الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«القلقاس» و«البلابيصا» احتفالات الشعب بعيد الغطاس فلكلور شعبى كبير لعيد الغطاس

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الثلاثاء المقبل بعيد الغطاس المجيد، الذى يأتى فى ذكرى عماد المسيح على يد يوحنا المعمدان فى نهر الأردن.



واحتفالات الكنائس بالغطاس تأتى على نفس شاكلة احتفالات عيد الميلاد المجيد، وذلك للحد من انتشار فيروس «كورونا»؛  حيث من المقرر أن يُصليه البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون فى حضور عدد قليل جدّا من الشمامسة والكهنة وبعض أحبار المجمع المقدس والرهبان والراهبات. 

كذلك كنائس القاهرة والإسكندرية التابعة لإيبارشية البابا سيكون الحضور مقصورًا على الكهنة والشمامسة ونحو 20 شخصًا فقط.

 

وهناك بعض الإيبارشيات التى منعت أى حضور شعبى، مثل طما ونجع حمادى والإسماعيلية؛ حيث أكدت أن الحضور فقط سيكون مقصورًا على الكهنة والشمامسة.

ولعيد الغطاس طقس خاص، سواء على الناحية الكنسية أو الفلكلورية المصرية؛ حيث يصلى فى ليلة الغطاس صلاة اللقان، إشارة إلى معمودية المسيح فى نهر الأردن، أمّا فى المنازل فستجد بعض الأطعمة الضرورية التى ارتبطت لدينا بأمثلة شعبية متداولة؛ حيث الطبق الرئيسى هو القلقاس، وهناك المثل الشعبى الشهير «اللى ما يكلش القلقاس فى الغطاس يصبح من غير عصب ولا رأس»، وكذلك من أهم الفاكهة التى يجب أن تؤكل فى هذا اليوم أيضًا قصب السكر واليوسفى لما فيهما من مياه كثيرة، إشارة إلى مياه المعمودية.

وكان هناك احتفال قديم لايزال بعض قرى الصعيد تقوم به، هو احتفال «البلابيصا»؛ حيث تحفر قشرة البرتقال أو اليوسفى على شكل صليب وتوضع بداخلها الشموع ويطاف بها ليلًا على ضفاف النيل.

واحتفالات الأقباط بالغطاس كانت منذ القديم؛ حيث سجّلها بعضُ المؤرخين الذين أتوا إلى مصر.

فيقول «المقريزى»، شيخ المؤرخين المصريين، إنه «على مدار التاريخ المصرى، اعتمد المحتفلون المصريون بعيد الغطاس طريقة بديعة فى الاحتفال، عن طريق تزيين صفحة نهر النيل بمئات الشموع والمشاعل المزخرفة، والخروج فى مواكب حاشدة كُبرى قاصدين النهر، فى حين يُعرب الخليفة المصرى عن سعادته غالبًا بتوزيع النارنج والليمون والسمك البورى والقصب».

وعلى صعيد كنسيّ، فإن قدّاسًا يُعقد بعد المعمودية، تُصلى فيه صلاة تسمى «اللقان»، ويرجع اسمها إلى لفظ قبطى يعنى «الحوض أو جرن الماء»، فيما يعمد القساوسة لدهان جباه المُصلين بعلامة الصليب.

أمّا عن الأكلات الشعبية فيقول الأب لوقا سلامة، فى سياق كتاب «مقدمة فى الفلكلور القبطى» إن القلقاس نبات درينى ينبت تحت الأرض، يشق الأرض، فيما يشير لبعث جديد، أمّا القصب بعوده المصلوب؛ فيرمز إلى الأمنيات السماوية التى تقصد السماء».

وهناك تفسير آخر منتشر له عن رمزية القلقاس والقصب أكثر ارتباطًا بطقس التعميد، يكمُن فى دور الماء فى تنقية القلقاس من المادة اللزجة التى تُغلّفه وتجعله مُضرًا، وكذلك الماء بالنسبة للشخص الذى تم تعميده؛ فإنه يجعله نقيّا ومتطهرًا من سموم الخطيئة.

