الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

علا الشافعي تكتب: البرىء.. وأنا.. واللقاء الأول

عندما هاتفتنى الزميلة والصديقة «شيماء سليم» لتخبرنى عن إعدادها ملف الأستاذ «وحيد حامد» وسألتنى أى فيلم تختارين للكتابة عنه، بدون تردُّد ولا تفكير أجبتها (البريء).



بالطبع هناك الكثير من الأفلام التى أعشقها وأرى فيها الكثير من الجماليات، والأفكار المثيرة للجدل والقادرة على صنع اشتباكات طوال الوقت للمبدع «وحيد حامد».

ولكن (البريء) يحمل لى ذكرى شديدة الخصوصية؛ حيث كان اللقاء الأول الذى جمعنى بأستاذى ومعلمى وأبى «وحيد حامد» فى عام 1992 عندما جاء لمبنى كلية الإعلام فى جامعة القاهرة هو والمخرج «عاطف الطيب» لعمل ندوة معنا بعد انتهاء عرض الفيلم الممنوع وقتها.

وأعتقد أننى وكل زملائى لم ولن ننسى هذا اليوم والذى كان مميزًا بحق؛ حيث شهد عرض الفيلم إقبالًا وحضورًا كبيرًا ليس فقط لطلبة كلية الإعلام ولكن لبعض الزملاء من الكليات المجاورة، والمهتمين بالسينما والثقافة.

وبعد انتهاء عرض الفيلم وقتها كنا فى المدرج الكبير بالدور الرابع لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية (لم يكن لكلية الإعلام مبنى مخصوص فى هذا الوقت)، ضج المدرج بالتصفيق لدقائق طويلة، وبعد انتهاء الندوة لا أعرف ما الذى دفعنى لأنتظر «الطيب» و«حامد» وأسير معهما أنا ونفر قليل من الزملاء حتى باب الخروج قد تكون الحماسة التى أشعلها الفيلم فى أنفسنا، قد تكون الرغبة من التحرُّر من الكثير من المفاهيم السلطوية، أو العلاقة الشائكة طوال الوقت بين المثقف والدولة أو كيف وضع «حامد» و«الطيب» يديهما فى وجه قتلة البراءة ومغتالى الأحلام.

لم أنس يومها تواضع الاثنين ووقوفهما مع شباب صغير يتفتح وعيه لوقت طويل يجيبان على التساؤلات، وأتذكر جيدًا نظرة الفرح والرضا التى ملأت أعينهما فالفيلم الممنوع لهما يحصد الإعجاب والحماسة والرضا فى كل مكان يقتنصون فيه فرصة للعرض، وبعد هذا اللقاء شاهدت (البريء) فى افتتاح المهرجان القومى للسينما عندما كان يرأسه الناقد ورئيس الرقابة الراحل «على أبو شادى»، يومها وقف الأستاذ على المسرح ليقول خطابه الشهير عن فكرة المنع والرقابات المتعددة مؤكدًا أن البقاء للفن وليس لأصحاب السلطة.

فيلم (البريء) والذى ظل ممنوعًا من العرض لأكثر من 20 عامًا، وشاهده لجنة مشكلة من وزراء الإعلام، والداخلية والدفاع، وتم تغيير نهايته حيث كان يعرض بنهايتين. هو واحد من أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية والعربية، ورغم ميلودراميته والتى قد يأخذها عليه بعض النقاد؛ فإنه يظل فى نظرى واحدًا من أهم الأفلام وأكثرها جرأة فى تاريخنا السينمائى؛ بل إن المعالجة الدرامية التى تنحو نحو الميلودراما كانت واجبة لخلق تلك الحالة من التطهير مع كل مشاهدة للفيلم.. فهل يستطيع أحد منا أن ينسى شخصية «أحمد سبع الليل» التى جسدها بعبقرية «أحمد زكى»، الفلاح البسيط، وكيف رسم «حامد» أدق تفاصيل حياته اليومية فى الريف، وحوّلها «عاطف الطيب» و«سعيد شيمى» بكاميراه المحمولة على كتفه إلى لقطات لا تنسى؛  حيث يعيش هذا الفلاح مسالمًا فى قريته، ويرتبط بأرضه وهمومها إلى درجة الذوبان بالأرض وهمومها، والتفاصيل التى صاغها «حامد»  لجعلنا  ندرك مدى براءة وسذاجة «أحمد سبع الليل»، كل هذا قبل أن يطلب للخدمة العسكرية، ويعين حارسًا فى معتقل سياسى بالصحراء. ويرى أبناء الوطن يزجون فى السجون. وعندما يسأل «سبع الليل».. من هؤلاء المواطنون من مثقفين وأساتذة جامعة وطلبة، والذين يعاملون بهذه القسوة؟ يأتيه الجواب.. بأنهم أعداء الوطن، فيتعامل معهم بعنف شديد، إلى أن يلتقى «حسين، ممدوح عبدالعليم»  ابن قريته ورفيق الطفولة والطالب الجامعى فهل يعقل أن يكون «حسين» عدوا للوطن هنا تبدأ رحلة التحولات والتساؤلات والوعى عند «سبع الليل»، خصوصا بعد مقتل «حسين» أمام عينيه، رسم وحيد حامد فى (البريء) شخصيات لا تنسى «سبع الليل، وتوفيق شركس»، (الضابط السادي)، و«حسين» المثقف الواعى البشوش والمهموم بوطنه، وهى الدراما التى حولها «الطيب» إلى ملحمة لا تُنسى مع صوت «عمار التشريعى» وكاميرا «سعيد شيمى»، والأداء المميز لنجوم العمل كل فى دوره، يطغى عليه أداء «أحمد زكى» الملهم فى هذا العمل. 

(البريء) فيلم ينتقد ولكنه يحفل بالحلم، والرغبة فى التحرر، ليس ذلك فقط بل عن الحب سواء حب الوطن أو حب «أحمد سبع الليل» لـ«نوارة، إلهام شاهين».