الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
غناء القلم.. 21 يونيو اليوم العالمى للموسيقى   سحرها أنقذنى من الجنون أو الانقراض

غناء القلم.. 21 يونيو اليوم العالمى للموسيقى سحرها أنقذنى من الجنون أو الانقراض

اختار العالم يوم 21 يونيو من كل عام، ليكون اليوم العالمى للموسيقى، تلك الأعجوبة الساحرة التى يمكنها فعل كل الأشياء، تحويل الممكن الى مستحيل، واليأس إلى رجاء، والبكاء الى تطهير للروح، والحزن الى شجن يضيء الليل، والصمت إلى فلسفة تحتضن الألم.



الموسيقى، بعد فراق الأحباء، والنزف لا يلتئم من قسوة الرحيل، والذهول الموحش، من اختفاء أقرب الناس، هى التى أنقذتنى من الجنون، أو الانتحار، أو الانقراض، أو السير فى الطريق، وأنا أمزق شَعرى، وملابسى، وأحبال صوتى، بعد أن أحرق أوراقى، وذكرياتى، وغرفة نومى، وأبيع أثاث بيتى، بأى مقابل.

ما سر الموسيقى، الذى حيَّر الناس فى كل زمان ومكان؟ وكيف من علاقة الإنسان، أو الإنسانة، بالموسيقى، تتكشف معالم الشخصية والطبائع والأمزجة والأخلاق؟ إنها اللغة دون لغة، والكلمات دون حروف. إنها البرق، والرعد، و قطرات المطر، وهى الهدوء والسَكينة وزوال الخطر. هى دقات القلوب، ودقات القدر، ربما تكون الوطن، والأرض، وقد تكون الطيران وأجنحة السفر، تذيب جلمود الصخر، وتفلق صلابة الحجر.       عشاق الموسيقى، من النساء والرجال، بالضرورة لهم «جينات» خاصة جدًا، تظهر فى انفتاح التفكير، ورقى السلوكيات، ورحابة الثقافة، واحترام تعدُّدية الأصوات، والنفور من انتهاك خصوصيات الآخرين، ورفض أى نوع من الوصايا على البشر. حسب كلمات فريدريك نيتشه، 15 نوفمبر 1844 – 25 أغسطس 1900، فيلسوف القوة الذى أعشقه، «الموسيقى تمجدنا، تحررنا، تقود أفكارنا إلى الأسمى».

لا عجب أن أصحاب الأفكار الظلامية، المتعصبة، المتطرفة، أحادية التفكير، رافضة التنوع والاختلاف والتعددية، مخترعى الإرهاب الدينى الدموى، أو إرهاب التشنج، والزعيق، والتشويح بالأيدى، وبالشتائم، لا يكرهون شيئًا مثل الموسيقى، بعد كراهيتهم للنساء.

وهناك الإنسان الذي يذهب إلى حفلة للموسيقى ويقضى ساعتين، مع الأنغام، والألحان (هذا مع افتراض تمتعه بآداب الاستماع إلى الموسيقى) ثم يعود إلى حياته، سالكًا من التصرفات ما هو مناقض للقيم الجمالية الموسيقية، من خدش مشاعر الآخرين، أو استباحة خصوصياتهم، أو إزعاجهم بالضوضاء، أو التعصب لرأي، أو لديانة أو طبقة أو عِرق أو لون. مثل هذا الانسان، مجزأ المشاعر، متناقض، يتعامل مع الموسيقى، على أنها «وسيلة» لقضاء الوقت فقط، أو «سلعة» تستهلك فى لحظة، وينتهى الأمر.

 فالاستماع، والمشاهدة، واقتناء الشرائط، والاسطوانات، كلها أشكال استقبال استهلاكية مؤقتة، لا يكون فيها الإنسان إلا طرفاً سلبيًا. إن جوهر الموسيقى؛ بل جوهر الفنون كلها، هو أن يكتشف الإنسان ذاته الحقيقية، وأن يلمس ذلك الخيط السحري الواصل بين ذاته والعالم. إن المعزوفة الموسيقية، أسعدتنا، لأنها جعلتنا نكتشف الموسيقى التي بداخلنا.

إن الإقبال على الحياة، الذي تصنعه معزوفة موسيقية، غير ممكن، إلا إذا كان معناه أننا أصبحنا أكثر اقترابًا، من طاقة الحياة بداخلنا.

كيف تتحول تلك اللحظة المؤقتة، التي تجتاحنا عند الاستماع إلى الموسيقى، إلى لحظة ممتدة في الحياة؟.

إن الإبداع في الحياة، ليس بالضرورة موهبة خلق الأعمال الفنية، لكنه القدرة على أن نعيش الحياة بجمال، وأن نرهف السمع لصوت الخير والعدل، داخلنا وخارجنا. وأن نقاوم ميول الشر، والتعصب، والعنف، وأن نتصالح مع أنفسنا، ومع الطبيعة. وأن تُغلف تصرفاتنا بالتواضع أمام جلال الكون، ورحابته، وثرائه.

عالمنا المعاصر يجهض كل تناغم راقي الإنسانية، ولا تطربه إلا النغمات «النشاز»، والنتيجة أنه عالم تعس، ضلّ الطريق إلى ما يطهر النفوس من عزلتها الموحشة، وإلى ما بإمكانه أن يعيد للبشر تواصلهم، بعد حصار الكذب، والشهوات الزائلة، والجشع.

والتغيير لن يحدث، إلا إذا تحولت الموسيقى، من مجرد سلعة للاستهلاك المؤقت، أو مهنة في سلم الوظائف، أو أداة للترفيه، أو مناسبة لعقد المهرجانات، إلى «عادة» نفسية، واجتماعية يومية، نمارسها دون جهد، مثل التنفس، والحركة، والاشتياق الى الحرية، والعدالة.  

21 يونيو اليوم العالمى للموسيقى، وهو أيضًا بداية موسم الصيف، ترى أهناك علاقة

خفية بين توهج الشمس، وتوهج النغمات؟

من واحة أشعارى 

هل فى قلبك متسع

لامرأة وحيدة تشعر بالبرد

فى  بداية موسم الصيف؟ 

هل فى بيتك غرفة هادئة خالية

تصلح لشاعرة 

تتسكع بين مدن الأحزان 

على أنقاض الخواء؟

هل لديك بعض الوقت  

لمنْ تعيش خارج الوقت؟ 

هل تجيد صنع القهوة؟ 

هل تستمع إلى قصائدى

ونسافر بعيدا مع الموسيقى 

هل تتقن فن الإصغاء ؟ 

هل تعرف طريقًا مختصرًا 

إلى جزيرة تعانقنى 

أتكره مثلى كل الأوصياء؟