الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صراع «السنوات الخمس» بين واشنطن وبكين

يتفق أغلبُ علماء السياسة- فى الوقت الحالى- أن نظام الأحادية القطبية بقيادة «الولايات المتحدة» مهتز بشكل واضح، خصوصًا بَعد ظهور وانتشار فيروس كورونا (COVID-19)، الذى ألقى بظلاله على دول العالم.. إذْ اعتبره البعضُ نقطة التحول الفعلى فى شكل النظام الدولى، رُغْمَ ترجيح عدد من الخبراء الدوليين أن النظام الدولى بدأ يتغير- بالفعل- قبل ظهور الفيروس.



وفى السياق ذاته.. نشر «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» الأمريكى (CSIS) تقريرًا أكد فيه أن شكل النظام العالمى يتغير من دون اتباع مبدأ تنظيمى واضح. 

 

وفى المَشهد الجيوسياسى الحالى؛ فإن أهم المتغيرات التى تلعب دورًا مُهمّا فيه هو التأثير النسبى لدولتَى «الولايات المتحدة»، و«الصين»، وطبيعة العلاقة الثنائية بين هذين البلدين. مجموعة المخاطر والاستبصار التابعة لمركز (CSIS) تنبأت بأربعة سيناريوهات متباينة لاستكشاف المشهد الجيوسياسى (المتغير) فى الفترة من العام 2025م، حتى العام 2030م، بما فى ذلك الاتجاهات العسكرية والتكنولوجية الرئيسية التى تشكل بيئة الأمن العالمى، والتأثيرات الدائمة المحتملة من الدرجة الأولى والثانية لفيروس (COVID-19).

تركز السيناريوهات الأربعة على القوة النسبية وتأثير «الولايات المتحدة» التى تم تعريفها بمحور (X)، و«الصين» التى تم تعريفها بمحور (Y)، ومدى التفاعل بينهما، الذى سيلعب دورًا مُهمّا فى تحديد المشهد الدولى فى المناطق الرئيسية حول العالم خلال هذا الإطار الزمنى المحدد. كما رُصد حالة كلا البلدين من انتشار (COVID-19)، ودرجة إضعافهما، أو تقويتهما نتيجة لذلك، وهى قضية ستلعب دورًا مُهمّا أيضًا فى تشكيل المشهد الجيوسياسى فى المستقبل القريب. بالإضافة إلى نشر دراسة تفصيلية لحلفاء وخصوم «الولايات المتحدة» الرئيسيين.

كما تم عرض كل سيناريو انطلاقًا من التحليلات أولًا، ثم إجراء مقابلات مع كبار الخبراء- ومن بينهم خبراء بوزارة الدفاع الأمريكية- فى هذا الموضوع، بغرض اختبار ومعرفة مفاهيم صانعى السياسات، حول تحديات الدفاع والأمن التى تواجه «الولايات المتحدة»، وحلفاءها فى النصف الثانى من هذا العَقد. كما أُجرى البحث تحت رعاية قسم الاتجاهات الاستراتيجية، التابع لوكالة الحد من التهديدات الدفاعية الأمريكى. 

 

1- مستقبل القوى العالمية

بصورة إجمالية.. رأى الخبراء- أو رجّحوا بالأحرى- استمرار القيادة الأمريكية، أو المحور (X) لفترة مقبلة، إذْ ستقود خلاله الولايات المتحدة النظامَ على أساس المصالح العالمية المشتركة. وتعمل على تعزيز المصالح الوطنية الأساسية. وتطوير قواعد عسكرية ذات قدرة عالية وجاهزة للتقدم. ناهيك عن محافظتها على المصالح العالمية. والاهتمام بالانظمة السياسية والاقتصادية المحلية التى يسعى الآخرون لمحاكاتها. واستمرار قوة نظام التحالف.

