشادات للذئاب المنفردة وتدريبهم على تصنيع متفجرات من المواد الموجودة فى المنزل. ومن ضمن الموضوعات التى اهتمت بها القناة، جمع المعلومات من الفضاء السيبرانى عن مواقع تخزين الأسلحة الكيميائية لسرقتها واستخدامها فى عمليات إرهابية.

قناة أخرى تابعة لـ «داعش» على «تليجرام»، تسمى «المجاهد الوحيد»، دعت فى 2017 لتنفيذ هجوم إرهابى أثناء بطولة ويمبلدون للتنس، وتضمنت الدعوة نشر خريطة فعاليات بطولة ويمبلدون وقتها، كما أعدت وسومًا من أجل هذا الغرض.

 بدائل تليجرام 

فى نوفمبر 2019 شنت الشركة المالكة لتليجرام جولة أخيرة من حربها ضد قنوات ومنصات «داعش» على التطبيق، أغلقت خلالها معظم قنواته.بَعدها تحرك التنظيم فى اتجاهين لتعويض خسائره:

استمر فى إنشاء قنوات مغلقة على «تليجرام»، وتمكن من تكوين ثلاث مجموعات خاصة مع التنبيه على المنضمين بعدم بث أو نقل روابط تلك القنوات ومنع نشرها بشكل عشوائى لحين الانتهاء من تأمينها.

 ثانيًا، البحث عن تطبيقات بديلة وآمنة، لتعويض خسائره على تليجرام، ووقع الاختيار على التطبيق الروسى «تام تام». 

دشن التنظيم قناة رسمية لـ«وكالة ناشر للأنباء»، المروّج الرئيس لأخبار التنظيم، على منصة «تام تام»، فى نهاية نوفمبر 2019، واجتذبت فى أسبوعها الأول أكثر من 1،100 مشترك، بجانب مئات الحسابات المؤيدة له.

على الجانب الآخر، تأثرت الاتصالات الفردية لعناصر التنظيم على «تليجرام» بالحرب القائمة ضده، فأصبح لا يستخدم التطبيق كأداة اتصال فردية بين عناصره إلا قليلًا، وفى إطار ضيق للغاية، خشية رصد هذه المكالمات وتعرُّض عناصره للخطر.

وفى المرّات القليلة التى حدث فيها اتصال بين عنصرين تابعين لداعش عبر تليجرام، استخدم التنظيم طرُقًا معقدة لضمان تأمين الاتصال، أبرزها الاتفاق على «كلمة سر» بين الطرفين قبل التواصل.

للتوضيح أكثر، فى حال أراد عضو بداعش إجراء اتصال عبر التطبيق بأعضاء آخرين، تحديدًا الأجانب الموجودين خارج أراضى التنظيم؛ فإنه يستخدم وسطاء معروفين وموثوق بهم للوصول إلى الطرف الثانى،والاتفاق معه على «كلمة سر» سوف يذكرها الطرفان أثناء المكالمة  للتأكد من صحة هوياتهما، وضمان التواصل بأمان.

وفى 2018، لجأ التنظيم لتطبيقات مغمورة تتمتع بتشفير قوى وتوفر تواصل آمن؛ لإتمام الاتصالات الفردية بين عناصره.

أهم هذه التطبيقات، وفق ما توصلنا إليه أثناء التحقيق، تطبيق «كونفرزيشن- Conversations».