السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قطارات بلاد بره..!

ومع أنها بلدان رأسمالية.. إلا أن السكك الحديدية ملك الدولة.. لا يجوز التفريط فيها أو تسليمها لشركات الاستثمار المحلية أو الأجنبية.. السكة الحديد أمن قومى.. وهكذا قالت الحديدية مارجريت تاتشر.. التى باعت كل شىء فى بريطانيا للاستثمار المحلى والأجنبى.. ما عدا السكك الحديدية التى احتفظت بها ملكا للدولة!



ومن حكمة الله أن الخواجة استبعد العنصر البشرى تماما من قطارات السكة الحديد.. والقطارات فى بلاد بره تجرى بالكمبيوتر ويقود مساعد ملاح يشبه مساعد الطيار الأتوماتيكى فى الطائرات.. والحكمة من استبعاد العنصر البشرى من إدارة القطارات هو إنك لا تستطيع تعريض حياة الركاب للخطر على يد سائق مسطول أو مخمور.. وحرم القطار.. يعنى الطريق الذى يجرى فيه معزول تماما.. لا يجوز قطعه بالمزلقانات التى نعرفها فى بلادنا.. وإذا أردت أن تخترق سكة القطارات فعندك الأنفاق تحت الأرض أو الكبارى العلوية فوقها.. وما عدا ذلك طريق القطار معزول تماما.. بما أوحى للخواجة الاستعانة بروبوت إلكترونى لقيادة القطار الذى يجرى بسرعة فائقة دون أن تسمع عن حوادث للقطارات.. الحوادث فعل ماض عندهم.. والتحكم فى القطار عن طريق الكمبيوتر الذى لا يخطئ أبدا.

وقد وحد القطار ما بين دول أوروبا.. مع أنها أبعد ما تكون عن شروط الوحدة التى نسمع عنها ونحلم بها ونغنى لها.. وحدة اللغة والتاريخ والدين والآلام والآمال.. دول أوروبا متخاصمة متصارعة فى الغالب.. بعضها يتكلم إنجليزى.. والبعض يرطن فرنساوى وهناك الألمانى والطليانى والإسبانى والبرتغالى.. وهناك دول فقيرة تستحق إعانة من الأوقاف.. وهناك الإمبراطوريات التى لا تغيب عنها الشمس..  وأوروبا خاضت الحروب ضد بعضها البعض.. وهناك من احتل أراضى جيرانه.. واستبد وقتل وسجن أهلها.. وهناك من قاد الحروب الأهلية ضد الجار المحتل.. بالاختصار المفيد.. وحد القطار ما بين أوروبا المتخاصمة التى أدركت فى الوقت المناسب لغة المصالح واكتشفت قوانين الاقتصاد.. وعرفت أن القطار ليس فقط لتبادل البضائع والأشخاص.. وإنما هو أيضا الوسيلة المثلى لتبادل الأفكار ووجهات النظر ونقل الحضارة والقفز إلى المستقبل.. ويقولون هناك إن القطار هو السبب الرئيسى والمباشر للوحدة الأوروبية التى يتنعمون بها الآن.

قطار أوروبا ينافس الطائرة.. ليس فقط فى الأسعار وإنما فى السرعة أيضا.. ويقطع مسافة 350 كيلومترًا فى الساعة الواحدة.. يعنى بقطع المسافة من جنيف إلى باريس فى ثلاث ساعات.. ومثلها من باريس إلى لندن!

القطار هناك يحتاج لقضبان خاصة.. لأنه يكاد يطير على الأرض.. وهو ثورة حقيقية فى عالم النقل والمواصلات.. بدأت فرنسا فى استخدامه عام 1981 ثم امتد النشاط إلى جنيف ولوزان ثم إلى لندن وإلى بروكسيل ثم راحت باقى دول أوروبا فى استخدامه.. ليكون شبكة حقيقية تربط بلدان أوروبا ببعضها البعض!

القطار عظيم السرعة.. وهذا اسمه بالمناسبة.. أكثر أمانا من الطائرة لأنه مصمم بطريقة مخصوصة لا يمكن معها السقوط.. يعمل بالكهرباء ولا يلوث البيئة.. وهو أكثر راحة.. والمهم أنه يستوعب 770 راكبًا.. أى أكثر من ضعف ركاب الطائرة العادية.. وهو يحل محل القطار التقليدى الذى لا تراه سوى فى الضواحى.. وهناك 2 مليون مسافر يستخدمونه كل طلعة شمس يعنى 700 مليون راكب فى السنة.. وينقل فى العام الواحد بضائع وزنها مائتا مليون طن ما بين دول أوروبا التى تستخدمه!!

ومن أجل خاطر عيون القطار السريع.. تخلت بريطانيا عن عزلتها التقليدية.. كجزيرة فى وسط البحر تربطها بأوروبا العبارات الضخمة.. والآن ترتبط بريطانيا بأوروبا عن طريق نفق ضخم تحت الماء!

وأوروبا التى اخترعت القطار السريع.. لا تعانى الشيزوفرينيا.. لأنها اخترعت القطار واخترعت معه القوانين البسيطة التى تسهل من مهمته.. حتى تحدث حركة البضائع والأفراد فى سهولة ويسر.. والحركة بركة كما يقولون والفيزا الأوروبية صارت موحدة.. وما دمت تحمل تأشيرة إحدى الدول.. من حقك الانتقال إلى باقى دول أوروبا.. وفى القطار السريع لا تدرك أنك انتقلت من دولة لأخرى إلا بالصدفة.. ونتيجة لتغيير اللغة التى تكتب بها اللافتات لعلنا أحوج ما نكون ونحن نرفع شعارات السياحة.. إلى استخدام القطار السريع.. يقطع المسافة ما بين القاهرة وأسوان فى ثلاث ساعات.. وهذا لجذب السائحين بالقطار المجرى الذى يقطع نفس المسافة فى 16 ساعة قد ترتفع إلى عشرين ساعة بالتمام والكمال.