بعكس المحور (Y)، الذى تكون فيه القيادة أو النفوذ العالمى لدولة «الصين». فستكون فيه القوة العسكرية صارمة، ويمكن توقُّعها فى بحر الصين الجنوبى والشرقى، وربما أبعد من ذلك. وسيستمر النمو الاقتصادى فوق 5 %، والتقدم عبر تقنيات الثورة الصناعية الرابعة. كما أن العالم سيشهد- من وجهة نظرهم- أشكالًا أخرى من القوة القسرية، كالتسلل الإلكترونى، وسرقة المِلكية الفكرية، ونشر المعلومات المضللة، وإنشاء مبادرة الحزام والطريق. ناهيك عن القدرة على التأثير على المؤسّسات والمعايير وقواعد السلوك العالمية بما يتماشى مع تفضيلات «بكين»!!.

أمّا فيما يخص السيناريوهات الأربعة فقد أطلق على كل منهم مسمى خاص، كالآتى: (مطرقة ومنجل) الذى تكون فيه «الصين» قوية و«الولايات المتحدة» ضعيفة. و(ين ويانج) وهو السيناريو الذى تكون فيه «الولايات المتحدة» و«الصين» قويتين. و(جمجمة وعظام) وهو الذى تكون فيها القوتان العظمييان ضعيفتين. وأخيرًا (نجمة وخطوط) وهى التى تكون فيها «الولايات المتحدة» قوية و«الصين» ضعيفة.

2 -مطرقة ومنجل

فى هذا السيناريو ستكون «الصين» أول من تُطور لقاحًا لفيروس كورونا. كما ستضاعف تركيزها على التقدم العسكرى والتكنولوجى. أمّا «الولايات المتحدة» فستتراجع عن القيادة الدولية، ويستمر الانكماش الأمريكى؛ خصوصًا فيما يخص قوة التحالفات، إذْ ستتوتر العلاقات الأمريكية مع «اليابان»، و«كوريا الجنوبية». كما سيكون النظام العالمى متعدد القطبية بقيادة صينية. 

أمّا الأمنُ العامُّ والبيئة فسيكونان تحت الهيمنة الصينية. وفيما يخص الانتشار النووى فمن المتوقع أن تتعدى «اليابان»، و«كوريا الجنوبية» الحدود المسموح بها. أمّا قضية الحد من التسلح فلن يتم إبرام أى اتفاقيات.

 

3 – ين ويانج

وهو السيناريو الذى ستُقدم فيه «واشنطن»، و«بكين» لقاحات ناجعة. وستظل فيه «الصين» حازمة فى التعامل. ولكنْ، «الولايات المتحدة» وحلفاؤها سيحتوون تعديل سلوكها. وسينفصل الطرفان فى مجال التكنولوجيا، ولكن مجال التجارة العالمية سيظل سليمًا إلى حد كبير. كما سيتعاون الجانب الصينى والأمريكى فى مجالات محددة. أمّا النظام العالمى فسيكون متعدد القطبية، تحت قيادة «الولايات المتحدة»، و«الصين». 

وسيكون الأمنُ العامُّ والبيئة أمرًا متوازنًا بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»، والحلفاء. ولن يكون هناك تهديدٌ فيما يخص الانتشار النووى. ومن المتوقع أن تقوم كل من: «الولايات المتحدة»، و«الصين»، و«روسيا» بتوقيع اتفاقية بشأن أسلحة (هايبرسونيك)، أى التى تخترق حاجز الصوت، واتفاقيات أخرى بشأن الشفافية وبناء الثقة.

 

4 – جمجمة وعظام

فى هذا السيناريو سينهار النظامُ العالمى مع استمرار (COVID-19) من دون رادع. فسيؤدى تفشى المرض إلى تدمير العالم، حتى نصل لمناعة القطيع عام 2024م. وسيكون التطور الاقتصادى والتكنولوجى ضعيفًا للقوتين العظميين وسط التعافى المتزامن. وستظل تحالفات «الولايات المتحدة» موجودة، لكن متوترة؛ خصوصًا مع إسرائيل و«تركيا». وستكون أهداف «الصين» الخارجية محدودة لكن عدوانها الإقليمى سيظل مستمرًا. وفى هذا السيناريو، من المحتمل أن تتواجه «الهند» و«باكستان» نوويّا. وسيكون النظام العالمى حينها (لا قطبى). 

