الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هؤلاء من بورسعيد سمير العصفورى فاصل هام فى تاريخ المسرح المصرى "2"

هؤلاء من بورسعيد سمير العصفورى فاصل هام فى تاريخ المسرح المصرى "2"

لا تزال احتفالية نقل المومياوات الملكية إلى متحف الحضارة المصرية تأسر وجدان عدد كبير من مشاهديها فى مصر والخارج، الحدث رد الاعتبار لقيمة الفن، تصدر الفن المشهد الأسطورى فى مجموعه، فأدرك الجميع أن العملة الفنية الجيدة إذا تواجدت بحق، لابد أن تطرد العملة «اللافنية» الرديئة، صوت السبرانو المصرية أميرة سليم تسمعه يصدح الآن بـ«ترنيمة إيزيس» عبر أجهزة التواصل فى إشارة مرور أو جلسة استجمام أو لحظة شجن، الحل إذًا فى مواجهة الفنون المزيفة ليس فى المنع كما رددنا طويلًا، وإنما فى دعم الفنون الحقيقية ومنحها مساحات عريضة تستحقها من نوافذ التواصل مع الجمهور، قيمة الفن يجب أن تستمر حاضرة وبقوة.



المشهد الأسطورى دفعنا لأن نمنح الأولوية فى استعراض رموز القوة الناعمة بـ«هؤلاء من بورسعيد» إلى المسرح، المُلَقَب صدقًا «أبوالفنون» باعتباره أول الأنماط الفنية التى عرفها الإنسان من ناحية، كما أنه جامع لها من ناحية أخرى، وبعيدًا عن مقارنات لا تنتهى إلا بمفاضلات بين الحضارتين الفرعونية والإغريقية، ومنها المتعلق بأيهما سبق الأخرى فى معرفة المسرح، فإن دليلًا قاطعًا منح الحضارة المصرية حق الريادة فى المسرح، ألا وهو تلك النقوش التى وُجِدَت بمحيط المقابر الفرعونية المُكْتَشَفَة فى منطقة بنى حسن بمحافظة المنيا، والتى تؤكد قيام الفراعنة بتقديم العروض المسرحية بساحات المعابد، فالنقوش لم تكن إلا محاكاة لأسطورة إيزيس وأُزوريس الفرعونية الشهيرة.

نُطالع تاريخ المسرح المصرى، فلا نجد اسم المخرج الكبير سمير العصفورى إلا متوهجًا بقدر فاصل هام فى هذا التاريخ، العصفورى من مواليد بورسعيد عام 1937، بلغ فى 27 فبراير الماضى 84 عامًا، ولا يزال - متعه الله بالعمر والصحة - قادرًا على الإبداع، انتهى منذ أيام من بروفات مسرحية «مورستان» المأخوذة عن مسرحية الراحل الكبير سعد الدين وهبة «بير السلم»، المسرحية من إنتاج مسرح الدولة، ويقوم بأدوار البطولة فيها سميحة أيوب، أشرف عبدالغفور، وينتظر العصفورى قرار البيت الفنى للمسرح برئاسة الفنان إسماعيل مختار، والمسرح القومى برئاسة الفنان إيهاب فهمى، بشأن توقيت عرض المسرحية للجمهور،حيث كان من المخطط افتتاحها قبل رمضان الجارى.

فى مستهل بروفات «مورستان» أكتوبر الماضى، كتب سمير العصفورى عبر صفحته الشخصية على «الفيسبوك»، مُعَبرًا عن سعادته بالعودة للإخراج على خشبة المسرح القومى، قائلًا: «المسرح القومى دار الإبداع والإخلاص الفنى لزمن طويل، تسللنا لداخله تلامذة بالمدارس، شبابًا بالجامعة، وتدربنا وامتحنا أمام الأساتذة الكبار، وتعلمنا من عروضه الكثير والكثير.. عشاق المسرح يتذكرون تمامًا الرعشة التى تصيب البدن عند الدخول للقاعة أو العمل على خشبته، وكأنك ترى أشباح عظماء الإخراج والتمثيل والتأليف تطوف به وتحلق فى قبته، إنها أشباح العظمة التى عاشت به.. أشعر بنفس الرهبة بعد طول الفراق وأنا ذاهب إليه لأبدأ اليوم أول بروفة لـ«مورستان».. دعواتكم لنا يا عشاق المسرح».

كان العصفورى قد تخرج فى كلية الآداب قسم الدراسات العربية بجامعة عين شمس عام 1956، قبل أن يلتحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية قسم التمثيل عام 1960، والذى تخرج به الأول على دفعته عام 1964 بتقدير جيد جدًا، فالتحق فور تخرجه ممثلًا ثم مخرجًا بفرق مسرح التليفزيون، وكانت قد تأسست عام 1962 بثلاث فرق مسرحية على يد السيد بدير فى عهد الوزير عبدالقادر حاتم، وزادت فى العام التالى إلى سبع فرق قدمت وقتها 18 مسرحية فى الموسم الشتوى و16 مسرحية فى الموسم الصيفى، مسرح التليفزيون حقق عام 1966 ما يقرب من 2.5 مليون جنيه، وقد مثل المبلغ ثروة قومية وقتها.

مسيرة المخرج الكبير سمير العصفورى مسيرة حافلة، تفوق خلالها فى النجاح بمسرح الدولة كما فعل وتميز بمسرح القطاع الخاص، أعد وأخرج نصوصًا مسرحية عالمية، كما فعل فى العديد من نصوص المسرح المصرى، أبدع فى جميع أشكال وألوان المسرح، التراجيدى كما الكوميدى، الشعرى كما الاستعراضى، الأوبرا كما الأوبريت، والفصحى كما العامية، لم يهمل المسرح الجامعى، ولم يبخل على المسرح الإقليمى، لم تعقه قلة الموارد يومًا عن الخروج بإبداعه إلى النور، ولم تكن أبدًا إلا دافعًا نحو المزيد من الإنجاز، ولعله كان سباقًا فى التدرج بالمناصب القيادية بمسرح الدولة، بدافع المبادرة لمواجهة القيود المُعَوِقَة بكل أشكالها، له تجربة إدارية طويلة جديرة بالتأمل.

أشهر ما قدم العصفورى بمسرح الدولة من النصوص العالمية «زيارة السيدة العجوز» لدورينمات، «الدرس» ليونسكو، «بلدتنا» لوايلدر، ومن النصوص المصرية «مأساة الحلاج» لصلاح عبدالصبور، «إيزيس فى باريس» لتوفيق الحكيم، «الست هدى» لأحمد شوقى، وفى رحلته الأطول بمسرح الطليعة كان أشهر ما قدمه «مولد الملك معروف» لشوقى عبدالحكيم، «السيرة الهلالية» ليسرى الجندى، «العسل عسل والبصل بصل» لبيرم التونسى، «كلام فارغ» لأحمد رجب، «القاهرة 80» عن رواية «يوم قُتِلَ الزعيم» لأديب نوبل نجيب محفوظ، وفى المسرح الجامعى «الناس فى السماء الثامنة» لعلى سالم، وفى المسرح الإقليمى «أوبرا ثلاث شنبات عن ماكبث» ليونسكو، العصفورى برع دائمًا فى مخاطبة الفكر والوجدان معًا.

أما عن تدرجه الوظيفى بعدما عُينَ ممثلًا ثم مخرجًا بمسرح التليفزيون عام 1964، فقد عمل مدرسًا للتمثيل عام 1967، ومشرفًا فنيًا بفرق المسرح العالمى والمسرح الحديث ومسرح توفيق الحكيم، قبل أن يُعَيَن مخرجًا بالمسرح القومى عام 1971، ثم عامًا واحدًا مدرسًا للتمثيل بالمعهد العالى للفنون المسرحية عام 1975 حيث عُينَ بعده مديرًا عامًا لمسرح الطليعة، ثم مديرًا عامًا للمسرح الحديث عام 1980، وبعدها مديرًا عامًا للمسرح القومى عام 1983، وأخيرًا مستشارًا للبيت الفنى للمسرح عام 1994، وكان سمير العصفورى قد أسس قاعة 79 التجريبية، والتى صارت فيما بعد قاعة صلاح عبدالصبور، وتُعَد نموذجًا يحتذى به فى مجال المسرح التجريبى.

اسم المسرحية وأبطالها أشهر فى كل الأحوال من اسم المخرج، وهو ما تلمسه حالًا من سيرة المخرج الكبير سمير العصفورى فى مسرح القطاع الخاص، فلعل أشهر ما أخرج من مسرحيات على خشبة القطاع الخاص، هى بدورها من أشهر المسرحيات بشكل عام وأكثرها جماهيرية، جميعنا من عشاق المسرحية الكوميدية الشهيرة «العيال كبرت» والتى عُرِضَت عام 1979 من تأليف سمير خفاجى وبهجت قمر، وقام ببطولتها النجوم سعيد صالح ويونس شلبى وأحمد زكى وحسن مصطفى وكريمة مختار، المسرحية من إخراج العصفورى، كما أخرج فى نفس العام مسرحية «إنها حقًا عائلة محترمة» لنفس المؤلفين سمير وبهجت، وقام ببطولتها فؤاد المهندس وشويكار والقديرة أمينة رزق.

فى مرحلة لاحقة أخرج العصفورى «ألابندا» لمحمد هنيدى عام 1998، وبعدها «طرائيعو» لهنيدى أيضًا عام 2002، ثم «كده أوكيه» لأحمد السقا ومنى زكى وهانى رمزى عام 2003، وعلى مدار حياته الفنية يخطفه التمثيل أحيانًا، قام بالتمثيل فى 18 عملًا فنيًا أشهرها فيلم «إشارة مرور» عام 1996، ومسلسلات «أهل الهوى» عام 2013، «مأمون وشركاه» عام 2016، «أرض النفاق» عام 2018، العصفورى حاصل على جائزة التفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2000، وصدرت سيرته المسرحية «المسرح وأنا» عن هيئة الكتاب عام 2014، ويبقى أن تعرف أنه زوج الفنانة القديرة إنعام سالوسة، ولهما ابنة وحيدة هى الكاتبة المخرجة الممثلة تغريد العصفورى.