السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
غناء القلم.. «أنا آسف.. أنا آسفة» بديهيات نبيلة لكنها غائبة

غناء القلم.. «أنا آسف.. أنا آسفة» بديهيات نبيلة لكنها غائبة

ما أكثر الأشياء البديهية «الغائبة»، فى مجتمعاتنا.. منها مثلا، ثقافة «الاعتذار».. أرى الاعتذار، من أرقى، وأشيك، الأزياء، الواجب ارتداؤها، فى جميع المواسم.



أغلبنا يفهم الاعتذار، على أنه ضعف، أو مذلة، أو مهانة،  أو عجز، أو فضيحة.. مع أن العكس هو الصحيح.

فالإنسان «القوى»؛ امرأة، أو رجلاً، «الواثق» فى ثرائه الداخلى، ولا غرَض له إلا إزالة الغبار المتراكم على العقول والقلوب، وتصحيح المغلوط، ومعرفة الحقيقة  الخفية، وغربلة اختلاط الأعشاب السّامة، الملتصقة بالورود،  وفرز الذهب من الصفيح، ومسْح شبورة الادعاءات، هو الذى حين يخطئ، يعتذر؛ بل يسعده الاعتذار العلنى؛ لأنه يعلم أنه يزيد من قَدره، ويتسق مع احترامه لذاته.

والإنسان، الذى يدرك، أنه أخطأ، ويقول: «لن أعتذر ولو على جثتى»، مغرور،  مريض بالعظمة المزيفة، والبطولة الوهمية.. أو بالعناد الأحمق.. أو بالتعالى، الذى يحتاج إلى الشفقة، والعلاج النفسى.

التخلص من «العجز» عن الاعتذار، أهم من التخلص، من «العجز» الجنسى، للرجال. وأهم من التخلص من « التجاعيد» للنساء.  إن الاعتذار، «حق» الطرَف الآخر.. لكنه أيضًا، حقنا على  أنفسنا. فالاعتذار، يهذبنا، يقوينا، يؤدبنا، يثرينا بالمزيد من التفتح، والمرونة، وعدم التعصب، ينمّى رهافة العواطف، ورقة التواضع.  

كم هو جَميل، الرجل، الذى يقول: «أنا آسف».. وكم هى نبيلة المرأة، التى تعلن: «أنا آسفة».  

البشر؛ نساءً، ورجالاً، الذين يدركون أخطاءهم، ولا يعتذرون، غطرسة،  وعنادًا،  هم فى منتهى الخطر على الحقيقة، وعلى الأخلاق النبيلة، وعلى ارتقاء الحياة، وعلى التقدم الحضارى، لكنهم أيضًا خطر على أنفسهم؛ حيث سيظلون عند نقطة سُفلى، لا ترتفع. 

لكن الأخطر، النساء والرجال، الذين لا يدركون أصلاً، أنهم أخطأوا. كل الأشياء حولهم، تؤكد بمليون دليل واقعى، على أخطائهم الفادحة، فى الفكر والعمل، والأخلاق، لكنهم لا يرون، ولا يستمعون، ولا يتراجعون، بل كلما ازدادت الأدلة الواقعية، على فداحة جرائمهم، تمادوا أكثر فى الاتجاه نفسه. 

هو النوع الأخطر؛ لأنه التربة الخصبة المثالية، التى تصنع مرتزقة الإرهاب الدينى، وجنود التنظيمات الدينية المسلحة، وحلفاءهم المتغلغلين فى كل مكان، فأبشع جرائمها، حسب وصف ملايين البشر، حتى المؤمنات والمؤمنين بأديانهم، هو «سفك الدماء»؛ لتسود تفسيراتهم هم، ومزاجهم هم، ومع ذلك، يندهشون لماذا يحاربهم العالم كله، ومُصرُّون على الطريق نفسه. 

 من واحة أشعارى:  

سألنى الليل

فى سكون الليل:

لِمَ الشرود كل مساء؟

قلتُ: لولا شرود نجوم الليل

ما كان لها ضياء.