السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى ذكرى ميلاده الـ 55

عبد الله كمال "ولكن".. عاش القلم

“هنا القاهرة” 

قال لى زميلى أحمد الطاهرى، رئيس القسم الدبلوماسى بالجريدة، إنه كان يمكن أن يكون مانشيت الجريدة بالأمس (هنا القاهرة)، بدلًا من المنشور.. وهو كان (أهلًا وسهلًا).. وكان موضوع القصة الرئيسية للجورنال هو ردود الأفعال على قرار أوباما بتوجيه كلمته إلى المسلمين من مصر.فاستحسنت فكرة زميلى الشاب..وقررت أن أقتبسها وأوظّفها اليوم فى مقالى عن موضوع مختلف.. ولكنه ذى صلة.



أنت الآن معى فى مسرح قاهرى غير تقليدى.. حيث تثير علامات الاستفهام فى ذهنك فورًا (مصطبة من الرمال) تتصدر المشهد الثابت لعرض فنى أصبح من علامات ليالى القاهرة فى العام الأخير..وتسأل نفسك: ما هى فائدة هذه الرمال فى ديكور مسرحى غير موجود تقريبًا؟.. وحين يبدأ العرض سوف تكتشف أنك تجلس أمام قبر قرره مبدعو العمل الأشهر (قهوة سادة)..وفى مشهدهم الأول الملىء بالشجن والألم..يعلنون دفن ما يرثيه العرض بعد ذلك حتى نهايته.. القيم الأصيلة.. وعلامات الثقافة المصرية بكل تنوعاتها.. والشخصيات التاريخية.

كل فريق العمل الذى ارتدى ملابس سوداء يقيم الجنازة.. ويضع فى القبر ما يعتقد أنه يستوجب الحزن لأنه ذهب وراح.. وما يقول أننا نفتقده ويجب أن نستعيده.. مشربية تمثل العمارة الإسلامية الرائعة..(قلة ماء) تشير إلى حياة العذوبة العائلية.. راديو قديم يشير إلى تراث إذاعى تليد.. صور لروزاليوسف ويوسف وهبى ونجيب محفوظ وسعاد حسنى وعشرات غيرهم تشير إلى تاريخ مدهش من إبداع مصر المتنوع.. صورة سعد زغلول معبرة عن تاريخ من النضال.. صورة طلعت حرب التى تشير إلى تاريخ الرأسمالية المصرية الناضجة.. وعشرات من أيقونات ما نشتاق إلى تكراره.

بعد المشهد الجنائزى الصادم.. يعود فريق العمل إلى الخلف، بملابسه السوداء؛ حيث يتناول القهوة السادة، فى جلسة عزاء هى الإطار العام للمسرحية.. وبين مشهد وآخر يخرج بعض المعزين من الخلفية لأداء (اسكتش) موضوعى له علاقه بشكل أو آخر بأيقونة من تلك الأيقونات المدفونة..

وما بين القبر الرملى حيث جرت الجنازة فى مقدمة المسرح وبداية العرض..والعزاء المستمر فى خلفيته.. يدور العمل.. الذى على مأساويته كان مضحكًا لدرجة لا يمكن احتمالها.. كما لو أن الرسالة الجانبية له هى أننا لن نفقد سلاحنا الأثير فى مواجهة مشكلاتنا وعيوبنا.. وهو النكتة.. تلك هى ثقافتنا.. وتلك ملامحها وأدواتها.

وأما الرسالة الرئيسية فهى لا تخفى على فطن.. وهى أننا قادرون على أن نواجه عيوبنا.. وأن نعترف بنقائصنا..وأن نسلخ ذواتنا نقدًا.. بطريقة تدق أجراس الإنذار داخلنا.. وحتى لو كنا نرثى ما قدمته ثقافتنا فى سنوات مضت.. فإن فينا جيلًا جديدًا(هو الذى يعبر عنه مبدعو العمل من فنانين رائعين) يعلن حنينه.. ويقول إن لديه الوعى.. ويؤكد انتباهه.. ويقدم نفسه مؤكدًا أن (القاهرة هنا).. وأن ما بين القبر الرملى والعزاء الخلفى توجد دلائل الحياة النابضة.. حتى لو كانت انتقادًا لاذعًا وحادًا للذات.

فينا فن لا ينضب معينه.. فينا شباب قادر على تأكيد محاكاة جريان نهر النيل..ففى النهر يجرى ماء الحياة.. وفى الناس يجرى الوعى بقيمة الحضارة.. فينا ثقافة متجددة.. فينا حنين إلى ماضٍ نحن قادرون على استحضاره.. فينا قدرة على أن نواجه عيوبنا.. ونكتشف أمراضنا.. فينا تحدٍ هائل فبإمكانيات محدودة قدَّم هؤلاء الشباب عملهم المميَّز والأشهر.. فينا بلد مؤسسى يمكنه أن يستوعب قدرات هؤلاء المبدعين الذين أنتجوا رسالتهم تلك من مؤسسة الدولة (وزارة الثقافة).. التى انتقدوها (الدولة عموما) ضمن مشاهد عرضهم.. فينا روح القاهرة ..وهى هنا.

لا يمكننى أن أقول أن فى هؤلاء الشباب فنانين من أولئك الذين تقدموا بالرثاء فيما يمثلون فى عرضهم غير المسبوق.. ولكن المؤكد أن بينهم من سيكون علامة لو واصل بدأب.. ولو استكمل استحضاره لروح السابقين فى تنمية مواهبه.. ولو أصر على أن يواصل رسالة بلده التى صرخ بها فى (قهوة سادة).. ولو بقى يقظ الذهن والرؤية إلى الرسالة التى قال بها دون أن يصرح..وهو أن لبلده صوتًا.. ولقاهرته قيمة.. ولفنه تأثيرًا نوعيًا وتاريخيًا.

نعم، هنا القاهرة، وفى الغد أواصل تحليل هذا العرض الذى حضره مشاهير مصر والعرب خلال الأشهر الماضية وتقرر مد عرضه لأسابيع أخرى.. وغدًا أيضا أقترح فكرة على مبدعى العمل والمؤسسة التى رعتهم واحتوت إبداعهم .

مقال نشر بتاريخ 11 مايو 2009 فى روزاليوسف اليومية 

 

العامية فى الصحافة 

 

فى الصحافة المصرية الآن «سرطان» يتنامَى اسمُه «العاميَّة».. عديدٌ من الصُّحُف صارت تَستخدم العبارات غير الفصيحة فى كتابة الرأى والأخبار.. ولا يتم الاكتفاءُ بجملة هنا أو هناك على سبيل التدليل.. أو الاقتباس؛ وإنما يصل الأمرُ فى أحيان كثيرة إلى مانشيتات كاملة.. وهناك جريدة يوميّة خاصة تكتب عناوين الصفحة الأخيرة، كلها تقريبًا، بالعاميّة.

الظاهرة ارتبطت بالصّحافة الصفراء، ثم السّوداء، ومن عَجَب أنها بمُضىّ الوقت راحت تتسرب من الصحافة الخاصة إلى بعض الصحف القوميّة، وإن كان ذلك موجودًا على خَجَل وفى بعض المتون وقلب الموضوعات.. وليست المانشيتات.

وأُسَمِّى ذلك سرطانًا، من دون مبالغة؛ لأنه مرض خطير وقاتل، وهو يُعَبّر عن عجز لُغَوى.. وفَقر فى المفردات.. وعدم تمكُّن من السيطرة على الفُصحَى.. وهو أيضًا دليلُ مُشكِلة مهنية.. وتجسيدٌ لمستوَى ثقافى يتراجع يومًا تلو آخر.. خصوصًا فيما بين أبناء المهنة التى حِرفَتُها فى الأساس هى اللغة.

ولعل هجومَ العاميّة له خلفيات تاريخية، إذ كان موجودًا من قبل فى صحف ما قبل الثورة، وارتبط أيضًا بصحافة محدودة المستوى والقدرات، ولا أظن أن مصرَ عرفت جريدة متماسكة رصينة لجأت إلى ذلك الأسلوب.. إلا إذا كان لدَى أحد معلومة أخرى يمكن أن يرُدَّ بها على ذلك.

وبغَضّ النظر عن مَرحلة لجُوء جريدة المساء فى بعض المراحل، ومن بعدها «الكورة والملاعب» فى مانشيتات الرياضة، إلى استخدام عبارات وترديدات الجماهير فى مدرجات الدرجة الثالثة فى الصفحات الأولى والأخيرة إبّان المباريات المثيرة؛ فإن الأمْرَ الآن له مدلولات سياسية ومهنية.. ولا يجد رادعًا فى ضوء غياب النقابة عن الاهتمام بشئون المهنة. الصحف الآن تلجأ إلى العاميّة كنوع من التبسيط، المخل، الذى يظن أن فى ذلك اقترابًا من الناس.. وابتعادًا عن الرسمية.. وهو أيضًا تعبيرٌ  عن حالة «التظاهر» التى تحوّلت إليها صحافة المنشورات.. وفى الوقت نفسه هو أمرٌ ينطوى، دون إعلان، على رغبة فى عدم الالتزام بالحقائق والمصداقية التى تفرضها «الفُصحَى» على كاتبها.

بمعنى أوضح، «الفُصحَى»، تفرض على الصحفى أن يكون دقيقًا.. وخاضعًا للمعايير المهنية.. أمّا «العاميّة» فإنها إعلانٌ تحلل من القيم، وميثاق الشرف، وتخلٍّ عن الالتزامات القانونية، أى ببساطة أن الصحفى الذى يكتب بالعاميّة يقول إنه «يدردش».. أو «يَلغو»، وإن كان يدّعى أنه يتباسَط لكى يصبح قريبًا من الناس.

وليس فى ذلك تباسُط، بل هو «تهابُط»، ويُفترَض فى الصحافة أن ترتقى بأساليب وثقافة الناس، باعتبارها أول أنواع الأدب الأوسع انتشارًا.. وإن كانت ليست إبداعًا.. والواقع أن الحديث عن الاقتراب من الناس لا ينبغى أن يأخذ سياقًا شكليّا؛ وإنما فى المضمون.. وفى قلب الموضوع والاهتمامات.. وإلا فإن علينا أن نقطع ملابسنا وأن نلتزم بمستوى محدد من الأخلاق والنظافة إذا كنا نريد أن نُعبّر عن هموم ومشاكل العشوائيات.

لا نريد صحافة مُعقّدة، كما أننا لا نوافق على صحافة مٌبتذلة، و«الفٌصحَى» فيها مساحات عريضة لمن هو قادر عليها ومتمكن من أدواتها، وبلغة تكون واضحة للناس دون تعالٍ، والسكوت المهنى على سرطان العاميّة يعنى أن نقبل بعد وقت وجيز رسوخ ظاهرة مانشيتات الشتائم والعبارات المنحطة.. التى لا تتضمن معلومة؛ وإنما تمثل أقوالًا فارغة. لا ينبغى على المجلس الأعلى للصحافة أن يتجاهل هذه الظاهرة، ومن الواجب على مجمع اللغة العربية أن يواصل مناشداته، للالتزام باللغة الفُصحَى التى هى وعاء ثقافة الأمَّة، ومن الواجب أن نكرر نداءَنا لنقابة الصحفيين.. لعلها تتدخَّل.. وتخرج من غفوة عدم الالتزام المهنى.

مقال نشر بتاريخ 15 مايو 2007 فى روزاليوسف اليومية 

 

ممنوع الاقتراب 

 

إلى أى مدى تؤمن النخبة المصرية بالديمقراطية؟ وما مستوى إيمانها بحرية الرأى؟ ربما يبدو السؤال غريبًا فى ضوء أن النخبة تصرُخ كل يوم لكى تطالب بمزيد من الديمقراطية وحرية الرأى.. لكن واقع الأمر أن تلك النخبة لا تؤمن بذلك حقًا.. وهى إنما تتكلم عن الرأى والرأى الآخر.. حتى لحظة معينة.. عندها ينهار كل شيء.

هذه اللحظة «اختبارية»، وهى تكشف أن كل فرد فى النخبة يقبل الديمقراطية ما دامت تتكلم عنه ولا تقترب منه.. ويوافق على حرية الرأى إذا ما وافق الجميع على رأيه.. لكن.. إذا خالف أحدهم موقفه.. أو عارض رؤيته.. فإن هذا الداعى إلى الديمقراطية يتحول إلى ديكتاتور صغير.

لم أكتشف هذه الحقيقة المُرة فجأة؛ بل إننى أتعايش معها يوميًا، وقد وصلت إلى حد الاقتناع بأنَّ بعض عتاة المدافعين عن حرية الرأى هم أبطال فى تمثيلية، يقولون ما لا يؤمنون به، ويرددون ما لا يوافقون على أن يُطبَّق عليهم، لغو فى لغو.. وادعاء فى كذب.. ومواقف مخادعة وغير صادقة.

لقد واجهت هذا خلال الشهر الأخير ثلاث مرات على الأقل.

مرة حين تبنيت موقفًا محددًا من أزمة القضاة، ومرة حين أعلنت رؤيتى فى فيلم «يعقوبيان»، ومرة حين رسَّخت وجدَّدت ما أتبناه عادة فى ملف الصحافة والصحفيين، مواقف لها سياق معلن.. وأسباب واضحة.. وتتحصن بالرغبة فى الجدل وخوض النقاش حول كل نقطة.

على الجانب الآخر كان هناك دائمًا من يتضح أنه لا يقبل حرية الرأى، ويعتبر أى رأى ضده هو موقف شخصى لا موضوعى، ويريد من الآخرين أن «يبصموا» على ما يقول.. ولا يريد من أى أحد أن يناقشه.. ولو وصل الأمر إلى حد «الأمصة».. ولسان الحال يقول: «مش لاعب».

حسنًا، هل هذه النخبة هى نخبة حقًا؟ أليس من المفترض فى النخبة أن تكون موضوعية.. وقادرة على التفاعل.. ولديها مصداقية؟! لماذا هى هشة إلى هذه الدرجة؟! ولماذا هى شخصيَّة إلى هذا الحد؟!.. ولماذا لا تريد إلا أن تسمع صوت نفسها وحدها؟! لماذا تنظر إلى الحوار على أنه مونولوج.. لا ديالوج.. لماذا تريد أن تقف منفردة تستمع إلى صدى صوتها؟! لن ينصلح حال هذا البلد إذا ظن كل منا أنه يقول الحق وحده.

مقال نشر بتاريخ 9 يوليو 2006 فى روزاليوسف اليومية

 

متحف أيمن نور 

 

كنت قد قرَّرت أن أتوقف عن التعليق على ملف أيمن نور، بعد أن صدر حكم قضائى بسجنه.. عقابًا له على جريمة تزوير التوكيلات التى قدَّمها لتأسيس حزبه.. ففى نهاية الأمر صار أيمن سجينًا.. وأيًا ما كان اختلافى مع ما يقوله من داخل السجن فهو رجل حبيس فى زنزانة.

لكنَّ خبرًا عجيبًا نشرته جريدة «المصرى اليوم»، للصحفى المتخصص فى شئون أيمن نور المحرر مجدى سمعان، على لسان زوجته جميلة إسماعيل.. جعلنى أضطر إلى أن أكتب مجددًا.. لا سيما أن الأمر لا يتعلق مباشرة بالمزيف الحبيس الذى يُوصف فى تقارير الصحافة الأجنبية بأنه زعيم المعارضة فى مصر.

السيدة جميلة، تدلّل من خلال الخبر على بيع سيارة المزيف الحبيس، المرسيدس، وتقــــول: إن سعرهــــا الســـــوقى لا يساوى قيمتها الحقيقية باعتبارها سيارة كان يستخدمها «زعيم مناضل».. وتوحى فى استعطاف مصطنع بأن على الأمة أن ترحم عزيزة قوم ذلّت. والواقع أنه ليس على جميلة أن تبيع السيارة، بل أن تنتظر نخوة الرجال.. لعلهم يتحركون ويدفعون لها.. أقصد قيمة بناء متحف فاخر يحتوى كل مقتنيات الزعيم المزيف.. على أن توضع فيه البدل والكرافتات.. ورسالة الدكتوراه المشكوك فيها.. وأجهزة الكمبيوتر التى استُخدِمت فى تزوير التوكيلات.. ونماذج من التوكيلات.. المزيَّفة.. ونماذج من الصحيحة.. على أن تكون هناك تذكرة دخول باهظة السعر لكل مواطن راغب فى الاطّلاع على هذا التاريخ العظيم.

وليس على جميلة أن تبيع المرسيدس؛ بل يمكنها أيضًا أن تحول بيتها إلى متحف.. ومقابل رسوم.. وبحيث يدخل الزائر فيرى مقتنيات المزيف الحبيس.. هذا «الفاز».. وتلك القطع الفضية.. وهذه التماثيل الفخيمة.. ولا أظن أنه لدى السيدة جميلة مانع فى أن يقوم الزائر للمنزل المتحف بأخذ غطس فى حمام السباحة.. تيمنًا بالدكتور أيمن.. ثم يخرج ليطلع على عقود الصفقات التى كان يبرمها.. ومن بينها عقد العوامة التى بيعت بالملايين.. وغير ذلك من الآثار التى تخص أيمن بك.

فك اللَّه سجنه بعد قضاء عقوبته القانونية كاملة دون نقصان.. ورحم الله السيدة جميلة التى تضطر الآن للتدليل على المرسيدس فى الصحف.. يا حرام!.

مقال نشر بتاريخ 20 فبراير 2006 فى روزاليوسف اليومية

 

إنهم يسرقون عمرى 

 

ماذا أملُك من حطام الدنيا؟ لا شىء سوى أفكارى وكلماتى.

إذن ماذا أفعل حين أجدها تُسْرَق أمام عينى جهارًا نهارًا.. وبلا خجل؟.. لا أملك سوى أن أعلن ذلك.. فمن يقتبسها إنما يسرق عمرى عمليًا.

أنام أربع ساعات فى اليوم. لا أقضى مع ابنتى الوحيدة التى انتظرتها 14 عامًا سوى ساعتين فى الأسبوع.. إن قضيتهما. لا أخرج مع زوجتى إلا فى نفس الساعتين. لا أرى أمى إلا مرة كل شهر. وبعض أشقائى لم أزر بيوتهم منذ عام وأكثر. وأهلى فى بلدى يعتقدون أننى أتكبر عليهم لأننى لم أعد أودّهم وأزورهم منذ أشهر بعيدة.. وأصدقائى لم أتفاعل معهم قبل مدة طويلة.. حتى متعتى الوحيدة فى مسامرات الطاولة لم أقربها منذ أربعة أعوام تقريبًا. وقتى كله، أى عمرى بصورة أخرى، ما بين مكتبى الشخصى والتقافز اللاهث بين مكاتب المسئولين ومصادر الأخبار والاجتماعات والمناسبات والاتصالات لكى أبقى فى لياقتى الإخبارية .. البقية الباقية ما بين الكتب والإنترنت والإدارة اليومية للعمل.. وعلىَّ، وسط كل هذا، أن أحتفظ بأكبر قدر من التركيز والذهن الجاهز.. أغالب نفسى وأجالدها لكى أحتفظ بمؤهلاتى وأنميها.. حتى السينما والأوبرا أذهب إليهما من أجل أهداف عملية وتثقيفية أكثر من كونى أتمتع بما أتابع.

بخلاف ذلك علىَّ أن أتابع كواليس وخفايا يدور فيها ما يدور.. وبعض ما يدور قد يستهدفنى ويستهدفنى بالفعل..وعلىَّ أن أتيقظ لألعاب غير نظيفة صغُرت أو كبُرت.. ففى مصر لا يكفى أن تعمل وإنما عليك أيضًا أن تبذل جهدًا إضافيًا لكى تحافظ على فرصتك فى أن تعمل .. فالكثيرون لا يسعدهم أبدًا أن تعمل ويكون لطيفًا لهم لو أنك تعطَّلت.

أقوم بهذا كله.. ثم يأتى أحدهم، من هنا أو هناك، فينقل من مقال، ويستولى على فكرة، ويقتبس من معنى.. بلا أى مواربة.. وبدون حتى أى تستر.. متجاهلاً أن للكتاب سياقات.. وللأقلام شرفًا.. وأن تلك الاقتباسات سوف تظهر فيما يكتبون على أنها نتوءات لأنها خارج طبيعة ما يكتبون.

كتبت فى مارس 2008 ثلاث مقالات بعنوان (الأولى بالرعاية)، وقلت فيها أن محدودى الدخل ليسوا هم الأولى بالرعاية، وإنما الطبقات الأخرى فى المجتمع.. ليس الأغنياء بالطبع..هؤلاء يقودون أولئك.. وشرحت ما أقصد مرة تلو مرة.. وبدا فيما أكتب أننى أخالف توجهًا معلنًا للدولة التى تكرر كل يوم أنها يجب أن تنحاز لمحدودى الدخل.. ثم كان أن وجدت أحدهم يأخذ تلك المقالات ويحولها إلى مقال ممهور باسمه.

ولم يعد مفاجئًا، بل متكررًا، أن أجد أحد الزملاء يجمع فقرات من مقالاتى طوال الأسبوع، هو أو من يعدون له مادته، ثم يضمّنها فى مقاله فى نهاية كل أسبوع.. كما لو أننى غير موجود.. وكما لو أننى أغرف من بحر يجوز له أن يشاركنى فيه!

وفى الأسبوع الماضى نقل طاووس معروف تحليلاً كاملاً توزع على عدة مقالات لى عن حسنين هيكل، ثم قال إنها له، ولما وجد أن هناك من سينتبه إلى فضيحته قال إنه كتب فى وقت مبكر.. كما لو أننى سوف أصدق كذبته وأمررها له.

وعلى مدى أسابيع، وجدت زميلاً ينقل ملفات كاملة من مجلة «روزاليوسف» ويعيد إنتاجها برمتها، وتقريبًا بنفس العناوين، فلما تكرر الأمر أرسلت له بشكل غير مباشر محذرًا من أننى سوف أنشر الوثائق.. فتراجع قليلاً.. ثم أنجرف إلى فخ من صنع يديه.. ونشر فصلاً من كتاب هو فى حد ذاته كان عبارة عن مجموعة تحقيقات نشرتها مجلة «روزاليوسف».

فيا أيها الزملاء المحترمون ابتعدوا عما أملك..وما يملك زملائى فى «روزاليوسف».. هذا عمرى وعمرهم.. اقتنصوا جمالاً أخرى غير جمالنا.. رد الفعل قد يكون مختلفًا فى المرة المقبلة.

مقال نشر بتاريخ 22 يونيو 2009 فى روزاليوسف اليومية

 

الموت قبل الخمسين 

 

 أما وقد أتممتُ عامى الرابع والأربعين، فإنَّنى أتعهد أمام نفسى بأننى إذا وجدت وقتًا سوف أؤلف، على الطريقة الأمريكية، كتابًا عن الرجل الأربعينى.. وأعتقد أن خبرة أربع سنوات فى هذه المرحلة العمرية تعطينى التأهيل الكافى لإتمام تلك العملية.

كل يوم تلاحقك النصائح.. لا بُدَّ أن تنتبه.. أنت الآن فوق الأربعين.. خد بالك.. أو ديره إذا كنت تنطق الكلمة بالطريقة الخليجيّة.. لا تُدخِّن.. خفِّف الأطعمة.. مارس الرياضة.. قلل ساعات العمل.. الجميع ينبهك إلى مجموعة هائلة من الملاحظات.. تقريبًا لا أنفذ منها شيئًا.. فأنا أدخن كثيرًا.. وأعمل كثيرًا.. ولا أجد وقتًا للرياضة.. وأتعامل مع الأكل باستمتاع يجعلنى لا أقاومه.. ومن ثم فقد اقتربت النهاية وفقًا لمدونة النصائح.. فاللهم أحسن خاتمتنا.

هذا يقول لك تناول أقراص فيتامينات كى تعوضك، فالرجل فوق الأربعين يحتاج إلى مثل هذه الحبوب فى ظل نظامنا الغذائى المرتبك.. وآخر يقول إن عليك أن تتناول حبوبًا لتنشيط الذهن.. كل من تخطى الأربعين يفعل هذا.. وثالث يؤكد عليك بالتحليل الدورى لمعدلات الكوليسترول.. فتترحم على أيام قريبة كان الناس فيها يفخرون بأنهم تربوا على السمن البلدى.. ودهن العتاقى.. ومؤخرات الخرفان.. ولهذا فإن بنيتهم قوية.. ونحن لا نتمتع بذلك.. أين هؤلاء من ملاحقات أطباء التحذير من الكوليسترول!

وفى كل يوم أنبه نفسى إلى أن علىَّ أن أنصاع.. وأن أحافظ على صحتى.. وأرتب شئونها.. بدلًا من أن تفاجئك ذبحة أو جلطة.. وأقول إننى من الغد سوف ألف (تراك النادى الأهلي).. ويأتى الغد فأجدنى داخل السيارة أنهى عشرين مكالمة قبل التاسعة صباحًا.. وأدلف إلى دوامة الحياة.. مؤجلا عملية المشى إلى الأسبوع المقبل.. وفى كل يوم أقول إننى سوف أتوقف عن تناول الخبز.. حتى أذهب إلى طبيب الريجيم.. وقد يكون هذا مفيدًا للموازنة العامة لأننى سأوفر قدرًا من دعم الخبز.. ثم تحين ساعة الغداء.. فأؤجل تعهدى للموازنة العامة إلى أسبوع جديد.. ولا أعتقد أن وزير المالية سوف يلقى لى بالًا أنا بالتحديد.

أستطيع أن أفاجئك بأننى قد دونت رقم طبيب الريجيم على موبايلى وعلى قصاصات ورق صغيرة بضع عشرات من المرات.. وإننى قد هاتفته ثلاث مرات على الأقل وأخذت منه موعدًا كى أذهب إليه.. ولم أفعل.. وفيما يبدو فإنّ زوجتى سعيدة بهذه الحالة.. وتضفى مزيدًا من المشهيات على الوجبات، لأن زيادة الوزن تؤدى إلى نفور المعجبات.. ولا أقول فقط ابتعادهن.

كنت فيما مضى،  وأنا فتى يافع فى مقتبل العمر أتضايق جدًا لأن معصمى رفيع.. وأقف أمام المرآة.. وأستعير (مازورة) كى أقيس محيط الصدر.. متسائلا: هل سأكون لائقًا إذا ما تقدمت لامتحان القبول فى كلية عسكرية؟ فأنزعج لأننى أحتاج إلى 3 سم إضافية.. وهأنذا أحلم بتلك الأيام التى لا يمر فيها موسم دون أن أغير مقاسات القميص.. وأتحسر على مجموعة من البدل.. وذات مرة ذهبت إلى طبيب وعدنى بأننى سوف أتخلص من كل دولاب ملابسى.. لأن وزنى سوف ينقص.. فتراجعت عن فكرة الريجيم برمتها، لأن مجموعة ملابسى وقتها كانت تعجبنى ولا أُريد أن أفرط فيها!

المشكلة هى أننى أركز على تنمية سرعتى فى كتابة الكلمات على الكمبيوتر أكثر من أن أحصى عدد خطواتى اليومية.. وإننى أجالد نفسى ذهنيّا.. فأنصاع لكتاب.. وأحاصر نفسى أمام عملية بحث على شبكة المعلومات.. أكثر من محاولة دفع نفسى إلى تمشية صباحية ولو فى الطريق إلى المكتب من ميدان التحرير.. وحين أجلس إلى أى من مصادر معلوماتى أصادف عشرات من النصائح التى تخص من تخطى الأربعين.. لاسيما أولئك الذين لم يروك منذ فترة.. ويهمون بأن يعبروا عن دهشتهم لأن وزنك قد زاد.. وعليك أن تنتبه.. ويدقون فى أذنك أجراس الخطر.

وأما أهم ما يضايقنى فى هذه العملية الفاشلة التى أحاولها كل أسبوع دون جدوى.. فهى أن موجهى النصائح هم غالبًا من أولئك المتعايقين الذين تخطوا الخمسين.. ويعتقدون أنهم قد مروا من مأزق العقد الرابع.. وعليهم أن يوجهوا النصائح لمهمل مثلى.. يضيع عمره وصحته فى الأكل والتدخين.. وزيادة التوتر الناتج عن ظروف مهنة سخيفة.. نعشقها وتدمرنا حتى إننى تمنيت أن أصل إلى العقد الخامس لكى أتحول إلى ناصح لهؤلاء الذين بلغوا الأربعين بعدى.

سوف أضع هذا المقال على موقعى على الإنترنت.. وسوف يعلق متساخف: أنت تعانى من زيادة الوزن فى بلد لا يجد فيه الفقراء ما يأكلون.. ووقتها سوف يزيد توترى.. فأهدئ نفسى بمزيد من التدخين.

مقال نشر بعمود “ولكن” فى روزاليوسف اليومية