10 سنوات علي الربيع العربي.. أمريكا بين وهم الديمقراطية .. وواقع الفوضي!

مروة الوجيه
مشهد فوضوى ساد العاصمة الأمريكية واشنطن منذ الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء، مع توافد أنصار الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته «دونالد ترامب» من جميع الولايات فى يوم اجتماع الكونجرس بغرفتيه «النواب والشيوخ» للتصديق على نتائج الانتخابات الأمريكية بفوز المرشح جو بايدن، بدأ باقتحام أنصار ترامب إلى مبنى الكابيتال هيل يحملون فيه الأسلحة والأعلام المؤيدة لزعيمهم، الأمر الذى أدى إلى تشابك مع شرطة الكونجرس وإطلاق القنابل المسيلة للدموع والغازية بل ووفاة أربعة من المتظاهرين من بينهم امرأة قتلت بطلق ناري، وذلك لمنع المناصرين من «احتلال» مقر الكونجرس.
تلك كانت صورة أخرى من صور الديمقراطية الأمريكية، التى طالما تفاخر بها زعماؤها أمام العالم، ولكن كانت صور المتظاهرين فى مكاتب الكونجرس خير دليل على هشاشة هذه الديمقراطية المزعومة.
الديمقراطية الزائفة
«سيذكر التاريخ هذا اليوم كلحظة عار لأمتنا» كانت هذه آخر تغريدات الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما على صفحته الرئيسة بموقع «فيس بوك»، واصفًا الرئيس دونالد ترامب بالكاذب الذى يستمر فى إلقاء «ادعاءات دون أساس» بشأن تزوير العملية الانتخابية وحشد أنصاره للوقوف أمام إعلان التصديق على نتائج الانتخابات، ونرى الرئيس السابق يقف أمام أكثر من 74 مليون صوت أمريكى رافضًا لنتائج الانتخابات، وللديمقراطية الزائفة، وللمفارقة أنه فى نفس التوقيت منذ 10 أعوام، يناير 2011، كان نفس الرئيس يدفع الشعوب العربية لتصديق ما يسمى بـ«الربيع العربي» أو الوهم العربى مناديًا باتباع خطوات أمريكا فى الديمقراطية، وجاء اليوم لتنكشف الحقيقة الزائفة لوهم «الديمقراطية الأمريكية».
ومنذ إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية، وفوز الناخب جو بايدن، بدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى حشد أنصاره بكل الطرق للوقوف أمام التصديق على هذه الانتخابات أو التسليم بهذه النتيجة، وكان آخر خطواته طلبه من نائبه مايك بنس الرفض على التصديق بفوز بايدن فى جلسة الكونجرس، الأمر الذى قابله بنس بالرفض وقال: «قسمى بدعم الدستور والدفاع عنه يمنعنى من المطالبة بسلطة أحادية، لتحديد أى الأصوات الانتخابية يجب احتسابها وأيها لا ينبغى احتسابها».
ويأتى ذلك فى الوقت الذى يجتمع فيه الكونجرس برئاسة بنس لفرز الأصوات الانتخابية من كل ولاية أمريكية وتأكيدها، وهى عادة ما تكون خطوة روتينية فى تأكيد المرشح الفائز فى الانتخابات الرئاسية.
فوضى و«انقلاب»
مع بدء جلسة الكونجرس الأمريكى اقتحم المئات من أنصار الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته، دونالد ترامب، مبنى الكونجرس، وسيطروا على عدد من شرفاته وغرفه، وقام ضباط من قوات إنفاذ القانون باستخدام القنابل المسيلة للدموع لفض الحشود من مهاجمة أعضاء الكونجرس، وأظهرت مقاطع فيديو عددًا من أنصار ترامب داخل مبنى الكونجرس، وأعلن مجلس الشيوخ تعليق جلسته، فى الساعة 2:15 بعد الظهر بالتوقيت المحلي، كما أعلنت عمدة واشنطن، موريل باوزر، حظر التجول فى المدينة ابتداء من الساعة السادسة مساء، حتى السادسة صباحًا، وتم تقديم الدعم من قبل الحرس الوطنى من ولايات فرجينيا وبالتمور ونيوجرسى لتأمين محيط مبنى الكونجرس، وأعلن المتحدث باسم البنتاجون أن هناك تعبئة للحرس الوطنى لتقديم الدعم لقوات إنفاذ القانون فى واشنطن.
من جانبه، قال قائد شرطة مدينة واشنطن، إن ترامب هو من طلب من أنصاره التظاهر والتوجه إلى مبنى الكونجرس الأمريكي، وشدد فى مؤتمر صحفي، مساء الأربعاء، على محاسبة كل المشاركين فى أعمال الشغب التى وقعت داخل مبنى الكونجرس.
كما أعلنت سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية والمحلية عن وجود قنابل أنبوبية فى عدد من المناطق بالعاصمة الأمريكية، واشنطن، وقال مسئول بالحزب الجمهورى لشبكة CNN الأمريكية، إنه عثر على قنبلة أنبوبية داخل مقر الحزب الجمهوري، كما عثر على ما يشتبه بأنه قنبلتين أنبوبيتين إحداهما فى المجمع الذى يضم مبنى الكونجرس وتم التعامل معهما من قبل عناصر الأمن، وتم تفجيرهما بصورة آمنة.
من جانبه، وصف الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن، اقتحام أنصار دونالد ترامب مقر الكونجرس بـ«التمرد»، ودعا ترامب إلى الطلب من أنصاره وقف «حصارهم» مضيفًا: «أشعر بالصدمة أن بلدنا الذى هو رمز للديمقراطية وصل إلى هذه المرحلة».
كما ندد أعضاء فى الكونجرس بمحاولة الـ«انقلاب»، فغرد النائب الديمقراطى وليام باسكريل بالقول «نشهد محاولة انقلاب بتشجيع من مجرم البيت الأبيض»، وقالت النائبة ديانا ديجيتى «هذه ليست تظاهرة، إنها محاولة انقلاب» منددة «بالفوضى التى خطط لها رئيسنا»، كما قال آدم كينزينجر «سيناتور جمهورى من إلينوى»: «ما يحدث هذا محاولة انقلاب»، وأعلن السيناتور الديمقراطى جيف ميركلي: «تم إنقاذ مجموعة من صناديق التصويت فى المجمع الانتخابى من هؤلاء العصابات».
وبعد العديد من المناشدات على كافة الوسائل الإعلام الأمريكية ظهر الرئيس دونالد ترامب فى فيديو مصور على مواقع التواصل الاجتماعى مناشدًا أنصاره بالانصراف وقال: «أشعر بألمكم، انتخاباتنا سُرقت منا، فوزنا فيها كان ساحقًا، والكل يعلم ذلك، لكن عليكم الذهاب إلى دياركم. لا بد من أن ننعم بالسلام ونحترم القانون» وأضاف: «هذا ما يحدث عندما نجرد من فوز ساحق».
وبعد وقت قريب أعلن موقع «تويتر» تعليق حساب دونالد ترامب، لمدة 12 ساعة بسبب «انتهاكات متكررة وجسيمة» لقواعد النزاهة الخاصة بمنصة التواصل الاجتماعي.
كما حذفت شركة «فيسبوك» وشركة «يوتيوب»، تسجيل ترامب المتلفز، وقال جاى روزين، نائب رئيس فيسبوك للنزاهة.
وقالت «يوتيوب»، إن الفيديو ينتهك سياستها المناهضة للمحتوى، الذى يزعم أن «تلاعبًا واسع النطاق أو أخطاء قد غيرت نتيجة الانتخابات الأمريكية لعام 2020».
وأضافت الشركة فى تغريدة أيضًا أن أى انتهاكات فى المستقبل للقواعد ستؤدى إلى تعليق الحساب بشكل دائم.
بوابة الانفجار
وعلى الرغم من أن هذا المشهد يعتبر سابقة لم تحدث من قبل فى الولايات المتحدة على مدار تاريخها، الا أن كل التوقعات قد أشارت مسبقًا إلى حدوث أمر مختلف فى انتخابات 2020، فمشاهد الفوضى التى سبقت هذه الانتخابات منذ وفاة جورج فلويد، فى مايو الماضي، وظهور بعض الحركات الشعبوية المناهضة لحكم ترامب منها حركة «Black Lives Matter» وحركة «أنتيفا» التى وصفها ترامب بالحركات الأناركية وتشكل امتدادًا لتيار يسارى منضوٍ تحت جناح الحزب الديمقراطى.
