السبت 25 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا .. فصول التقوية وكتب ومصايف ومستوصفات وتكفين.. مزحة المؤسسة الدينية!

مصر أولا .. فصول التقوية وكتب ومصايف ومستوصفات وتكفين.. مزحة المؤسسة الدينية!

أعتقد أن شعار «مصر أولاً» هو شعار فكرى فى الأساس، يحمل العديد من القيم الإنسانية والوطنية المهمة، لعل فى مقدمتها ما طالبت به كثيرًا، خاصة قبل سنوات قليلة من أحداث 25 يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو العظيمة، بأن تكون «مصر أولًا» قبل «المؤسسة الدينية»، ليس تقليلاً أو تحجيمًا من شأنها، بقدر ما هو حسم الفصل بين السياسى والدينى تحت مظلة الدولة المدنية المصرية.



عانى الشعب المصرى خلال سنوات طويلة من حالة التقوقع السياسى وعدم المشاركة الانتخابية بشكل فعّال، بسبب شائعات تم الترويج لها بشكل منظم، حول عدم جدوى المشاركة السياسية، وعدم تقدير قيمة صوت المواطن المصرى، فضلاً عن التشكيك فى العملية الانتخابية نفسها، والتأكيد على السماح للموتى بالمشاركة فى الانتخابات، وهو الأمر الذى أدى مع أسباب أخرى داخلية «سياسية وثقافية واجتماعية» وخارجية «المصالح الدولية» إلى الوصول لنقطة 25 يناير 2011.

من ضمن أخطر الأدوات التى حاولت العديد من التيارات توظيفها هو دور المؤسسة الدينية «المسيحية والإسلامية» المصرية فى إعادة صياغة منظومة الانتماء والولاء لها كبديل عن الدولة المصرية، حيث تم استغلال تراجع الدولة فى بعض المجالات لتضخيم دور المؤسسة الدينية وتعظيمه على حساب دور الدولة وهيبتها.

ظلت مصر لسنوات تواجه مخططًا واضحًا لإضعاف منظومة الانتماء الوطنى وكسرها فى مقابل صعود مد الانتماء الدينى بتداعياته وأشكاله المتشددة والمتطرفة المتعددة، وبالطبع لا أقصد هنا الشكل التقليدى للانتماء الدينى المتمثل فى الممارسات والفروض والعبادات والطقوس الدينية، بقدر ما أقصد الأشكال الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التى أعادت تشكيل الوعى بمفهوم الانتماء والإدراك لدور المواطن المصرى فى المجتمع.

قامت المؤسسة الدينية بما يشبه سحب البساط تدريجيًا، مع افتراض حسن النية، فى كثير –وليس كل– الأحيان من الدولة من خلال الكم والكيف من الخدمات التى تقدمها بشكل منظم وبتكلفة أقل وبجودة مرتفعة، ويمكننا رصد هذه الظاهرة فى عدة مجالات، نذكر منها على سبيل المثال:

فى المجال التربوى: صارت للمؤسسة الدينية العديد من الأنشطة التعليمية للسنوات الدراسية المتعددة التى تجذب أبناءها وتستقطب أتباعها بأدنى تكلفة ممكنة تحت مسمى «فصول التقوية»، وهى لا تعادل بأى شكل تكلفة الدروس الخصوصية المرتفعة. 

وفى المجال الثقافى: نجد الآن كم الوسائل الثقافية ذات الصبغة الدينية التى تساعد فى الدروس الدينية والتعليمية «مسابقات ومعلومات»، وذلك فى عدة أشكال تستخدم جميعها الآن الميديا الجديدة «الفيسبوك وتويتر والواتس آب وتليجرام»، وقبل ذلك كانت تستخدم شرائط كاسيت وشرائط الفيديو والسى دى، بالإضافة إلى بيع الكتب بأسعار زهيدة.. لا تغطى تكلفة طباعتها الفاخرة، ويرتبط بهذا المجال تحديدًا ما يمكن أن نطلق عليه «بيزنس الدين» لأن كل هذا يُقدَّم للمجتمع تحت مظلة مسيحية أو إسلامية، وزيارة واحدة لمكتبة أى كنيسة يوم الأحد أو سور أى جامع يوم الجمعة يؤكد ذلك إلى الآن.

وفى المجال الاجتماعى: نجد الاهتمام بنشاط الرحلات والمصايف منخفضة التكلفة من جانب، ومساعدة المحتاجين والفقراء الذين تقدم لهم إعانات مادية وعينية شهريًا من جانب آخر، وهناك بعض المؤسسات الدينية التى تقدم خدمات إضافية منها: مشغل للبنات وبيت للمسنين وخدمة تكفين الموتى ونقلهم، ويرتبط بهذا المجال الخدمات الصحية من: عيادات ومستوصفات ومستشفيات.

وفى المجال الرياضى: من خلال إقامة دورات رياضية فى كرة القدم وغيرها، خاصة فى شهر رمضان الكريم وطيلة شهور الصيف، بالإضافة إلى بعض دور العبادة التى أقامت قاعات للجيمانزيوم.  

بناء على ما سبق، يمكننا أن نرصد بعض الملاحظات المهمة:

• إن جميع هذه المجالات تقدمها المؤسسات الدينية سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال جمعية أهلية بأسعار رمزية، وفى الكثير من الأحيان بدون مقابل على اعتبار أنها خدمة لأتباعها ومريديها، كما أنها من أهم وسائل الجذب والشد والتنافس فى الكثير من الأحيان ليس بين المؤسسات المسيحية والإسلامية فحسب، بل –أيضًا– بين مؤسسات الدين الواحد، كما نذكر أن هذه المجالات تتطور بشكل مستمر وملحوظ لتصل إلى مرحلة الاستقطاب السياسى والدينى الحاد الذى واكب أحداث 25 يناير، والملاحظ هنا أن هذا المشهد قد ساعد بصورة أساسية –كما نعتقد– فى تقوقع المواطنين المصريين ليس كما ذكرنا من قبل على أنفسهم فحسب، بل أيضًا على مؤسستهم الدينية، وهو ما ترتب عليه أن تتحول المؤسسة الدينية «المسيحية والإسلامية» إلى ما يشبه مؤسسة اجتماعية عامة.

• وبناء على ذلك قامت المؤسسات الدينية بدور كل من: وزارة التربية والتعليم ووزارة الشباب ووزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الصحة من خلال المجالات سالفة الذكر. وقد ساعد على زيادة هذا الدور ما حدث من تراجع ملحوظ لدور الدولة فى تلبية هذه الاحتياجات التى قامت بتنفيذها المؤسسة الدينية، وربما يعود هذا التراجع أساسًا إلى الأزمات والتحديات الاقتصادية الطاحنة. خاصة أنه فى ظل الأزمات دائمًا ما يكون الملاذ الأخير هو الدين، إذ يدفع الإنسان روحيًا ويدعمه وجدانيًا أمام التراجع المادى لتوفير مستلزمات الحياة.

• ملاحظة أخيرة مهمة: أصبحت المؤسسة الدينية فى السنوات الأخيرة هى الوسيط/ الجسر الذى يربط الفرد بالوطن/ الدولة، وعليه يتحدد مفهوم الانتماء ومعانيه، ولا يعنى هذا أننا ننكر هنا الأهمية القصوى للانتماء للدين وللمؤسسة الدينية، لأن هذا الانتماء يمثل واحدًا من أهم مرتكزات العقل الجمعى المصرى فى منظومته الفكرية والإنسانية، غير أن الخطر الشديد والتخوف من أن يؤدى هذا إلى حدوث خلل أو شرخ فى منظومة انتماء المواطن لمصر، ونجد أنفسنا فى مأزق حينما تصبح المؤسسة الدينية هى البديل الشرعى للوطن/ الدولة.. على اعتبار أن المؤسسة الدينية هى التى تقوم بتلبية الاحتياجات الفورية والسريعة والملحة، وليس الدولة، وفى هذا السياق تتساوى الكنائس والمساجد فى مصر، ولكن بأشكال متفاوتة، فالعديد من الأنشطة التى تقوم بها الكنيسة، تقوم المؤسسة الدينية الإسلامية فى مصر بمثيلاتها تمامًا.

يتوقف الأمر فى نهاية المطاف على ما تقدمه المؤسسة الدينية «المسيحية والإسلامية» المصرية فى سبيل الحفاظ على منظومة الانتماء الوطنى للفرد الذى يتبعها ومدى تطابق ذلك أو تعارضه مع ما تقدمه الدولة، بمعنى أن يكون هناك برنامج واضح لهذه المؤسسات تجاه المواطن والدولة، وأذكر هنا –كتجربة شخصية– النشاط الذى تقوم به وزارة الأوقاف تحت رعاية د. محمد مختار جمعة «وزير الأوقاف» إذ يحرص بشكل دائم على دعم مفهوم الانتماء والمشاركة بجميع مستوياتهما من خلال إسهامات فكرية ودورات تدريبية، كما أشيد هنا بالتجربة المهمة والجديرة بالبحث والتحليل للهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية من خلال منتدى حوار الثقافات، وهو يهدف إلى تدعيم قيمة الحوار واحترام التعددية وقبول الاختلاف من خلال ترسيخ مساحة من الرأى العام المستنير تجاه القضايا المجتمعية، وخلق شراكة بين الهيئات المعنية بالحوار مثل وزارة الأوقاف.. للإسهام فى دفع عملية التحديث، وفيه تتم دعوة العديد من شباب رجال الدين المسيحى مع أقرانهم من شباب الأئمة والشيوخ، وهى تجربة مهمة لأنها تساعد على أن يكتشف كل منهما الطرف الثانى وجهًا لوجه، وليس عن طريق وسيط ربما يحرف المضمون فى الكثير من الأحيان، وهى نماذج يجب دعمها وتكرارها وانتشار تبنى استمراريتها.

 

نقطة ومن أول السطر..

لا شك أننا فى مرحلة إعادة التوازن المفقود بعد ثورة 30 يونيو التى أعادت الثقة فى مفهوم الدولة المصرية أولاً وقبل كل شىء، مثلما أعلت من قيمة العلم المصرى وهيبته، وقبل كل ذلك من خلال شعور المواطن المصرى بالفخر والاعتزاز بانتمائه لهذه الدولة التى أصبحت تستهدف بناء مستقبل المواطن المصرى ورعاية أمنه ومصالحه فى الداخل كما فى الخارج. 