
حسن عيسى
كدهوّن!.. عيد الحموات الفاتنات!
استيقظتُ مذعورًا من نومى قبل شروق الشمس بقليل على صرخات متقطعة من زوجتى تخبرنى بأن أم عباس (إللى بتساعدنا فى البيت) قد حضرت وتريد أن أترك لها غرفة نومى فى التو واللحظة؛ حيث إن وجودى يعوق أداء مهمتها، وقبل أن أسألها عن سبب حضورها المبكر جدًا؛ خاصة إن اليوم أجازة، كنت قد عدت لنومى مرّة أخرى، ضاربًا عرض الحائط بصرخات زوجتى، التى أصبحت مستمرة لكى أترك سريرى العزيز دون جدوَى.
ولتذهب «أم عباس» إلى أى غرفة أخرى بعيدًا عن غرفتى، أو تذهب إلى الجحيم (أيهما أقرب)، فأنا مازلت نائمًا بالفعل ولا بُد من احترام راجل البيت صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى البيت.
لكن زوجتى لم تستسلم ولم تتراجع عن موقفها وعادت تلح وتزن وتصرخ، فهى تمتلك من القدرة ما يجعلها تسرق النوم من عينى وعين الشعوب المجاورة إذا أرادت شيئًا وهى تريد أن استيقظ الآن (لسبب لا أعلمه)، وطبعًا طار النوم من عينى وخارت قدرتى على المقاومة أكثر من ذلك، فأعلنت الاستيقاظ التام السريع قبل أن تنتقل زوجتى لمرحلة جديدة لا أضمن توابعها وكِدَهُوَّن!
وعندما تأكدت زوجتى أنى استيقظت بالفعل قررت تغير التكنيك وتبتسم لى فى براءة الأطفال، وكأن شيئًا لم يكن، وهى تخبرنى بأن أم عباس عندها ظروف طارئة، ولازم ولابد تمشى بدرى جدًا، وكمان عايزاك ضرورى فى موضوع خالص بها وكِدَهُوَّن.
استشعرت الخطر من ابتسامة زوجتى الهادئة، ومن ذلك الموضوع الخاص الذى تريدنى فيه الست «أم عباس»، التى وجدتها تقف أمامى على باب الغرفة فى وضع الاستعداد للمعركة، وفى يدها أسلحتها من أدوات النظافة، ومقشة بيد خشبية عملاقة جدًا (ربما لإرهابى والله أعلم).
وبمجرد أن رأتنى هتفتْ فى وجهى: كل ده نوم يا أستاذ، ده الرزق يحب الصحيان بدرى.. فبادرتها بسؤالى حائرًا: تقصدى بالصحيان بدرى ده يبقى الفَجر؟، فردت: وهو فيه حد ينضف البيت قبل الشمس ما تطلع؟، وانطلقتْ فى أداء مهمتها بنشاط تحسد عليه، وهى تقول لى: ماهو أنا لازم ألحق السوق من بدرى قبل السمك البلطى ما يخلص وتبقى فضيحة وكِدَهُوَّن!
لم أستوعب كلامها ولا السبب إللى يخلينى أصحى من الفَجر، وعندما لاحظتْ كل علامات البلادَة وعدم الفهم قد ارتسمت على وجهى البرىء أشفقتْ علىَّ وقررتْ أن تشرح لى الأمر ببطء، يتناسب ومستوى ذكائى، فقالت لى: أصل حماتى «أم عربى» جاية النهارده من المنيا علشان تزور ولادها كلهم وتلم الهدايا بتاعتها من ولادها.. ماهو كل سنة وانت طيب (مافهمتش إيه المناسبة بس المرّة دى اتكسفت أسالها).
وكمّلت: أنا لازم أستعد وأعمل الواجب معاها وأعزمها على سمك بلطى فى الغداء، والأهم بقى أجيب لها عباية سوداء بالطرحة.. حاجة كده معتبرة تشرّفنى قدام سلايفى (زوجات أخوات عربى جوزها)، وده مَربط الفَرَس عايزة منك سُلفة مالية محترمة علشان أقدر أجيب لها هدية عيد الأم لحماتى ولحماة «أسماء» بنتى بالمرّة وكِدَهُوَّن!
وقبل أن أبدى اندهاشى من غرابة جملتها الأخيرة، وجدتها تنظر يمين وشمال على طريقة المخبرين فى الأفلام القديمة للتأكد من عدم وجود زوجتى فى محيط المكان ورَمتنى بنظرة ذات مغزَى، وهى تهمس لى: هو انت لسّه ماجبتش هدية عيد الأم يا أستاذ لغاية دلوقتى، ماعدش فيه وقت.. فقلت لها بانكسار مصطنع مستحضرًا روح الست أمينة رزق: لا طبعًا، هاجيب لمين، أنا يتيم يا «أم عباس» وأمّى ماتت من سنين، وبالتالى لا ينبطق علىَّ شروط ومعايير هذا العيد المخصص للأمهات فقط زى ما الأستاذ مصطفى أمين ما فهّمنا كده وهو يقترح إقامة عيد الأم أول مرّة.. ماجابش سيرة الحموات خالص فى الموضوع ده.
وقبل أن أستكمل شرح نظرية أستاذ مصطفى أمين فوجئت بشهقة زوجتى (التى ظهرت فجأة أمامى بدون تمهيد)، شهقة أعلى من شهقة الملوخية، وهى تصرخ فى وجهى: إنت بتقول إيه يا حسن.. إزّاى الكلام ده، هو إنت مش بتعتبر مامتى زى مامتك؟!.. دى حتى بتحبك أوى ولازم تجيب لها هدية فى عيد الأم وإلا هتزعل منك أوى وتجرح مشاعرها لما تحس إنك مش بتعتبرها زى أمك رغم إنها بتعاملك زى ابنها بالظبط (مش هاعلق على موضوع زى ابنها ده لأن الكلام وقف فى زورى واكتفيت بدمعة متحجرة بعينى).
اعتبرتْ زوجتى أن سكوتى هذا علامة رضا واقتناع بالأمر فاستكملتْ حديثها بابتسامة شريرة: إيه رأيك نجيب لها السنة دى خاتم دهب؟ وقبل أن أقترح عليها أن يكون خاتم دهب صينى مراعاة لظروفى المالية المحطمة حذرتنى من نسيان هديتى جدتها لأمّها وجدتها لأبوها (عيلة معمرة جدًا بطبعها) وكِدَهُوَّن.
وتقمصتُ روح ذلك المذيع التليفزيونى الذى يشخط يوميًا فى السادة المشاهدين يوميًا الذين غفلوا عن هدايا عيد الأم مطنشين، ولازم رد الجميل، وضرورة إحضار الهدايا فى أسرع وقت على افتراض أن ست الحبايب مش بتحب تنتظر كثيرًا رد الجميل وكِدَهُوَّن.
رغم أن أمهاتنا بالتأكيد ما كانوش بيعتبروا تربيتهم لأطفالهم جمايل ولا بُد أن ترد لهم فى صورة طقم حلل وملايات سرير ولّا عبايات بطرحة وكِدَهُوَّن.. وقبل أن أقنع زوجتى بوجهة نظرى فى موضوع الهدايا؛ خصوصًا مع تعثراتى المالية هذه الأيام وضرورة سداد المصروفات المدرسية وأقساط السيارة وكِدَهُوَّن؛ وجدت «أم عباس» قد انتهت من عملها وتطالبنى بتلك السُّلفة المالية إللى هاتشرّفها أمام المجتمع، فاضطريت أن استجيب لطلبها وإلا سيحدث ما لا يُحمد عقباه؛ خاصة أن سِنّى ولياقتى ما يسمحوش إنى أطلع البلكونة أنشر الغسيل بدلها وكِدَهُوَّن!
حاولتُ أن أدخل سريرى مرّة أخرى فى محاولة منّى لاستكمال نومى الذى أفسده الآخرون وأولهم زوجتى، التى عادت وفى يدها جروب المماميز وتقول بفزع: تصدّق يا حبيبى كل الماميز كانوا ناسيين موضوع عيد الأم ده خالص وماكانوش هايجيبوا هدية وأنا إللى فكرتهم.. واقترحتُ كمان نبدأ نلم فلوس من دلوقتى علشان نقدر نجيب هدايا محترمة لمس «انشراح» مديرة المدرسة ولا لميس «نجية» وميس «عواطف» مشرفة الباص ده غير الدادات إللى فى مدرسة البنات لازم برضه نجاملهم علشان خاطر يهتموا بالبنات وكِدَهُوَّن.
فقلتُ لها بهدوء الذى يسبق العاصفة: باين إنى اتشليت يا حبيبتى، أنا مش عارف آخد نَفَسى خالص وكِدَهُوَّن.. ولأنها تعرفنى أكتر من روحى لم تنخدع فى أدائى غير المقنع على الأقل بالنسبة لها، ولم تهتم بأعراض الشَّلل الذى أدّعية من هول ما أسمع من هدايا عيد الأمهات الحاضرات والغائبات وكِدَهُوَّن.
فجاء دورى أنا هذه المرّة لكى أشهق شهقة الملوخية وأنا أقول لها: أنا مش الأب الروحى لكل ستات مصر، ولا حتى الراعى الرسمى لعيد الأم علشان أجيب هدايا لكل الستات إللى عدّت فى حياتى وحياة بناتى وفى الشارع إللى عايشين فيه.. فقالت بسهوَكة نسائية: دى عادة ياحبيبى كل سنة، وربنا ما يقطع لك عادة وكِدَهُوَّن.. أخدت حبوب الشجاعة وقلت لها بصوت جهورى: هى علبة كمّامات إللى هاجبها هدية لكل أم لحمايتهم من الكورونا.