الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأنثى .. كشاهد فى القرآن المرأة ليست "نصف رجل"!

تفضيل الرّجُل على المَرأة، من الموضوعات المتكررة عند المُشككين فى الإسلام والقرآن الكريم، وهو أيضًا أمْرٌ يهم الكثير من الرجال من حيث تأكيد التفوّق على المَرأة، وذلك من خلال الاعتقاد بأن مَرجع هذا الموضوع أمْرٌ وتوجيه إلهىٌّ جاء فى القرآن الكريم، مع أن القرآن لا يوجد فيه أى تفرقة على مستوى المسئولية بين الرّجُل والمَرأة فى القول أو العمل.



فى قراءة لآيات القرآن الكريم، نجد أن الله تعالى تكلم عن المَرأة كفرد، كما تكلم عن الرّجُل كفرد، وقد تم توجيه الخطاب الإلهى لكل من الرجال والنساء كمتلقين للوَحى؛ حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، الحجرات 13

فالله تعالى عندما يخاطب الناس فهو يخاطب الرجال والنساء.

وقد يجىء الخطابُ للرجال تعبيرًا عن حالة محددة: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ..)، النور 37، كما يجىء الخطابُ للنساء تعبيرًا عن حالة محددة: (يَا نِسَاء النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء..)، الأحزاب 33، لكن الخطاب بشكل عام تم توجيهه إلى الرجال والنساء فى القرآن الكريم من دون تفرقة، وجعل تعالى تكريم الإنسان يعتمد على التقوَى وليس على نوع الجنس.

اعتقاد غير صحيح

ترجع أهمية فهم موضوع شهادة المَرأة فى القرآن الكريم إلى اعتقاد بعض المسلمين غير الصحيح بأن الرّجُل يساوى امرأتين، وأيضًا اعتقاد غير المسلمين غير الصحيح بأن المَرأة تساوى نصف الرّجُل فى الإسلام.

وموضوع شهادة المَرأة جاء بالقرآن مَرّة واحدة، فى الآية التى تسمى بآية المُداينة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ)، البقرة 282.

فالله تعالى أمَرَنا بالكتابة كى لا ننسَى، وأمرَنا بالإشهاد كى لا ننكر؛ لوجود احتمال النسيان أو الإنكار، فلذلك أمرَنا بكتابة مَبلغ ومَوعد الدَّيْن، وأن نشهد على ذلك، وأمرَنا تعالى: (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)، فالكاتب يجب أن يكون عادلًا حتى يكتب بالعدل، دون أن يزيد أو ينقص، كما أمرَنا تعالى: (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ)، فالكاتب إذا دُعى إلى الكتابة يجب أن يكتب، والشاهد إذا دُعى إلى الشهادة يجب أن يشهد، وأمرَنا تعالى: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ)، فالإنسان الذى يعتمد فى رزقه على العمل يومًا بيوم، حين ندعوه لأداء شهادةٍ يجب أن نعوّضه عن وقته الذى كان يكسب رزقه فيه، فالكاتب ممنوع أن يرفض الكتابة، والشاهد ممنوع أن يرفض الشهادة، وصاحب الحق عليه ألا يضر كاتبًا ولا شاهدًا.

وقال تعالى: (وَإِنْ تَفْعَلُوا)، أى إن أضررتم بالشاهد أو الكاتب وكلفتم أيهما ما لا يطيق، أو إن أيّا من الشاهد أو الكاتب زادَ أو أنقَصَ فى شهادته أو كتابته، فيعتبر هذا من الفسق: (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ)، وقال تعالى: (فَإِنْ كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ)، والسَّفيه هو المختل عقليّا، أو الصغير، أو الذى لا يستطيع أن يتكلم، أى إذا كان هناك سببٌ يمنعه من أن يملى؛ فإن ولى هذا السّفيه يملى مكانه.

 مساواة الرّجُل والمَرأة

من القواعد الأساسية فى الإسلام أن المَرأة مساوية للرجُل فى التكليف، والمسئولية، والتكريم، مكلفة بأركان الإسلام والإيمان، مكلفة بالعبادات من صلاة، وصوم، وزكاة، وحج، ومكلفة بغض البصر، وبالصدق والأمانة، ومساوية للرجل تمامًا فى التكريم.

لكن المَرأة لها خصائصها الجسمية، والعقلية، والنفسية التى تناسب أداء مهمتها، والرّجُل أيضًا له خصائصه التى تناسب أداء مهمته، فالمَرأة والرّجُل لهما مهمتان متكاملتان، هو لكسب الرزق والسعى، وهى لرعاية الأسرة وشئون البيت.

وفى بعض الأحيان يكون من الصعب استدعاء المَرأة للشهادة؛ لأنها مرتبطة ببيتها وأولادها، مثل امرأة عندها طفل رضيع، فلذلك حينما تكلف امرأة بالشهادة فقد لا تستطيع أن تأتى لتؤدى هذه الشهادة أمام القاضى.

