الخلافة الرقمية (2) : أسرار صناعة الإرهاب المنفرد عبر الإنترنت

عملت داعش منذ اللحظة الأولى لإعلان دولتها على أرض الواقع على عمل نسخة احتياطية منها على الإنترنت وكأنها buckup للخلافة فى حال تم محوها من الواقع لتستمر بشكل افتراضى، وهو ما حدث.

فرغم تمكن التحالف الدولى من تحرير جميع الأراضى التى احتلها التنظيم فى العراق وسوريا والقضاء على %90 من قوته، فإنها لاتزال موجودة كدولة بأركانها الأساسية، ولكن «إلكترونية»، اتخذت من الإنترنت أرضًا للخلافة الموازية.. ومن متابعى حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعى شعبًا.. وصنعت جيشًا من الكتائب الإلكترونية ونظامًا ماليًا وسلطة افتراضية تدير كل ذلك.

وفى هذه الحلقات «روزاليوسف» تنشر لكم تحقيقًا عن تفاصيل وأسرار خطة للتنظيم لضمان بقاء دولتهم الدموية «افتراضيًا» رغم كل ما تعرضوا له من هزائم.

 

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة عصر ًا يوم الأربعاء 22 مارس 2017 حين تسارعت خطوات «جيمس» الثلاثينى البريطانى وهو يسير على رصيف جسر ويستمنستر اللندنى وسط أعداد كبيرة من المارة، عائدًا وصديقه إلى منزلهما بوسط لندن. كان جيمس يحكى لصديقه واقعة طريفة حدثت له صباح اليوم حين سمع الاثنان صوتًا قويًّا أشبه بالارتطام، فالتفتا ناحية الشارع فرآ سيارة هيونداى رمادية اللون تندفع بسرعة جنونية لتصعد على الرصيف. 

صرخ جيمس محذرًا المارة «اخرجوا من هنا»، لكن اللحظات القليلة بين صرخات جيمس وصعود السيارة أعلى الرصيف لم تكن كافية، فدهست السيارة 10 أشخاص، توفى منهم شخصان على الفور، وأصيب الآخرون بإصابات خطيرة قبل أن تصطدم السيارة بسور الجسر وتتوقف.

جيمس نجا بأعجوبة، ووقف بعيدًا عن السيارة بعدة أمتار مذهولًا مما يحدث وتطلع إلى قائدها بفضول، فالتقت عيناه لوهلة بعينى قائد السيارة صاحب البشرة السمراء، قبل أن يخرج الأخير من المركبة حاملا سكينًا ضخمًا، متوجهًا ناحية ساحة القصر القديم، وشوهد هناك وهو يطعن ضابط شرطة بسكينه ليسقط قتيلاً فى وسط الساحة، قبل أن يتحرك شرطيان ويطلقان الرصاصات نحوه، ليسقط قتيلاً هو الآخر.

 بعد قليل، تعرفت السلطات البريطانية على هوية صاحب الهجوم الأعنف منذ 12 عامًا داخل بريطانيا، وهو أدريان المز أو «خالد مسعود»، 52 عامًا، ولد فى مقاطعة «كنت» جنوب لندن، له سوابق جنائية فى البلطجة، ولم يخضع لأى تحقيقات من قبل تتعلق بالتطرف، كما لم ترصد السلطات أى اتصالات بينه وبين أى تنظيم إرهابى. 

بعد 24 ساعة من الهجوم، قلب تنظيم داعش التحقيقات رأسًأ على عقب، وأعلن المسئولية عن الهجوم، عبر بيان مقتضب، أثار علامة استفهام كبرى: كيف جنّد التنظيم «مسعود» دون أن ترصد أجهزة الأمن أى اتصال مباشر أو غير مباشر بينهما؟

رجل=جيش

فى سبتمبر من العام 2014 بث أبو محمد العدنانى المتحدث الإعلامى السابق باسم تنظيم داعش خطابًا بعنوان «إن ربك لبالمرصاد»، دعا خلاله أنصار التنظيم المؤيدين لأفكاره وأهدافه حول العالم إلى تنفيذ عمليات إرهابية بمفردهم، خارج هيكل التنظيم أو إطاره، وبدون الرجوع لقيادته، وبدون أى مساعدة مادية أيضًا. 