والقصب، يجسّد الارتفاع والسّمو فى القيم الروحية للشخص، وكل عُقلة من عُقلاته، تمثل فضيلة يكتسبها الإنسانُ ليسمو، كما أن القصب ينمو عائمًا فى الماء، كما يُولد من جديد الشخص الذى يتم تعميده.

ومن الأمثال الشعبية المنتشرة «غطستم صيفتم ونورزتمم شتيتم»، فى إشارة لإقامة طقس عيد الغطاس فى عز شتاء «طوبة» الشهر القبطى، رُغْمَ برودة الماء.

ومن بينها أيضًا مثلًا زراعيّا «إذا غطس النصرانى، طلع الدفا الجوانى»، كناية عن اعتقاد سائد لدى الجماعة الشعبية أن احتفال الغطاس يبدأ فصلًا جديدًا من دفء الطقس، ومن ثم فيساعد على بداية نضوج المحاصيل، وتأخذ فى النمو وصولًا إلى ذروته فى برمهات» مارس.

عيد الغطاس: عادات وتقاليد

 لقد كان مسيحيو الشرق يحتفلون بعيدَى الميلاد والغطاس طوال القرون الثلاثة الاولى.. وحيث إن المسيح وُلد ليلًا فكان الاحتفال بالعيدَين معًا ليلًا. ولكن بعد اكتشاف موعد العماد منفصلًا عن موعد الميلاد، والتى جمعها تيطس الرومانى، ونقلها من أورشليم إلى روما، جعلوهما عيدَين يحتفلون بهما فى موعدَين مختلفَين، ولكن ليلًا كعادتهم قبل فصل العيدَين. وهكذا أخذ الغربُ عن الشرق هذه العادة، وذلك من خلال الانفتاح الذى حدث.. كما شهد كاتيانوس.. «وكان الغربيون ولا يزالون يقيمون فى هذا اليوم احتفالًا بسجود المجوس الذين بواسطتهم أعلن المسيح ذاته للأمم».

 ولقد كان المسيحيون القدماء يعمدون الموعوظين فى هذا العيد.. ولايزال بعض المؤمنين يعمدون أولادَهم فيه أيضًا.

عيد الغطاس وسر القلقاس...!! 

وفى مصر يعمد المؤمنون فى عيد الغطاس على ملء البيوت «بالقلقاس» وليس عبثًا فى ذلك، يقول أحد الآباء إننا نأكل هذا الطعام بالذات فى عيد الغطاس، فهناك أطعمة كثيرة أشهَى منه، لكننا فى الحقيقة نأكل القلقاس لأنه يقربنا من معمودية المسيح، ففى القلقاس مادة سامة ومضرة للحنجرة، وهى المادة الهلامية، إلا أن هذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلى مادة نافعة، مغذية، ونحن من خلال الماء نتطهر من سموم الخطيّة كما يتطهر «القلقاس» من مادته السامة بواسطة الماء!

 - والقلقاس يُدفن فى الأرض ثم يصعد ليصير طعامًا، والمعمودية هى دفن أو! موت وقيامة مع المسيح..

والقلقاس لا يؤكل إلا بعد خلع القشرة الخارجية، فمن دون تعريته يصير عديم الفائدة، فلا بُد أولًا من خلع القشرة الصلدة قبل أكله، ونحن فى المعمودية نخلع ثياب الخطيّة لكى نلبس بالمعمودية الثياب الجديدة الفاخرة، ثياب الطهارة والنقاوة، لنصير أبناء الله.

 عادات عيد الغطاس وتقاليده..

درجت العادات والتقاليد التى ورثها الآباءُ عن الأجداد عشية العيد، أن تهتم النسوة بإعداد حلويات العيد المتنوعة والخاصة بالمناسبة والتى تُعتَبر «بَرَكة العيد».