كما سيصبح الأمنُ العامُّ والبيئة أمرًا متقلبًا وغيرَ مستقر. أمّا قضية الانتشار النووى فسيتم فيها انتهاك الحظرالنووى،إذْ ستستمر إسرائيل فى تجاربها، بينما ستتعدى «تركيا» الحدود المسموح بها. أمّا فيما يخص قضية الحد من التسلح فسيكون هناك انتشارٌ تقليدى واسعٌ، من دون إبرام أى اتفاقات جديدة.

5 – نجمة وخطوط:

 

ستقود خلال هذا السيناريو «الولايات المتحدة» تطويرَ لقاح فيروس «كورونا»، ومن المتوقع أن تشهد «الصين» اضطرابات مدنية بعد طرح لقاح فاشل. وعليه، ينكمش الاقتصاد الصينى، ويتباطأ النمو، وستكون أجندتها الخارجية منقحة، ومعزولة دوليّا. فيما ستجدد «الولايات المتحدة» القيادة القوية للنظام الدولى، وستكون التحالفات الأمريكية مع الحلفاء والشركاء قوية، يتقاسمون فيها الأعباء. وسيكون النظام العالمى متعددَ القطبية بقيادة أمريكية. 

وسيكون الأمنُ العامُّ والبيئة مستقرّا لحد كبير. ولن يتواجد فيه تهديدٌ فيما يخص الانتشار النووى. أمّا الحد من التسلح فمن المتوقع أن تبرم «روسيا» و«الولايات المتحدة» اتفاقية (New START) جديدة.



وعَلّقَ التقريرُ أنه تحت أى سيناريو لم يتم العثور على علاقة تعاونية أو إيجابية تمامًا بين «الولايات المتحدة» و«الصين»، رُغم إمكانية التعاون فى بعض المصالح العالمية المحددة والمشتركة، شريطة أن تكون قوة ونفوذ «الولايات المتحدة» مساوية، أو أكبر من «الصين». فمن الواضح أن العلاقة بين «واشنطن» و«بكين» تظل متشابكة فى جميع السيناريوهات، كما يتضح أن الديناميكيات الثنائية تنافسية بشكل متزايد.

كما أوضح أن «الولايات المتحدة» يمكن أن تجد ميزة فى تعديل سلوك «الصين» من خلال حلفائها وشركائها، ويمكن حدوث ذلك فى حالة أن تكون «واشنطن» مستعدة للانخراط على نحو متعدد الأطراف، وأيضًا عندما تضع الدول الأخرى فى حسبانها الفوائد التى ستنتج عن دعم عالمى يكون تحت قيادة أمريكية، بأنه سيكون أفضل من واقع تقوده «الصين»، أو اختيارهم لعدم الانحياز.

وفيما يخص التحالفات الأمريكية فمن المتوقع أن يُعقد عدد منها فى السيناريوهات. ولكنها، أكثر استقرارًا ويمكن التنبؤ بها فى منطقة أوروبا، مقارنة بآسيا والشرق الأوسط، التى فيها الوضع الجيوسياسى أكثر تقلبًا.

كما وجد تحليل السيناريوهات أن النتيجة الأكثر احتمالية للنظام العالمى فى العَقد المقبل، لن تكون نظامًا أحادى القطبية، أو منافسة ثنائية القطبية على غرار الحرب الباردة، بل تعددية قطبية واسعة.

وتحت أى نتيجة، ستضعف القوة النسبية لكل من «الولايات المتحدة» و«الصين»، أو تتوازن، بسبب النفوذ، والسياسات الخارجية، والأمنية المستقلة لكل من دول: «الهند»، و«اليابان»، و«ألمانيا»، و«فرنسا»، و«المملكة المتحدة»، وغيرها.