الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رسائل القاهرة والخرطوم « القوية» فى البريد الإقليمى والدولى: شعبا وادى النيل يدقان ناقوس الخطر سد النهضة... قضية أمن قومى

تنسيق «مصرى- سودانى» واضح.. وزيارات ومباحثات مكثفة.. وتأكيد مشترك من البلدين بأن الأمن القومى لكل منهما مرتبط بأمن الآخر.



إعلان «مصرى- سودانى» مشترك عن دعم وتطوير العلاقات فى جميع المجالات صدر بالتزامُن مع توقيع البلدين، لاتفاق تعاون عسكرى بينهما، وفى ذلك رسالة بحد ذاتها تضاف إلى رسالة المناورات الجوية المشتركة «نسور النيل ١».

 

«القاهرة» و«الخرطوم» ثمّة علاقة استراتيجية تُرسَم من جديد بين بلدين تربطهما أخوية تاريخية أبدية، ومصير واحد، وحبل سرّى هو نهر النيل. 

فى ظل أوضاع متوترة ومتصاعدة فى منطقة الشرق الإفريقى، أظهرت التحركات المصرية والسودانية الأخيرة رغبة ثنائية فى إحداث « تضامن وتكامل» بينهما يستهدف مواجهة التحديات والمخاطر المشتركة. 

رسائل القاهرة والخرطوم

جاءت أحدث الرسائل الصادرة عن القاهرة والخرطوم الأسبوع الماضى، خلال زيارة د.«مريم الصادق المهدى» وزيرة الخارجية السودانية إلى مصر ولقائها بالرئيس «عبدالفتاح السيسى»، و«البيان المصرى- السودانى» المشترك الصادر عن خارجية البلدين بالتشديد على مصالح الدولتين فيما يخص مواردهما المائية، والتأكيد المصرى على الوقوف بصف السودان فى مواجهة أزماته. 

البيان الذى صدر جاء بالتزامن مع اختتام اجتماعات الدورة السابعة للجنة العسكرية المصرية السودانية المشتركة بالخرطوم، برئاسة رئيسَى أركان كلا البلدين وتوقيع اتفاقية تعاون عسكرى تشمل تأمين الحدود والتدريب المشترك ونقل وتبادُل الخبرات العسكرية والأمنية، وكذلك الإعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس «السيسى» للسودان الشقيق على رأس وفد رفيع المستوى، تعقبها زيارة رئيس الوزراء السودانى «عبدالله حمدوك» إلى القاهرة.

بعد لقاء وزيرة الخارجية السودانية بنظيرها الوزير «سامح شكرى» عقب استقبال الرئيس «عبدالفتاح السيسيى» لها فى القاهرة، وتأكيده على موقف مصر الثابت من حتمية التوصل إلى اتفاق قانونى مُلزم فيما يخص ملء وتشغيل «سد النهضة»، بما يراعى عدم الإضرار بدولتَى المصب، مصر والسودان. 

ودعم مصر للسودان، وأن «أمنه واستقراره جزءٌ لا يتجزأ من أمن مصر واستقرارها»، معربًا عن مساندة القاهرة لجميع جهود تعزيز السلام والاستقرار فى السودان خلال تلك المرحلة المفصلية من تاريخه.

طالب وزيرا خارجية مصر والسودان، إثيوبيا بإظهار حُسن النية والانخراط فى عملية تفاوضية فعالة للتوصل إلى اتفاق قانونى مُلزم بشأن ملء وتشغيل السد، بما يحقق مصالح الدول الثلاث ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان، ويحد من أضرار هذا المشروع على دولتَى المصب. 