وقد تنبأت «روزاليوسف» فى مقالين بعنوان «أمريكا على المحك» و«الهستريا» الصادرين فى العددين 4820 و 4821 واللذين تناولا تغطية الانتخابات الأمريكية 2020، حيث أوضحا أن المظاهرات التى أعقبت مقتل جورج فلويد مجرد «بروفة» لما ستشهده الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة، كما أن «الترامبيست»، أو أنصار ترامب، قد ينزلون إلى الشوارع ويأتون من كل أروقة الولايات لوقف إقرار نتيجة الانتخابات «وإذا ما وقع ذلك تكون الميليشيات قد وجدت طريقها إلى السياسة الأمريكية»، وأصبحت انتخابات 2020 هى «بوابة الانفجار» التى ستفتح على عصر جديد من الانتقال «الفوضوي» لأكبر قوة عالمية فى القرنين الماضيين.
عزل واستقالات
وبعد ساعات من اندلاع أعمال العنف استئنفت جلسة الكونجرس مرة أخرى، ووفق موقع «أكسيوس» الأمريكى فقد يدرس مسئولون جمهوريون عدة خيارات ضد الرئيس دونالد ترامب، ومن بين الخيارات المطروحة إقالة ترامب، أو عزله عبر التعديل الخامس والعشرين من الدستور، حسب ما ذكر الموقع نقلا عن مساعدين حاليين وسابقين فى البيت الأبيض والحزب الجمهوري.
وبموجب التعديل الخامس والعشرين لدستور الولايات المتحدة، يمكن لنائب الرئيس وأغلبية أمناء مجلس الوزراء إعلان ترامب «غير قادر على الاضطلاع بصلاحيات وواجبات مكتبه»، وإقالته من منصبه، حسب وسائل إعلام أمريكية.
ودعا النائب الجمهورى تيدى ليو قد إلى عزل ترامب باستخدام التعديل الخامس والعشرين من الدستور، وقالت النائبة إلهان عمر من ولاية مينيسوتا إنها شرعت فى إجراءات الإقالة وأضافت: «أعمل على إعداد مواد الإقالة، يجب عزل دونالد ترامب من قبل مجلسى النواب والشيوخ، لا يمكننا السماح له بالبقاء فى منصبه، إنها مسألة حفاظ على جمهوريتنا ونحن بحاجة إلى الوفاء بالقسم» الذى أديناه.
من جهة أخرى جاء رد سريع من قبل إدارة ترامب، حيث شهدت الساعات التالية لاقتحام الكونجرس موجة من الاستقالات فى إدارة دونالد ترامب، حيث أعلنت كبيرة موظفى السيدة الأمريكية الأولى ستيفانى جريشام استقالتها عقب أحداث الكونجرس، كما استقالت نائبة السكرتير الصحفى سارة ماثيوز من إدارة ترامب.
وذكرت مصادر فى البيت الأبيض أن مستشار الأمن القومى روبرت أوبراين ونائبه ماثيو بوتينغر يتجهان إلى الاستقالة بسبب أحداث الكونجرس.
ووفقا لوسائل الإعلام الأمريكية، أصدر ترامب أوامره بمنع دخول مارك شورت كبير موظفى نائبه مايك بنس إلى البيت الأبيض.
كما ندد وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو باقتحام المقر معتبرًا أن العنف الانتخابى «لا يمكن التساهل معه» لا فى الولايات المتحدة ولا خارجها، وقال: «لقد سافرت إلى العديد من الدول وكنت دائمًا أؤيد حق كل إنسان فى التظاهر السلمى دفاعًا عن معتقداته أو قضاياه.. لكن العنف الذى يهدد سلامة الآخرين، بمن فيهم المسئولون عن ضمان سلامتنا جميعًا، أمر لا يمكن التساهل معه لا فى الداخل ولا فى الخارج».
وبعد هذه الليلة العصيبة التى شهدتها أمريكا يبقى السؤال: إلى أى مدى ستستمر هذه الفوضى الأمريكية؟ وهل حان الوقت لتشرب أمريكا من كأس «الفوضى» التى طالما طالت الكثير من الشعوب تحت مسمى «الديمقراطية»؟، وربما تكون هذه الفوضى هى بداية لـ«الربيع الأمريكى».