الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ترامب يوقف برامج التدريب ضد العنصرية

يبدو أن أجواءَ الانتخابات الأمريكية سوف تفاجئنا بالكثير من القرارات والمواقف المخالفة لما اعتدناه من الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» الذى يسعى للفوز بفترة رئاسية ثانية. فقد كشفتْ وثائق تم تسريبها مؤخرًا عن توجيهات الرئيس بوقف أى تدريبات «مثيرة للتفرقة»، بمعنى أنها تُحرّض على الآخر أو تتسم بالعنصرية تجاه أى جنس أو عِرق مُعَين. القرارُ الرئاسى حَذّر صراحةً أى جهة تخالف هذه التعليمات بأنها ستتعرض لعقوبات صارمة. ويشمل القرار المؤسّسات الحكومية والخاصة والعسكرية.  



على الرغم من أن قرارَ «ترامب» يُعتبر تحولًا إيجابيّا بعيدًا عن العنصرية التى دائمًا ما توصَم بها خطاباته؛ إلا أن العديد من المؤسّسات التعليمية أعلنت رفضَها لهذا القرار، مُبررةً ذلك بأن القرارَ قد يشمل أيضًا التدريبات المتعلقة بالحد من العنصرية داخل تلك المؤسّسات؛ خصوصًا أنه يشمل أى مؤسّسة تتلقى تمويلًا فيدراليّا، إذْ يمنع القرارُ استخدامَ الأموال الفيدرالية فى دورات تدريبية أو أى أنشطة يشملها القرار الرئاسى.

وصرَّح «مارك شليسل» رئيسُ جامعة «ميتشيجن»، بأن القرار ينتهك حقوق حرية الرأى، بل إن من شأنه الحد من جهود المؤسّسات التعليمية المختلفة فى مخاطبة العنصرية الممنهجة. وأعرب عددٌ من رجال القانون أن القرارَ غير واضح، ولذلك تجد المؤسّسات الأمريكية المختلفة صعوبة فى تحديد مدى التزامهم به.

لم يتوقف الغضبُ عند مسئولى التعليم فقط؛ لكنه شمل أيضًا الشركات التى تتولى توفير البرامج والدورات التدريبية الخاصة بقبول التنوع والاندماج داخل المؤسّسات الحكومية والخاصة؛ حيث إنه من المتوقع أن يتأثر العمل فى هذه الشركات نتيجة للقرار الجديد؛ خصوصًا كونه قرارًا غامضًا أو غير واضح بالنسبة للجميع. فهو ظاهريّا قرارٌ يخدم مبادئ المجتمع الأمريكية وعلى رأسها المساواة دون النظر إلى اللون أو الجنس أو العِرق، لكن مضمون القرار جاء غامضًا بشكل آثار مخاوف الكثيرين من احتمال أن يكون الهدف منه هو وقف البرامج والدورات التدريبية التى تشجع الاندماج وتنبذ العنصرية وأفكار سيادة العِرق الأبيض التى ظهرت بقوة داخل المجتمع الأمريكى منذ بدأت الحملة الانتخابية الأولى للرئيس الأمريكى عام 2016م وزادت حدتها بعد تولى «ترامب» الحُكم وأصبحت الجماعات اليمينية تعلن عن أفكارها وتدافع عنها، بل وتدعو لاستخدام العنف ضد المهاجرين وأصحاب البشرة السمراء أو«الملوّنين»، كما يطلقون عليهم.

فمنذ  توليه الحُكم فى 20 يناير 2017م،لاحقت «ترامب» الاتهامات بالعنصرية والتمييز نتيجة لتصريحاته وأحيانًا تغريداته التى حملت هذه المعانى. وبالفعل نشطت الكثير من الجماعات العنصرية الداعية إلى سيادة العِرق الأبيض واضطهاد الملوّنين والمهاجرين إلى غير ذلك من الأفكارالمتطرفة. ولم يَسلم الرئيسُ الأمريكى من تلك الاتهامات خلال مناظرته مع منافسه فى سباق الانتخابات «جو بايدن»، وجاءت إجابته غامضة كعادته فيما يتعلق باليمين المتطرف، إذْ أجاب على سؤال حول موقفه من الجماعات اليمينية المتطرفة مثل «براود بويز»، فجاء رده «أقول لهم توقفوا.. واستعدوا»! لكنه رفض إدانتهم، ثم أشار إلى جماعات اليسار مثل «انتيفا» وغيرها مشددًا على ضرورة اتخاذ موقف حازم تجاههم.