وفى قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)، الشهادة هنا ليست على إطلاقها فى كل أنواع الشهادات، فهى هنا شهادة خاصة بالعقود المالية، ونلاحظ أن الرّجُلين تمت تسميتهما شهيدين فى حين أنه لم تتم تسمية المَرأتين كشهيدتين؛ لأنه رُغْمَ وجود امرأتين معًا؛ فإن لكل منهما دورًا مختلفًا، فإحداهما شاهدة والأخرى تساعدها وتذكّرها إذا ما حدث خطأ.

والآية تخبرنا أن موضوع الشهادة يتطلب أكثر من شاهد واحد حتى يتم التأكد والاطمئنان بأنه لا يوجد خطأ فى شروط العَقد عن قصد أو غير قصد، وتحرص الآية على أن يكون الشهودُ ممن نرضى من الناس حتى لا يكون هناك أى شبهة فساد فى الشهادة، وإذا ما نظرنا إلى وضع المَرأة فى الكثير من المجتمعات؛ خصوصًا مجتمعاتنا العربية فنجد أن إمكانية إكراه وقَهر المَرأة الشاهدة لتغيير شهادتها أمْرٌ سهل، ولكن الأمر يختلف عندما توجد امرأتان تقوى إحداهما الأخرى، وتكونان بمثابة جبهة واحدة إذا ما فسد الشاهد الرّجُل أو إذا ما تم الضغط على إحداهما، ويرى البعضُ أن كلمة تضل تعنى النسيان، ولكن دلالة كلمة «ضل» غير دلالة كلمة «نسى» فى القرآن، قال تعالى: (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنسَى)، طه 52، ونجد أن كلمتى «الضلال والنسيان» وردتا فى آية واحدة، مما يدل على أنهما ليستا بمعنى واحد، أن كلمة «نسى» تدل على عدم القدرة على استحضار المعلومة عند طلبها، بينما كلمة «ضل» تدل على الابتعاد عن الصواب، ولذلك يحاسب الإنسان الضال عن عمله ولا يحاسب الإنسان الناسى.

والآية تخبرنا عن حالتين فقط من الشهداء وهما رجُلان أو رجُل وامرأتان، وإذا كان الرّجُل يساوى امرأتين بشكل عام لكان هناك بديل ثالث للشاهدين الرّجُلين وهو أربع شاهدات من النساء، وهذا البديل لم تطرحه الآية ليس عن سَهو، ولكن لأن الرّجُل لا يساوى امرأتين، فالرّجُل والمَرأة سواء بسواء من حيث الواجبات والحقوق، وكذلك شهادة المَرأة مثلها مثل شهادة الرّجُل سواء بسواء يتم بموجبها إثبات العقود والعلاقات الاجتماعية والدرجات العلمية وغيرها، فالشهادة ليست مَطلبًا لذاتها؛ وإنما هى وسيلة لحفظ الحقوق، وهذا هو غاية الأمر.

تهميش متعمّد

البعضُ يريدون أن يجعلوا دورَ المَرأة هامشيّا، وينتقصون من قدرها بنَسْب صفات إليها كالنّسيان وعدم الدقة وغيرهما، مع أن لكل من الرّجُل والمَرأة قدرات مختلفة، يساهم فى تنمية هذه القدرات أو إضعافها عوامل كثيرة، منها التربية والثقافة والتعليم والعادات وغيرها، كما يمكن أن تساهم هذه العوامل فى رفع مستوَى القدرات المختلفة لأحدهما دون الآخر، وبما أن مجتمعاتنا الحالية تحكمها الثقافة الذكورية؛ لذلك نجد المَرأة فى وضع لا تُحسَد عليه، وهى فى أغلب الأحوال قد صارت تابعة للرجُل، بل زاد الأمرُ بَعد أن صدقت المَرأة ادعاءات الرّجُل فى حقها فاعتقدت فى صحة هذه الثقافة الذكورية، وصارت المَرأة تساند الرّجُل وتدعمه فى تلك الادعاءات، حتى صارت بعض النساء يعملن ضد غيرهن من النساء وضد أنفسهن أيضًا من حيث لا يدرين.

وأخيرًا، هل يمكن أن تساوى شهادة أستاذة الجامعة مثلًا شهادة رجُل أقل منها ثقافةً وعلمًا؟!، إن الأمْرَ مُتعلق بصفة الأهليّة والكفاءة للشاهد، فإن كانت المَرأة مثقفة وواعية تكون فى أداء شهادتها مثل الرّجُل تمامًا، وهذا هو المَعنى فى: (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء)، فإن رضى صاحبُ الحق بشهادة امرأة مُعَينة يثق بوعيها وإدراكها فلا يوجد مانعٌ لشهادتها؛ لأن الأمْرَ غايته توثيق الحقوق وحفظها، فالنساء شقائق الرجال، عليهن ما على الرجال ولهن ما للرجال من واجبات وحقوق سواء بسواء، ولذلك فمن المهم أن يكون المَرجع فى فهم الآيات هو القرآن الكريم، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.