الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هؤلاء من بورسعيد "4" د.فؤاد زكريا «العقل ليس عضوًا ماديًا وإنما هو مَلَكَة وهبها الله الإنسان»

هؤلاء من بورسعيد "4" د.فؤاد زكريا «العقل ليس عضوًا ماديًا وإنما هو مَلَكَة وهبها الله الإنسان»

قصة الفلسفة هى قصة البحث عن المطلق، ونسأل: ما الفلسفة؟.. وما المطلق؟.. الفلسفة، فى أصلها اليونانى، تعنى حب الحكمة، فيُقال فيلوسوفس، باليونانية، أى مُحب للحكمة.. الفيلسوف إذًا ليس حكيمًا، هو مجرد عاشق للحكمة.. لماذا؟.. لأن الله وحده هو الحكيم، فى رأى فيثاغورس واضع لفظ «فلسفة» إذ قال: «لست حكيمًا فإن الحكمة لا تُضاف لغير الآلهة، وما أنا إلا فيلسوف».. والله «مطلق» بمعنى موجود قائم بذاته، وليس قائمًا بموجود آخر.. والذى يقوم بذاته لا بُدّ أن يكون «بسيطًا» وليس «مركبًا» من أجزاء.. إذ لو كان مركبًا لاستلزم موجودًا آخر يكون سببًا فى تركيب أجزائه.. البسيط إذًا واحد بالضرورة.. غير أننا لا نفهم معنى «الواحد» إلا فى مقابل «الكثير».. ومعنى «المطلق» إلا فى مقابل «النسبى».. ونسأل: وما الصلة بين المطلق والنسبى؟.. سؤال فلسفى الجواب عنه يحكى قصة الفلسفة.     



هكذا بسّط الدكتور مراد وهبة مفهوم الفلسفة، فى كتاب بحجم كف اليد عدد صفحاته 134 صفحة، صدر عام 1993 عن دار العالم الثالث للنشر والتوزيع بعنوان «قصة الفلسفة»، هو مؤمن بضرورة أن يفهمها رجل الشارع كما يفهمها النخبة، باعتبارها حادة التماس مع حياة الناس، ولكن على الجانب الآخر، فإن رجل الشارع يخشى كلمة «فلسفة» أصلًا، وهى عند الناس مقترنة بهواجس تطرح شكًا فى تعارضها مع الإيمان، فتهرب منها وممن يرددها ولو بمنطق «اتقِ مواطن الشبهات»، حاجز نفسى لا يزال الفلاسفة يعجزون عن اختراقه، خصوصًا أن المدخل إلى الفلسفة هو التفكير وإعمال العقل، وكلاهما لا يجرؤ عليه إلا من رحم  ربى.

عقب إعلان بورسعيد عاصمة الثقافة المصرية 2021 مطلع مارس الماضى، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفى احتفالية بمركز بورسعيد الثقافى، تصدر مشهدها وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم، ومحافظ بورسعيد اللواء عادل الغضبان، وكرَّموا خلالها سبعة من أبناء بورسعيد المشهود لهم فى مجالاتهم بتاريخ وحضور مضىء وإبداع يظل محفورًا فى ذاكرة المصريين، هم الدكتورة فايزة أبوالنجا، اللواء الدكتور سمير فرج، الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد، اسم الفنان الكبير محمود ياسين، المخرج المسرحى سمير العصفورى، شيخ الخطاطين المصريين خُضير البورسعيدى، الفنان محمد سالم، وفى تقليد متجدد لوزارة الثقافة بحيث تُقام فعالياته سنويًا فى المحافظة التى تستضيف المؤتمر العام لأدباء مصر.

أقول عقب إطلاق هذا الإعلان وإقامة هذه الاحتفالية وتكريم هؤلاء الرموز، كتب الدكتور خالد منتصر بجريدة الوطن تحت عنوان «فؤاد زكريا البورسعيدى» يقول أو يلوم: «بقدر سعادتى بالأسماء التى كرَّمها محافظ بورسعيد، بقدر حزنى على عدم تكريم اسم د. فؤاد زكريا ابن بورسعيد، عظيم جدًا أن نكرم الكاتبة سكينة فؤاد واللواء سمير فرج والمخرج الكبير سمير العصفورى والمثقفة والسياسية المتألقة فايزة أبوالنجا واسم الفنان محمود ياسين وغيرهم، ولكن من المؤلم أن ننسى الفيلسوف العظيم د.فؤاد زكريا حيًا وميتًا، فقد عانى فى سنواته الأخيرة من إهمال إعلامى شديد، حتى إن الكثيرين حسبوه قد رحل عن الدنيا وهو لايزال  حيًا».

أضاف الدكتور خالد منتصر: «أناشد محافظ بورسعيد تكريم اسم هذا الرجل العظيم الذى علّمنا فضيلة السؤال.

دعنى أمر بك سريعًا على سيرة الدكتور فؤاد زكريا، قبل أن أعود بك إلى أوجاع الفلسفة التى طرحها - ربما دون قصد – الدكتور خالد منتصر، وُلِد فؤاد حسن زكريا فى مدينة بورسعيد فى ديسمبر عام 1927، تلقى تعليمه الثانوى فى مدرسة فاروق الأول الثانوية بالعباسية بالقاهرة، وتخرج فى قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) عام 1949، عُيِّن مُعيدًا فى كلية الآداب بجامعة عين شمس، وفى عام 1952 نال درجة الماجستير عن رسالته «النزعة الطبيعية عند نيتشه» من جامعة عين شمس، وبعد أربع سنوات عام 1956 حصل على درجة الدكتوراه عن رسالته «مشكلة الحقيقة» من الجامعة نفسها.

عمل الدكتور فؤاد زكريا أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس حتى عام 1974، انتقل بعدها إلى الكويت أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بجامعة الكويت حتى عام 1991، خلفًا لأستاذه ومعلمه الدكتور زكى نجيب محمود، وعمل بالأمم المتحدة مستشارًا لشئون الثقافة والعلوم الإنسانية فى اللجنة الوطنية لليونيسكو بالقاهرة، ومؤسِسًا ومستشارًا لسلسلة «عالَم المعرفة» التى تصدر عن المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت، كما ترأس تحرير مجلتى «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» فى مصر، نال جائزة الدولة التشجيعية عام 1962، جائزة مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمى عام 1982، جائزة سلطان العويس من الإمارات العربية المتحدة عام 1991، وجائزة الدولة التقديرية عام 1996.

الدكتور فؤاد زكريا له العديد من المُؤلَفات منها «التفكير العلمى»، «آراء نقدية فى مشكلات الفكر والثقافة»، «الجوانب الفكرية فى مختلف النظم الاجتماعية»، «الصحوة الإسلامية فى ميزان العقل»، و«الثقافة العربية وأزمة الخليج»، ومن مُنجزه فى الترجمة نذكر «المنطق وفلسفة العلوم» لموى، «الفلسفة الإنجليزية فى مائة عام» لمتس، «نشأة الفلسفة العلمية» لريشنباخ، «التُساعية الرابعة فى النفس» لأفلوطين، و«حكمة الغرب» لرَسِل، بالإضافة لما ألفه فى علم الموسيقى والذى كان من ضمن اهتماماته، وفيه كتب «التعبير الموسيقى»، «مع الموسيقى»، و«ريتشارد فاجنر»، تُوفِىّ الدكتور فؤاد زكريا بالقاهرة فى 11 مارس عام 2010 عن عمر ناهز 83 عامًا، تاركًا وراءه 19 كتابًا تُعَدُ من مرجعيات الفلسفة.

«فى اعتقادى أن موضوع التفكير العلمى هو موضوع الساعة فى العالم العربى، ففى الوقت الذى أفلح فيه العالم المتقدم - بغض النظر عن أنظمته الاجتماعية - فى تكوين تراث علمى راسخ امتد - فى العصر الحديث - طوال أربعة قرون، وأصبح يُمثل فى حياة هذه المجتمعات اتجاهًا ثابتًا يستحيل العدول عنه أو الرجوع فيه، فى هذا الوقت ذاته يخوض المُفكرون فى عالمنا العربى معركة ضارية فى سبيل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمى، ويبدو حتى اليوم - ونحن نمضى قُدُمًا إلى السنوات الأخيرة من القرن العشرين أن نتيجة هذه المعركة لاتزال على كفَّة الميزان؛ بل قد يُخَيَّل إلى المرء فى ساعات تشاؤم معينة أن احتمال الانتصار فيها أضعف من احتمال الهزيمة».

هكذا تحدث د.فؤاد زكريا بمقدمة كتابه «التفكير العلمى» الصادر عام 1987، وفيه يتماس مع أوجاع الفلسفة التى أشرت إليها كانطباع ضمن قراءتى لطرح الدكتور خالد منتصر، الدولة المصرية تعيش الآن حالة من المد الوطنى لا تقل عما عاشته فى مراحل مصيرية مختلفة من تاريخها، وبينما يتطور الإرهاب كفكرة بأساليب تواكب تطورات القرن الحادى والعشرين، لا تزال جهودنا الفكرية فى المواجهة على أحوالها النمطية، وهو ما نثقل به كواهل قوانا الأمنية، وبقدر ما تعقد الدولة من مؤتمرات تُشكل ملامح منهجها المتجدد فى الحكم، بقدر ما ننتظر مؤتمرًا يوثق إيمانها بالـ«التنوير» فى رسالة مباشرة تأتى كأحد أهم ملامح تأسيس الجمهورية الثانية.