بعد 14 عاما من التوقف عن الغناء: روبى عادت لتنتقم من «سلفيو الموسيقى»

محمد شميس
«كثيرًا ما ننجذب للنقد السلبى.. ما أمتع النقد السلبى لمن يكتبه، ولمن يقرأه، لكن الحقيقة المرة التى يجب أن نواجهها أنه وبكل المقاييس، أحيانًا أتفه الأشياء التى ينتجها الآخرون قد تزيد أهمية عن كل ما نقول، لكن المخاطرة الوحيدة التى يتعرض لها الناقد هى عندما يتحمس ويدافع عن الجديد، فالعالم لا يرحب بالمواهب الجديدة أو التغيير».
هذه هى افتتاحية مقال «أنطوان إيجو» فى فيلم (Ratatouille) الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم صور متحركة للعام 2007، ويبدو أنها ليست مجرد افتتاحية لمقال ضمن أحداث فيلم، ولكنها تعتبر تلخيصًا لمنهج الكثير من النقاد والصحفيين والإعلاميين فى جميع المجالات داخل مصر.
وأكبر دليل على ذلك عندما نتذكر ما قيل عن «روبى» بعد صدور أغنيتها (أنت عارف ليه) عام 2003، وحققت نجاحًا جماهيريًا مدويًا فى كل أرجاء الوطن العربى.
نجاح «روبى» كان مرتبطًا بالاستعراضات والحركات الراقصة التى كانت تؤديها بشكل قد يراه البعض مثيرًا ويداعب مشاعر المراهقين؛ خصوصًا إذا كنا نتحدث عن فترة زمنية كان فيها انتشار الفضائيات المتخصصة فى عرض الأغانى المصورة أمرًا جديدًا على ثقافتنا، وهو ما ساهم بالطبع فى نجاح أغانى «روبى».
هذا النجاح المدوى استفز المحافظين والذين يجوز أن نطلق عليهم «سلفيو الموسيقى»؛ حيث هاجموها بشكل مُبالغ، وكان هجومهم مليئًا بالتلميحات وإلقاء التهم بالكلمات الرنانة التى اعتدنا على سماعها مثل «إفساد الذوق العام»، «هدم الثوابت الأخلاقية»، «التسبب فى انحراف الشباب»، وما إلى ذلك من الكلام «الفارغ» الذى وإن دل على شىء، فهو يؤكد النظرة الضيقة لمن يتحدثون به، بأن هؤلاء أصحاب نفوس مخوخة وضعيفة لدرجة أن هناك مغنية قادرة على إسقاطه بـ«هزة وسط»!
أزمة «روبى» وقتها لم تكن فقط فى التجاهل النقدى لتحليل أسباب النجاح الجماهيرى لتجربتها، بل وصل الأمر للقضاء عندما قام أحد المحامين الذى نصّب نفسَه حارسًا على بوابة «الذوق العام»، برفع دعوى قضائية ضد «حسن أبوالسعود»ـ نقيب الموسيقيين وقتها ـ بسبب قبولها فى نقابة الموسيقيين، وظل يكافح منذ عام 2004 حتى عام 2007 حتى أدرك مراده وتم إلزام «حسن أبو السعود» بشطب عضويتها ورفع اسمها من جدول قيد النقابة.
فبدلاً من أن نتعامل مع الفن بأدواته المعروفة، بالنقد، والتحليل، والحوار، ذهبنا إلى ساحات القضاء!
حالة التربص التى نتحدث عنها لم تكن فى مصر فقط؛ وإنما أيضًا فى سوريا التى أصدر أيضًا نقيب الموسيقيين وقتها «صباح عبيد» قرارًا بمنع «روبى، هيفاء وهبى، إليسا» من الغناء، لنفس الأسباب التى هوجمت «روبى» بسببها فى مصر!
ولكم أن تتخيلوا إذا لم يكن لدى الفنانات الثلاثة روح التحدى، فما كانت لـ«إليسا» أن تنافس «عمرو دياب» فى لقب الأكثر حصولاً على جوائز مهرجان الموسيقى العالمية، قبل أن يحسم نجمنا المصرى الصراع لصالحه بواقع 7 جوائز، وما كنت لـ«هيفاء وهبى» أن تجمع بين موهبتى التمثيل والغناء، وبالمثل «روبى».