كما أعرب الوزيران عن القلق إزاء تعثر المفاوضات التى تمّت برعاية الاتحاد الإفريقى، وشدّدَا على أن قيام إثيوبيا بتنفيذ المرحلة الثانية من ملء «سد النهضة» بشكل أحادى سيشكل تهديدًا مباشرًا للأمن المائى لجمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، خصوصًا فيما يتصل بتشغيل السدود السودانية، ويهدد حياة 20 مليون مواطن سودانى، كما أكدّا على أن هذا الإجراء سيعد خرقًا ماديّا لاتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث بالخرطوم فى مارس 2015.

توقيت دقيق

زيارة وزيرة الخارجية السودانية إلى مصر جاءت فى توقيت حسّاس ودقيق لتناقش تعميق العلاقات الأخوية بين البلدين وتبحث جوانب العمل والتعاون المشترك بين الدولتين بما يحقق مصالحهما المتبادلة. 

وناقشت ملفات عدة رئيسية بين البلدين، فى مقدمتها ملف المياه والحدود الشرقية للسودان والتصعيد الإثيوبى المستمر سواء فى ملف السد أو الحدود «السودانية- الإثيوبية»، إلى جانب ملف السلام فى السودان. 

فيما حظى الملف الاقتصادى بالنصيب الأبرز فى المباحثات بين الطرفين، إذ تم الاتفاق على تطوير التعاون فى مجال الاستثمار وبحث المجالات المتاحة للشركات المصرية للاستثمار فى السودان بما يحقق المصالح المتبادلة للطرفين. وكذلك سُبل تطوير التعاون فى جميع مجالات التعاون الاستراتيجى بين البلدين وعلى رأسها مجال النقل؛ خصوصًا من خلال مشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين، بما يسهم فى فتح آفاق أرحب للتعاون الاقتصادى والتجارى بينهما، ومشروع الربط الكهربائى بين البلدين والجارى زيادة قدرته من 80 ميجاوات وصولًا إلى 300 ميجاوات، وغيرها من سُبل التعاون فى مجالات النقل الجوى والبرى والنهرى والبحرى. 

كما تم استعراض سُبل التعاون فى مجال الصحة بين البلدين، والمنح التدريبية المقدمة للأخوة السودانيين فى هذا المجال، والقوافل الطبية المصرية المتخصصة، وتعزيز استفادة السودان من مبادرة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لعلاج مليون إفريقى من فيروس (سى).

قبيل الزيارة كانت هناك العديد من الزيارات المتبادلة التى أسهمت فى تدعيم علاقات التعاون بين البلدين بشكل كبير فى مختلف المجالات، وأحدثت نوعا من التفاهم فى التعامل مع مختلف القضايا، وفى مقدمتها أزمة سد النهضة الإثيوبى.

تعاون عسكرى

على الجانب الآخر، كانت تصريحات رئيس الأركان المصرى الفريق محمد فريد بالخرطوم، أن مستوى التعاون العسكرى مع السودان، وصل إلى مستوى غير مسبوق. 

وأكد استعداد القاهرة لتلبية جميع طلبات الخرطوم فى المجالات العسكرية، موضحا أن السودان ومصر، يواجهان تحديات مشتركة.

جاء ذلك عقب توقيع اتفاقية للتعاون العسكرى أكد الفريق محمد عثمان الحسين رئيس الأركان السودانى بأنها تهدف لتحقيق الأمن القومى لكلا البلدين.

هذه التحركات تعكس المستوى الذى وصلت إليه العلاقات بين الدولتين فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والصحية، بحيث أصبح التنسيق الكامل هو الشعار الدائم فى كل تلك المجالات وغيرها. 

موقف موحد 

القراءة المتعمقة فى تعليقات الجانبين المصرى والسودانى توضح تطابق كامل فى الرؤى بين مصر والسودان حول سد النهضة واعتبار أن القضية أمن قومى للبلدين معا مع التمسك بضرورة وجود اتفاق قانونى ملزم لإثيوبيا- وهو ما كانت تطالب به مصر دائما فى المفاوضات حول السد. 