وبالعودة إلى قرار البيت الأبيض الأخير، يجدر الإشارة إلى أن سوق العمل فى الشركات التى تتولى توفير البرامج والدورات التدريبية للمؤسّسات المختلفة قد انتعش مؤخرًا على إثر التظاهرات التى أعقبت مقتل المواطن الأمريكى «جورج فلويد» على يد أفراد من جهاز الشرطة الأمريكية.. وهو الحادث الذى كشف النقاب عن قضية العنصرية التى طالما ظلت متوارية عن الأنظار وتائهة وسط شعارات الحرية واحترام الآخر واندماج جميع الجنسيات داخل المجتمع الأمريكى.

ومن جانبهم، أكد أصحاب شركات برامج التدريب أن التدريب على الاندماج داخل مكان العمل هو شأن اجتماعى، مشددين على أن قرار الرئيس هو محاولة لتسييس قضية اجتماعية.

وكانت العديدُ من الشركات الكبيرة والصغيرة قد أصدرت بيانات فى أعقاب حادث «فلويد» لإدانة التمييز إلى جانب تبرُّعها لجماعات مناهضة العنصرية والتعهد بزيادة التنوع داخلها فى المستقبل. واتجهت العديدُ من تلك الشركات منذ ذلك الوقت إلى برامج وتدريبات التنوع والتعددية التى وفّرَتها لهم شركات متخصصة فى هذا المجال.

وقد جاء القرارُ ليُعرقل مساعيهم تلك، فلجأت بعضُ الشركات إلى وقف البرامج والتدريبات لحين مناقشة كيفية عودتها فى إطار لا يعرضها للمساءلة حال خرقها القرارَ الرئاسى الجديد.ويرى أصحاب الشركات أن القرار قد يشمل برامج التوعية ضد «العنصرية دون وعى»، أى التعامل بشكل عنصرى نتيجة للثقافة السائدة داخل المجتمع ودون أن يعى الإنسانُ أن سلوكه عنصرى.. وهو ما تركز عليه الشركات مؤخرًا بعد التظاهرات الأخيرة. القرارُ الجديد قد يمنع حتى الحوارات المفتوحة داخل المؤسّسات المختلفة حول موضوعات محورية، مثل لماذا تشعر أنك متميز لأنك «أبيض»، أو لأنك «رجُل»، وهو حوار يأتى فى إطار برامج مكافحة العنصرية دون وعى.

أمّا السببُ الرئيسى الذى دفع البيت الأبيض إلى اتخاذ مثل هذا القرار فلم يكن فقط الانتخابات الرئاسية ورغبة «ترامب» فى الظهور كمرشح ينبذ العنصرية ورئيس يناهض التمييز فقط؛ حيث تشير الوثيقة إلى سبب آخر وهو رصد ما اعتبره الرئيس تجاوزًا أو تجنيًا بعيدًا عن الواقع فى سياق أوراق أحد البرامج التدريبية ضد العنصرية داخل «معمل أرجون الوطنى»، وهو معمل تابع لوزارة الطاقة. أوراق البرنامج التدريبى التى تم توزيعها على العاملين بالمعمل تضمّنت عبارة «العنصرية أصبحت جزءًا من النسيج الأمريكى». وكان البرنامج التدريبى قد بدأ بعد إصدار وزير الطاقة «دان بروليت» قرارَه بسرعة تنظيم عدد من ورش العمل حول التنوع والاندماج. 

الرئيس الأمريكى اعتبر برامج التدريب على التنوع والاندماج «إيديولوجيات خبيثة» غريبة على المجتمع الأمريكى، وأشار فى سياق القرار إلى أن تلك البرامج تدين فئة من المجتمع الأمريكى وتَعتبرها المسئولة عن العنصرية، مشيرًا إلى برنامج تدريبى نظمته إحدى الشركات المتخصصة للعاملين بوزارة الخارجية الأمريكية، وجاء فى سياق التدريب عبارات مثل «عمليّا، كل أصحاب البشرة البيضاء، مَهما كان مستوى وعيهم، يشاركون فى العنصرية». ورصد القرارُ الرئاسى أيضًا واقعةً أخرى فى برنامج تدريبى فى «مؤسّسة سميثسونيان»؛ حيث جاءت فى سياق أوراق التدريب عبارة «مواجهة كونك أبيض أمرٌ صعبٌ وقد ينتج عنه شعورٌ بالذنب، الحزن، الارتباك، الرغبة فى الدفاع عن النفس بشكل لا إرادى أو الخوف».

بالطبع تبدو العبارات صادمة، ولكن ستكشف الفترة المقبلة هل كان قرار «ترامب» صحيحًا، وهو القرار الذى يدعو ضمنيّا إلى التغاضى عن حوادث العنصرية المتكررة ضد الأمريكيين من أصحاب البشرة السمراء، أمْ أن سعى المؤسّسات المختلفة لتنظيم برامج تدريب وورش عمل لمناهضة العنصرية والتمييز كان الحل الأفضل للحفاظ على ما وصفه الرئيس فى خطابه بـ«المبادئ الأمريكية الصميمة»؟. 