والآن ونحن نتحدث فى صيف 2021، سنجد أن فى هذا العام صدرت لـ«روبى» 5 أغنيات، 4 أغانٍ عاطفية، وأغنية منفردة صدرت ضمن مبادرة «واحدة جديدة» لها مضمون اجتماعى مهم، وإذا قمنا بحسبة عدد مُشاهدات هذه الأغانى عبر يوتيوب سنجد أنها مجتمعة حققت نحو «95 مليون مُشاهَدة»!
فمن هو المنتصر الآن؟ «روبى» أم الذين صادروا على موهبتها وأرادوا منعها؟!
عندما نلقى نظرة سريعة على كل الفنانات المصريات المتواجدات على الساحة الفنية، سنجد أن عددًا قليلاً للغاية منهن يقدر على ممارسة الغناء والتمثيل معًا بنجاح يكاد يكون متساويًا فى الكفتين، فلم نجد سوى «روبى»، و«دنيا سمير غانم» من أبناء الجيل الحالى فقط!
ونحمد الله أن «سلفيو الموسيقى» ورعاة الجمود فشلوا فى تحقيق أهدافهم وإلا كنا خسرنا نجمة فنية كبيرة نفخر بها وبمشروعها الفنى الناجح فى التمثيل والغناء.
والحقيقة أن «روبى» هى من الفنانات القلائل اللاتى يمتلكن شخصية «موسيقية»، وهذا أمر يفشل فى تحقيقه الكثير من المغنين المتواجدين على الساحة على مدار أكثر من 10 سنين وهم من أبناء جيلها، فهناك فرق كبير بين مغنٍّ يقوم باختيار أغنيات تناسب صوته، وبين مغنٍّ تُصنَع الأغانى خصيصًا بناءً على شخصيته، وبالتالى فهى لا تصلح أن تُغنَّى بأى صوت فنان آخر.
وفى السياق ذاته يجب أيضًا على «روبى» أن تقوم بتحليل الأرقام التى حصدتها أغانيها الأخيرة لأنها تعطى لنا دلالات كثيرة، فسنجد أن الأغنية الأكثر مُشاهَدة هى (حتة تانية) بواقع 84 مليون مشاهَدة، ويليها أغنية (قلبى بلاستيك) بواقع 7 ملايين مشاهدة، والأغنيتان اعتمدتا على الموسيقى الشرقية الإيقاعية الراقصة، ثم سنجد بعد ذلك أن الأغنيتين الأقل مشاهدة هما (واحدة جديدة) التى صدرت ضمن مبادرة تابعة لمنصة عربية مختصة بشئون وقضايا المرأة، والأغنية الأخيرة (أنا لو زعلانة)، التى تصنف ضمن أغانى الدراما، وهو ما يؤكد لنا ولـ«روبى» أيضًا، أن الجمهور يحب تواجدها فى الأغانى الإيقاعية، التى تجيد «روبى» الرقص عليها فى الحفلات والكليبات أيضًا، وأن الجمهور نفسه لا يتجاوب مع الأشكال الغنائية الأخرى التى تنتجها.
ولا أدرى لماذا نخجل بأن يكون لدينا فى مجتمعنا مغنيون يقدمون الأغانى بشكل استعراضى، ويمزجون الرقص بالغناء، وأن تكون الأغانى معنية فى المقام الأول بمخاطبة المراهقين؟ العالم أجمع ملىء بمثل هذه النوعية من الأغانى؛ بل مصر قديمًا كانت لا تخجل من تواجد مثل هذه النوعية من الأغانى، ولنا فى نموذج «سعاد حسنى» خير دليل على ذلك، فنجاحاتها فى مجال الأغنية على سبيل المثال لم ينتقص من حجم نجاحات المطربات المتواجدات على الساحة وقتها!
فإذا كنا نتحدث عن أزمة حقيقية، فالأزمة لم تكن أبدًا فى المحتوى الفنى، الأزمة تكمن دائمًا فى أصحاب الجمود، الذين يحاولون أن يجعلوا المجتمع له توجه واحد، ولا يسمحون بالتنوع والاختلاف، حتى لو كان هذا الاختلاف فنيًا!.