السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ليس لدينا ما نخشاه.. ماذا حدث في الإليزيه؟

ليس لدينا ما نخشاه.. ماذا حدث في الإليزيه؟

يمنح المجد نفسه فقط لمن حلموا به

 

حكمةٌ قديمةٌ خاطب بها الجنرال شارل ديجول الفرنسيين من لندن قبل عملية تحرير فرنسا، إبّان الحرب العالمية الثانية.. وواقعيًا وجدت هذه الجملة تفرض نفسها على ذهنى وأنا أتابع مجريات الزيارة الرسميّة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى باريس بدعوة من نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون.. وفى ظنى أن هذه الزيارة تحديدًا تُشكِّل فاصلاً سياسيًا لأوراق الشرق الأوسط.. فاصلاً سياسيًا يفرق ما قبلها عما سيأتى مستقبلاً.. بمعنى أن ترتيبًا جرى فى توقيته الأمثل لأوراق الشرق الأوسط  بين (مصر) التى تُعدّ البلد الأقوى فى منطقة جنوب المتوسط والتى تشكل الكتلة الصلبة التى تحفظ استقرار الإقليم الممتد من العراق شرقًا وحتى طنجة فى الغرب وبين (فرنسا) التى تشكل بيت السياسة والدبلوماسية الأكثر تأثيرًا فى صياغات السياسات الأوروبية تجاه المنطقة العربية والساحل الإفريقى، ومن هنا تلتقى (القاهرة) و(باريس) فى ساحة رحبة اسمها المصالح المشتركة.



هذه الساحة ليست وليدة اللحظة.. ولكنها متجددة على مر التاريخ ومتعايشة مع كل عصر وفق معطياته.. وفى قصر الإليزيه وفى المؤتمر الصحفى المشترك بين السيسى وماكرون ظهرت معطيات العصر الإقليمى الجديد فى اللحظة الدولية الراهنة.. وهو ما سنسعى لتوضيحه فى السطور التالية.

 

أولا: ماهى ملامح الساعة الدولية الراهنة ؟

قبل أن يُلملم العام الحالى أوراقه سلّم العام الجديد تركة واضحة من البنود تفرض نفسها على أجندة المجتمع الدولى.. وعندما يفرض بند نفسه على أجندة المجتمع الدولى يجد طريقه إلى أولويات السياسات الحكومية.. ومن هنا تنعكس على يوميات الشعوب.. ويمكن حصر هذه البنود فى الآتى:

1 - مواجهة وباء (covid-19) وتحجيم المخاطر الصحية والاقتصادية والعمل على تقليل حجم الخسائر البشرية. 2 - معالجة الكارثة التى لحقت بالاقتصاد العالمى من جراء الموجة الأولى من (كوفيد 19)، وهو ما ظهر واضحًا فى نتائج قمة الرياض لمجموعة العشرين، والأمر لا يتعلق فقط بتباطؤ حركة التجارة العالميّة وتراجع معدلات النمو؛ ولكن له انعكاسات سياسيّة واجتماعيّة مباشرة تتعلق بارتفاع معدلات البطالة وتفاعلها مع مدخلات الإحباط، وهو الأمر الذى تلتقطه أيديولوجيات طابعها التطرف ما بين أقصى اليمين (الإرهاب شرقًا) و(التيارات الفوضوية غربًا).

3 - بداية عمل إدارة أمريكية جديدة أعطت مؤشرًا أنها ستكون أكثر انغماسًا مع المحيط الدولى من خلال عودة ملف المناخ ضمن أولوياتها، ومثل هذه الإشارة يلتقطها رادار حلف الناتو بأبعاد أخرى، أهمها عودة حليفه الأمريكى ويستوعبها الشرق الأوسط وفق اهتماماته المتعلقة بقضية السلام والتهديدات الإيرانية والتركية للإقليم العربى، وأضيف إلى ذلك تهديد الأمن المائى للسودان ومصر.

4 - حركة القوى الدولية؛ إذ يشهد العام الجديد نهاية حقبة أنجيلا ميركل بعد 14 عامًا فى السلطة، وكذلك التدابير الروسية فى ملف الطاقة، بالإضافة إلى توقُّع بتركيز سياسى واقتصادى مكثَّف من قبل الصين على منطقة آسيا كنقطة انطلاق فى صراعها الاقتصادى مع الولايات المتحدة من جهة، وأساس داعم لمشروعها الاستراتيجى طريق الحرير من جهة أخرى.

 

ثانيا : كيف انعكست هذه البنود على مباحثات قصر الإليزيه؟

 

خُذْ علامات الترقيم السابقة فى ذهنك واحتفظ بها.. واستحضر تفصيليًا تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون فى المؤتمر الصحفى المشترك الذى جمعهما عقب مباحثات الإليزيه يوم الاثنين الماضى، ستصل إلى نتيجة نراها منطقية وتصدرت هذا المقال، ومفادها أن ترتيبًا جرى لأوراق الشرق الأوسط وفى سياق محدد على النحو الآتى: 

 

1 – إعلان وفاة ماسمى بــ(صفقة القرن)

حضرت القضيّة الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للسلام فى الشرق الأوسط.. حضرت وفق محدداتها الأصيلة لتعلن ضمنيًا وفاة مشروع دونالد ترامب للسلام والذى عُرف إعلاميًا بـ(صفقة القرن) كان حديث الرئيس السيسى واضحًا فى المؤتمر الصحفى إذ قال: (أكدنا على ضرورة استمرار المساعى النشطة لتسوية النزاعات الإقليمية بصورة سلمية استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية، وتوافقنا على أهمية تهيئة المناخ الملائم لاستئناف عملية السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى بما يتفق مع المرجعيات المتفق عليها ومبدأ حل الدولتين بما يؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس).

 

2 – مصر تتفاعل مع عالمها ولا تنغلق

 

بيْن الشرق والغرب متلازمة خلاف.. تحت بند حرية التعبير يبيح الغرب المساس بمعتقدات الآخرين ويعتبر الشرق هذا الأمر خطًا أحمر عابرًا للحدود.. يعتبر الغرب مسألة حقوق الإنسان هى الأخرى عابرة للحدود.

وواقع الأمر أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أعطى درسًا لمن يريد أن يفهم عن واقع عمل منظمات المجتمع المدنى فى مصر أكثر من 55 ألف منظمة، كذلك شرح الحقيقة أمام العالم وأنه ليس لدينا ما نخشاه، والعبء الذى تتحمله الدولة المصرية لحماية شعب قوامه 100 مليون مصرى، والجهد المهول الذى يُبْذَل لجعل حياتهم أفضل فى مواجهة أعداء الحياة.. فى المقابل حاول الرئيس إيمانويل ماكرون إعادة تقديم بلاده بعد أزمة الإساءة للمسلمين والتى تحولت إلى نار نفخ فيها من يريد قنص باريس سياسيًا وفى مقدمة هؤلاء أعضاء التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية؛ خصوصًا (تركيا) التى تريد تصفية حسابات مع فرنسا على خلفية الدور الفرنسى المتصدى لاستراتيجية إردوغان فى المنطقة.

وفى خضم هذه التفاعلات تأسس مبدأ براجماتى صريح وهو أن المصالح الاستراتيجية تمضى وتتقبل اختلاف وجهات النظر هنا أو هناك، لكن المصالح لا تمس فى جميع أوجه التعاون الاقتصادية والعسكرية والثقافية.

 

3 – دور مصر المحورى فى مستقبل المنطقة

قبل أن يتحمل الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية حكم مصر.. كانت القيمة الاستراتيجية لمصر فى أعلى مراحل التهديد، وبالتالى لم يبالغ الرئيس عندما وصف مهمته بأنها كانت استدعاء لإنقاذ وطن.. باختصار كانت مصر تتجه نحو الانحدار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والحضارى، وكان المستهدف منذ اللحظة الأولى التى ضربت فيها الفوضى مصر فى 2011 أن يطول الانحدار قدرات الدولة المصرية العسكريّة لكى تشرب من نفس كأس إقليمها، ومن ثم تنتهى الدولة الوطنية فى مصر.

ولكنه استطاع بدعم من الشعب الأصيل الذى علم العالم معنى الدولة، أن يعيد للدولة المصرية عنفوانها فقط فى (ست سنوات).. وهذه هى المعجزة المصرية التى تشهد بها كل المؤسسات الاقتصادية العالمية والدوريات الاقتصادية الدولية وآخرها تقرير لبلومبرج يتحدث عن اقتصاد مصر باعتباره من أفضل 10 اقتصاديات فى العالم خلال أزمة كورونا.

الأداء المصرى فى أزمة كورونا استحضره الرئيس السيسى خلال المؤتمر الصحفى مع الرئيس ماكرون لأنه قصة نجاح تستحق أن تُروى رغم ما نواجهه من شائعات قبل أن تصل كورونا مصر كان هدفها الرئيس ضرب السياحة الأجنبية فى مصر.

العنفوان المصرى الذى بات واقعًا.. فى قوة عسكرية قادرة تمتلك القدرة على حماية أمنها وإقليمها وتضع الخطوط الحمراء أمام الجميع إذا تخطى حدوده ويبحر أسطولها بعيدًا عن مياهه الإقليمية ليعزِّز من رسائل الردع وليس التهديد وقوة اقتصادية فى زمن الإغلاق وقوة سياسية فى بلد مكتمل المؤسسات كان من الطبيعى أن ينعكس على دور مصر الإقليمى.

سحابة الاستقرار المصرى تخطت مساحة القطر وامتدت نحو الجوار المباشر غربًا فى ليبيا، ولك أن تتخيل لو لم تكن مصر جارة لليبيا كيف كان سيصبح مصير أهلها فى ظل الأطماع المعلنة فى ثرواتها وجنوبًا نحو السودان وأكثر عمقًا نحو جنوب السودان.

وبالتالى عندما يتحدث رئيس مصر فى مباحثات الإليزيه عن الأمن والاستقرار فى منطقة الساحل الإفريقى.. يتحدث بصفته رئيس دولة لها موقف ولها قدرة.. وعندما يتطرق فى المؤتمر الصحفى إلى المشكل اللبنانى فهو يجاوب بصفته رئيس الدولة العربية الأكبر قولًا وفعلًا وقدرة، والتى تصيغ سياساتها بميزان من ذهب والتعاطى المصرى مع لبنان فى أزماته هو الأرقى والأكثر فاعلية والدور المصرى يُسْتَدعَى فى لبنان ويرحب به من جميع الفرقاء اللبنانيين.

وعندما يتحدث رئيس مصر عن الرؤية المصرية فى ليبيا فهو حديث مستند إلى شرعية وأسانيد و(تفويض).

هذه الهيبة المصرية المعزَّزة بمكانة كبرى جديدة بحجز مصر موقعًا يليق بها فى خريطة الثروة والطاقة يسعى خصوم هذه الدولة لإلهاء الرأى العام المصرى عنها بدوامات من التشكيك المستمر والسخرية من أى إنجاز، ولكن الواقع يسحقهم جميعًا.. وللحديث بقية.