وطالب العدنانى مؤيدى التنظيم فى الغرب بالدفاع عن دولة الخلافة، ومبايعة رأس التنظيم، واستهداف المدنيين والعسكريين على حد سواء داخل مجتمعاتهم، وقتلهم بالأسلحة النارية والمتفجرات، أو دهسهم بالسيارات أو رميهم من شاهق، أو ذبحهم بسكين، أو أن يحرقوا منازلهم ومتاجرهم، أو حتى يبصقوا فى وجوههم.

بعد أيام معدودة حققت دعوة «العدنانى» نجاحًا منقطع النظير، وتعرضت أوروبـا وأمــريــكــا  لـهـجـمـات غـيـر مـسـبـوقـة نـفـذتهـا الــذئــاب المنفردة تحت رايـة تنظيم الـدولـة، ما دفع التنظيم لتوجيه معظم طاقته على شبكة الإنترنت لصناعة الإرهاب الفردى.

  استلهمت داعش تكتيك الذئاب المنفردة من القاعدى الشهير أبومصعب السورى، أو فيلسوف الجهاد كما يسميه البعض، وهو خبير عسكرى جهادى متخصص فى هندسة المتفجرات وحروب العصابات، وأحد مؤسسى تنظيم القاعدة الأوائل، اعتقلته القوات الأمريكية بباكستان 2005، ورحّلته فيما بعد إلى سوريا، التى هرب من أحد سجونها فى 2012، لينضم بعدها لداعش، ويشغل منصب قائد الجناح العسكرى للتنظيم.

أبو مصعب هو أول من ابتدع فكرة اللامركزية داخل التيار الجهادى تحت مسمى «إرهاب الجهاد الفردى»، فى كتابه الخطير «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» الصادر فى 2004، والذى اتخذه تنظيم داعش دستورًا ومنهجًا له منذ خروجه للعلن.

تعظم رؤية أبو مصعب دور الفرد داخل التيار الجهادى، وتحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود، يعتنقها ويمارس مقتضياتها كل من أعلن ولاءه للمظلة الأم، والتى أطلق عليها فى كتابه اسم «المقاومة العالمية»، وهى الطريق الممهد للمظلة الأكبر «دولة الخلافة»، على أن يجهز الفرد نفسه شرعيًا وعمليًا عن بعد، وينفذ عمليات منفردة من دون تكليف، ومن دون الحاجة للتواصل مع أحد، فى أى مكان فى العالم، عبر أسلوب أو نظام عمل وليس تنظيمًا بالمفهوم المعروف. ولخص تلك الفكرة بمقولة شهيرة: «إن كل مسلم يجب أن يمثل جيشًا من رجل واحد». 

طرح أبومصعب فى كتابه سؤالًا بعنوان «كيف نجاهد فى عالم ما بعد 11 سبتمبر؟»، ودعا التيار الجهادى إلى تبنى نظريته العسكرية، للوصول إلى دولة خلافة عالمية فى النهاية.

 تقوم النظرية على ضرورة توقف العمل الجهادى من خلال التنظيمات (القطرية – السرية – الهرمية)، واستبدالها بمدرستين عسكريتين مختلفتين.

الأولى هى مدرسة المواجهة المكشوفة فى الجبهات المفتوحة داخل الأراضى الإسلامية المحتلة من قبل عدو ما، حيث تنشط أمامه مقاومة إسلامية منظمة تقاتله بشكل مكشوف وثابت فى خطوط قتال مفتوحة، وتستخدم ضده أساليب حرب العصابات، بهدف تحرير الأرض وإقامة الخلافة فى النهاية. وجُربت هذه المدرسة فى أفغانستان والبوسنة والشيشان قبل 2001، ونفذها داعش فى العراق وسوريا وسيناء بعد 2013. 

الثانية هى مدرسة الإرهاب الفردى والخلايا الصغيرة المفككة عن بعضها كليًا، وتشمل العمليات الفردية التى يشنها أفراد أو مجموعات صغيرة بشكل غير منظم فى عقر دار العدو وداخل مجتمعاته، والتى لا تنشط فيها مقاومة منظمة، بهدف إنهاكه وإضعافه، على أن ينفذ العنصر الفردى عملياته حيث يعيش ويقيم، ومن دون أن يكلفه الجهاد مشقة السفر والهجرة والتحرك إلى حيث يمكنه الجهاد المباشر فى الجبهات المفتوحة، وتبنّى داعش هذه المدرسة أيضًا فى 2014. 

وضع أبومصعب فى كتابه استراتيجية متكاملة لتوسيع دائرة الإرهاب وجذب العناصر وتثقيفها وتدريبها ودعمها عن بعد، عبر استخدام الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، وطبق داعش حرفيًا هذه الاستراتيجية بكل جوانبها، منذ ظهوره وحتى الآن.

 التأهيل النفسى وشرعنة التوحش

فور تبنى داعش لتكتيك الذئاب المنفردة، تحركت الخلايا الإعلامية للتنظيم لتحول شبكة الإنترنت إلى معسكر تدريبى للذئاب المنفردة، ومستودع ضخم للمحتوى الشرعى والحركى والأمنى الموجّه لهم.

ولم تترك المنظومة الإلكترونية للتنظيم شيئًا للمصادفة، واهتمت جدًّا بالتفاصيل، ودرست جيدًا طبيعة الذئاب المحتملة التى تخاطبهم برسائلها، وما هى مشاكلهم وأزماتهم فى مجتمعاتهم، وكيف تثير داخلهم مشاعر الغضب والحقد تجاه أعداء التنظيم، كما أجادت أيضًا إثارة إعجابهم وترغيبهم فى مبادئ التنظيم وقضيته وأهدافه، وإعادة تقديم الأفكار المتطرفة والمنحرفة والتأويلات الفاسدة للدين بطريقة أكثر لمعانًا وجاذبية.

استخدمت الخلايا مواقع التواصل الاجتماعى للوصول إلى الذئاب المحتملة وتجنيدهم، وذلك من خلال متابعة الحسابات الخاصة بمؤيدى التنظيم فى كل دول العالم، ورصد تعليقاتهم وتغريداتهم، لتصطاد منهم المتطرفين دينيًّا وعرقيًّا، وأصحاب الأفكار الغريبة والمنبوذة، والمضطهدين داخل المجتمعات الغربية.

وركزت فى خطابها للذئاب على التعرض لمفاهيم وقيم إسلامية لها أثر حساس وبالغ على غير المندمجين فى المجتمعات الغربية أو العلمانية، لإثارتهم وتعميق شعورهم بالاضطهاد والعنصرية، واستخدمت الانتهاكات ضد المسلمين فى الغرب، وخاصة النساء، وتحديدًا قضية «الحجاب»، لتلعب على وتر الذكورية الدينية، من أجل تحفيزهم ضد مجتمعاتهم وكراهيتها، ثم أباحت لهم القتل والانتقام بأسانيد فقهية، وشرعنت لهم التوحش ضد الأعداء، وأوهمتهم أن الخلافة هى الحل، وأن رأسها هو المهدى المنتظر، الذى يملأ الأرض عدلًا ونورًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، ليصبحوا فيما بعد أداة طيعة لارتكاب عمليات إرهابية على شرف التنظيم.

دراسة استقصائية بريطانية، أجراها 4 باحثين شملت 119 إرهابيًّا صنفت عملياتهم الإرهابية تحت بند «عمليات الذئب المنفرد»، أكدت أن معظم «الذئاب المنفردة» مرضى نفسيين أو منعزلين اجتماعيًا أو مختلفين، ولجأوا لمواقع التواصل الاجتماعى كبديل عن الواقع الذى يسبب لهم المعاناة.

عبر يوتيوب، بث داعش مئات الأفلام ومقاطع الفيديو التى تخاطب الذئاب المحتملة فى الغرب، بجميع اللغات المنطوقة فى دول التحالف الدولى لمحاربة الإرهاب بالإضافة إلى روسيا وإيران.

من أخطر هذه الأفلام، سلسلة فيلمية من مجموعة نسخ، تحت عنوان «أسود المدينة.. الذئاب المنفردة»، كل نسخة منها تستهدف دولة بعينها، وتخاطب أنصار التنظيم فى هذه الدولة بلغتهم، وجميعها نُفذت طبقًا لسيناريو واحد تقريبًا.

