الحج الموصوم بالسياسة!

محمد عادل
فى 2012 تحدثت الأوساط السُعودية الشعبية فى «مكة المُكرمة» عما أطلقوا عليه «قِمة الإخوان فى مكة»! .. حيثُ سافر - وقتها- المُرشد العام للإخوان «محمد بديع»، ورئيس مجلس الشعب ورئيس حِزب الحُرية والعدالة «سعد الكتاتنى»، ورئيس مجلس الشُورى «د. أحمد فهمى»، بِالإضافة إلى بعض القيادات الإخوانية كـ«سليمان العودة» و«محفوظ نِحناح» وآخرين، ورغم أنهُم أكدوا أن سفرهِم بِغرضٍ دينى- وهو تأدية فريضة الحَج - إلا أن وقتها قال القيادى الإخوانى والمُتحدث السابق بِاسم إخوان أوروبا «د. كمال الهِلباوى» أن زيارة «بديع» لِلحِج جاءت مِن أجل عقد اجتماعات بينهُ وبين عددٍ مِن قيادات «الجماعة» على مُستوى العالم، لِلتنسيق والتشاوُر، ووضع خِطة لِمُستقبل «الجماعة» فى عام 2013 ، بعد الإطاحة بِعِدة نُظم ديكتاتورية فى المَنطقة العَربية، على حد قولهِ!
وفى 2013 - حتى بعد الإطاحة بِحُكم الإخوان- ظهرت عِدة تَصريحات تدعو إلى عدم استغلال الحِج بِطريقةٍ أُخرى غير كونه فريضة إسلامية- لِمَن استطاع إليهِ سبيلا- فظهر «د. مُختار جُمعة» - وزير الأوقاف رئيس بعثة الحج المِصرية - ليؤكد أنهُ سيتُم ترحيل أى حاج يستخدم الشِعارات السياسية خِلال مُوسِم الحِج بِشكلٍ فورى.. وهو ما أكد عليهِ مُفتى عام المَملكة العربية السُعودية ورئيس هيئة كِبار العُلماء وإدارة البُحوث العِلمية والإفتاء «عبد العزيز آل الشيخ» أن «التسييس» فى الحِج مُحرم شرعاً ومَرفوض نِظاماً، مُوضحاً أن استغلال فريضة الحج لِأهدافٍ سياسية حرام ومُخالف، مُطالباً الحُجاج أن يكونوا على قَدر المسئولية، ويُسهموا فى استقرار الحُجاج، كما دعا العُلماء والدُعاة بِفَضح أصحاب المُخططات الآثمة، الظالمة، الذين يُريدون إخراج مُوسم وفريضة الحج عما أرادهُ الشرع وفرضهُ .. وهو ما يُشير إلى أن استغلال الإخوان لِلحِج سياسياً لم يتوقف، حتى بعد عزلهِم!
ويبدو أن فريضة الحِج على مدار عقودٍ طويلة لم تسلم مِن أذى المُنتسبين إلى الإسلام أكثر مِن هؤلاء الذين لا يعتنقون الدين الإسلامى!.. ويُعتبر «يوسف القرضاوى» أحد هولاء الذين استغلوا «الحِج» لأغراضٍ سياسية، فقد دعا على مدار سنين طويلة-حتى قبل 25 يناير! - بِاستعمال الحِج سياسياً ضِد النِظام الإيرانى، والدُعاء عليهِ، وعلى الرَغم مِن العَداء السُعودى لِنِظام «خامنئى»، إلا أنهُم ينأون بِالحِج عن الاستعمال السياسى- على عكس «القرضاوى» وغيرهِ - خوفاً مِن فتح الباب لإيران وغيرها لِلقيام بِأفعالٍ، تتنافى مع روحانية الحج، وهو ما أثار غضب الكثير مِن الشخصيات السعودية على استعمال «القرضاوى» الحِج لأعمالٍ تتنافى مع روحانية المُناسبة، وتركيز الحَاج على علاقتهِ بِربهِ، وتطهُرهِ مِن الدنس، لا التفرُغ لِلمُناسبات السياسية وإطلاق الشعارات ضِد مُكون مُهم فى الحَج هو الحُجاج الإيرانيون، الذين قد يتسببون فى خِلافاتٍ طائفية، تُريد السُعودية إبعاد الحجيج عنها.
