الأحد 3 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

القرآن.. وقضايا المرأة (2) (الرجال قوامون على النساء) "القوامة" تكليف.. وليست تشريفًا!

تتزايد الدعوات من وقت إلى آخر من أجل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة؛ خصوصًا مع ظهور منظمات المجتمع المدنى المهتمة بالمساواة بين الجنسَيْن ومساعدة المرأة للحصول على حقوقها كاملة، ويتفق البعض ويختلف البعض الآخر حول نتيجة تلك الدعوات، يظهر ذلك فى وقوف بعض الرجال إلى جانب النساء فى مطالبهن، بينما يتنكر بعض الرجال للمرأة باعتبارها لا ترقى إلى أن تكون مساوية للرجل.



والنساء فى قضية المساواة لا يواجهن الرجال فقط؛ بل يواجهن أيضًا فريقًا من النساء يعملن ضد أنفسهن، ويساعدن الرجال فى ضياع حقوقهن، ولذلك تدعو النساء المناضلات إلى تحقيق المساواة مع الرجال فى التعامل لأنها أكرم من التبعية والقهر.

 «القوامة للرجال»

موضوع المساواة يرتبط بالموضوعات التى تتناول العلاقة بين الرجل والمرأة فى القرآن الكريم، ومنها موضوع القوامة، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ..) النساء 34، الآية بدأت بذكر الرجال والنساء بشكل عام، ثم جاء الكلام عن التفضيل خاص بالبعض.

وفى قوله تعالى: (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، لم يحدد الله تعالى مَن هم الذين فضّل بعضهم على بعض، فقد يكون المعنى تفضيل بعض الرجال على بعض، أى أن ليس أى رجل يصلح للقوامة، وحتى إن فهمنا أن المقصود هو تفضيل الرجال على النساء فهذا لا يشمل كل الرجال ولا كل النساء لأن البعض لا يعنى الكل، والفضل فى الآية منحة من الله أولًا وعلى أساس الإنفاق ثانيًا، وإذا لم يوجد أحد الشرطين فلن يكون للرجل قوامة على المرأة.

وفى كل الأحوال لا تفقد المرأة حقها فى تقرير مصيرها الشخصى طالما كانت قادرة على ذلك، وحيث إن أحد الأدوار المهمة للأسرة هى إنجاب الأبناء، وهى مهمة يكون العبء الأكبر فيها على المرأة وتتطلب منها قدرًا من القوة والذكاء وتحمُّل المسئولية، فى المقابل يكون على الرجل أن يتحمل مسئولية القوامة حتى يحدث التوازن فى تحمُّل المسئوليات، وحتى لا تتحمل المرأة مسئوليات إضافية تؤثر على مهمتها الأساسية فى العناية بالأبناء.

وبذلك تعنى القوامة أن الزوج يملك الإمكانيات العقلية والمادية وكذلك الحكمة التى تؤهله للقيادة والإنفاق على الأسرة.

 «المرأة الصالحة»

عند الحديث عن دور المرأة تم ذكر المرأة الصالحة وتحديد صفتين لها، الأولى أنها من القانتات، والقنوت يعنى الطاعة مع الخضوع، كما فى قوله تعالى عن السيدة مريم: (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) التحريم 12، والثانية أنها من الحافظات للغيب بما حفظ الله، أى أن المرأة الصالحة تحفظ نفسَها وعرضَها وتحفظ خصوصيات زوجها وبيتها كما أمر الله، وبما حفظ تعالى ما لها من حقوق وخصوصيات، ولذلك لا تجعل هذه الخصوصيات عرضة للحديث، وليست هى وحدها بل الرجل الصالح عليه أن يحفظ خصوصيات زوجه وبيته، كما أنه لا يجوز للزوج أن يتعرض للزوجة الصالحة القانتة الحافظة للغيب بأى نوع من أنواع التعدى.

والرجل الذى له حق القوامة هو الذى يستطيع القيام بالتعامل مع كل الأمور الخاصة بالزوجة والأسرة، (..بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..) النساء 34، التفضيل هنا لا يشير إلى فضل الإيمان ولا العلم ولا القوة بل يشير إلى الفضل فى الحكمة بالنسبة لمن يقوم بإدارة الأمور، كما فى قوله تعالى عن هذا التفضيل: (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ..) النساء 32.

وقوله تعالى: (..وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..) النساء 34، توضيح للإنفاق من الأموال ولإثبات حق الرجل فى أنه قد اكتسب المال بسعيه، فلو أن الرجل لم ينفق من ماله على زوجته لأى سبب فهو غير قوام، فالفضل قائم مادام ينفق من ماله، وليس الفضل لمن لم ينفق من ماله أو ينفق من مال الغير.

وقوله تعالى: (..فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ..) النساء 34، والصالحات تعنى كل زوجة تلتزم بتعاليم دينها وتخاف الله وتقيم حدوده على نفسها، وتتعامل بمكارم الأخلاق ولا تسىء المعاشرة، وذلك لأنه تعالى وصفهن بالقانتات، وهو اختيارهن للطاعة والخضوع، ولذلك نسب الله تعالى حفظ الغيب إليهن فى إشارة إلى أنهن يحفظن أنفسهن فى غياب الأزواج، ولذلك يحفظ تعالى الصالحات.