فى النسخة الروسية مثلا، يبدأ الفيلم بسرد وقائع تاريخية تتعلق بالمذابح الروسية التى ارتُكبت ضد المسلمين عبر التاريخ، بداية من حروب القوقاز قبل آلاف السنين، ومرورًا بحرب الروس فى الشيشان وأفغانستان، وانتهاءً بالعمليات الداعمة للرئيس السورى بشار الأسد.

 يعرض الفيلم أرقامًا وبيانات حول أعداد الضحايا وتحديدًا الأطفال والنساء، والتركيز على وقائع محددة مثل اغتصاب النساء أو قتل الأطفال أمام أمهاتهم، وحرق الجثث بعد قتلها، واستخدام الصواريخ والأسلحة المحرمة دوليًّا فى تصفية الأبرياء، مع لقطات حية لعمليات النزوح والمدن المدمرة، مصحوبة بتعليق صوتى باللغة الروسية وترجمة عربية مكتوبة.

فى نهاية الفيلم، يحرض التنظيم ذئابه ضد حكومة روسيا وشعبها، ويقدم لهم أسانيد شرعية مزعومة، تبرر لهم جرائمهم المنتظرة. على يوتيوب أيضًا سلسلة أفلام أخرى أنتجها التنظيم بعدة لغات تحت عنوان «عليك بهم أيها الموحد»، تركز على مسألة التدريب والإعداد العسكرى والأمنى للذئاب المنفردة، وتوضح طرق استخدام السكاكين لتنفيذ عمليات طعن ناجحة، وترصد أنواع الأسلحة النارية وطرق التدرب على استخدامها، وتشرح وصفات تحضير المتفجرات والقنابل العنقودية فى مطبخ المنزل وأساليب التحكم بها عن بعد.

 الإعداد الشرعى والحركى

انعكس أيضًأ اهتمام خلايا التنظيم الإلكترونية بالتفاصيل على طبيعة المحتوى الخاص بالإعداد النفسى والحركى للذئاب المحتملة على الإنترنت، فلم تغفل عناصره التفاوت فى الإمكانيات بين شخص وآخر، وراعت بعناية الظروف المحيطة بكل فرد وفقًا لمجتمعه والقدرات الأمنية المحيطة به.

مثلًا، وفرت عليهم الوقت والمجهود لقراءة مجلدات حول قضايا شرعية بعينها، يرى التنظيم أن إلمام الذئب بها أمر مهم، وكثفتها لهم فى شكل رسائل أو منشورات تحفيزية أو كتيبات صغيرة الحجم، بينما تركت لمن لديهم القدرة على القراءة والدراسة، مكتبة ضخمة من آلاف الكتب.

كما راعت التفاوت فى الإمكانيات والظروف أيضًا فى مسألة الإعداد الحركى، ووفرت لمن لديه القدرة على شراء سلاح أو تحضير متفجرات مادة تساعده على ذلك، بينما تركت لمن هم أقل قدرة محتوى يشرح استخدام السكين أو الشاحنات فى تنفيذ العمليات.

فى سلسلة مقالات لتنظيمى مجهول اسمه الحركى «حامل البشرى»، نشرت على مدونة JustPaste.It التى يستغلها داعش لنشر محتواه المكتوب، يبعث التنظيم برسائل مختصرة للذئاب المحتملة عبر الشبكة العنكبوتية، يضع فيها خريطة مكثفة لتأهيل الذئب المحتمل شرعيًّا ونفسيًّا قبل تنفيذ أى عملية فردية.

فى رسالة له بعنوان «الذئاب المنفردة.. أسود المدينة»، يدعو التنظيم ذئابه لتنفيذ عمليات فردية كبرى تحصد أكبر عدد من الأرواح فى أوطانهم بالغرب، تحت شعار «الخلافة سوف تسعد بجهادك الفردى»، مؤكدًا أن هذه العمليات أكثر أهمية لدى التنظيم من الهجرة لأرض الخلافة، عارضًا لهم الأحكام الشرعية لهذه العمليات، ومصير منفذها بعد أن ينال الشهادة، ويشرح لهم بشكل سريع ما هى «الخلافة» و«الولاء والبراء»، وما هو «الجهاد» وأهميته ووجوبه من أجل نصرة التنظيم، ويحثهم على الاستعداد والتخطيط الجيد لتنفيذ العمليات محددًا لهم ماهية العدو، والأهداف المثلى والمفضلة لديهم.

