الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
غناء القلم..  12 يونيو.. ذكرى رحيل رجل أحبه ولم أكتب عنه

غناء القلم.. 12 يونيو.. ذكرى رحيل رجل أحبه ولم أكتب عنه

كيف الخلاص من تأنيب الضمير؟ لم يتعود «قلبى» أن يحب، ولا يسافر الحب إلى وطن الورق، أن يخفق بالعشق «قلبى» كان معناه دائمًا أن تنتقل العدوى إلى «قلمى».. «دقات» قلبى لا أعترف بها، وأشك كثيرًا فى نواياها الحسنة، إلا إذا أسمعتنى «دقات» الكلمات والحروف على الصفحة البيضاء.



لماذا لم أكتب عنه، وهو الذى أسعدنى على مدى العمر، بوسامته، وموهبته، ورقىّ عواطفه، وهدوئه، ورشاقة قوامه، وعمق صوته، وتنوع أفلامه، وتجدد طموحاته، ومبادئه النبيلة؟

لم أكتب عنه ربما لأننى أشعر أن الكلمات لن تسعفنى بالقدر الذى أرضاه، وربما أدرك أن الكتابة عنه «نشاز» فى أزمنة تصنع من نفايات الأقزام «نجومًا»، يسدّون علينا الشمس، والهواء، وجمال ومتعة الإبداع، أفسدوا الذوق، وخربوا الخيال، وأشاعوا الضحالة والزيف والفهلوة وثقل الدم وقبح الفكر، والأداء، وحولوا الفنون الراقية، إلى «سلع» مضروبة، تُعبأ على المقاهى وتحت بئر السلم والكبارى، فى خمس دقائق.

«جريجورى بك» 5 أبريل 1916 – 12 يونيو 2003، تشرفت أمريكا بولادته على أراضيها، وافتخر الفن السابع بالانتماء إليه. من أول مشهد، يخطف العقل والقلب والعين والأذن والدهشة الغامضة.. له «طلة» مُحيرة، وحضور ممتلئ بالثقة والكبرياء، وجاذبية فريدة الجينات، مكوناتها لا تتأثر بتغير البشر والزمن، حتى آخر رمق، عمل، ودأب، وشغف واستغناء.

منذ أول أفلامه حتى آخرها، كان الأسلوب «الجريجورى» يتجدد، ولا يرضى أن يكرر نفسه.. اختياراته لموضوعات أفلامه، لا تعكس فقط رغبته فى التحدى الدائم لقدراته، واكتشاف أرض جديدة لموهبته، لكنها تعكس أيضًا، وعيًا، واستنارة وثقافة نادرة، وفلسفة نبيلة لإثراء الحياة، ومعنى وجود الإنسان، ومسئولية الفن والفنان تجاه مجتمعه والبشرية.

منذ أول أفلامه، حتى لفظ أنفاسه الراقية الأخيرة، كان يحير النقاد، ماذا يكتبون، فكل مدارس النقد التى قرأوا عنها، وجميع نظريات التمثيل التى درسوها، لا تنطبق عليه من قريب أو من بعيد.. ولذلك اكتفى البعض منهم بالدهشة الحائرة، والبعض التزم الصمت، وبعض من النقاد لا يملك شيئًا، إلا أن يصافحه بانبهار، ويذهب لينام فى بيته، على أمل أن يصحو وقد أدرك السر، والبعض لم يشأ أن يرى نفسه عاجزًا، فترك مهنة النقد.

«جريجورى بك»، مدرسة خاصة متفردة لا تحمل إلا اسمه المنحوت على الشاشة، المنقوش فى قلوب منْ أسعدهم الحظ، ليشاهدوا كيف تتحول الدراما، إلى معجزة ساحرة من معجزات الدنيا، مثل الأهرامات فى مصر، وتاج محل فى الهند، يحدقون فيها، بالساعات ولا يفهمون أسرارها، وكلما أمعنوا فى التحديق، كلما أنهكتهم وعورة الطريق، ومع ذلك يسافرون لها مرات ومرات، كأن شيئًا من السِحر قد أصابهم، لا يطلبون طوق النجاة وهم مثل الغريق، ولا يناشدون العون وهم وسط الحريق.

كان «جريجورى بك»، يدعم الحزب الديمقراطى الأمريكى، وكانت له مواقف نبيلة إنسانية عديدة، مثل رفض التفرقة العنصرية، والاعتراض على حرب فيتنام، وسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة للسيطرة على العالم، والبقاء للقوة العظمى الوحيدة.. تم ترشيحه عدة مرات لمناصب سياسية مرموقة، رفضها قائلاً: «لست وراء سلطة سياسية، رسالتى فى الفن».

كل ممثلة شاركت «جريجورى» فى مشاهد الحب، أعتقد أنها كانت فى أعماقها، تتمنى لو قبلات التمثيل، تتحول إلى حقيقة.. ولسان حال كل مخرج عمل معه، يقول: «أشرد مع أدائه وأنسى المشهد التالى، وأتحول من مخرج إلى مشاهد مفتون، جريجورى لا يحتاج إلى توجيه، هو مايسترو العمل، الناس يذهبون لمشاهدة فيلم لجريجورى بك، وليس فيلما من إخراج هنرى كينج، أو هيتشكوك، أو روبرت موليجان، أو ديفيد سيلزنيك، أو ستانلى كرامر، أو جون هيوستون، أو وليام ويار، أو فريد زيمان، أو جى لى طومسون أو مارتن سكورسيزى، وكل جوائز التكريم التى حصدها هى التى تفوز بحملها اسمه، وليس هو، الغنى عن كل تكريم». 

 

من واحة أشعارى:

أختنق فى زنزانتى

لنقص العدالة والهواء

والحياة سجن متوحش

يخطط لحكم الإعدام

رغم ضعف الأدلة

رغم انعدام الدافع

سجلونى فى الملفات

خطرة محترفة الإجرام..