الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الشجاعة والصلابة لا تنقصها كيف وصف «الشعراء» المرأة المصرية فى قصائدهم؟

لم يَخفِ الشعراءُ المصريون فخرَهم بدور وأهمية المرأة المصرية، وما قدّمته على مَرّ التاريخ من أجل وطنها، وعلى غرار ما كتبوه من قصائد وأبيات عن مصر العزيزة «أمّ الدنيا» والتى احتوت على جميع معانى الحضارة الجميلة والعريقة، سطرت أشعارهم  تضحيات المصريات ونضالهن الطويل من أجل الحرية والاستقلال والحصول على المساواة والحق فى التعليم والعمل.



كما أبرزت قصائدهم صبر وصلابة المرأة المصرية أمام المحن والمصاعب التى مَرّ بها الوطن. 

 

انتقادات بسبب إهانتها

ولكن انطلق النقاشُ والجدل مؤخرًا بسبب قصيدة للشاعر هشام الجخ بعنوان «3 خرفان»، يتحدث خلالها عن دعم شعب فلسطين، جرّاء الهجمات الإسرائيلية، وكان الاعتراض على أسلوب المقارنة التى أقامها هشام الجخ بين المرأة المصرية والمرأة الفلسطينية؛ حيث جاءت ضمن أبيات القصيدة:

فلسطين نسوانها رجالة

هما اللى عِمالة وإحنا اللى قوالة

عندينا تبقى الست ولدها طول الباب

وتخاف يروح مشوار

وهناك حريم من غضب شايفين عيالهم دهب

وعشان ما يلمع زيادة

لازم يدوق النار 

وفيما أغضبت قصيدة «الجخ» رواد السوشيال ميديا الداعمين بلا شك للقضية الفلسطينية والمرأة الفلسطينية؛ حيث كان اعتراضهم فقط على أبيات القصيدة التى تصف المرأة المصرية بالخوف والسلبية، بما يجافى الحقيقة فنساء مصر ساعدن فى صناعة تاريخ مصر وحاضرها ولا يمكن تجاهُل دورهن وكفاحهن ومساندتهن للقضايا المصيرية. 

فخلال السطور التالية نرصد كيف حظيت المرأة المصرية بإشادة وإعجاب أبرز الشعراء المصريين، وكيف نظموا لها أبيات وقصائد تقديرًا لها ولدورها.

وأول ما يطالعنا من صفات المرأة المصرية فى تلك القصائد هى الشجاعة والإقدام وهى إحدى مزايا المرأة المصرية الراسخة فى ذهنية الشعراء.

وبها نبدأ مع مجموعة من الأبيات للشاعر حافظ إبراهيم عن النساء المصريات فى ثورة 1919 واللائى يقول عنهن.  الثائرة:

يمشين فى كنف الوقار وقد أبَنَّ شعورهن

وإذا بجيش مقبل والخيلُ مطلقة الأعنّة

وإذا الجنود سيوفُها قد صُوّبتْ لنحورهن

وإذا المدافع والبنادقُ والصوارمُ والأسنّة

والخيلُ والفرسانُ قـد ضَرَبَت نطاقًا حولهن

والوردُ والريحانُ فــــــى ذاك النهار سلاحهن

 هى المدرسة

كذلك كان لحافظ إبراهيم أيضًا قصائد أخرى عن دور المراة المصرية الفعّال فى المجتمع، وأنها ليست فقط الأم والزوجة والأخت والابنة، فهى كذلك الطبيبة والمعلمة والمهندسة والسفيرة والوزيرة، وأشهَر أبياته فى ذلك: 

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها

أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ

الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا

بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ

الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى

شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ

كما اعتُبِرَ الشاعر أحمد شوقى من الشعراء الذين تناولوا دور المرأة المصرية فى المجتمع باستفاضة، وله الكثير من الأشعار التى تبجلها، نذكر منها:

قم حى هذه النَيّرات حى الحسان الخيرات 

واخفض جبينك هيبة للخرد المتخفرات 

زين المقاصر والحجال وزين محراب الصلاة 

هذا مقام الأمهات فهل قدرت الأمهات 

لا تلغ فيه ولا تقل غير الفواصل محكمات 

وفى أبيات أخرى يقول شوقى:

مصر تجدد مجدها بنسائها المتجددات

النافرات من الجمود كأنه شبح الممات

هل بينهن جامدا فرقٌ وبين المومياء

لما حضن لنا القضية كن خير الحاضنات

كما كانت المرأة المصرية فى نظر الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، لها بصمتها وتأثيرها، وانعكس هذا فى أشعاره التى استحوذت المرأة المصرية كأم وزوجة وحبيبة على نصيب الأسد فيها، ونستعرض صفات وملامح المرأة المصرية كما عبّر عنها «الأبنودى» فى أشعاره.

 الحكيمة القوية

فهى الحكيمة عندما تتحدث معها لا تمل ولا تكل، كما أنها مثل كتاب تتلقى منه الحِكَمَ والعِبَرَ والخبرات بنَهَم، وبحر لا تنتهى الكنوز التى تخرج بها منه كلما ألقيت بنفسك فيه، وقد عبّر «الأبنودى» عن ذلك فى قصائده ببراعة.

ففى قصيدة «يامنة» نجدها تلقى على مسامعه خلاصة تجربتها بالحياة وهى تقول: 

«أول مايجيك الموت.. افتح

أول ماينادى عليك.. إجلح

إنت الكسبان.. إوعى تحسبها حساب

بلا واد.. بلا بت.

ده زمن يوم مايصدق.. كداب

سيبها لهم بالحال والمال وانفد

إوعى تبص وراك»

وهى أيضًا القوية التى مَهْمَا مَرّت بصعاب، فهى تقف صامدة، ومَهما مَر عليها من أزمات تتخطاها، ومَهما شعرت بخوف تجاوزته..  فلسان حالها يقول: وجدعة تخاف منى الرجال..؟

لكن فين شفتونى؟ كنتوا عيال

بناتى رضية ونجية ماتوا وراحوا

وأنا اللى قعدت.. طيب يازمان»

 الشُّجاعة الصبورة

كما أنها فى نظر «الأبنودى» امرأة شجاعة تواجه خوفها فتتغلب عليه، حتى الموت لا تهابه، فلا تهرب، ولا تختبئ، أو تنزوى.. لكنها تواجه، فيقول:

«لسّة عايشة يا جمالات؟

عايشة وزى العفاريت

والديناميت؟

الديناميت والنار دايرين

وأنا فى الفدان ماسكة المنجل

وبجيب للفرسَة حشيش

وعن أمّه، فاطمة قنديل، كرمز للمرأة المصرية التى لا تخشى الموت أو مجيئه يقول فى قصيدة «أمّى والليل مليل»:

«أمّى.. والليل مليل

طعم الزاد القليل، بترفرف.. قبل ترحل

جناح بريشات حزانَى.. وسددت ديونها.. وشرت كفن الدفانة

تقف للموت يوماتى..  «مجاش ابن الجبانة» 

وفى قصيدة أخرى يوضح «الأبنودى» كيف تصبر المرأة المصرية التى يبتعد عنها زوجها، وكيف تتحمل ظروف الحياة القاسية، دون أن تجعل زوجها يفكر فى هموم الحياة ومتطلباتها، فيقول بلسانها:

«أمّا بعد..

فاحنا وزعنا المبلغ زى ما قلت..

ولعلك ما تشغلشى بالك بينا وابقى فى راحة بال..

إحنا يا حراجى، بعد الشر..

إن ضاقت بينا الحال.. يكفينا ريال»

وبكلمات أخرى رائعة يصف «الأبنودى» المرأة المصرية بأنها الحنون التى تُلقى بنفسك فى أحضانها فتشعر أنك اختبأت من العالم، تستمع لكلماتها فـ«تُطيّب خاطرك»، تمر بالصعاب فـ«تواسيك»، تتفقد أحوالك، وتسأل عنك، تسامحك حتى وإن لم تسأل أنت عنها..  ويقول بلسان حال زوجة تدعَى فاطمة فى رسائلها لزوجها «حراجى متفقدة أحواله: 

«وقوللى يا حراجى..بتاكل كيف؟

وبتلبس إيه؟ وبتقلع إيه؟ بتنام فين؟

قاعد فى المطرح مع مين؟

مين اللى بيغسلّك توبك.. وبتتسبّح فين؟» 

ويتضح حنان المرأة كذلك فى قصيدة «يامنة»، فتقول لابن أخيها معبرة عن حبها له رغم عدم سؤاله عنها:

«ماشى يا عبدالرحمان.. أهو عشنا وطلنا منك بصة وشمة

دلّوك بس ما فكرت ف يامنة وقلت: يا عمة؟

حبيبى انت يا عبدالرحمان والله حبيبى..

وتتحب على قد ماسارقاك الغربة..

وبالإضافة إلى «الأبنودى» حاول شاعر العامية المصرى «زكى عمر» المعروف بأنه شاعر نصر أكتوبر وصاحب تلك الأبيات الشعرية، الكشف عن عظمة، وقوة، وصلابة الأم المصرية؛ خصوصًا فى الريف وهى تواجه المحن، وغدر الزمن، فيقول: 

ـ ما كانتش تحب اللون، الباهت

ـ ما كانتش تحب الميّة الفاترة، وكانت 

ـ لما بتكره، تكره موت

ـ وأما تحب، تحب صبابة

ـ وأما بتحزن، تبقى ربابة

ـ وأما بتفرح، يبقى الفرح على البوابة

ـ كانت زى الشمس.. وكانت،

ـ لما بتغضب تبقى.. مهابة».

وهكذا كانت المرأة المصرية وستظل مُلهمة الشعراء والأدباء، وقد شغلت حيزًا وافرًا من وجدانهم فى الماضى والحاضر، فأبدع خيال الشعراء الفنّى صورًا شعرية رائعة عن تضحياتها وكفاحها.