حتى فريضة «الحِج» لم تسلم مِن الإيرانيين أنفُسهِم، ففى عام 2009 وبعد التظاهُرة أمام سِفارة المَملكة فى طهران والبيان الرَسمى الإيرانى، الذى اتهم السعُودية بِدَعم السُلطات اليمنية فى حربها ضِد الحوثيين، وبِأنها تُدعم «جُند الله» فى إيران، وجه الرئيس- وقتها- «محمود أحمدى نجاد» تحذيراً إلى السُلطات السُعودية المَعنية بِقَضايا الحُجاج، حيثُ قال: «نرفُض وضع القيود على حُجاجنا، وإذا لم تحترم السُعودية مكانة الشعب الإيرانى، فإن طهران ستتخذ إجراءاتٍ مُناسبة، ومُوسم الحَج يُعتبر فرصة استثنائية لِلدِفاع عن القِيم الإسلامية، واجتماع المُسلمين - وخاصةً الحُجاج الإيرانيين - يُفشل أى مؤامرات للأعداء، ويزيد مِن وِحِدة المُسلمين.. كما أنهُ هُناك ضرورة الاستفادة مِن جميع طاقات هذه الشعيرة، ومِنها البراءة مِن المُشركين، بِاعتبار ذلك فُرصة استثنائية، فالعالم يزداد شوقاً لِسِماع نِداء الشعب الإيرانى فى مُوسم الحَج»!
كما أطلق وقتها المُرشد الأعلى لِلثَورة «على خامنئى» حَملة وصفتها الرَياض بِـ«المُفتعلة»، لِتأليب الحُجاج الإيرانيين ضِد السُعودية، خِلال لقائهِ المَسئولين عن حُجاج إيران، بِسببَ ما أسماه تصرُفاتٍ غير إنسانية وغير أخلاقية ضِد الحُجاج الإيرانيين .. وقال «خامنئى»:
«توجيه الإهانات لِلمُسلمين الشيعة فى البُقيع أو فى المَسجد الحَرام أو المَسجد النَبوى إنما يصُب لِصَالح الأهداف الأمريكية، فعلى الحُكومة السُعودية القيام بِوَاجبها لِمُواجهة مِثل هذهِ الحَوادث، وإيران سيكون لها موقف آخر فى حال الاستمرار بِتلك الأساليب»!
وفى عهد «مُبارك» منعت سُلطات الأمن «محمد بديع» مِن السفر لأداء العُمرة عام ,2008 حيث كان وقتها عُضواً بِمَكتب إرشاد الجَماعة.. كما منعت «محمد مهدى عاكف» - المُرشد السابق لِلجَماعة - مِن السَفر لأداء الحج فى عام .2005 إلا أنه سُمِحَ لهُ بِالحَج فى العام التالى 2006 ! .. وخِلال حُكم «مُبارك» مُنِعَ مُعظم قادة جماعة الإخوان مِن السفر لأداء فريضة الحِج، ومِنهُم «محمد مُرسى» و«عِصام العِريان»- وكانوا وقتها أعضاء فى مكتب الإرشاد- ورغم أنهُم كانوا يحصلون على أحكامٍ قضائية بِرَفع أسمائهِم مِن قائمة المَمنوعين مِن السَفر، فإن وزارة الداخلية كانت تقوم بِإعادتها!
والغريب أن فريضة «الحَج» قد تم استغلالها قبل هذا أيضاً بِكثير، ففى موقع «ويكيبديا الإخوان»، وتحت عُنوان «شهر فى الأرض المُقدسة»- فى فترة الثلاثينيات - كتب مؤسس الجَماعة «حَسن البَنا» يقول: «أهم ما حدا بى إلى زِيارة هذه البُقعة المُباركة غير ما يحدو بِكثيرٍ مِن الناس؛ فإن أعظم ما يُسيِّر بالناس إلى هذه البقاع المُطهَّرة الرغبة المُلحة فى أداء الفريضة والزيارة المباركة؛ رجاءَ الثواب أو خوفًا مِن التبعة يوم القيامة، أو الرغبة المُلحة فى التمتُع بِمَا أفاضهُ الله على هذهِ الدِيار وساكنيها مِن بَركةٍ وخير، وذلك جميل حقاً، وذلك بعض ما حدا بى إلى الرِحلة.. أما السبب الأول فى الحقيقة فهو دعوة الإخوان؛ ولعلهُ يسبق إلى ذهنكِ مِن هذا الاعتراف أنهُ الرغبة فى نشر دعوة الإخوان المُسلمين وتلمُّس الأنصار والمُؤمنين بِهَا مِن آفاق الأرض، ومِن القُلوب الطاهرة التى تهوى إلى هذه الأرضَ المُقدسة، وليس ذلك كذلك، وإن كان أملاً مِن الآمال، وفائدةً مِن الفوائد المُنتظرة، ولكن الذى أقصدهُ أن دعوة الإخوان، وهى دعوة خالصة لِوِجه اللهِ مِن أولِ يومٍ، مُؤسسة على تقواه، مُستندة إلى عظمته سبحانه.. هذه الدعوة أعتقد أنه لا بُد مِن نَجاحِها»! .. وقول «البنا» يدُل على أن اجتماعات التنظيم الدولى قد تكون ما زالت مُستمرة تحت شَعائر «الحَج»!
لم يسلم الحِج أيضاً مِن الحوادث السياسية وليس فقط الصِراعات السياسية! .. ففى 20 نُوفمبر 1979 وقعت حادثة «الحرم المَكى»، وذلك حين استولى 200 مُسلح، ومَصادر أُخرى تقول 500 مُسلح - على «الحَرم المَكى»، فى مُحاولة لِقَلب نِظام الحُكم فى المَملكة العربية السُعودية، إبان عهد الملك «خالد بِن عبد العزيز»، وهزت العملية العَالم الإسلامى بِرُمتهِ، فمِنَ حيثُ مَوعدها، فقد وقعت مع فجر أول يوم فى القرن الهِجرى الجديد- وقتها - ومِن حيثُ عُنفها، فقد تسببت بِسَفك لِلدِماء فى باحة «الحَرم المَكى»، وأودت بِحَياة الكثير مِن رجال الأمَن السعُوديين والمُسلحين المُتحصنين داخل الحَرم، وهى الحادثة التى حركت بِسُرعة مَشاعر الكثير مِن المُسلمين، بعضهُم شَجَبها وأنكرها، ووقف ضِدها، وآخرُون تضامنُوا مَعَها!
بل إن الكِتابة الصحفية، جمعت بين «الحَج» والسياسة! .. وتحت عُنوان «إطلالة على المَنافع السياسية لِلحِج والولاية المُتعلقة بِهِ»، كتب الشيخ السُعودى «د. سعد بِن مَطر العُتيبى»: «ومِن فوائد الحج التى تتجلى فيها المَنافع السياسية: كونهِ مُؤتمر اجتماع وتعارُف، وتنسيق وتعاوُن بين المُسلمين، ولا سيما مع جعل ذلك واقعاً عَملياً، مُنظّما فى عددٍ مِن صِوره، فى مثل المُؤتمرات الإسلامية المُصاحبة لِلحِج التى تجمع قيادات المُسلمين فى العالم الإسلامى، وفى مواطن الأقليات الإسلامية، ويتدارسون فيها جُملة مِن قضايا العالم الإسلامى، تحت رعاية الجِهات الرَسمية والمُؤسسات الشرعية العامة، وتتجلى السياسة أيضاً فى مُخاطبة الكافة مِمَن يحضرُون الحَج، ومِمَن لا يحضرونُه، بِمَا يُنقل لهُم عن طريق الأشخاص، لِيُعلموهُ ويُبلغوا مَن وراءهمُ، «فرُب مُبلغٍ أوعى مِن سَامعٍ»، أو بِمَا يستجد مِن وسائل كما فى عَصرِنا الحَاضر، مِن النقل المُباشر وغير المُباشر لِلحَج، وما يُعلن فيه مِن بيانٍ لِلقَضايا التى تهِم الأُمة كُلّها، وهو ما يتضح فى خُطبة عَرفة، تِلك الخُطبة التى كانت السياسة مِن أهم مُوضوعاتها فى خُطبة رسُول الله، تِلك الخُطبة التى شملت الحديث عن جُملٍ مِن السياسة الداخلية والخَارجية، وبيانٍ لِلحُقوق والواجبات لِلفَرد فى الإسلام»! .. بل ويُضيف «العُتيبى» أيضاً: «ومِن فوائد الحج السياسية اليوم: إثبات صلاحية الشَريعة لِكُل زَمانٍ ومَكان»!!
كما كتب وكيل الأزهر السابق الشيخ «محمود عاشور» عن عِلاقة الحِج بِالسياسة: «المَملكة العربية السُعودية مَسئولة عن تأمين الحَجيج فى أداء مَشاعر ونُسِك هذه الفريضة، وتوفير الجو الرَوحانى لِلمُسلمين أثناء أدائهِم لِلمَشاعر المُقدسة، بعيداً عن المُهاترات السياسية التى لا طائل مِن ورائها، والحَج لا بد أن يصبح مؤتمراً لتجمع المسلمين لا لِفُرقتهِم، فكُل عِبادة ليست غاية هى فى حدِ ذاتها، فالحِج هو وِحدة رَوحية وعَقلية، وعلى المُسلمين تصفية المُشكلات فيما بينهُم وهُم فى هذا المَشهد العَظيم، لأن الأُمة أحوج ما تكون إلى الوحدة، وذلك لِمُواجهة تحديات العصر المُتزايدة، والحِج كغيرهِ مِن العِبادات، مَظهر مِن مَظاهر وِحدة المُسلمين، والأُمة الإسلامية هى الأُمة الشاهدة الأمينة على الوَحى الإلهى بعد وفاة النبى، والتى حَملها الله مَسئولية مُواجهة تحديات الحَياة، وأخطرها اقامة الدين الإسلامى كَنظامٍ شَاملٍ لِلحَياة، وذلك عبر تربية الأُمة على مَفاهيم الإسلام ونُصرة دين مُحمد، ومُوسم الحَج يُذكر المُسلمين بِأنهُم أُمة واحدة، ولذلك كُلهِ يجب ألا يتفرق المُسلمون، وتضعُف وِحدتهُم بِسبب أى شِعارات سياسية لأنها مَرفوضة».