الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!..إلى أين ذهبتِ يا كاندى؟

كدهوّن!..إلى أين ذهبتِ يا كاندى؟

استيقظتُ مذعورًا على رنين تليفون لحوح لا ينقطع وكأنه صفارة إنذار تحذرنى من شىء ما قد وقع مما أصابنى برهبة وخوف كبيرين لما يحمله لى صاحب هذا الرقم المجهول من أخبار قد تكون سيئة أو لعلها سيئة جدّا وأنا فى الواقع لستُ مستعدّا لاستقبالها نهائيّا، أو على الأقل قبل أن أتناول قهوتى الصباحية وأصطبَّح وأقول يا صُبح، ولكن إصراره على مواصلة الاتصال جعلنى أتخلى عن مخاوفى المشروعة من ذلك المجهول وأن أتناول حبوب الشجاعة كى أستطيع تلقى الصدمات بقلب ميت.



 

قد كان ورفعت الموبايل إلى أذنى وقلت بصوت خشبى رزين: نعم، مين معايا؟ ومضت لحظات صمت دون أن أتلقى أى رد من الطرف الآخر، مما فَجَّر شلالات من القلق بداخلى، وسيلًا من الأدعية الهيستيرية من نوعية: جيب العواقب سليمة يارب.. وأخيرًا جاء إلى مسمعى صوت رجالى يتحدث العربية بلكنة إنجليزية (لزوم الإثارة والغموض) يقول لى بود وكأنه يعرفنى: هاى مستر حسن - كنت حابب أعرف لو حضرتك كنت بتدور على حاجة فى زايد؟.. وهنا قفز قلبى من صدرى، وسقطت بالفعل من فوق سريرى صائحًا متلهفًا متوترًا.. أيوه طبعًا أنا فعلاً بدوَّر عليها بقالى شهور لدرجة إنى كنت بدأت أفقد الأمل فى العثور عليها.. واستكملت سؤالى بصوت مبحوح: هو انت لقيتها بجد؟ فضحك صاحب الرقم المجهول وقال بصوت نحاسى حاد: إللى بتدوَّر عليها موجودة عندنا يافندم وكِدَهُوَّن، الحمد لله حقيقى إللى تخاف منه ما يجيش أحسن منه، ده أحسن خبر سمعته من فترة طويلة ربما من لحظة ما فقدت كلبتى «كاندى»، وقلت له بصوت تغلبه دموع الفرحة: أنا كنت حاسس إنها مش هاتضيع للأبد ومسيرى ألاقيها مَهما طال الوقت.. فقال صاحب الصوت بغرور شديد: يافندم الفرصة عمرها ما هاتضيع طالما بتتعامل معانا صدّقنى ده أفضل اختيار وتأكد إنك كسبان دائما وَكِدَهُوَّن.

ولأنى سعيد ومبسوط بخبر العثور على كلبتى الجميلة «كاندى» تغاضيت عن سخافة الرد واعتبرته مجرد وقاحة منه لأنه يريد الحصول على مبلغ أكبر من المكافأة المجزية التى أعلنتُ عنها على كل الجروبات إللى على السوشيال ميديا؛ خصوصًا فى منطقة زايد وأكتوبر منذ أن فقدت كلبتى الجميلة «كاندى» فى إحدى جولاتنا  فى الحدائق العامة؛ حيث صادقتْ كلبًا ضالاً كان يحوم حولها طول الوقت واستغل براءتها وجعلها تنطلق معه فى أرجاء الحديقة ولم تستطع العودة مرة أخرى، وهكذا فقدتها بسبب موافقتى على أن تلعب مع ذلك الكلب الضال الذى أقنعها بالهروب معه ولم أعثر عليها بعد ذلك رغم بحثى عنها فى كل مكان إلا أنى لم يصبنى اليأس أبدًا من عودتها لى مرة أخرى حتى لحظة استقبالى لهذه المكالمة السعيدة، فعدتُ لصاحب الرقم المجهول أسأله عن التفاصيل وكيف أستطيع استلامها، فقال بهدوء المحترفين: ياريت تشرَّفنا وتعاينها على الطبيعة علشان تطمن وكِدَهُوَّن.. فقلت له: طبعًا أنا هالبس هدومى وأجيلكم حالًا بس ياريت تطمّنى الأول عن حالتها يارب تكون كويسة.. فرد بثقة الأستاذ يوسف شعبان فى مسلسل (رأفت الهجان): طبعًا يا فندم حالتها رائعة جدّا.. ثم توقف لإشعال سيجارة على ما أظن وقال: ستنبهر بحالتها صدّقنى مش هاتلاقى أختها فى أى مكان تانى وهاتتأكد بنفسك.. فقلت له بمنتهى الفَخر: فعلاً هى مالهاش أخت وكِدَهُوَّن.. كنت خايف جدّا إنها تكون موجودة فى مكان بعيد عن زايد.. فرد مسرعًا أبدًا يا فندم دى فى نص زايد بالظبط  على بُعد خمس دقايق من المحور الرئيسى وعشر دقايق من ميدان الحصرى وكِدَهُوَّن.. 

