الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مفاوضات الحسم في أزمة سد النهضة: حقوق مصر المائية تؤيدها التشريعات الدولية

لا تزال الدولة المصرية تتحَلى بالصبر والاتزان فى معركة التفاوض مع إثيوبيا رُغم أن الجانب الإثيوبى انتهج سياسة تقوم على المُمَاطلة والتسويف أدت إلى فشل كل مسارات المفاوضات التى أجريت خلال الأعوام الماضية؛ خصوصًا أن استمرار إثيوبيا فى ملء سد النهضة بشكل أحادى هو تصرُّفٌ غيرُ مسئول ويُعَد مخالفة صريحة لأحكام اتفاق إعلان المبادئ الموقَّع بين الدول الثلاث فى مارس (آذار) 2015، فضلاً عن أنه سوف يُعرِّض دولتَىْ المَصب لمخاطر كبيرة؛ خصوصًا إذا تزامَن مع فترات جفاف.



إذ أعرب وزراءُ الخارجية والرّى فى مصر والسودان عن بالغ القلق إزاء الآثار والأضرار المحتملة لملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادى ومن دون اتفاق مُلزم قانونًا ينظم عمل هذا السد الضخم على حقوق السودان ومصر ومصالحهما المائية، وأكدوا أهمية تضافر الجهود الدولية من أجل الوصول لتسوية لأزمة سد النهضة تراعى مصالح الدول الثلاث وتحقق مصالحها المشتركة.

حاولنا من خلال هذا «الملف» أن نرصد الموقفَ الدولى تجاه مصر من تطورات أزمة سد النهضة بَعد تطور العلاقات التاريخية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ووعد الرئيس الأمريكى «جو بايدن» بحقوق مصر المائية وعدم الإضرار بمصالحها أو المساس بحقوقها التى أقرّتها وأكدتها القوانين والاتفاقياتُ والأعرافُ الدولية، فضلاً عن رفض وزراء الخارجية العرب فى اجتماعهم «غير العادى» عزم أديس أبابا ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل مع تعثر المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا.

«روزاليوسف»

 

«مياه مصر خط أحمر.. ورَدُّ فِعلنا حال المساس بقَطرة مياه أمرٌ سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل»..  بهذه الكلمات كان الرئيس «عبدالفتاح السيسى» يُطمئن المصريين بأن معركتنا الآن هى معركة تفاوُض، وكل يوم الرأى العام العالمى وكبار المسئولين فى دول العالم ترى أن مصر تكسب أرضًا بملف سد النهضة من خلال جدّيتها فى التفاوض بشكل يحقق المكسبَ للجميع ولا أحد يستأثر بشىء. كما أن ما تطلبه مصر بملف سد النهضة أمرٌ لا يَخرج عن القوانين والمعايير الدولية للتعامل مع المياه العابرة للحدود..

وهذا بدأ يظهر بشكل واضح فى تغير الموقف الدولى تجاه الأزمة، وما أكده الاتصال الذى جرَى بين الرئيس «عبدالفتاح السيسى»  والرئيس الأمريكى «چو بايدن»، الذى يُعَد تطورًا مُهمًا جدًا للعلاقات التاريخية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن تفهُّم الرئيس الأمريكى للأهمية القصوى لنهر النيل بالنسبة للمصريين، وتمسك مصر بحقوقها المائية من خلال محاولتها التوصل إلى اتفاق قانونى منصف وفى الوقت نفسه مُلزم يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل السد. ووعَد الرئيس الأمريكى ببذل الجهد من أجل ضمان الأمن المائى لمصر، وتم التوافق بشأن تعزيز الجهود الدبلوماسية خلال الفترة المقبلة من أجل التوصل إلى اتفاق يحفظ الحقوق المائية والتنموية لجميع الأطراف.