وتحت شعار: «عد نفسك بنفسك جيدًا» يوجه الكاتب، فى باقى رسائله، الذئب المنفرد لطرق وأماكن المحتوى الشرعى والعسكرى عبر الإنترنت لإعداد نفسه بنفسه، وذلك عبر روابط تقوده إلى الكتب والمنشورات التى يرشحها له التنظيم لقراءتها، وتدور حول عدد من القضايا مثل الجهاد، الخلافة، السياسة الشرعية، الولاء والبراء، أحكام تنفيذ العمليات الانتحارية ضد الأعداء، بجانب كتب سياسية تركز على تحديد العدو وأهداف التنظيم.

على الجانب الآخر، يوفر التنظيم محتوى تدريبى لإعداد الذئاب حركيًا عن بعد عبر الإنترنت، وبعد دراسة معمقة لهذا النوع من المحتوى، رصدنا نوعين منه: مواد عسكرية تتعلق بالإعداد البدنى وأنواع الرياضات المفضلة للذئاب، والتدريب على الأسلحة – النارية والبيضاء- وأنواعها وطرق استخدامها، ودراسة الخطط العسكرية والقتال، وتحضير المواد الكيميائية الأولية لصناعة المتفجرات والسموم، ومحتوى عن حرب العصابات والمدن.

والثانى، مواد أمنية تشمل تدريبات وإجراءات وتعليمات تضمن نجاح العملية وسلامة منفذها.

بين أيدينا وثيقة تشرح للذئاب طريقة الدخول إلى الإنترنت المظلم عبر متصفح تور، والبرامج المكملة من أجل إخفاء هوية المستخدم، مع شرح كامل لطريقة تنصيب هذه البرامج والمتصفحات وطريقة التعامل معها خطوة بخطوة. بالإضافة إلى قائمة كاملة بمواقع سوداء لشراء السلاح والوثائق وتأجير السيارات والمنازل الآمنة، وهى مواقع مجربة ومضمونة بالنسبة للتنظيم.

وثيقة أخرى تدرب الذئاب على إجراء المعاملات المادية للشراء من خلال الإنترنت المظلم، وكل ما يخص التعامل بالعملات الافتراضية، ودفع المبالغ عبر الإنترنت بشكل آمن من البطاقة الائتمانية دون أن يستطيع أحد تحديد هويته.

بالإضافة إلى مجموعة محاضرات نشرها التنظيم بلغات متعددة، تحت عنوان «صناعة الإرهاب»، كتبها تنظيمى اسمه أبو عبد الله العدم، كدليل شامل لإعداد الذئاب المنفردة أمنيًّا عبر مجموعة من الإجراءات والخبرات التى تساعد على تأمينهم من جميع المخاطر أثناء التخطيط للعملية وأثناء التنفيذ أيضًا.

تشمل المحاضرات دروس فى الأمان والتأمين خلال العمل على شبكة الإنترنت، وتوجيهات عن مسألة المنازل الآمنة والمخابئ، وتعليمات لتحركات وتنقلات آمنة للذئاب داخل المدن الغربية لتجنب الاعتقال، وصياغة قصة غلاف سليمة ومتماسكة لخداع الأمن، وطرق تأمين الأموال وشراء السلاح عبر الويب العميق، وكيفية التخطيط للعملية وتحديد الهدف ودراسة المواقع وتوفير الخرائط، وطرق الهروب بعد التنفيذ، وغيرها من الدروس.

 صيد الذئاب

بعد أن تأهل الذئب وتدرب عن طريق المواد التى تركها له داعش على الإنترنت، تأتى مرحلة التنفيذ.

فى هذه المرحلة، تنقسم الذئاب لنوعين: الأول هو الذئب «المتكلم»، الذى يتواصل مع داعش عبر الإنترنت والتطبيقات المشفرة قبل التنفيذ، ليبايع الخليفة، وينال الدعم والتأييد.

والثانى هو الذئب الصامت، مثل خالد مسعود، الذى يتخذ القرار من نفسه ويخطط لنفسه ويبايع فى سره وينفذ بمفرده، دون أن يتواصل مع التنظيم نهائيًا.

 يوجه داعش الذئب المتكلم إلى مدوناته ومواقعه على الإنترنت المظلم كمرحلة أولى، ثم يتواصل معهم بعدها عبر التطبيقات الهاتفية المشفرة.

أبرز المدونات التابعة لداعش وتختص بصيد الذئاب، مدونة عميقة اسمها «nntpchan»، لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق محرك بحث متقدم ومتخصص فى مواقع الإنترنت المظلم.

نجد داخلها صفحة متجددة بشكل يومى، تحمل اسم «الدولة الإسلامية»، وبها عدد كبير من مشاركات وكتابات الزوار، يعود بعضها لعام 2015، وتتنوع بين التأييد للتنظيم، وطلبات للتواصل معه أو الانضمام إليه، مع عروض للتطوع من أجل العمل لصالحه. آخر تعليق رصدناه فى المدونة كتبه شخص يدعى «على» قال فيه: «أريد التحدث مع أحد أعضاء الدولة الإسلامية للأهمية.. أنا «على» مصرى ومقيم فى بلجيكا».

بعد ساعتين رد أحد مديرى الصفحة واسمه «الأنبارى» قائلًا: «كلمنى على تليجرام» وترك له عنوان حسابه على التطبيق. على الجانب الآخر، يوجه التنظيم الذئاب الصامتة إلى قنواته على تطبيق تليجرام، والمخصصة للذئاب المنفردة فقط، لدعمهم بشكل غير مباشر قبل التنفيذ.

وصلنا إلى روابط هذه القنوات من خلال أحد مواقع التنظيم على الإنترنت المظلم، وأبرزها قناة «الذئاب المنفردة العامة»، وبلغ عدد المشتركين فيها حتى نهاية 2019 عشرة آلاف مشترك، وداخل هذه القناة أرشيف كامل لكل المواد التجهيزية التى بثها داعش منذ تأسيسه لتدريب وتجهيز الذئاب المنفردة.

تتابع القناة بشكل دورى أخبار الذئاب المنفردة حول العالم، والاحتفاء بعملياتهم. وخلال فترة عملنا داخل هذه القنوات تابعنا تغطيات حية لعدد من الهجمات المنفردة وقت حدوثها، أبرزها كان هجوم مانشستر أرينا 2017، وهجوم لاس فيجاس 2017، وهجوم جنوب فرنسا مارس 2018، وعدد من الهجمات الأخرى حول العالم.

القنوات تقدم نصائح وتعليمات واقتراحات للذئاب الصامتة، مثل الأماكن والأهداف التى يمكن أن يختارها الذئب لتنفيذ عملياته، مصحوبة بهاشتاج عنوانه «أهداف مقترحة»، ومن ضمنها حرق الغابات وجراجات السيارات، قتل سائقى التاكسى أثناء الركوب معهم، فتح النار داخل المواصلات العامة، استهداف دور السينما والملاهى والملاعب والشواطئ والسيرك والحدائق والأسواق والمنتجعات، الهجوم على المتاجر الكبيرة ومحلات السوبر ماركت واحتجاز الرهائن داخلها. ويبدو أن منفذ هجوم جنوب فرنسا فى مارس 2018، كان معنا على القناة وقرأ الاقتراح الأخير، حيث قام باحتجاز رهائن داخل محل سوبر ماركت كبير فى بلدة تريب بجنوب غرب فرنسا بعد نشر المقترح بأسابيع قليلة.

كما شملت الاقتراحات أيضا التحريض على اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والكتاب والمشاهير فى الغرب. ذات مرة أدمن القناة استهدف ابن الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، ونشر صورته وعنوان مدرسته، وخاطب الذئاب قائلا: «بارون ترامب يدرس فى هذه المدرسة بواشنطن.. عليك بابن بغل أمريكا».