
د. ايريني ثابت
وحدة قياس الإنسانية
منذ ثمانى سنوات قررت الأمم المتحدة الاحتفال يوم الحادى عشر من أكتوبر كل عام بعيد الطفلة البنت.. وذلك لحث العالم على نبذ التفرقة بين الطفل الولد والطفلة البنت من ناحية، ولاستنهاض الحكومات والمجتمعات لحفظ حقوق الطفلة البنت بدءًا من صحتها، وتغذيتها، وتعليمها، وحمايتها من العنف، ومن الزواج المبكر، وغير ذلك من الطرُق التى تسلط الضوءَ على الطفلة البنت..
أمّا وقد حل الاحتفال هذا العام فى ظل انهيار كبير يحدث فى العالم كله ليس فى منظومته الصحية، بل فى منظومته الإنسانية، فقد صار «عيد الطفلة البنت» مدعاة للتأمل والحزن.
كان لهذا العيد معنى حين كانت تولد طفلة بنت فى مقابل طفل ولد.. وكان للعيد معنى حين كانت الجهود تبذل لإقناع المجتمعات بالمساواة بين الطفل والطفلة فى الإنسانية.نترك ما كان ونحاول التعرف على ما صرنا فيه الآن.. ما سَمّاه البابا فرنسيس منذ عدة أيام «العالم على الحافة» فى خطابه الرسولى الأخير الذى أنذر فيه العالم حتى ما يعود إلى رُشده.. ما الذى وصلنا إليه؟ وصلنا إلى أن فى عدة دول، صاروا يسألون الأطفال فى المدارس: ماذا تريد أن تكون؟ ماذا تريدين أن تكونى؟ ولدًا أمْ بنتًا؟ وإذا كنت لا تعلم بعد فيحق لك أن تظل فى مكان ثالث ليس (هو) ولا (هى)!!
وصلنا إلى أن الكبار أيضًا يستطيعون أن يكونوا نوعًا محايدًا (neutral) من البشر.. ووصلنا أننا لا نستطيع أن نجرح مشاعر هؤلاء المحايدين لذا ينبغى أن نغير اللغة من أجلهم.
وصلنا إلى أن أحد القواميس العالمية للغة الإنجليزية أعلن أن (they) كضمير للمفرد هى الكلمة الأولى فى السنوات العشر الأخيرة «2010 - 2020»، وذلك بعد أن اعتمدتها قواميس اللغة واحد بعد آخر نزولا على هذا التوجه العالمى الجديد الذى يطمس الهوية الذكورية كما يطمس الهوية النسائية لتحل محلهما مسوخ محايدة يدعونها بشر أو إنسان!!
أيام زمان، فى قديم الأزمان، وقبل حلول القرن الواحد والعشرين، كان الآباء والأمهات يختارون ألوان ملابس الطفل أو الطفلة بناءً على نوع طفلهما.. ثم جاءت العولمة بأفكار جديدة تناهض هذا الفكر المتخلف الذى يقول إن البنت تلبس اللون (البمبى) والولد يلبس (اللبنى).. وبتفكير البسطاء يبدو هذا منطقيّا.. ولِمَ لا يلبس الولد أى ألوان، وتلبس البنت أيضًا كل الألوان؟
ولكن مع مرور الأيام، ثبت أن الأمر ليس مجرد ألوان.. هذه كانت بداية زرع أفكار مرعبة تبدو فى البداية وكأنها إنسانية بدرجة امتياز.. وتبدو فى البداية وكأنها لا تفرّق بين البنت والولد لأن كليهما إنسان كامل الحقوق وكامل الإنسانية.. وبعد ذلك تنجرف إلى الهاوية، وتنحرف عن كل معانى الإنسانية.. تذهب بنا إلى تشويه الولد وتشويه البنت.. تشويه النفس البشرية وطمس الهوية الطبيعية والتميز الإنسانى.. أليست هذه هى حافة الانهيار؟.>