السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما يقرر صُنّاع العمل الدرامى استباحة التراث وخداع الجمهور: لماذا يخشى كتاب السيناريو الاقتباس؟

باستثناء مسلسل (بين السما والأرض) الذى أعلن صُنّاعه منذ البداية اقتباسه عن سيناريو الأديب الكبير «نجيب محفوظ»، فإن تيترات بقية الأعمال الدرامية المعروضة خلال الشهر الفضيل تخلو من عبارة (مقتبس عن) ,لكن خلوها لا يعنى أنها ليست كذلك بالفعل.



 

فالجمهور ومع عرض الحلقات الأولى لبعضها بدأ مقارنتها بالأعمال الأصلية، وإلقاء الضوء على تطابق الأحداث بينهما، مثلما فعل مع مسلسل (الطاووس) الذى تفاعل معه الجمهور على اعتبار أنه يناقش قضية مهمة شغلت الرأى العام منذ فترة، لكن محبى الدراما التركية اكتشفوا ومع عرض الحلقات الأولى التشابه بينه وبين المسلسل التركى (فاطمة) الذى تم تقديمه فى تركيا منذ أكثر من عشر سنوات، وتمت ترجمته ودبلجته بعد ذلك إلى أكثر من لغة كان من بينها العربية، الأمر لم يتوقف عند ذلك فحسب، فقد ربط الجمهور بين قصة مسلسل (موسى) وبين قصة «أدهم الشرقاوى» نظرًا لأن كليهما قد انطلق كفاحه ضد الإنجليز من ثأر شخصى قام به، حيث هرب «موسى» من بلدته بعدما قتل شقيق شيخ البلد، ثم تعرف على المطاريد وبدأ بعدها رحلة المقاومة، بينما قام «الشرقاوى» بالفعل نفسه بعدما ثأر من قتلة عمه، أما المسلسل البوليسى (قصر النيل) الذى تلعب بطولته «دينا الشربيني» فقد ربط عشاق الأدب البوليسى بينه وبين رواية (قضية ستايلز الغامضة)، لكن إذا كان من الممكن تمرير كل هذه الاقتباسات غير المعلنة، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لمسلسل (نجيب زاهى زركش) من بطولة الفنان القدير «يحيى الفخرانى» وتأليف «عبدالرحيم كمال» الذى أحدث صدمة كبيرة لعشاق الثنائى، فقد تأكد تطابق المسلسل مع الفيلم الإيطالى الشهير (الزواج على الطريقة الإيطالية) الذى تم تقديمه لأول مرة فى ستينيات القرن الماضى، والمقتبس بالأساس من مسرحية إيطالية للكاتب المسرحى «إدوارد دى فيليبو» وفى نهاية التسعينيات، تمت ترجمتها دون تمصير أو معالجة، وقدمت على المسرح القومى بعنوان (جوازة طليانى)، والمفارقة أن المسرحية التى حققت نجاحًا كبيرًا وقت عرضها كانت من بطولة «يحيى الفخرانى» أيضًا، مما ينفى عدم معرفته بأمر التشابه بين أحداث المسلسل، وبين النص الإيطالى، ورغم أن المؤلف قد آثر الصمت لأيام طويلة بعد افتضاح الأمر، فإنه أعلن بعد ذلك فى تصريحات صحفية مقتضبة أن ذكر الاقتباس سقط سهوًا من التيتر! وأنه سيتم تدارك الأمر، وهو ما حدث فى حلقة الاثنين الماضى، لكن السؤال الذى يطرح نفسه: لماذا يفضل بعض الكتاب إخفاء أمر اقتباس أحداث مسلسلاتهم وافتراض جهل الجمهور؟ ولماذا يظنون أن الإشارة إلى ذلك فى بداية المسلسل ستنتقص من حجم إبداعهم؟ ويتركون الأمر حتى يكتشفه الجمهور؟ وما تأثير ذلك على مصداقية المبدع نفسه أمام جمهوره؟

