الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

محرر «روزاليوسف» يروى شهادته من كرداسة بعد 8 سنوات: عملية الـ 10 ساعات لتطهير «ولاية الدم»

أثناء متابعتى لمسلسل «الاختيار 2.. رجال الظل»، كنت مُستغرقًا فى مشاهدة الحلقة السابعة «حق إخواتنا»، وعدت بذاكرتى للعام 2013، خلال أداء مهمتى الصحفية بتغطية عملية «تطهير كرداسة»، إحدى أخطر بؤر الإرهاب عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة «الإرهابيين» فى 14 أغسطس، حيث خضعت لسيطرة العناصر التكفيرية عقب اقتحامهم مركز شرطة كرداسة، وارتكابهم «مذبحة» راح ضحيتها 11 فردًا من رجال الشرطة.



 

 الرحلة إلى هناك لم تكن سهلة، والأحداث كانت درامية، فالثأر لأرواح الضباط « حتمى لا رجعة فيه»، والمواجهة مع العناصر الإرهابية المسلحة محفوفة بالمخاطر، ومن وسط أصوات الرصاص المختلط بدوى القنابل، نرصد عملية الـ10 ساعات لتحرير «ولاية كرداسة» من «الحارات إلى الطريق الأبيض».

 الوصول إلى «ولاية الدم»

فى الساعات الأولى من الخميس 19 سبتمبر 2013، تلقيت اتصالًا استغرق ثوان «اطلع على كرداسة الشرطة والجيش هيدخلوها»، بدون تردد توجهت برفقة زملائى فى سيارة «ميكروباص» لنؤدى عملنا بنقل وتوثيق ما يحدث على أرض «ولاية كرداسة» - كما أطلق عليها الإرهابيون-، فى الطريق راودتنى التساؤلات عما سيكون عليه الوضع هناك، فلم يغب عن ذهنى مشاهد اقتحام الإرهابيين مركز الشرطة باستخدام الأسلحة الثقيلة، وقتل الضباط والأفراد بداخله والتمثيل بجثامينهم، ردًا على فض اعتصامى رابعة والنهضة، فالمشاهد تؤكد أن تلك العناصر شديدة الإجرام. 

بمجرد وصولنا على أعتاب كرداسة كانت حركة المرور قد توقفت، بعدما أغلقت قوات الجيش المشاركة فى العملية جميع مداخل المدينة؛ لمنع هروب أي من العناصر الإرهابية، فتوجهت لأحد التمركزات محاولًا أخذ تصريح للدخول، إلا أننى واجهت صعوبة فى ذلك «ممنوع المرور حفاظًا على حياتكم». 

توجهنا إلى طريق آخر فكان الوضع مطابقًا تمامًا، وحينها قررنا الدخول للمدينة عبر الشوارع الضيقة «الحارات» بعيدًا عن الطرق الرئيسية «المغلقة» بإرشاد من أحد سكان المدينة، وبمجرد الدخول استوقفنا أحد رجال الشرطة، وأبلغنا أننا قد نتعرض لرصاص الإرهابيين، وبعد إصرارنا وجهنا بالحذر الشديد «ناموا فى العربية واقفلوا الشبابيك.. احذروا المسلحين بالمنازل»، فى هذا التوقيت بلغنا استشهاد اللواء نبيل فراج، مساعد مدير أمن الجيزة، الذى كان يتولى قيادة القوات المنوط بها تأمين منفذ كوبرى كرداسة.

استكملنا طريقنا ملتزمين بالتعليمات، الشوارع كانت خاوية من المواطنين بعد تحذيرات الشرطة؛ منعًا لتعرضهم للخطر، صوت إطلاق الرصاص كان مدويًا، وأدخنة الإطارات كانت تغطى سماء المنطقة، كما أقامت العناصر الإرهابية حواجز وسواتر رملية فى بعض الطرق، لمنع تقدم المركبات، وذلك منذ بسط نفوذها على كرداسة لأكثر من شهر، فالوصول إلى وسط المدينة أمام مركز الشرطة، لا يتعدى كيلو مترًا إلا أنه مر علينا وسط تلك الأجواء كدهر من الزمن.

