الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!: خناقة «ميكى وسمير»  فى حصة الفرنساوى!

كدهوّن!: خناقة «ميكى وسمير» فى حصة الفرنساوى!

مع استمرار الروتين اليومى للتعليم الأونلاين، أدركت «ليلى» بمُكرها الطفولى المشاكس بطبعه أن الموضوع سيطول، وقد يستمر إلى ما لا نهاية، وعليه بدأت تتعامل معه ومعانا برَخامة شديدة؛ خصوصًا أنها لعبت كل الألعاب الممكنة وغير الممكنة لكسر حالة المَلل الذى تسرَّب إليها يومًا بعد يوم دون جدوَى، حتى إنها قررت فى صباح أحد الأيام عدم مغادرة سريرها وصممت على أن نحضر لها جهاز الكمبيوتر عند سريرها.



تجلس «ليلى» وهى لاتزال بملابس النوم إيمانًا منها بالمقولة التاريخية «إذا لم تستطع الذهاب للجبال فليأتِ الجبل إليك»، وقد حدث بالفعل واضطررنا لإنقاذ الموقف نقل الكمبيوتر إليها حتى لا نُضيع عليها ميعاد الدرس الذى بدأ بالفعل، على افتراض ساذج منّى أن مدرستها ستشكر مجهودى وحرصى على تجرُّع ابنتى العِلم والتعليم رغم كل الظروف، وحتى لو كانت فى وسط السرير، وتخيلتها ستضحك كثيرًا عندما ترى «ليلى» تفترش السرير بالمذكرات والكشاكيل والأقلام وكِدَهُوَّن.

ومَا إن فتح zoom حتى انطلقت صرخة هيستيرية من الست مارلين مُدرسة الفرنساوى: ماهذا الذى يحدث لديكم؟ لماذا أنت بملابس النوم يا ليلى حتى الآن؟ ولماذا تجلسين على السرير أساسًا؟!

ثم انطلقت فى وصلة ردْح بالفرنسية (لم أفهمها لحُسن حظى وإن كنت حسيت إنها بتشتم)، وهنا ساد الصمت الرهيب فى منزلى العامر بالدروس الأونلاين، ولم أجد لدىّ الشجاعة للرد فتركت «ليلى» تواجه مصيرها بمفردها مع مُدرستها الثائرة، والتى تكاد تنفجر فى شاشة الكمبيوتر وتخرج إيدها لتمسك برقبة «ليلى» مباشرة بدون وسطاء أو حواجز.

وهنا استحضرتْ «ليلى» تلك الروح اللئيمة، وقالت بصوت وهن جدّا مع إغلاق جزئى للعَين اليمين وانحراف الفم ناحية الشمال: «أنا تَعبانة أوى مدام مارلين».. ولأن الست «مارلين» خوجاية وقلبها حَجَر ولا يؤثر فيها كُهْن البنات، قالت لها بحَزم» «أمامك دقيقتين فقط لتغلقى الكمبيوتر وتفتحيه مَرّة أخرى وأجدك ترتدين الزّى المَدرسى وجالسة على مكتبك وفى يدك كتاب اللغة الفرنسية»..وهنا حدثت المعجزة الإلهية وخافت «ليلى» فى لحظات وقفزت من على سريرها.

وفى أقل من المهلة التى حددتها «مارلين» كانت «ليلى» تجلس على مكتبها مرتدية الزّى المَدرسى كأى تلميذة نجيبة، وأيقنت لحظتها أنى ناظر مَدرسة فاشل (ولازم أسيب العيش لخبّازة)، فانسحبت فى هدوء داخل غرفتى لأحتسى قليلًا من القهوة الباردة من طول انتظارها، حتى أنتهى من مهامى التعليمية مع فلذات كبدى.

ومع أول رشفة وقبل أن أشعل سيجارتى استعدادًا للمشاركة المجتمعية للنميمة على الفيسبوك، ترامَى إلى سمعى صراخ نسائى حاد جدّا، بدأ مكتوم وتصاعد تدريجيّا حتى انتشر وتوغل وتسرّب فى كل أرجاء المنزل كله بالصراخ والضجيج، وصل للذروة عندما هتفتْ بأعلى صوتها: «انتَ لسّه هاتشرب القهوة كمان؟!» (وكأنها تقصدنى أنا شخصيّا).. «بقولك طلقنى يا أخى إنت مابتفهمش؟؟ مابتحسش بى ولا بعذابى معاك إنت وأولادك، أنا ميتة، ميتة، ميتة».. قالتها ثلاث مرّات متتالية، ثم صمت الصوت فجأة دون أن يأتى أى رد فعل من ذلك الطرف المجهول (إللى مابيفهمش ولابيحس بعذابها) حتى أنى شكّيت للحظات إنها روح المرحومة زوجتى قد حضرت من العالم الآخر لاستكمال خناقتها الأخيرة معى قبل أن تنتقل للرفيق الأعلى مباشرة، ولم تكن قد انتهت منها فعادت لتنتقم وتستكملها معى مرّة أخرى.

 وقبل أن يتملكنى الفزع من هذا الهاتف المرعب سمعت أنواعًا مختلفة من هَمْهَمات نسائية فئة تحاول تهدئة الوضع (علشان خاطر العيال) وفئة أخرى تحث «ميكى» (اكتشفت إن اسمها كده) على الثبات على موقفها لأنها صاحبة حق ويجب أن ترفض هذا الظلم الواقع على كل بنات حواء وكِدَهُوَّن.

 استبعدتُ فكرة أن تكون روح المرحومة مراتى قد حضرت ومعها صحباتها المرحومات لمؤازرتها فى خناقتها بعد الأخيرة مع زوجها (إللى هو أنا)؛ لأن المرحومة مراتى ماكانش اسمها «ميكى».

استرحتُ لهذه النتيجة واسترددتُ أنفاسى الهاربة وأيقنتُ أن سر هذا الضجيج هو الست «أم عباس» (إللى بتساعدنى فى البيت)؛ حيث اعتادت مشاهدة المسلسل الهندى المدبلج باللهجة المصرية فى هذا التوقيت بالذات أثناء قيامها بتنضيف البيت.

ولكن هذه المَرّة وللأمانة كان الصراخ أكثر مصداقية وحرارة من الحلقات السابقة، حتى أنى تصوّرته حقيقة مش تمثيل، وقبل أن أندمج مع جمال الأداء والانفعالات الجياشة خرجت مسرعًا لإيقاف هذا العبث وتعنيف «أم عباس» لاستهتارها بمجلس العلم والعلماء وتعطيل عَجلة التعليم بمنزلى وكِدَهُوَّن.

وجدتُ التليفزيون مغلقًا وقبل أن أندهش رأيت جميع مَن فى المنزل بمن فيهم أبنائى الأعزاء واقفين فى صمت مهيب أمام جهاز الكمبيوتر؛ حيث تنبعث منه تلك الصرخات التى اكتشفت بعد ذلك أن مَصدرها هو الست «ملك» الشهيرة بـ «ميكى» مع جوزها المتهم بعدم المفهومية «سمير»؛ حيث نشبت الخناقة أأثناء دخول ابنتهم «نادية « أونلاين لحصة الفرنساوى، ولم يتخيلوا أن خناقتهم هذه تذاع أونلاين على الهواء مباشرة، وأن هناك عيونًا غريبة تراقبهم عن كثب داخل منزلهم.

كما أن كل كاميرات الماميز مفتوحة على مصراعيها لمشاركتهم تفاصيل خناقاتهم وكأنهم أمام إحدى حلقات تليفزيون الواقع، حتى إن الست «مارلين» ذات نفسها أصابتها الصدمة بالشلل المؤقت، وفقدت قدرتها فى السيطرة على الوضع، فلم تتدخل أو تلغى الأونلاين، وتركت الأمر مشاعًا بينهم؛ حيث أصر الماميز على أن يدلوا بدلوهم فى خناقة ميكى وسمير، فحَوّلوا الخناقة لقضية تهز قيم الأسرة المصرية وتمس أمن وأمان المرأة فى مجتمع ذكورى متعفن يكبل طموح المرأة بمزيد من المسئوليات والواجبات.

وبينما كان «سمير» وزملاؤه الرجال يلهون ويمرحون كانت «ميكى» وزميلاتها من النساء يتقدمون بإجازة من عملهن حتى يتفرغن لمرافقة أطفالهم أثناء توقف المَدارس والتحول للتعليم أونلاين، وفى النهاية يأتى «سمير» ويزَعَّل «ميكى» (مايصحش) وكِدَهُوَّن.

ومن الطبيعى بصفتى الراجل الوحيد الشاهد على تنمُّر النساء كان واجب علىَّ أن أقف بجانب زميلى فى الإنسانية المعذبة «سمير»؛ خصوصًا أن هذا الـ«سمير» يلتزم الصمت الرهيب تجاه صرخات «ميكى» الساحقة الماحقة، ويكتفى من وقت لآخر بتحذير «ميكى» بأنه سوف يتكلم ويحرجها أمام صديقاتها إذا لم تلتزم الهدوء وتتوقف عن تجاوزتها فى حقه.

انتهزتُ الفرصة لأدلى بدلوى أنا الآخر، وقلت له: ما تنطق يا سمير، ساكت ليه يا راجل، اتكلم واحكى كل حاجة واحرجهم كلهم، طالما الموضوع بقى أونلاين وكل شىء على المكشوف والبادى أظلم ياميكى.. احكى يا سمير»، وقبل أن أقلب الترابيزة عليهن كانت المماميز تتكاتف للضغط على «سمير» حتى يعتذر لـ«ميكى» على المَلأ بدون وجه حق، وقبل أن أتدخل كان الوقت المخصص لحصة الفرنساوى قد انتهى وقطع التواصل مع «ميكى» وسمير» كِدَهُوَّن.. وتدخل القدر الرحيم بـ«سمير» قبل أن يضطر أن ينطق ويَعتذر عن «الولا حاجة» أمام جميع الماميز.