السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صندوق Google الأسود

تسريبٌ من العيار الثقيل يظهر قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ ليثير القلق فى أوساط المجتمع الأمريكى، إذ يلعب على الوتر الانتخابى الحساس ويُعيد هاجسَ التلاعب بأصوات الناخبين إلى الأذهان من جديد بعد أن ظل يشغل الرأى العام الأمريكى لأكثر من العام بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ورُغْمَ عدم مَساس التسريب صراحة بالانتخابات الأمريكية المقبلة؛ فإنه يكشف عن خبايا تؤرق الناخب الأمريكى.



 

فلطالما كانت مواقع التواصل الاجتماعى فى مرمَى نيران الانتقادات لسوء استخدامها- عن قصد، أو دون قصد- من أجل استهداف بعض الدول، أو أنظمتها الحاكمة، أو حتى الشعوب، إذ تُعَد تلك المواقع، وغيرها من مواقع الإنترنت، وحتى محركات البحث سلاحًا خبيثًا لمَن أراد استغلاله لصالحه الشخصى.

وخلال الأيام القليلة الماضية، عاد موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» إلى دائرة الضوء مجددًا، بعد تسريب مذكرة أعدّها أحد المبلغين عن المخالفات أو ما يعرف بـ«whistleblower» - وذلك خلال فترة عملها لدى شركة «فيسبوك»، قبل أن تقوم الشركة بفصلها. المُبَلغة اتهمت الشركة بالفشل فى مكافحة التضليل السياسى والانتخابى فى جميع أنحاء العالم، الذى يحدث عبْر إنشاء حسابات وهمية.

المذكرة المكونة من 6600 كلمة، التى كتبتها خبيرة البيانات السابقة فى «فيسبوك»، «صوفى تشانج»، تضم أدلة حقيقية ضد رؤساء بعض الحكومات، والأحزاب السياسية فى دول عدة، منها «أذربيجان»، و«هندوراس»، إذ استخدموا حسابات مزيفة للتزوير، والتأثير على الرأى العام.

كما أكدت المذكرة على تنظيم حملات منظمة بأشكال مختلفة على موقع «فيسبوك» لتعزيز، أو إعاقة المرشحين السياسيين، أو النتائج، دون معرفة من يقف وراءها، وذلك فى دول مثل: «الهند»، و«أوكرانيا»، و«إسبانيا»، و«البرازيل»، و«بوليفيا»، و«الإكوادور» .

وجدير بالذكر أن سوء استخدام شبكات التواصل الاجتماعى وخدمات الإنترنت، من أجل التأثير على ملايين الأمريكيين قبل انتخابات 2016م الرئاسية لايزال حاضرًا فى أذهان الناخبين الأمريكيين بعدما أعلن «فيسبوك» عن وجود تدخُّل روسى على منصته عدة مرات قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية.

هذا بالإضافة إلى تصريحات «براد بارسكال»، الذى يعمل كمستشار أول للبيانات والعمليات الإلكترونية بحملة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» الرئاسية الحالية، والسابقة فى عام 2016م، الذى قال: «على مدار الدورة الانتخابية (الماضية)، حوّلت حملة «ترامب» 90 مليون دولار لشركة «Parscale»، وذهب معظمها نحو الإعلان الإلكترونى، وإن أموال الإعلانات ذهبت إلى «فيسبوك» أكثر من أى منصة أخرى». مؤكدًا أن «تويتر»، و«فيسبوك» سبب فوزهم؛ خصوصًا الأخير الذى أثبت أنه وسيلة قوية لفريق «ترامب» لصقل رسالة الحملة.

وبالعودة لمذكرة «تشانج»، فقد أعربت أنها لا تريد نشر الوثيقة على الملأ؛ خوفًا على سلامتها. كما أكدت أنها رفضت مكافأة نهاية الخدمة بقيمة 64 ألف دولار من الشركة لتجنّب التوقيع على اتفاقية عدم الذّمّ، لكنها كشفت عن بعض النقاط داخلها، ومنها:

• استغراق تسعة أشهُر من مسئولى «فيسبوك» للتحقيق فى حملة منسقة، استخدمت الآلاف من الحسابات المزيفة، لتعزيز رئيس «هندوراس» «خوان أورلاندو هيرنانديز» على نطاق واسع، من أجل تضليل الشعب الهندوراسى.. وبعد أسبوعين من اتخاذ «فيسبوك» إجراءات ضد الجناة فى شهر يوليو 2019م، عادوا من جديد، ولا تزال الحسابات المزيفة موجودة».

