الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. السم فى المسقعة

كدهوّن!.. السم فى المسقعة

توقعتُ أن تكون زوجتى نائمة كعادتها فى هذا الوقت من الليل عند عودتى من عملى، ولهذا كنتُ حريصًا أيضًا كعادتى عند دخولى من باب منزلى أن أسير على أطراف أصابعى كراقص باليه محترف، وأن أتحسَّس طريقى وسط الظلام الدامس حتى لا أُحدث ضجة مفاجئة قد توقظها من نومها، وما أدراك ما خطورة أن تستيقظ زوجتى العزيزة فجأة وكِدَهُوَّن!



 

حيث يمكن أن تستحضر كل الأرواح الشريرة الكامنة بداخلها وتتذكر كل الأحداث المؤسفة التى وقعت لها منذ أول ما اتقابلنا حتى هذه اللحظة الحرجة التى أيقظتها فيها وأنا عائد مرهقًا لعش الزوجية، وتظل تكلمنى وتعاتبنى وتلومنى على أحداث وحكايات حدثت ولم أكن عند حُسن ظنها بى وقتها، وقد يطول عتابها هذا حتى مطلع الفَجر، ولهذا أتجنب إيقاظها، بل أعتبر نومها عبادة ويجب علىَّ ألا أقطعها وكِدَهُوَّن. 

وفى هذه الليلة على غير العادة لمحت ضوءًا فى نهاية الممر وشبحًا غامضًا يتحرك فى اتجاهى، مما أثار فزعى فى بداية الأمر حتى أدركت أن هذا الشبح لم يكن غير زوجتى الحبيبة فى كامل أناقتها قادمة نحوى وهى ترتدى ملابس خروج وتحمل فى يدها شمعة، وقبل أن أستفسر عن سر انقطاع الكهرباء فى هذا الوقت، قالت لى بصوت خافت هادئ: (مافهمتش هى بتوطى صوتها ليه): إحنا هانتعشى الليلة هنا على ضوء الشموع يا حبيبى.

ولأنى راجل مسالم بطبعى بتجنب بقدر المستطاع أن أسال كل الأسئلة التى تجول بخاطرى وقد تستفزها عن طبيعة هذه المناسبة الغامضة التى سنحتفل بها وليه لابسة ملابس خروج واحنا فى نص الليل، والأهم بقى إيه حكاية الشموع دى بالضبط، ولكنى كزوج عاقل فضّلت الصمت الحذر حتى لا يتحول هذا الاحتفال الغامض إلى خناقة يسمعها سابع جار، مع اتهامى بأنى مش مهتم، لأنى لو كنت مُهتم كنت عرفت لوحدى وكِدَهُوَّن. 

انتابنى شعور حقيقى بالتقصير وأن هناك مناسبة ما مهمة لا أتذكرها، وعلى الفور بدأت أسترجع كل التواريخ المهمة التى سجلتها على موبايلى حتى لا أقف مثل هذا الموقف المحرج، ولكنى للأسف وجدت نفسى أقف تائهًا أبحث عن سبب المناسبة دون جدوى وكِدَهُوَّن.

فشلت فى أن أصل إلى أى مناسبة مهمة أو غير مهمة حصلت فى مثل هذا اليوم أو حتى هذا الأسبوع، فاليوم يوم عادى جدًا، لا يحمل أى ذكرى أو علامة مميزة تجعلها تغير الروتين اليومى، وتظل مستيقظة حتى هذا الوقت من الليل، فى انتظار عودتى لنحتفل سويًا، ولأن الحرب خدعة، قررت أن أجاريها فى الاحتفال الغامض وأعمل نفسى فاهم وكِدَهُوَّن.

أخدتُ نفَسا عميقا وأطلقت ضحكة عالية وأنا فى طريقى لغرفة الطعام، حتى أخفى ارتباكى ولا تشعر هى أنى مش فاهم أى حاجة من إللى بتحصل، وقررت أستمتع بالروايح المبهجة من المحمر والمشمر التى أفتقدها بشدة؛ نظرًا لأنى أخضع لنظام غذائى حاد وضعته زوجتى بنفسها، وتنفذه بمنتهى الحزم لإنقاص وزنى، الذى تجاوز «كل الحدود» على حد قولها، فحرمتنى من كل ما هو محمر أو مشمر حتى أستعيد رشاقتى الضائعة وكِدَهُوَّن.

وقع نظرى أولاً على صينية المسقعة بالبشاميل لأنى أحبها جدّا (أقصد المسقعة طبعًا)، الحقيقة كانت عاملة وليمة رائعة، وطبعًا لأنى زوج أهوج ومندفع هجمت على صينية المسقعة لوحدى، ولم ألاحظ أنها لم تشاركنى العَشاء إطلاقًا ولو من باب المشاركة الوجدانية بين الأزواج وكِدَهُوَّن. 

وظلت تنظر إلىَّ نفس نظرة الموناليزا، التى لا تفهم منها هل تنظر لك بالفعل أمْ هى فاقدة الوعى وكِدَهُوَّن، أخيرًا اتكلمت بعد أن تأكدت أنى قد التهمت نص صينية المسقعة بمفردى، وقالت كلمة واحدة فقط: مبروك، وصمتت وتركتنى أنا أسألها مبروك على إيه يا حبيبتى؟

ولأنها كانت تنتظر منّى هذا السؤال الساذج انفجرتْ صارخة فى وجهى بباقة ضخمة من الأسئلة الغاضبة من نوعية ليه أعرف أخبارك من برّه؟ ليه تحطنى فى الموقف ده؟ ليه عملت كده فيَّه؟ ليه ساكت كده؟ ليه تشمّت فيَّه إللى يسوى وإللى ما يسواش؟، ثم انفجرتْ فى البكاء المتقطع وبدأت أشعر بالخديعة وأن هناك حدثًا جللاً قد وقع ولا أعلمه.

ولأنى كأى زوج مصرى دائمًا متهم حتى تثبت براءته، أخذت وضع المتهم الذى يدافع عن جريمته التى لا يعلمها أحد غير زوجتى، التى استمرتْ بإلقاء كل الأسئلة التى تبدأ بكلمة ليه؟، وصرخت: أنا دلوقتى فهمت ليه واخد بالك من نفسك وشكلك وملتزم بنظام غذائى، علشان تبقى رشيق، ولعلمك من هنا ورايح مفيش غير أكل كامل الدسم، علشان تبقى فى حجم الديناصورات وكِدَهُوَّن.

فكرتُ أن أعتذر وأنهى الموقف إلا أنى خفت أن هذا الاعتذار قد يثبت الجريمة، فاستحضرت روح المرحوم حسين رياض وقلت لها بصوته الرخيم: إيه إللى حصل؟ إهدى واحكيلى إيه إللى مزعلك منّى بالشكل ده؟، فتوقفتْ عن الصراخ فجأة وبدأتْ تحكى عن صاحِبتها إللى كلمتها النهارده وسألتها هو انت اتطلقتى إمتى وليه؟ فاتخضت الزوجة (هى قالت كده) وكدبت حكاية الطلاق دى خالص.

فصاحبتها بدل ما تتنيل تسكت كمّلت وقالت لها: أصل صاحبتى (طرف تالت) قالت لى إن جوزك (إللى هو أنا) هايتجوز ست قذرة (هى وصفتها كده)، وفجأة وقفت المسقعة فى زورى، وافتكرت سعاد حسنى فى فيلم «موعد على العشاء» وهى بتقدم المسقعة المسمومة لجوزها وكِدَهُوَّن.

قلت لها بصوت مبحوح: وأنا ليه أتجوز عليكى واحدة (قذرة)، فابتسمت برخامه وقالت لى يعنى ممكن تتجوز لو حلوة؟.. المبدأ موجود عندك، فقلت بسرعة فائقة لا خالص يا حبيبتى مش عايز أتجوز أيتها ست سواء كانت (قذرة أو نظيفة) وكِدَهُوَّن.

المفروض الكلام يخلص بقى ونستكمل أكل هذه المسقعة، إللى بردت والباشميل إللى بدأ يجلخ، ولكنها كمّلت شحتفة وقالت: أنا كنت حاسّة إن فى ست تانية، بس ماكنتش متأكدة غير لمّا صحبتى (عليها لعنات الله) اتصلت بى النهاردة وأكدت لى إنك بتخونى وهتتجوز علىَّ ست قذرة (ده سبب مقنع جدّا علشان تحط لى السم فى المسقعة).

واستكملت المَلحمة الحزينة وقالت: كل الناس عارفة ماعدا أنا.. فقلتلها بصوت هادئ: هى صاحبك بقت كل الناس؟، فصرختْ: لا يا أستاذ مش صاحبتى بس إللى عارفة كل الناس على الفيسبوك عارفين وباركوا لك بعد ما أعلنت بمنتهى الجبروت خبر جوازك على الفيسبوك يا قادر.. وكِدَهُوَّن.

قررتُ أمنحها فرصتها الكاملة للتعبير عن شجونها ومخاوفها المشروعة، وصدّرت لها وش حسين رياض، وقررت أكمل أكل نص المسقعة (المسمومة) إللى أحلى من أيتها عروسة جديدة وكِدَهُوَّن.

نعم غيرت حالتى الاجتماعية على الفيسبوك من عازب للمتزوج من باب الشفافية والمصداقية، وإثبات حُسن النوايا لأهلى والمجتمع والناس، وبأنى لا أخفى معلومة إنى متزوج وأعول إلا أن بعض أصدقاء الفيس بوك اعتقدوا أنى قد تزوجت بالفعل حديثًا، وهنا حدثت الكارثة وسوء الفهم غير المقصود منّى وانهالت المباركات والأمنيات بالرفاء والبنين، ثم اتصلتْ فاعلة الخير بزوجتى التى بدورها دخلت على الفيسبوك لتتأكد بنفسها من جريمتى المعلنة على الملء، دون أن تدرك الخطأ الذى نتج عندما قمت بتحديث بياناتى، حيث اعتقد البعض أنى قد تزوجت حديثًا وكِدَهُوَّن.. ياليتنى استمريت عازب (على الفيسبًوك طبعًا).