كما تعكس حرص مصر أيضا على المواجهة بترسيخ الاهتمام بالقضية والتأكيد على البعد الدولى لحلها بالتنسيق مع السودان بحيث تمضى الدولتان كموقف موحد وليس موقفين مختلفين، الأمر الذى يزيد الضغوط على الجانب الإثيوبى والذى يئن بالفعل من مشكلات محلية وإقليمية عديدة جراء ممارساته الخاطئة.

ولعل تمسك البلدين بالمقترح الذى تقدمت به السودان حول تطوير آلية التفاوض التى يرعاها الاتحاد الإفريقى من خلال تشكيل رباعية دولية تقودها وتسيرها جمهورية الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى وتشمل كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة للتوسط فى المفاوضات، ودعوة البلدان هذه الأطراف الأربعة لتبنى هذا المقترح والإعلان عن قبولها له وإطلاق هذه المفاوضات فى أقرب فرصة ممكنة، يمضى فى هذا الاتجاه.     

بدا أيضا أن الدولتين تبحثان عن دعم عربى فى هذا الملف بإعلانهما الاتفاق على إحاطة الدول العربية الشقيقة بمستجدات هذه المفاوضات بشكل مستمر، بما فى ذلك من خلال التشاور مع اللجنة العربية المشكلة بمتابعة تطورات ملف سد النهضة والتنسيق مع مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول جميع تطورات الموضوع، والتى تضم: الأردن والسعودية والمغرب والعراق، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية.    

إلى جانب ملف سد النهضة، هناك تنسيق كامل بين الدولتين بشأن الملفات الأمنية كشفت عنه الزيارات والتأكيدات المتطابقة فى تصريحات مسئولى البلدين بأن الأمن القومى للبلدين مرتبطان ببعضهما ولا يتجزآن. وإعلان القاهرة وقوفها إلى جانب الخرطوم فى جميع التدابير التى تتخذها لحماية أمنها القومى.

فمصر تجدد تضامنها الكامل مع السودان الشقيق، وتؤكد دعمها لحق السودان فى حماية أمنه وسيادته على أراضيه. 

تقدير سودانى للدعم المصرى

الزيارة الأخيرة كشفت أيضا عن تقدير سودانى للدعم المصرى غير المحدود للحفاظ على سلامة واستقرار السودان ومؤازرته للنجاح فى المرحلة الانتقالية الراهنة، وتثمين لجهود مصر فى مساعدة الشعب السودانى فى جميع الظروف، خاصة خلال موسم الأمطار والسيول التى عانى منها خلال شهر سبتمبر الماضى ومبادرة مصر بإرسال جسر جوى من المساعدات، وإرسال جسر جوى آخر لنقل عشرة مخابز آلية للخرطوم لحل أزمة الخبز، وإرسال الفرق الطبية لمساعدة المتضررين من السيول وكذلك فريق من الأطباء الاستشاريين المصريين لعلاج مصابى ثورة ديسمبر المجيدة. 

التعاون الاقتصادى

فيما يخص العلاقات الاقتصادية الثنائية فقد شهدت حراكا ملحوظا بدأ بدعم واضح وصريح من القاهرة لثورة 19 ديسمبر، وحرصها على الاهتمام بتعزيز العلاقات الثنائية مع السودان، خاصةً فى مجالات الربط الكهربائى والسككى والتبادل التجارى، فضلًا عن استعداد مصر للاستمرار فى نقل تجربتها فى الإصلاح الاقتصادى وتدريب الكوادر السودانية، والمعاونة على مواجهة أية تحديات قد تطرأ فى هذا الصدد.

وقد كان للزيارة الأخيرة التى قام بها رئيس الوزراء المصرى الدكتور مصطفى مدبولى للخرطوم والتى شهدت العديد من الاتفاقات الثنائية المشتركة، وتلاها الكثير من ترجمة هذه الاتفاقات على أرض الواقع، دور كبير وفتح آفاق جديدة لفرص العمل والتعاون بين البلدين.