• أزالت «تشانج» وزملاؤها 10.5 مليون رد فعل، وإعجاب وهمى من صفحات سياسيين بارزين فى دولتَى «البرازيل»، و«الولايات المتحدة الأمريكية» خلال انتخابات التجديد النصفى لعام 2018م. 

• بعد أن أصبحت على دراية بالتلاعب المنسق على صفحة «فيسبوك»، التابعة لوزارة الصحة الإسبانية خلال جائحة «COVID-19»، ساعدت «تشانج» فى رصد، ومن ثم إزالة 672 ألف حساب مزيف يعمل على تنفيذ أهداف مماثلة على مستوى العالم، بما فى ذلك فى «الولايات المتحدة». 

• فى «الهند»، عملت «تشانج» على إزالة شبكة معقدة سياسيّا، تضم أكثر من ألف حساب يعملون للتأثير على الانتخابات المحلية، التى جرت فى «دلهى» فى فبراير الماضى.

• وفى «بوليفيا»، قالت «تشانج» إنها وجدت نشاطًا مزيفًا يدعم مرشح الرئاسة المعارض فى 2019م، ومع ذلك اختارت عدم إعطائها الأولوية، نظرًا لكثرة ضغوطات العمل عليها، ولكن بعد أشهُر سقطت السياسة البوليفية فى حالة من الاضطراب، ما أدى إلى استقالة الرئيس «إيفو موراليس»، واشتعلت احتجاجات حاشدة أدت إلى مقتل العشرات. وعلقت «تشانج» على عدم إعطاء الأولوية قائلةً: «لقد اتخذت قرارات لا تعد ولا تحصى فى هذا السياق، من «العراق» إلى «إندونيسيا»، ومن «إيطاليا» إلى «السلفادور».. وأنا أعلم أن يدى ملطخة بالدماء الآن».

على كلّ، ورُغم تعرُّض موقع «فيسبوك» مرارًا وتكرارًا لانتقادات سوء التعامل مع الأزمات، يتناسى الباحثون والإعلام - على حد سواء- عملاقًا تقنيًا آخر، وهو محرك البحث «جوجل» الذى يعتبر من أهم وأكبر آلات الدعاية والإعلان فى العالم.

فقد أكد الباحثون أن تحركات شركة «جوجل» تمر دون أن يراها أحد، إذ  إن التركيز الاعلامى الأكبر يحظى به «فيسبوك»، بينما يتم تجاهل «جوجل» رُغم أهميته وانتشاره وتأثيره. الغريب أن شركة «جوجل» ترفض مشاركة أى بيانات حول إصداراتها من المواقع، خصوصًا حول الإعلانات السياسية.وذلك رُغم أنها واحدة من أكبر شركات الإعلانات الإلكترونية وتلعب دورًا رئيسيّا فى الإعلانات التى يراها ملايين الأمريكيين أثناء مشاهدة «YouTube»، أو من خلال عرض نتائج البحث، أو عبر مواقع الإنترنت المتنوعة، التى تنشر أخبارًا حول المرشحين الانتخابيين، والقضايا السياسية، وعمليات التصويت.

من جانبها، قالت «لورا إديلسون»، الباحثة التى تدرس الإعلانات السياسية والمعلومات الخاطئة فى جامعة «نيويورك»: «نحن نقضى الكثير من الوقت فى الحديث عن «فيسبوك»، نظرًا لرصد بعض التحركات، فى الوقت الذى لا نستطيع رصد تحركات «جوجل» لعدم شفافيتها، لهذا لا يلقى عليها الضوء».

أمّا المتحدث باسم مجموعة الأبحاث «Tech Transparency Project»، أو «مشروع الشفافية التقنية»، «مايكل كلاو» فقد أوضح أن شركة «جوجل» تمتلك حصة كبيرة من سوق الإعلان عبر الإنترنت، ولكن لديها معايير أكثر مرونة تحكم الإعلانات السياسية. كما توفر الشركة للجمهور معلومات قليلة حول مصدر هذه الإعلانات. وهذا يعنى أنه قد يتم إغراق المستخدمين بالإعلانات المشوشة أو المضللة دون علمهم». جدير بالذكر أن «مشروع الشفافية التقنية» يتلقى تمويلًا من شركة«Oracle»، أو «أوراكل» أحد منافسى «جوجل».

رفضت «جوجل» هذه التعليقات، وشددت على التزامها الشديد بتقديم أعلى معايير الشفافية، والاختيار، والضوابط فى الإعلانات. لكن الباحثين يؤكدون أنه بالكاد يتم معرفة الإعلانات السياسية، أو اكتشاف تفاصيلها الأساسية، بل فى بعض الأحيان، لا يتم اكتشاف الإعلانات السياسية أساسًا ، أو من هم المعلنين. وتخفى شركة «جوجل» حجم ومدى المعلومات المضللة التى يواجهها الأمريكيون، أثناء استخدام إصداراتها فى الفترة التى تسبق انتخابات الرئاسة الأمريكية. 

وعلى عكس الإعلانات التليفزيونية والإذاعية، التى تنظمها «لجنة الانتخابات الفيدرالية»، و«هيئة الاتصالات الفيدرالية»، تعمل شركات إعلانات الإنترنت إلى حد كبير وفقًا لشروطها الخاصة. وفى دراسة أجريت عام 2019م، خلص الباحثون إلى أن «جوجل»، و«فيسبوك» قوّضا -عن عمد- جهود «لجنة الانتخابات الفيدرالية» لتنظيم الإعلانات الإلكترونية.

كما تكمن إحدى المشكلات التى أثارها الباحثون مع نهج «جوجل» تحديداً فى تعريفها الضيق للإعلانات السياسية أو الإعلانات الانتخابية. إذ تعتبر الشركة الإعلانات الانتخابية، هو أى شىء يذكره المسئولون المنتخبون على المستوى الفيدرالى، أو مستوى الولاية، أو المرشحون، أو الأحزاب السياسية.. لكنهم أشاروا إلى أن هذا التعريف يفتقد إلى فئة مهمة من الإعلانات، وهو ما يُعرف بـ «إعلانات القضايا»، التى غالبًا ما تعالج القضايا السياسية والاجتماعية المثيرة للانقسام، والتى تعد أهدافًا متكررة للجهات السيئة أو المعادية. وأكبر مثال على ذلك هو ما جاء فى تغريدة «آليكس ستاموس»، رئيس الأمن السابق فى «فيسبوك» والباحث فى معهد «ستانفورد»، الأسبوع الماضى؛ حيث أكد أنه وزملاء آخرين اكتشفوا وجود إعلانات مضللة تابعة لـ«جوجل»، يتم عرضها على مصطلحات بحث تتعلق بنزاهة الانتخابات.

لا يتراجع المعلنون السياسيون، والأشخاص السيئون عن استخدامهم لخدمة «جوجل» لاستهداف الأمريكيين قبل انتخابات نوفمبر المقبل، إذ حصلت حملة «ترامب» على مساحة إعلانية رئيسية على الصفحة الرئيسية لموقع «YouTube» فى الأيام التى سبقت الانتخابات، مقابل مليون دولار فى اليوم الواحد.

وعلقت الباحثة «إيدلسون» أن إعلانات «جوجل» تعد صندوقًا أسودَ حقيقيّا، لذلك «لم أستطع إخبار أى شخص بما هو ضار هناك».

على كلّ، فوفقًا لإحصاءات تلك الشركات، منذ إطلاقها لأرشيف تتبع الإعلانات السياسية فى مايو 2018م، قالت شركة «فيسبوك» إن المُعلنين أنفقوا ما يقرب من 1.7 مليار دولار، بينما أوضحت «جوجل» أن الرقم لا يتجاوز 400 مليون دولار، لكن الباحثين وخبراء تمويل الحملات الانتخابية أوضحوا أن هذه الأرقام لا ترسم الصورة الكاملة لمن ينفق الأموال للتأثير على الناخبين، ولا تشير أيضًا إلى أين، وكيف تنفقها الشركات، لا سيما فى حالة «جوجل»!

فى النهاية، تبقى الأضلاع الثلاثة لأى إعلان وهى: «من هو الشخص المُعلن؟»، «ما هدفه من الإعلان؟»، و«غرض تلك المواقع من نشره» سرّا خفيّا، بالإضافة إلى استمرار وجود الآلاف من الحسابات المزيفة على مواقع التواصل المتنوعة، قضايا منهكة للناخب الأمريكى؛ خصوصًا بعدما تأكدت شكوكه قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية.