السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الإثيوبيون يقتلون بـالنيران الصديقة

«صراع تيجراى»

فى الوقت الذى تواجه فيه الدول الإفريقية، صراعًا مريرًا حول المياه تؤجّجُه مشاريع بناء السدود؛ حيث تشكّل محاولة العديد من دول القارة السمراء التحكم فى منابع الأنهار الإفريقية رهانًا استراتيجيّا كبيرًا، وبخاصة أن هذه الأنهار تمُر على دول متجاورة عدة، لا تملك فى أغلب الأحيان علاقات ودّيّة، بسبب التنافس الاقتصادى، والخلافات الحدودية، الأمر الذى يجعل من هذه المياه المشتركة سببًا من أسباب الفرقة، بدلًا من أن تكون عاملًا من عوامل التقارُب، والتكامُل بين الدول والشعوب.



أثارت الحربُ الأهلية، الدائرة الآن فى إثيوبيا مسألة استخدام السدود كسلاح فى الحروب والصراعات، لاسيما بعد استهداف القوات الحكومية مؤخرًا سد «تاكيزى» شمال البلاد، والواقع فى إقليم تيجراى، وقصف محطات الكهرباء به، لحرمان الإقليم من جميع مصادر الحياة.

وسد تاكيزى هو أحد سدود توليد الطاقة الكهربائية، بإقليم تيجراى بشمال إثيوبيا، وأعلى سد خرسانى ثنائى الأقواس فى إفريقيا، وعلى خلفية الحرب الدائرة الآن على حدود السودان الشرقية بين القوات الأمهرية، المدعومة بوحدات من الجيش الإثيوبى ضد إقليم تيجراى، الذى تعتبره الحكومة الفيدرالية الإثيوبية إقليمًا متمردًا، كما تدور معارك طاحنة تشهدها المناطق المتاخمة لإقليمى تيجراى والأمهرة. 

وفى ظل رفض آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى، لأى وساطات إقليمية أو دولية؛ للتدخل كوسيط لإيقاف تلك الحرب، التى يرجح محللون أنها قد تتحول إلى حرب أهلية مدمرة، ربما تفوق كثيرًا عمّا حدث فى رواندا، قبل أكثر من 25 عامًا.

أعلن مسئولون محليون فى إقليم تيجراى، عبر القناة الرسمية، أن غارات جوية ضربت سد تاكيزى، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائى عن المنطقة.

ورُغم نفى قوة الطوارئ التابعة للحكومة الإثيوبية، قصف الجيش الإثيوبى للسد، تناول العديد من وكالات الأنباء والمصادر القريبة من ساحات القتال أنه تم استهداف محطات الكهرباء وليس السد لحرمان الإقليم من جميع مصادر الحياة.

 وفى هذا السياق، وصف المهندس الدكتور محمد عليوة، الباحث فى العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ما حدث بأنه يُعَد مؤشرًا غاية فى الخطورة ليس فقط على إقليم تيجراى، ولكن على السودان الذى بالقطع سيتأثر إن حدث ذلك الأمر.

وتابع د.عليوة: «يعيدنا هذا المشهد إلى ما حذرنا منه من قبل، بأن امتلاك إثيوبيا لسد ما يعرف بالنهضة على بُعد عدة كيلومترات من الحدود السودانية، يُعد امتلاكًا لقنبلة نووية سعتها 74 مليارم3 مياه، وأن السودان سيكون رهينة لصانع القرار الإثيوبى الذى يمتلك سلاحًا أقوى من السلاح النووى على حدود السودان . ففى حال إن استبعدنا مسألة أمان السد التى هى بالتأكيد مسألة فى غاية الخطورة لأنها بمثابة تهديد وجودى للسودان؛ فإننا الآن أمام مشهد آخر وهو استخدام الشعوب الإثيوبية للسدود كسلاح فى الحروب والصراعات الداخلية.. فما بالنا باستخدامه لإلحاق الضرر بدول الجوار».

وأضاف: «أصبح موضوع استخدام السد كسلاح استراتيجى بين طرفى الصراع فى إثيوبيا مسألة واردة، وينتظر استخدامها من أحد أطراف الصراع، فخبراء العلوم العسكرية والاستراتيجية حينما يتحدثون عن إمكانية استخدام العدو لأسلحة التدمير الشامل فى مراحل المعركة يقولون إن استخدام تلك الأسلحة يتوقف على مدى حجم الخسائر التى يتعرض لها أحد طرفى الحرب، فحينما يكون هناك خسائر لا يمكن استعواضها وتهديد لكيان الدولة فى ذلك الوقت يكون سلاح التدمير الشامل هو الحل المتاح والوحيد».

وبالتطبيق على الصراع والحرب الدائرة الآن فى إثيوبيا بين قومية التيجراى وآبى أحمد والإقليم الداعم والمساند له «الأمهرة»؛ فإن أى طرف منهم سيصل إلى مرحلة يصبح فيها الكيان المدافع عنه، فى حالة تهديد وجودى، وسيتم استخدام هذا سلاح السدود الاستراتيجى، ليكون بمثابة آخر كروت وأسلحة الحرب الآن.

 تطورات الحرب الأهلية

عن تطورات الحرب الأهلية بإثيوبيا وخطر ضرب سد تاكيزى شمال البلاد، أشار الدكتور عباس شراقى، أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات الإفريقية، إلى تطور الصراع الداخلى فى إثيوبيا إلى حد ضرب بعض الأماكن الحيوية بإقليم التيجراى، وأهمها محطة الكهرباء بسد تاكيزى، وفقًا للمصادر المحلية داخل الإقليم. موضحًا أن السد تم افتتاحه عام 2009، ويُخزن نحو 9.2 مليار متر مكعب، وينتج 300 ميجا وات.

ورجح «شراقى» أنه فى حالة قصف السد من قِبَل أحد أطراف الصراع، فمن المحتمل أن يتسبب ذلك فى كارثة محققة لإقليم التيجراى وشرق السودان، الذى يقع به 3 سدود على نهر عطبرة، بإجمالى تخزين نحو 5 مليارات متر مكعب؛ خصوصًا أن هذا النهر يأتى بنحو 11 مليار متر مكعب سنويّا، ما نسبته 13% من إيراد نهر النيل.

 صراع تيجراى

وتشهد إثيوبيا منذ مطلع الشهر الجارى صراعًا محمومًا، بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم تيجراى الذين يشكلون نحو 6.5% من سكان إثيوبيا، وهى القومية التى تمكنت من السيطرة على حُكم البلاد منذ 1993 حتى 2012 بقيادة رئيس الوزراء الأسبق زيناوى، ولكن منذ وصول رئيس الوزراء الحالى آبى أحمد، أجرى تعديلات للحد من نفوذ تلك القومية التى تسيطر على النسبة الأكبر من قوات الجيش؛ حيث كان ينتمى 99% من ضباط قوات الدفاع الوطنى إليها.

 كما أثار مشروع «آبى» السياسى، الذى أعلن عنه فى نوفمبر من العام الماضى، بتكوين حزب جديد باسم «الازدهار» لا يقوم على المحاصصة العرقية التى تم إقرارها فى المادة 39 من الدستور الإثيوبى، مخاوف تلك القومية، بل تجاوزت تلك المخاوف إلى قومية الأورومو التى ينتمى إليها آبى أحمد نفسه.

وتصاعدت وتيرة الأحداث بشكل غير مسبوق داخل البلاد عقب إعلان آبى أحمد تأجيل الانتخابات العامة، نحو 13 شهرًا، بسبب انتشار فيروس «كورونا»، التى كان مقررًا لها أغسطس الماضى، مما أثار الغضب أيضًا لدى المعارضة الإثيوبية؛ خصوصًا قومية الأورومو، وقتل العشرات فى مظاهرات كبيرة فى يونيو الماضى.

 اشتعلت الأحداث مؤخرًا بعد أن قامت حكومة إقليم تيجراى بعمل الانتخابات فى تحدٍّ صريح للحكومة الفيدرالية، وقامت بالاستيلاء على بعض الأسلحة من القوات الفيدرالية بالإقليم، مما أثار غضب الحكومة وشنّت غارات عسكرية بالطائرات على الإقليم، ما أدى إلى نزوح نحو 11 ألف لاجئ عبر الحدود السودانية، فى شرق السودان، خلال الأيام الماضية، وتم قطع الكهرباء والإنترنت وغلق الطرُق على مواطنى الإقليم.

 ويتوقع الكثير من المراقبين أنه لأسباب تتعلق بآلاف النازحين والمشردين، جرّاء الحرب داخل إثيوبيا وخارجها وأعمال القتل بسبب الهوية؛ فإن هذه الحرب أيّا كانت نتيجتها سوف تترك جرحًا غائرًا تصعب معالجته على المدى الطويل، فى الجبهة الداخلية الإثيوبية.