ورُغم التحذيرات المتكررة من خطورة استكمال سد النهضة الإثيوبى دون التوصل لاتفاق محدد بشأن ملء وتشغيل السد بين دول المصب؛ فإن القيادة الإثيوبية تُصر على اتباع موقف أحادى مُتخذة فكرة تحقيق التنمية وتوحيد القبائل المتناحرة فى إثيوبيا نحو هدف قومى واحد؛ ذريعة لإتمام المشروع.

‎ولم ينته الأمرُ عند هذا الحد؛ بل أدلى رئيس الوزراء الإثيوبى، «آبى أحمد»، بتصريح يبين مدى التعنت والسير لتحقيق المصلحة الفردية دون النظر إلى مصالح الشركاء فى نهر النيل، فقال إن بلاده سوف تبنى أكثر من 100 سد، بخلاف سد النهضة، فى الفترة المقبلة.

‎يأتى ذلك فى الوقت الذى تحاول فيه كلٌ من مصر والسودان توضيح مدى خطورة السد وتنفيذ الملء الثانى، الذى تؤكد أديس أبابا أنه سيتم فى موعده خلال موسم الفيضان فى يوليو وأغسطس المقبلين، وذلك رُغم التهديد المباشر الذى سينجم عن هذا الأمر تجاه السودانيين وسد الروصيرص، بحسب تصريحات رئيس الحكومة السودانية «عبدالله حمدوك».

‎فلم يتخذ الجانب الإثيوبى خطوةً واحدةً تجاه أزمة السد التى قد تفضى فى النهاية إلى حرب على المياه لن ينجم عنها سوى حالة من عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وفقًا لما أكده الرئيس «عبدالفتاح السيسى».

وإلى الآن تلتزم مصر والسودان بالمسئولية لعدم تعريض أمن المنطقة لمزيد من التوتر؛ وذلك بتغيير سياسة المفاوضات السابقة التى أدت إلى طريق مسدود، من خلال إشراك دول غربية لعرض القضية وتوضيح أبعادها، وفى الوقت ذاته تظل المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقى.

‎فقد أشار وزير الموارد المائية والرى، الدكتور «محمد عبدالعاطى»، إلى أن مسار مفاوضات سد النهضة الحالية برعاية الاتحاد الإفريقى لن تؤدى إلى أى تقدُّم ملحوظ. لافتًا إلى أن مصر والسودان طالبتا بتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية وتشارك فيها كلٌ من (الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبى، والأمم المتحدة) للوصول إلى اتفاق بين الدول الثلاث.

‎وهو ما رفضته أديس أبابا، واعتبره وزير الخارجية الإثيوبى «ديميكى ميكونين»، محاولة من مصر والسودان لتدويل ملف سد النهضة. مُؤكدًا على التزام بلاده بالحلول الإفريقية السلمية لإنهاء الأزمة.

‎وفى تصريح متناقض، أكدت الخارجية الإثيوبية على اعتزام إثيوبيا استكمال ملء سد النهضة حتى لو لم تصل الدول الثلاث إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد.

‎كما تحدّث قائد القوات الجوية الإثيوبية، إن الجيش الإثيوبى قادرٌ على حراسة سد النهضة وحمايته من أى عُدوان.

‎فيما شدد وزيرُ الموارد المائية والرى، «محمد عبدالعاطى»، على أن مصر والسودان لن تقبلا بالفعل الأحادى لملء وتشغيل السد الإثيوبى. مُشيرًا إلى الأضرار الجسيمة التى شهدتها السودان جراء الملء الأول لسد النهضة دون التنسيق مع دولتَى المصب؛ حيث تسبب فى حالة جفاف قاسية أعقبتها حالة فيضان عارمة، ثم قيام الجانب الإثيوبى بإطلاق كميات من المياه المحملة بالطمى خلال شهر نوفمبر الماضى دون إبلاغ دولتَى المصب، مما تسبب فى زيادة العكارة بمحطات مياه الشرب بالسودان.

‎‎مضيفًا إن مصر تدعم التنمية فى دول حوض النيل والدول الإفريقية؛ حيث قامت مصر بإنشاء العديد من سدود حصاد مياه الأمطار ومحطات مياه الشرب الجوفية لتوفير مياه الشرب النقية فى المناطق النائية البعيدة عن التجمعات المائية مع استخدام تكنولوچيا الطاقة الشمسية فى عدد كبير من الآبار الجوفية بما يسمح باستدامة تشغيلها، فضلاً عن تنفيذ مشروعات لتطهير المجارى المائية والحماية من أخطار الفيضانات، وإنشاء العديد من المزارع السمكية والمراسى النهرية، ومساهمة الوزارة فى إعداد الدراسات اللازمة لمشروعات إنشاء السدود متعددة الأغراض لتوفير الكهرباء ومياه الشرب للمواطنين بالدول الإفريقية، كما تساعد مصر الدول الإفريقية فى بناء السدود، ومنها على سبيل المثال سد (ستيجلر چورچ) على نهر (روفينچى) بتنزانيا والذى يقوم عدد من الشركات المصرية بإنشائه، وبما يلبى طموحات الشعب التنزانى فى تحقيق التنمية، بالإضافة لما تقدمه مصر فى مجال التدريب وبناء القدرات للكوادر الفنية من دول حوض النيل.

‎وفى خطوة جديدة من الجانب المصرى لحل الأزمة، وجَّه «سامح شكرى» وزير الخارجية، خطابًا إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة لشرح مستجدات ملف سد النهضة الإثيوبى؛ وذلك انطلاقًا من مسئولية المجلس وفق ميثاق الأمم المتحدة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين.

‎يتضمن خطاب وزير الخارجية تسجيل اعتراض مصر على ما أعلنته إثيوبيا حول نيتها الاستمرار فى ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل، والإعراب عن رفض مصر التام للنهج الإثيوبى القائم على السعى لفرض الأمر الواقع على دولتَى المصب من خلال إجراءات وخطوات أحادية تُعد بمثابة مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولى واجبة التطبيق.

‎وأشار السفير «أحمد حافظ»، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، إلى أن خطاب وزير الخارجية، الذى تم تعميمه كمستند رسمى لمجلس الأمن، يكشف للمجتمع الدولى عن حقيقة المواقف الإثيوبية المتعنتة التى أفشلت المساعى المبذولة على مدار الأشهُر الماضية من أجل التوصل لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونًا حول سد النهضة فى إطار المفاوضات التى يرعاها الاتحاد الإفريقى.

‎مصر لا تزال تتحلى بالصبر وتتصرف بحكمة ومسئولية وتفاوضت على مدار عقد كامل بجدّية وحُسن نية للتوصل لاتفاق عادل ومنصف وملزم قانونًا حول سد النهضة بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويؤمّن حقوق مصر المائية، إلا أن الجانب الإثيوبى انتهج سياسة تقوم على المماطلة والتسويف أدت إلى فشل كل مسارات المفاوضات التى أجريت خلال الأعوام الماضية.

‎حيث أكدت مصر والسودان أهمية تنسيق جهود البلدَين على جميع الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية لدفع إثيوبيا إلى التفاوض بجدّية وبحُسن نية وبإرادة سياسية حقيقية من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل وملزم قانونًا حول ملء وتشغيل سد النهضة، بعد أن وصلت المفاوضات التى يرعاها الاتحاد الإفريقى إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبى. كما عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعًا «غير عادى» فى قطر. لبحث تطورات قضية سد النهضة، مع تعثر المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا؛ حيث أكد السفير «حسام زكى»، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أن الاجتماع غير العادى لمجلس الجامعةعُقد بناءً على طلب من مصر والسودان، التى دعت المجتمع الدولى لدرء المخاطر المتصلة باستمرار إثيوبيا فى انتهاج سياستها القائمة على السعى لفرض الأمر الواقع على دولتَى المصب- فى إشارة إلى عزم أديس أبابا ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل.