الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الإخوان ينقذون جهود تشكيل الوزارة الإسرائيلية: كل حلفائك خانوك  يا نتنياهو

الإخوان ينقذون جهود تشكيل الوزارة الإسرائيلية: كل حلفائك خانوك يا نتنياهو

بَعد أربعة انتخابات برلمانية مبكرة فى أقل من عامَين، حاولت فيها المعارضة الإسرائيلية إسقاط حُكم حزب ليكود بقيادة بنيامين نتنياهو بلا جدوَى، قامت ثمانية أحزاب معارضة بتشكيل تحالف فضفاض من أجل تشكيل الوزارة الإسرائيلية، وتنتظر تل أبيب خلال الساعات المقبلة إعلان التشكيلة الوزارية قبل أن يتم التصويت عليها بشكل حاسم فى الكنيست يوم 14 يونيو 2021.  



الأحزاب الثمانية هى «هناك مستقبل» برئاسة يائير لبيد، و«أزرق أبيض» برئاسة بينى جانتس، و«إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيجدور ليبرمان، وحزب «العمل» برئاسة ميراف ميخائيلى، و«يمينا» برئاسة نفتالى بينيت، و«أمل جديد» برئاسة جدعون ساعر، و«ميريتس» برئاسة نيتسان هوروفيتس، و«القائمة العربية الموحدة» برئاسة منصور عباس.

التحالف الهَش يُعبر عن اليمين الدينى واليمين القومى إضافة إلى الوسط واليسار وأخيرًا الإسلام السياسى فى إسرائيل، وجرى الاتفاق على أن يتولى زعيم اليمين الصهيونى الدينى المتطرف نفتالى بينيت رئاسة الوزراء لمدة عامين على أن يحصل يائير لبيد مايسترو الائتلاف على رئاسة الوزراء لمدة عامين قبل الذهاب إلى الانتخابات المقبلة فى موعدها فى 11 نوفمبر 2025، عقب أربعة انتخابات مبكرة فى أبريل 2019 وسبتمبر 2019 ومارس 2020 ومارس 2021.

 الخارطة الفكرية

يُعتبر حزب «هناك مستقبل» لمؤسِّسه وزعيمه يائير لابيد من أحزاب الموجة الشبابية الجديدة التى ضربت العالمَ أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية (2008 - 2013) مثل حزب النجوم الخمس الإيطالى وحركة الإنصاف الباكستانية لمؤسِّسها عمران خان وسيريزا اليونانى وبوديموس الإسبانى؛ وذلك لترجمة أفكار شباب الألفية الرافض للثنائيات الحزبية التقليدية، ومع ذلك فإن لابيد- المنتمى إلى أصول صربية- قبل الدخول فى حكومة ائتلافية مع نتنياهو ما بين مارس 2013 وديسمبر 2014؛ حيث شغل منصب وزير المالية فى تلك الفترة، وهو ابن تومى لابيد نائب رئيس الوزراء ووزير العدل ما بين عامَى 2003 و2004.

أمّا حزبُ «يمينا» فهو ينتمى إلى اليمين الدينى المتشدد الصهيونى؛ حيث يمثل الأرثوذكسية اليهودية، وأسَّسه ويرأسه نفتالى بينيت، الذى حصد اتفاقًا مُهمّا لترأس الوزارة الإسرائيلية رُغم أن حزبه لم يحصد أكثر من 7 مقاعد فى الانتخابات الأخيرة، وهو مدير مكتب نتنياهو ما بين عامَى 2006 و2008، ثم خرج من الليكود إلى حزب «البيت اليهودى»، ومنذ عام 2013 وهو ضيف دائم فى مجلس وزراء نتنياهو فى ائتلافات وزارية؛ حيث شغل حقائب الدفاع والاقتصاد وشئون المغتربين والتعليم إضافة إلى وزارة الشئون الدينية التى لمع من خلالها.

أعاد تأسيس حزب «البيت اليهودى» ليصبح حزب «يمينا» وحصد خامس أكبر كتلة فى البرلمان بالانتخابات الأخيرة.

جدعون ساعر مؤسِّس ورئيس حزب «أمل جديد» أيضًا كان مدير مكتب نتنياهو وعضوًا فى حزب ليكود، وعيّنه نتنياهو تارة وزيرًا للتعليم وتارة أخرى وزيرًا للداخلية، والحزب يُعبر عن اليمين المحافظ القومى الليكودى، فهو تجمُّع لمعارضى نتنياهو الذين فشلوا فى إقالته من الحزب.

حزب «العمل» يواصل التخبط منذ انهياره على يد إيهود باراك، وهو المعقل التقليدى لليسار الاشتراكى الصهيونى، يرأسه حاليًا ميراف ميخائيلى الناشطة النسوية والصحفية والإذاعية والإعلامية الشهيرة من أصول ألمانية؛ حيث تلهب حماس المجتمع الإسرائيلى بسيرة جدها الهارب من جحيم النازية.

ويتواصل التناقض والتضارُب فى الخارطة الأيديولوچية لأحزاب ائتلاف التغيير؛ حيث سبق لبعض الأطراف الغربية أن ساندت قيام بعض جنرالات الجيش الإسرائيلى فى تأسيس حزب «أزرق أبيض»، بقيادة الجنرال بينى جانتس، على أمل أن يقوم الحزب بإزاحة نتنياهو حليف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقتذاك، ولكن دون جدوى، وانتهى به الأمر بالدخول فى ائتلاف وزارى مع نتنياهو صيف 2020 حل به وزيرًا للدفاع.

ورُغم أن جانتس كان حليف نتنياهو فى مغامرة التصعيد الأخير حيال القدس المحتلة وقطاع غزة؛ فإن الجنرال قفز من قارب نتنياهو وتحالف مع لابيد فى وزارة التغيير الجديدة، تمامًا كما فعل رجالات الليكود السابقون نفتالى بينيت وجدعون ساعر.

وكان مفاجئًا أن أفيجدور ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، حليف ليكود فى زمن إرييل شارون وبنيامين نتنياهو، قد ضجر من حُكم الأخير، رُغم أنه شغل منصب نائب رئيس الوزراء ثم وزير الخارجية وبعد ذلك وزير الدفاع فى زمن نتنياهو، كما شغل منصب وزير النقل فى زمن شارون، ولكن الرجل الذى أسَّس حزبًا يُعبر عن الإسرائيليين من أصول روسية على ضوء أنه من مواليد الاتحاد السوفييتى ولا يزال مقربًا حتى اليوم من الكرملين قد وجد فى إزاحة نتنياهو فرصة فى الصعود إلى رئاسة الوزارة فى أقرب انتخابات برلمانية.

حزب «ميريتس» يُعبر عن اليسار الجديد المتطرف الموالى لقيم العولمة النيوليبرالية، مؤيدًا لحقوق المثليين والنسويات والخضر والنظام الغذائى النباتى الصارم والديموقراطية التقدمية، رئيسه نيتسان هوروفيتس أعلن عن مثليته ويعيش مع صديقه المثلى منذ سنوات.

وفى تحالف يضم رجل دين متطرفًا مثل بينت ورجلاً مثليّا يسار نيوليبرالى مثل هوروفيتس ونسوية مثل ميخائيلى ومتطرفًا قوميّا مثل ليبرمان مع الهاربين من جحيم نتنياهو مثل ساعر وجانتس، لم يكن ينقصهم غير وجود الإسلام السياسى جنبًا إلى جنب مع اليهودية السياسية، ليعترف تنظيم الإخوان المسلمين أخيرًا أن الصهيونية والإخوان وجهان لعُملة واحدة؛ حيث وافق منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة التى تُعد القائمة البرلمانية للحركة الإسلامية الجنوبية الإسرائيلية ذراع تنظيم الإخوان فى إسرائيل على أن يشارك فى هذه الوزارة التى ضمت اليمين الدينى والقومى، اليسار القديم والجديد، الوسط الشبابى وأخيرًا الإسلاميين!

 تاريخ الإخوان فى إسرائيل

عقب حرب 5 يونيو 1967، بدأ النظام العالمى فى توطين تنظيم الإخوان بين عرب إسرائيل أو عرب/ فلسطينيو 1948، وهم الفلسطينيون الذين رفضوا مغادرة دولة إسرائيل وفضلوا البقاء داخلها فى بيوتهم والحصول على جنسية الدولة الوليدة.

وعلى ضوء أن هذه الكتلة الديموجرافية تمثل 20 % على الأقل من سكان إسرائيل، بدأ الغرب وإسرائيل فى لعبة تفجير الأقلية العربية من الداخل عبر تنظيم الإخوان، ولا عجب فى ذلك لأن الغرب ابتكر الإسلام السياسى عمومًا وتنظيم الإخوان على وجْه التحديد من أجل فكرة تفجير الدول العربية والإسلامية من الداخل ولاحقًا تفجير الجاليات العربية والمسلمة فى أوروبا وأمريكا.

كما أن صانعى دولة إسرائيل وجدوا فى تنظيم الإخوان الحليفَ الرئيسَ فى تدمير الدول العربية فى الخمسينيات والستينيات، وكان يجب مكافأة هذا التنظيم بتسليمه مجتمع عرب إسرائيل؛ خصوصًا أنه من الصعب إخراج 20 % من شعب دولة ما من اللعبة الانتخابية والسياسية، وأن قيام تنظيم الإخوان بالسيطرة على هذه الأصوات سوف يضمن مشاركة عرب إسرائيل فى الانتخابات دون الخروج عن العباءة الصهيونية، وهو ما حدث فى ائتلاف التغيير 2021؛ حيث أصبح الإخوان مع رفقاء لابيد هم من أنقذ النظام السياسى الإسرائيلى من الانهيار، بعد أن تعالت الأصواتُ دوليًا قبل محليًا بأن النظام البرلمانى الإسرائيلى فشل وسقط ويجب على إسرائيل أن تأخذ بنظام جديد، ولكن كانت مقاعد الإخوان فى الكنيست هى كلمة السّرّ ليائير لابيد لإزاحة نتنياهو بعد قرابة عشر سنوات من المحاولات الانتخابية.

تأسَّس تنظيم الإخوان فى إسرائيل عام 1971 على يد عبد الله نمر درويش، وهو شاب وُلد عام 1948 ولم يذُقْ طعمَ وذكريات نكبة أهل فلسطين فى العام ذاته، وحمل التنظيم الجديد اسم «الحركة الإسلامية الإسرائيلية»، وبحلول عام 1996 قام درويش بحركة تصحيح داخل الحركة الإسلامية، عبر إعلان قيام الحركة الإسلامية الجنوبية وترك العناصر الخارجة عن السيطرة فى الحركة الإسلامية الشمالية وإن كان تصحيح المسار هذا هو مجرد فصل جديد من لعبة الإخوان فى توزيع الأدوار.

شاركت الحركة الإسلامية الجنوبية الإسرائيلية- ذراع الإخوان فى إسرائيل- فى الانتخابات البرلمانية والبلدية الإسرائيلية، رُغم أن العديد من الأصوات طالبت الحركة الإسلامية الجنوبية بعدم المشاركة فى الانتخابات لما يمثله من اعتراف وتكريس بدولة إسرائيل على هذه المناطق المحتلة، ولكن منصور عباس القيادى الإخوانى الإسرائيلى ضرب بعرض الحائط جميع تلك الاعتراضات وشكّل القائمة العربية الموحدة لسان حال الحركة الإسلامية الجنوبية وخاض انتخابات الكنيست قبل أن يضع يده بيد بينى جانتس وزير دفاع العدوان الإسرائيلى الأخير على القدس المحتلة وقطاع غزة، وأفيجدور ليبرمان الذى صرّح عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 بأنه يحق للولايات المتحدة الأمريكية قصف الكعبة بالقنبلة النووية للدفاع عن نفسها ضد الإسلاميين، ونفتالى بينيت رجل الدين الصهيونى المتشدد!

بينما تنظيم الإخوان يحشد المظاهرات فى العواصم العربية والإسلامية لسنوات ضد إسرائيل والتطبيع والتعامل الدبلوماسى مع إسرائيل، يخرج عليها تنظيم الإخوان من قلب تل أبيب ليضع يده فى يد سادة إسرائيل وينقذ نظامَها السياسى، فى تجربة سياسية قابلة للتكرار فى الدول الأوروبية والأمريكية التى سلمت مناصب حساسة فى السنوات الأخيرة للجاليات العربية والمسلمة والهندية والتركية والإيرانية العاملة تحت راية تنظيمات الإسلام السياسى والتنظيم الدولى للإخوان فى الغرب.

وسبق لتنظيم الإخوان أن كان عضوًا فى مجلس الحُكم الانتقالى الذى شكلته الإدارة الأمريكية للعراق عقب الغزو الأمريكى عام 2003؛ بل كان محسن عبد الحميد رئيس الحزب الإسلامى- الذراع العراقية للإخوان- قد ترأس المجلس فى إحدى ولاياته، كما كان الإخوان مكونًا رئيسيّا فى جميع الحكومات العراقية التى نصبها الاحتلال الأمريكى وعلى رأس هؤلاء الساسة طارق الهاشمى نائب الرئيس العراقى قبل الانسحاب الأمريكى من العراق أواخر العام 2011 قبل العودة مرّة أخرى تحت ادعاء محاربة تنظيم داعش.

وللإخوان تاريخ طويل من التعامل مع حكومات الاحتلال الغربى لفلسطين والعراق، إضافة إلى تنصيب الحكومات الانفصالية فى سوريا وليبيا إبان الربيع العربى خدمة للأچندة الغربية.

ويلاحَظ أن منصور عباس يمثل ذروة تزاوُج القومية العربية مع الإسلام السياسى، فالحركة الإخوانية هى الحركة الإسلامية الجنوبية، ومع ذلك فإن القائمة البرلمانية هى القائمة العربية الموحدة، وتضم نفس لعبة تنظيم الإخوان فى مصر إبان انتخابات مجلس الشعب 2011؛ حيث تضم قوائم إخوان إسرائيل بعض الأسماء اليسارية والمسيحية والنسائية على سبيل ادعاء احترام التنوع والقيم المدنية!

مستقبل التحالف الهش

وعلى ضوء كل هذا التناقض بين الأحزاب الثمانية التى تشكل هذا الائتلاف؛ فإن فكرة بقاء ائتلاف نفتالى بينيت - يائير لابيد حتى عام 2025 تبدو صعبة للغاية، ومع أول خلاف بين طرفين من أصل ثمانية يتشكل منهم التحالف؛ فإن الذهاب إلى خامس انتخابات برلمانية فى أقل من ثلاث سنوات هو الأكثر ترجيحًا.

كما أن قادة الأحزاب الثمانية حتى الآن لا يثقون فى تصويت نوابهم بالكنيست لصالح الوزارة الجديدة فى 14 يونيو 2021؛ حيث يحتاج بينيت إلى 61 صوتًا من أصل 120 صوتًا بالكنيست لتمرير حكومته.

ولعل هذه الهشاشة هى التى جعلت نتنياهو يدعو لنواب اليمين الإسرائيلى برفض التصويت على الوزارة بغض النظر عن الحزب، ناعتًا الوزارة الجديدة باليسار المتطرف الذى سوف يسيطر على إسرائيل.

خسر نتنياهو حق تشكيل الوزارة ويقاتل حتى النفَس الأخير لعدم الخروج من مقعد رئاسة الوزراء والرهان على الذهاب إلى الانتخابات الخامسة؛ إذ إن فشل التصويت على الوزارة فى الكنيست لا يعنى إلا حل الكنيست والذهاب للانتخابات الخامسة.

وخسر نتنياهو لعبة الخروج الآمن بالترشح لمنصب رئيس دولة إسرائيل عقب قيام التحالف بتمرير انتخاب رئيس الوكالة اليهودية إسحاق هيرسوج رئيسًا للدولة بداية من 9 يوليو 2021، وهو ابن الرئيس الأسبق حاييم هيرسوج.

وعلى ضوء هذا المَشهد الضبابى؛ فإن الأمل الوحيد للمعارضة الإسرائيلية للتخلص من نتنياهو هو أن يسارع حزب ليكود باختيار قيادة جديدة إذا ما خرج من رئاسة مجلس الوزراء مباشرة، على أمل أن يسقط أكثر سياسى حَكم إسرائيل؛ حيث يمتد حُكمه منذ عام 2009 إلى اليوم إضافة إلى ولاية أولى ما بين عامَى 1996 و1999، ما يعنى 15 عامًا على مدار 7 ولايات برلمانية.