استغربت الرد شوية من دقة الوصف الذى يصل لدرجة الحسوكة بس المهم إنى أخيرًا هاشوف «كاندى» وتنتهى أحزانى لفراقها وكِدَهُوَّن.. قلت له على استحياء: يا ترى ما مقدار المبلغ المطلوب حتى أستعد ماليّا قبل حضورى لاستلامها.. فرد صاحب الرقم المجهول مبتسمًا: مش مطلوب أى حاجة دلوقتى غير إن حضرتك تشرّفنا فى الشركة وتشوفها بنفسك.. فقلت بسذاجة: هو انت شغال فى شركة؟ مش عايز أعطلك عن شغلك، يا ترى أقدر آجى آخدها إمتى وتكون فاضى مش مشغول؟.. فرد بنفاد صبر وقد تخلى عن اللكنة الإنجليزية فى كلامه: ما هو أنا بقول لحضرتك يا أستاذ حسن ممكن تيجى فى أى وقت يناسبك أنا تحت أمرك.. فصرخت فى سعادة: هاجيلك حالًا، ياريت تبعت لى عنوانك.. فرد بروتين رسالة مسجلة: هابعت لك شير لوكيشن على الواتساب يافندم.. فقلت له مرة أخرى: أرجوك تحدد المبلغ إللى عايزه كمكآفاة العثور عليها.. فقال لى: صدّقنى إحنا كل إللى يهمنا هو رضا سيادتك وشعورك بالسعادة والراحة والأمان معانا وكِدَهُوَّن.

 بدأتُ أتوتر من طريقته وأشعر بالقلق وأنا أسمع هذا الكلام المريب، إزاى يعنى أشعر بالسعادة معاهم؟ يقصد إيه الراجل ده بالضبط أنا كده مجموعة فيران بدأت تلعب فى صدرى، وبدأت أخاف من الذهاب لشركتهم المزعومة هذه بمفردى لازم ولا بُد من الاستعانة بصديق قوى يذهب معى ويكون له هيبة لإدخال الرعب فى نفوسهم؛ خاصة أنى أعتقد والله أعلم أنهم عصابة لتجارة رقيق أبيض وربما تكون هذه الشركة مجرد وكر لممارسة الرذيلة مثلاً ويقبض علىَّ فور وصولى لمقرهم (زى ما حصل للفنانة شادية فى فيلم المرأة المجهولة)، كم أشفق على «كاندى» الآن من ذلك المصير الذى وصلت له، فقد وقعت فى أيدى مجرمين محترفين والخوف كل الخوف من إنهم بيتاجروا فى الكلاب أيضًا، كم أنت مسكينة يا «كاندى»، واضح إنك قد تعرضتِ لتجربة قاسية جدّا وأنت بعيد عنّى، والكارثة الحقيقية أن تكونى قد حملتى من كلب مجهول لا نعرف أصله ولا فصله. وقبل أن أشعر بانهيار لمجرد تصوُّرى لهذا الخاطر المرعب قلت له بصوت مبحوح: أنا سأحضر حالًا.. ثم رفعت صوتى قليلا لإرهابه ولكى يفهم جيدًا أنى لست بمفردى وسأحضر ومعى مجموعة من أصدقائى (عزوة لحمايتى إذا تعرضت لأى خطر من جانبهم) وكِدَهُوَّن.. فهتف لى صاحب الرقم المجهول وقال مبتهجًا: ده عظيم جدّا وياريت هُمّا كمان يختاروا الوحدة إللى تعجبهم عندنا بعد مايعاينوها طبعًا وبعدين نحدد السعر المناسب لكل وحدة (واضح إنه بيطلق على الفتيات لقب وحدة للتمويه)، ثم أطلق ضحكة سمجة ويبقى كده ضربنا عصفورين بحَجر واحد (هزار بايخ الصراحة).. فقلت له بكثير من القرف: الموضوع مش هايوصل للدرجة دى، ياريت تحدد المبلغ المطلوب علشان نخلص وأستلمها وكل واحد يروح لحاله.. فقال بجدية المحترفين: إحنا الوحدة بتبدأ عندنا من عشرة مليون على حسب مواصفاتها.. وهنا شهقتُ شهقة أعلى من شقهة الملوخية بتاعة أم إبراهيم،  وصرختُ فى وجهه: أنت مجنون يا بنى، عشرة مليون إيه إللى هادفعها لك دى؟ مافيش داعى للطمع أنا مش هادفع أكتر من ميت جنيه حلاوة رجوع «كاندى» بالسلامة.. فقال باندهاش: أنا مالى بمدام «كاندى» دى إللى هاترجع؟ فقلت له: «كاندى» الكلبة بتاعتى مش بتقول لقيتها فى زايد؟ فقال لى بأسلوب سوقى: كلبة إيه إللى هادور لك عليها أنا يا فندم مندوب تسويق عقارى لأكبر كومبوند فى زايد، وكنت بدعوك لشراء وحدة فيه وكِدَهُوَّن.. 

قفلتُ الخط بعد كل هذا الحديث العبثى مع ذلك المجهول وهتفتُ بأعلى صوتى: ربنا يرجَّعك بالسلامة يا غالية.