الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أسطورة مسلم وقبطي

ما أشبه الليلة بالبارحة!! بالأمس وفى مثل هذا الوقت ضاق النحاس باشا ومكرم باشا ذرعًا بجريدة «روزاليوسف» فأصبحت قذى فى عينيهما وشجى فى حلقهما وشوكة فى ظهرهما توخزهما كيفما تحركا وأتى بها.. لماذا كل هذا؟



لأن «روزاليوسف» اليومية كانت تحمل يومئذ على الوزارة النسيمية وتأخذ عليها تهاونها فى حقوق البلاد، وتسليمها للإنجليز تسليمًا أعمَى، مما أدى إلى إراقة دماء الأبرياء على النحو الذى لم يبرح بال القراء بعد.

ولكن الوزارة النسيمية كانت مشمولة برضاء النحاس باشا وصفيه مكرم باشا لا لأنه كان مخدوعًا فيها ولا لأنه كان يعتقد فيها الإخلاص لهذا الوطن.

لا، بل لأنها- كما صرّح لى- «تركت له حرية الانتقال وإمتاع أذنيه بالتصفيق والهتاف».

وكان أن اشتدت الحملة تبعًا لإمعان الوزارة فى الإساءة للبلاد فكان لزامًا على دولته أن يدافع عن الوزارة الصديقة، التى أباحت لدوى  التصفيق أن يخترق أذنيه.

فماذا يفعل لها؟ و«روزاليوسف» اليومية معروفة بوطنيتها ووفديتها الخالصة؟ وليس من الهين إصدار بيان ضدها ما لم يكن مستندًا إلى مبرّر قوى.

لم يفكر دولته بل استوحى الوحى من صديقه مكرم، فأوحى له باتهام «روزاليوسف» بتهمة محاولة التفريق بين العنصرَيْن وبعث بأسطورة مسلم وقبطى، ليتخذها تكأة لما يريد.

وهكذا أصدر دولته بيانًا حملنا فيه مسئولية فرية لم يفترها علينا سواه.. ومن ثم أقصيت «روزاليوسف» عن الوفد. وقد رد هذه التهمة الكاذبة سكرتير تحرير روزاليوسف فى ذلك الحين الأستاذ توفيق صليب، وهو قبطى لحمًا ودمًا فكانت صفعة لهذه الفرية الكبرى.

واليوم أسقط فى يد النحاس باشا ومهبط وحيه معالى مكرم باشا حينما رأيا التفاف الأمّة حول النقراشى باشا الذى أقصى من الوزارة وكل ذنبه أنه وزير نزيه، والنزاهة فى عرف القوم جريمة ما بعدها جريمة.

ولا يكاد دولته- وإذا تكلمنا عن دولته فإنما نقصر معالى مكرم باشا الذى يملى عليه ما يجب أن يقول- لم يكد دولته يدرك عمق الهوة التى حفرها تحت قدميه حتى يتولاه الدوار فيضطرب جنانه، ويفقد اتزانه ويتخبط على غير هدى حتى ما يجد إلا ذلك السلاح البالى المفلول فيروح يشهره فى وجه النقراشى وزميليه، ولا يتحرج من أن يقف ويتهمهم بمحاولة التفريق بين العنصرين ضاربًا على نغمة مسلم وقبطى، تلك النغمة التى لم تعد تألفها أذن لسوء حظه.

وإلا فليحدثنا دولة النحاس باشا بل ليحدثنا مكرم باشا، ما هذه النغمة التى تظهر فى أوقات معينة وساعات الخطر الشديد.

ولم يكن مكرم باشا وحده هو القبطى أليس واصف بطرس غالى باشا قبطيًّا مثله بل وأعرق منه فى القبطية، ولماذا لا يقال أن هناك نزاعًا بين واصف باشا غالى وغيره من الأعضاء وأن المسألة مسألة قبطى ومسلم.

هنا لقد أصبحت المسألة مسألة مكرم وغير مكرم.. دعونا نواجه الحقيقة بصراحة.

إن التفريق بين العنصرَيْن معناه بذر من بذور الفتنة العمياء والثورة الهوجاء وهى جريمة منكرة كما يقول دولته بل لعلها أنكر الجرائم، ولكن هذه الجريمة لم يرتكبها سواه للأسف الشديد.. فيا عجبًا لمن يرتكب جرمًا، ويحمل الأبرياء  وزره، ويأخذهم بتبعيته.

زعموا أن لصًّا اقتحم دارًا ليسرق، حتى إذا هّم بالفرار غانمًا إذا بأصحاب الدار يفاجئونه متلبسًا بجريمته فضاقت به السُّبُل النجاة وأسقط فى يده.

ولم يَرَ إلا أن يشعل النار فى المنزل، حتى ينصرف سكان الدار عنه إلى إخماد النار.

وهذا ما يفعله الآن النحاس باشا وزميله مكرم باشا!

ضُبطا متلبسَيْن بأخطائهما وتعاظمهما على مَن هم أصدق منهما وطنية، وأنزه منهما سيرة، وأنبل منهما وطنية، فلم يَر إلا أن يشعل نار الفتنة لتشغل البلاد بها عن الانقضاض من حوله. أمّا اللص فأفلح فى النجاة.

ولكن النار أحاطت بدولة رئيس الوزراء، فأصبح وزره وزرَيْن وجرمه جرمَيْن.

وهل يحيق المكر السيئ إلا بأهله؟.

«روزاليوسف»

(23 أغسطس 1937م)