توجد مأكولات خاصة فى هذا العيد، وهى: عوامة، زلابية، أصابع العروس قطايف. وهى من عجين مصنوع باشكال مختلفة ومقلى بالزيت ومحلى بالسّكر. عندما نقلى العجين بأشكاله المختلفة بالزيت فإنه يُغَطس أولا ثم يعلو بشكله الجديد، وهذه عبارة عن رموز الغطاس.

وقديمًا كان لليلة عيد الغطاس شأنٌ عظيمٌ عند المسيحيين؛ حيث لا ينام الناس، إلّا لحظة مرور «الدايم دايم» عند منتصف الليل؛ لمباركة المنازل ومَن فيها، فتبقى مُضاءة بالأنوار والشبابيك مفتوحة ليدخلها «الدايم دايم»، كما تعمد سيدة البيت إلى تعليق عجينة فى الشجرة لكى يباركها وتختمر.

 تبريك المياه

تقول الرواية، إن «الدايم دايم» أى المسيح يأتى ليلًا وتسجد له كل الأشجار باستثناء شجرة التوت، لذلك يعتبر وقدها فى المدفأة حلالًا، وذلك لأنّه ينسب إليها الكبرياء فينتقمون منها بتكسير حَطبها وإشعاله فى تلك الليلة بنوع خاص. وفى اليوم التالى يجلب الناس زجاجات وأباريق المياه للصلاة عليها خلال قداس العيد والتبرك منها، عبر رش المنازل وشجرة ومغارة الميلاد، والحقول بالماء المقدس، لكى يطرح الرَّبُّ البركةَ فيها.

 وفى صباح العيد أيضًا يسارع الناس إلى استبدال عبارة صباح الخير بعبارة (دايم دايم أخدت شطارتك) أو (بسترنت عليك) ولايزال معظم الأهالى؛ خصوصًا فى القرى يرددونها.

الزلابية فى عيد الغطاس

وعن العادات والتقاليد فى صُنع حلوَى الزلابية، يُرْوَى أن القديس يوحنا المعمدان عندما جاء السيد المسيح ليعتمد على يديه فى نهر الأردن، أشار إليه بإصبعه وقال: «هذا هو حمل الله»، والزلابية تدل على شكل الإصبع، فى حين يُروَى فى السّير الشعبية: «ليلة عيد الغطاس، مَرّ المسيح على امرأة فقيرة لا تملك شيئًا لتأكله، دون أن تعلم من هو، وسألها: ماذا تفعلين؟ قالت: أعمل على قلى العجين الممزوج بالماء؛ لأطعم أولادى، وخلال الحوار بدأ العجين يكثر فى الوعاء وفاض من كثرة اختماره.. وكان الأهالى يقولون للبنات بأن يضعن عجينة غير مختمرة، على غصن شجرة، لكى يباركها «الدايم دايم»، فالعجينة التى تضعها النساء على أغصان الأشجار ليباركها المسيح تصبح خميرة، يؤخذ منها جزءٌ صغيرٌ فتخمّر كمية كبيرة من العجين.

 تقاليد عيد الغطاس تراث يجب المحافظة عليه

قديمًا كان لعيد الغطاس الأولوية على كل الأعياد الشتوية. فالغطاس يطوى الميلاد فى ثناياه، ويختزل كمًّا غير قليل من تراثنا غير المنقول. هذا التراث المحلى المغمّس برائحة جبالنا وثلوجها وشجرها ومياهها، كما بطرائق أطباقنا وقصصنا ومعتقداتنا الشعبية.. وقد بتنا نخشى على هذا الإرث من الضياع فى ظل التراجُع المستمر فى أهمية هذا العيد الدينى والشعبى، والذى نال أهمية كبرَى فى تراثنا الشعبى؛ نظرًا لارتباطه بالمياه التى هى العنصر الأهم فى حياة الناس فى منطقتنا المتوسطية. فالمياه هى الحياة، ولا بشرية ولا حضارة من دونها، وهى شحيحة فى عالمنا.