
حسن عيسى
"كدهوّن"!.. حكايتها مع الزمان
صحيت مفزوع من النوم على صوت الفنانة وردة بتحكى حكايتها مع الزمان بأعلى صوتها، وكل ما تخلّص ترجع تحكيها من تانى عرض مستمر، كأنها قاصدانى أنا بالذات «رغم أن حكايتها دى كانت مع الزمن مش معايا أنا» علشان تصحّينى من أحلى نومة وكِدَهُوَّن، فضلت أنتقد أخلاق الجيران إللى بيشغّلوا أغانى بصوت عالى من غير مراعاة لحق الجيرة، واترحّمت على أخلاقيات الزمن الجميل أيام ما كان الجيران ما يفتحوش التليفزيون أربعين يوم لو جارهم دخل ينام علشان ماحدّش يقلقه، ولسَّه هاطلع البلكونة أزعّق على طريقة نجيب الريحانى وهو بيتخانق مع جيرانه اكتشفت أن الفنانة وردة بتزعّق فى بيتى أنا ومن مطبخ بيتى بشكل خاص وكِدَهُوَّن.
اندهشت وارتعشت وانطلقت فى اتجاه المطبخ وأنا فى قمة غضبى، وبهذى بكلمات ليست كالكلمات إيه إللى يخلى الست وردة تعلى صوتها فى بيتى، وفين الست مراتى من كل ده، وإزّاى تسمح بالعبث ده وراجل البيت «إللى هو أنا» نايم كالمَلاك البرىء وكِدَهُوَّن، ولسَّه هازعق لقيت مراتى واقفة فى المطبخ بتمكُّن قاتل محترف بتقطع لحمة بساطور ضخم «مش عارف جابت اللحمة دى منين» وباستمتاع يفوق استمتاع مدام نبيلة عبيد وهى بتقطع جوزها فى فيلم المرأة والساطور وعلى أنغام أغنية حكايتى مع الزمان، وكأى زوج عاقل شايف مراته ماسكة ساطور فى إيدها وبتقطع فى لحمة مجهولة المصدر تراجعت للخلف استعدادًا للعودة من حيث أتيت، وقد تعمدتُ أن يكون الرجوع هادئ «على طراطيف صوابعى» حتى لا أفصلها وأشتت تركيزها، وقررت أسيبها فى هذه اللحظات الحرجة تقطع اللحمة براحتها وتحطها فى أكياس بلاستيك وترصها فى التلاجة، وأهى الأيام قدمنا كتير نبقى نتخانق براحتنا فى أى وقت مناسب وكِدَهُوَّن، كان صعب جدّا أرجع أنام بعد إللى شوفته بأم عينى فى المطبخ، كما أنى لا أمتلك الشجاعة بالرجوع مرّة أخرى للمطبخ وأطلب منها تعملّى فنجان قهوة مظبوط «مجازفة مالهاش لازمة»، فقلت اصبر ياواد كلها شوية وتلاقيها داخلة عليك بصنية القهوة ومعاها كوباية المَيّة المشبَّرة، ولسَّه ماخلّصتش كلامى لاقيتها فعلًا واقفة قدامى وفى إيدها القهوة «يا سلام عليكى مراتى، كنت متأكد من قهوتك»، وقعدت بهدوء تشربها لوحدها فى صمت مهيب «ماعملتش لى قهوة» وبتبص فى الولا حاجة وأنا ببص على الفنجان إللى فى إيدها وعينى هاتطلع عليه، بس قلت ياواد خليك تقيل والحرب خدعة فابتسم لها ابتسامتك الساحرة «تبسمك فى وجه زوجتك يكسر سمّها»، وفعلًا نفّذت الخطة وابتسمت ابتسامة عريضة جدّا، بس للأسف ما جابتش النتيجة المتوقعة، هى تقريبًا مش شيفانى «فقدت حاسة النظر»، الله يكون فى عونها، أكيد تعبانة من تقطيع اللحمة من الصبح وكِدَهُوَّن، قلت اضحك ياواد يامنعم بصوت عالى علشان تلفت نظرها بصنعة لطافة، وفعلًا ضحكت وبصوت عالى جدّا على طريقة فؤاد المهندس فحسّيت إنى مجنون فعلًا بضحك من غير سبب وبرضه فضلت تشرب القهوة بدون أى استمتاع على وشّها «فقدت حاسة التذوق»، وتبص للولا حاجة لدرجة أنها حتى متخضتش منّى لمّا ضحكت فجأة وكِدَهُوَّن، بصراحة أنا اتخضيت؛ خصوصًا لمّا قلت لها أغنية وردة دى جميلة أوى ماكنتش أعرف إنك غاوية وردة؟ كمّلت شرب قهوتها عادى جدّا ولا كأنها سمعتنى «فقدت حاسة السمع»، بس استبعدت هذا الهاجس لأنها بالفعل بتسمع أغانى من الصبح، يعنى بتسمع بس عاملة نفسها سرحانة، فقررت أكمّل للنهاية، فقلت لها بابتسامة حاقدة انت بتشربى قهوة ليه دلوقتى، مش ده ميعاد الغداء، قولى بقى طبختى إيه النهاردة ياحبيبتى؟ «كلمة حبيبتى لمراتك تكسر شرّها»، بس برضه تجاهلتنى وانشغلت باللعب فى الموبايل بتاعها، وبقى شكلى وحش جدّا، الصراحة وأنا قاعد أكلم نفسى طول الوقت وهى مصدّرة لى الوش الجبس إللى بتستخدمه وقت الأزمات وكِدَهُوَّن، إللى نقذنى من الموقف المُحرج ده صوت موبايلى بيعلن عن وصول رسالة على الواتس آب «جات فى وقتها» وكِدَهُوَّن، لقيتها من مراتى ذات نفسها بعتت لى رقم الخط الساخن بتاع محل الكبابجى إللى جنب البيت، معنى كده إنها الحرب إذن، وأنا معاقَب ومفيش أكل كمان للغداء، لا بقى كده كتير، فقررت أرد عليها بنفس الطريقة، فبعت لها رسالة على موبايلها وقلت لها ليه ماطبختيش؟! وحطيت لها إيموشن الوش المكشر «كان لازم أرد بعنف»، فردت برسالة أعنف منها واكتفت فيها بإيموشن الوش المقلوب وكِدَهُوَّن، فهمت الرسالة طبعًا إن النهارده هو يوم النكد العائلى، وشكلها بعتت العيال عند أمّها وذبحت الكلب بتاعى «عايزة تستفرد بى من غير مايهَوْهَوْ» علشان تتفرّغ بكل وجدانها للنكد من غير ما يعطلها أى حاجة وكِدَهُوَّن، فضلت أسترجع كل التواريخ المهمة «من وجهة نظرها» واللى نسيانها بيبقى نكد أكيد، فالنهاردة مش عيد ميلادها ولا عيد جوازنا، ولا عيد الحب ولا حتى عيد الأم وكِدَهُوَّن، تبقى مراتى اخترعت مناسبة جديدة للنكد غير المناسبات السابقة، فقلت اختصر الطريق، وبعت لها رسالة على الموبايل أسألها انت إيه إللى مزعّلك بالضبط؟! واستنيت الرد برسالة مماثلة زى أصول اللعبة، بس هى مابعتتش واكتفت بتنهيدة عميقة ممكن توقّع برج بيزا المائل، وده مؤشر إننا دخلنا مرحلة المكاشفة والمواجهة، فقلت لها ماتنطقى إيه إللى مزعّلك بالشكل ده؟! فامتلأت عينها بالدموع واكتفت بكلمة «سهير»، وهنا ظهرت الرؤية، فالحكاية فيها سهير وده محتاج تكنيك مختلف، فابتسمت ببراءة الأطفال وقلت لها مالها «طنط» سهير؟ وكأنها كانت فى انتظار هذا السؤال لتنطلق فى هجوم ساحق ماحق على شخصى الكريم بلا أى رحمة ولا هوادة، فصرخت فى وشّى: قاعد تكلمها على الموبايل ساعتين بحالهم بمنتهى الرقة والرومانسية ولا كأنى موجودة ولا مراعى مشاعرى وكِدَهُوَّن، أنا مش مصدّق انت بتغيرى من طنط سهير؟! أنا مش بغير من أى واحدة من إللى بتقعد تتكلم وتحكى وتضحك وتهزّر معاهم بالساعات، أنا بس صعبان علىّ نفسى إلّا عمرك ما قلت لى «على عينى» زى ماقلتها لسهير؟ اشمعنى هى على عينك وأنا مش على عينك؟، وهنا فقدت كل حواسى لياقتها وفقدت القدرة على الفهم فاكتفيت بتكرار آخر كلمة قالتها وهى على عينى وكِدَهُوَّن.. انتهى الخصام وعَمَّ الوئام وعاد العيال وأطلق سراح الكلب وعلى صوت وردة بأغنية على عينى يا حبة عينى.