 سيطرة أمنية.. وضبط العناصر الإرهابية

خطة اقتحام كرداسة اعتمدت على شقين، الأول يتعلق بحصار المدينة من الخارج وتأمين الظهير الصحراوى، وهو الشق الذى تولته القوات المسلحة، أما الشق الثانى فتعلق بالمواجهة المباشرة مع العناصر الإرهابية والإجرامية، ونفذته المجموعات القتالية التابعة للعمليات الخاصة بوزارة الداخلية، المكونة من أكثر من 40 تشكيلًا من قوات الأمن المركزى.

فى السابعة صباحًا، بدأت عمليات الاقتحام بنشر الأجهزة الأمنية قواتها على جميع مداخل ومخارج المنطقة، وطريقى (المحور وصفط اللبن) لمنع هروب المسلحين، وأثناء ذلك شهدت المنطقة إطلاق رصاص كثيف من أسطح العمارات والمدارس، وعلى إثره استشهد اللواء نبيل فراج، الأمر الذى زاد من إصرار القوات الأمنية على استرداد حق الشهداء، فبادلت قوات الشرطة الرصاص مع المسلحين، فيما رصدت قوات العمليات الخاصة أسطح العقارات والمدارس التى يطلق الإرهابيون منها الرصاص، فصعدوا إليها وضبطوا عددًا منهم.

وعقب ذلك توجه ضباط العمليات الخاصة إلى منازل المطلوبين فى قضية «مذبحة مركز الشرطة»، وأثناء ضبطهم شهدت الشوارع الداخلية للمدينة إطلاق رصاص كثيف على القوات، وإلقاء قنابل يدوية وأخرى حارقة، الأمر الذى أوقع عددًا من الإصابات بأفراد القوات الأمنية، إلا أنهم تمكنوا عقب ذلك من ضبط العشرات من المسلحين والمطلوبين جنائيًا.

ثم بدأت القوات فى تمشيط كرداسة بالكامل لطمأنة المواطنين، الأمر الذى لاقى ترحابًا واسعًا من الأهالى، الذين خرجوا لتحية رجال الداخلية والقوات المسلحة بعد تحرير مدينتهم من قبضة الإرهاب، وعادت القوات للتمركز أمام مركز الشرطة؛ ليتوقف إطلاق الرصاص الذى استمر لساعات، وخيم الهدوء على قلب كرداسة.

إلا أن الحال قد تغير فى نحو الساعة العاشرة صباحًا، بسماع دوى إطلاق رصاص كثيف أصاب الجميع بحالة ذعر، فتوجهت القوات الأمنية ببسالة لمصدر الإطلاق، واتضح أنه صادر من عمارة سكنية مكونة من 4 أدوار، قد أطلق منها بعض الإرهابيين الرصاص لتشتيت قوات الأمن ومحاولة الفرار، إلا أنهم فشلوا فى ذلك وتم ضبهم بعد ملاحقتهم بالمركبات، وتحت غطاء إحدى المروحيات.. سقط فى قبضة رجال الداخلية العشرات من العناصر الإرهابية، من بينهم متورطون فى أحداث مذبحة مركز شرطة كرداسة، بالإضافة إلى «سمية شنن»، التى شاركت فى التمثيل بجثث الضباط، كما تمكنت الداخلية من ضبط العديد من القنابل محلية الصنع والأسلحة الآلية والذخائر. 

 ناهيا و«الطريق الأبيض» 

بعد السيطرة التامة على كرداسة، طلب منا أحد الضباط مرافقته مع عدد من رجاله بسيارتنا «الميكروباص»، وجهتنا كانت مجهولة، وبعد دقائق أخبرنا بأننا متوجهون صوب مدينة ناهيا، وهناك علمنا بورود معلومات باختباء عدد من العناصر المطلوبة، وكانت هناك ترجيحات بتواجد القيادى الإخوانى عصام العريان فى إحدى الشقق السكنية، وبالفعل تم ضبط عدد من المطلوبين جنائيًا.

ثم اتجهنا صوب «الطريق الأبيض»، الذى كان مسرحًا لتجميع جميع العناصر المضبوطة خلال عملية تطهير المنطقة بالكامل، فالمشهد كان سينمائيًا بتواجد العشرات من المدرعات وسيارات الأمن المركزى، والمئات من رجال الأمن لترحيل الإرهابيين، والاحتفاء بنجاح تطهير «ولاية الدم».