حق لا يسقط بالتقادم

فى البداية تقول الناقدة الفنية «علياء طلعت» إن الاقتباس فى حد ذاته علم لا يعيب أى كاتب الاستعانة به، ولا سيما أن الاتجاه العام السائد حاليًا فى الخارج هوعمل معالجات جديدة (RE MAKE) لأفلام قديمة يعرفها الجمهور جيدًا، فاستغلال أى إبداع سابق مباح بشرط ذكر المصدر، وفى حالة مسلسل (نجيب زاهى زركش) يظهر هذا الاقتباس لأى شخص شاهد الفيلم الإيطالى الذى لعب بطولته كل من «صوفيا لورين ومارشيللو ماستوريانى» عن قصة عاشقة عاشت مع عشيقها لفترة طويلة، وأمام رفضه للزواج منها ادعت دنو أجلها بسبب مرض أصابها حتى تجبره على الزواج منها ليكتشف بعد ذلك أن لها ثلاثة أولاد أحدهم من صلبه، وتتوالى الأحداث بعد ذلك، والغريب أن المسلسل يحتوى على تفاصيل لم تكن موجودة فى النص الأصلى ولا سيما أنه قدم فى وقت لم يكن يجرى فيه تحليل الـ DNA الذى يثبت النسب، وبالتالى قام المؤلف بمعالجة للنص الأصلى من أجل أن يجعله مناسبًا للطبيعة المصرية، وللعصر الذى يدور به أيضًا، والسؤال هنا: لماذا لم يعترف صناع المسلسل بأمر الاقتباس من البداية، ويتركوا للنقاد أمر مناقشة المعالجة الجديدة التى قدموها للنص بدلًا من أن يشغلونا بصراعات غير مجدية بعدم التصريح بأشياء ليست معيبة، ولا سيما أن النص قديم لدرجة أنه لا حقوق مادية سوف تترتب على صناعه من جراء إعادة استغلاله، لكن الحق الأدبى لا يسقط بالتقادم، والنقطة المهمة الأخرى التى لا بد من الإشارة إليها هو عدم القدرة على افتراض الجهل فى النجوم الذين يؤدون تلك الأدوار المقتبسة، وبالتالى عدم الإشارة إلى الاقتباس أمر يتحملون هم مسئوليته أيضًا، وإذا كان الرجوع للحق فضيلة بإضافة مصدر الاقتباس بعد عرض نصف الحلقات تقريبًا لمسلسل (نجيب زاهى زركش) لـ«يحيى الفخرانى» فإن الأمر سيؤثر حتمًا على المصداقية التى بُنيت بينه وبين جمهوره عبر سنوات طويلة، ولا سيما أنه قدم من قبل النص الإيطالى على خشبة المسرح بعنوان (جوازة طليانى)، ومع الأسف فإنها ليست السابقة الأولى للنجم الكبير فقد لعب بطولة مسلسل (بالحجم العائلي) العام قبل الماضى دون الإشارة إلى أنه مقتبس من الفيلم الإيطالى (Everybody>s Fine) وبالتأكيد هي ليست مصادفة.

استهزاء بعقلية الجمهور

ومن جانبه يقول «د. مالك خورى» أستاذ السينما بالجامعة الأمريكية إن ما يحدث من قبل بعض الكتاب من استباحة لإبداعات غيرهم نوع من الجراءة الممزوجة باستهزاء بعقلية الجمهور، والتعامل معه على أنه قاصر عقليًا، الأمر الذى لا يحدث فى هوليوود على سبيل المثال، ومؤخرًا أصبحت إعادة تقديم الأعمال الكلاسيكية بأطر جديدة أمرًا رائجًا جدًا هناك، وفى معظم الأحيان يتعلق الجمهور بإبداع المقتبس فى تطوير النسخة الأصلية من الفيلم أو المسلسل، أو النص المسرحى، لا سيما أن القوانين تقضى بأن أى عمل إبداعى مر على تقديمه أكثر من 30 عامًا يصبح ملكية عامة يجوز استغلاله وإعادة تقديمه بشرط إعطاء أصحابه الأصليين حقهم الأدبى بنسب القصة لهم، وإذا تحدثنا عن مسلسل (نجيب زاهى زركش) فلن أستطيع أن أخفى دهشتى مما فعله «عبدالرحيم كمال» ليس فقط لأن النص الأصلى قد تجاوز عمره خمسين عامًا، وأن الإشارة إلى النص الأصلى لن يكلفه سوى قول الحقيقة، بل لأن المسرحية قد قدمت من قبل للجمهور المصرى بعد تمصيرها فى احتفالية مع المركز الطليانى، وتم عرضها فى إيطاليا أيضًا، وعن الحل لوقف تلك الظاهرة يقول: «لا شك أن تفعيل القوانين الخاصة بالملكية الفكرية أمر مهم للحد من الاستيلاء على حقوق الآخرين الأدبية، لكنها تصلح عند حدوث نزاع بين طرفين يدعى كل طرف منهما أنه صاحب النص الأصلى، ولا تصلح أبدًا مع التراث الذى يستبيحه البعض، لذلك يأتى دور النقابات الفنية لمواجهة تلك الظاهرة، بإلزام أعضائها بميثاق شرف مهنى ينص على الأمانة، وعدم السرقة الأدبية، وإذا لم يلتزم أى عضو بذلك فلا بد من تطبيق عقوبات عليه قد تصل إلى الفصل لأنه اخترق ميثاق الشرف النقابى».