وأمّا القول بأن المقصود من قنوت المرأة هو خضوعها للرجل فهو غير صحيح؛ لأنه لا معنى لتفسير الصالحة القانتة بأنها التى تطيع زوجها وإكرامًا لطاعتها له فإن الله تعالى يحفظها لذلك السبب فقط.

 «التفضيل من الله»

أمّا عن التفضيل فنجد أن بعض آيات القرآن الكريم ورد فيها أن الله تعالى قد فضّل بعض الناس على بعض مثل تفضيل بعض الرسل على بعض، يقول تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) البقرة 253، ولم يذكر لنا القرآن من هم الرسل الذين تم تفضيل بعضهم على بعض؛ بل ذكر أنه لا يوجد أى تمييز بينهم بالنسبة لنا، كما فى قوله تعالى على لسان المؤمنين: (..لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِه) البقرة 285.

وفى قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) النساء 32، يعنى أن كل منهما فضل بأمور، وما فضل الله به الرجال على النساء من هذه الأمور جعلته أصلح للقوامة، وتبقى الأفضلية بحُسن الإدارة والحكمة ودرجة الثقافة والوعى، التى تتفاوت بين الناس، فمن الرجال من هو أفضل من النساء والعكس صحيح، ولم يذكر تعالى أن الرجال الأفضل على الإطلاق

 «الغرب والمساواة»

مطالبة الغرب بالمساواة بين الرجل والمرأة فيها ظلم للرجل فى كثير من الأمور، وظلم للمرأة أيضًا؛ لأن المساواة التامة تعنى أن أخذ الواجبات من الرجل والمرأة يكون بالمثل وإعطاءهما الحقوق يكون بالمثل، مع أن العدل يكون بمراعاة مقتضى الحال، دون مقارنة تؤدى لانتقاص أحد الطرفين.

لقد تأثرت النساء فى الدول العربية بدعوات الغرب للمساواة؛ لأن كثيرًا من الرجال منعوا المرأة من حقوقها، فافتقدت الشعور بالأمان، ثم بدأ الرجل فى التفاخر عليها لأنه يعتبرها ناقصة عقل، فظنت المرأة أنها لو خرجت لميدان العلم والعمل، وتحررت من سيطرة الرجل المادية عليها فستثبت له أنها الأفضل.

هذا النوع من الانتقاص سبب نفس المشكلة للأهل مع الأولاد، فمحاولة فرض السيطرة غير العادلة بدعوى النقص فى الآخر، هو نفس المشكلة للمراهقين فى الأسرة، فالمرأة كما يقهرها الرجل تقهر هى أولادها، لأنها أكثر احتكاكًا بهم فى البيوت، فالرجل هو الذى أدى للمشكلة، وهو السبب فى منازعة المرأة له وعنادها، ولو تصرف الرجل من مفهوم القوامة الصحيح لاختلف الأمر، فالرجل الذى له القوامة عليه أن يحتوى ويرحم لأنه واثق من قدرته على إدارة كل الأمور.

 «قيمة الدرجة»

وفى قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكيمٌ) البقرة 228، والدرجة التى يمنحها الله للفرد ليست تكريمًا بل هى بمثابة اختبار أو ابتلاء، أمّا الدرجة التى يأخذها الإنسان عن طريق فعل الخيرات وازدياد العلم والوعى لديه فهى الدرجة التى تميزه عن غيره فى الأعمال الدنيوية، مع الوضع فى الاعتبار أن العمل الأعلى قيمة عند الله هو العمل القائم على التقوى.

وقد تكررت كلمة «درجة» 4 مرات فى القرآن الكريم، وتعنى أن الإنسان يمكنه أن يحصل على درجة أعلى عن طريق الجهاد بالنفس والمال فى سبيل الله، أو بالهجرة إلى الله، أو عن طريق فعل الخيرات، أمّا فى قوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة 228، نجد أن الدرجة هنا جاءت ضمن الحديث عن الطلاق، بمعنى أن للزوج حق الطلاق على زوجته وهو بذلك يزيد درجة عن حق زوجته عليه، وتلك الزيادة فى الدرجة ليست عامة فى العلاقة بأى امرأة أخرى، ونلاحظ أن كلمة (بِالْمَعْرُوفِ) متعلقة بمعاملة المرأة، وتسبق كلمة (دَرَجَةٌ) للتأكيد على أن المعروف هو أساس المعاملة العادلة.

إن أهمية الحديث عن آية القوامة وفهم المعنى الصحيح لها هدفه معرفة مدى تأثير الخطاب الدينى فى وضع المرأة فى المجتمع، وهل يؤدى ذلك لتأكيد التمييز ضد المرأة وزيادة الفجوة بينها وبين الرجل؟، أمْ أن مساهمات الخطاب الدينى تمنع اضطهاد المرأة وما يترتب على ذلك من ظواهر مثل العنف الأسرى والاعتداء الجنسى وغيره؟

إن الهدف من قوامة الرجل هو القيام على أمْر المرأة بالحماية والرعاية والسعى لتلبية مطالب الحياة، وليس معناها القهر والاستبداد بالرأى، فالرجل بحُكم أعبائه ومسئولياته وتفرغه للسعى على أسرته والدفاع عنها والإنفاق عليها، وهو صاحب القرار بعد مشورة زوجته فيما يحقق المصلحة لهما وللأسرة.