مى زايد : عاش ياكابتن يحطم التوقعات وينتصر للحلم
هاجر عثمان
يُنافس الفيلم الوثائقى المصرى «عاش ياكابتن» للمخرجة «مى زايد»، ضمن فئة الأفلام الوثائقية «الموجة القادمة» بمهرجان تورنتو السينمائى الدولى فى نسخته الـ45، والتى تقام خلال الفترة من 10 إلى 20 سبتمبر بشكل افتراضى بسبب جائحة فيروس كورونا. وسوف يمثل الفيلم مصر أيضًا فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة القادم.
يتتبع «عاش يا كابتن» على مدار ٤ سنوات رحلة «زبيبة» الفتاة المصرية ذات الأربعة عشر عامًا، والتى تسعى لتحقيق حلمها فى أن تكون بطلة العالم فى رياضة رفع الأثقال.. «مى زايد» مخرجة ومنتجة مصرية، درست هندسة الاتصالات فى جامعة الإسكندرية، قبل أن تتجه للعمل بالسينما، وكانت البداية بالمشاركة فى ورشة بمركز الجيزويت الثقافى بالإسكندرية، حصلت بعدها على منحة «فولبرايت» لتدرس السينما بكلية ولزلى فى أمريكا والتى أتاحت لها الفرصة للالتحاق بمعهد ماساتشوستس MIT لدراسة التقنية الجديدة لصناعة الأفلام التسجيلية.
بدأت «مى» رحلتها فى عالم السينما عام 2010، بالعمل كمساعدة مخرج ثم شاركت فى كتابة وإخراج وإنتاج وتصوير فيلمها الروائى الطويل الأول «أوضة الفيران» بمشاركة ٥ مخرجين آخرين، أيضا قدمت عددًا من الأفلام القصيرة والتى شاركت بها فى مهرجانات دولية، وبجانب عملها كمخرجة ومنتجة عملت «مى زايد» كمديرة تصوير فى الفيلم الروائى الطويل «فى في»، كما قامت بمونتاج الفيلم التسجيلى الطويل «عندى صورة».. التقينا «مى» وكان هذا الحوار:
ما الذى جعلك تتحمسين لعالم رفع الأثقال للفتيات الذى يرصده فيلمك «عاش ياكابتن»؟
- منذ 2003 عندما فازت الرباعة المصرية «نهلة رمضان» ببطولة العالم للكبار وحصلت على الميدالية الذهبية، كان عمرى آنذاك 18 عامًا، ولكنى انبهرت مثل كل المصريين بهذه الفتاة البسيطة وما حققته من إنجاز كبير وذهابها للأوليمبياد مع غيرها من الرباعات اللواتى شاهدنهن فى هذه البطولات العالمية الكبري. واللائى كن مٌلهمات جدًا لي، خاصة بعدما تداولت الصحف قصة البطلة «نهلة» وأنها وصلت لهذا النجاح بعد تدريب فى الشارع على يد والدها كابتن «رمضان»، وظلت هذا المعلومة فى ذهنى حتى عرفت أن كابتن «رمضان» ما زال مستمرًا فى تدريب الفتيات بنفس المكان بحى الورديان أمام الميناء بالإسكندرية، تحمست جدًا لمقابلته واندهشت بتفانيه وحبه لعمله، رغم ضعف الإمكانيات وأنه يقوم بتمرين الفتيات بدون مقابل. ومن هنا بدأ مشروع الفيلم.
«ِزِبيبة» بطلة فيلمك.. لماذا وقع اختيار عدستك عليها بدلاً من غيرها من الفتيات وهل هذا اسمها الحقيقى؟
- اسمها الحقيقى «أسماء»، «زبيبة» لقب أطلقه عليها كابتن «رمضان» لأنها أول مرة حضرت التمرين كان حجم جسمها صغيرًا جدًا مثل الزبيب، واختيارى لـ«زبيبة» يعود لاهتمامى برصد ومتابعة رحلة الفتاة من البداية، فكنت حريصة أن أبدأ الخيط من أوله مع فتاة تبدأ التدريب والحلم، و«أسماء» كانت فى بدايتها، كما أنها شخصية مختلفة وعلاقتها بكابتن «رمضان» مميزة جدًا عن كل البنات، كانت أقرب واحدة له وكان مؤمنًا بمستقبلها جدًا فى اللعبة، كان يرى فيها «نهلة» أخرى، أيضًا «زبيبة» كانت دائمًا موجودة فى مكان التدريب، أثناء ذهابنا للتصوير صباحًا أو مساءً.
كم استغرقت الرحلة.. وكيف كانت أجواء التصوير؟
- أربعة أعوام مدة تصوير الفيلم، «زبيبة» كان عمرها 14 عامًا مع بدء التصوير. فى البداية اعتقد كابتن «رمضان» أننا صحفيون وسنصور معه لقاء، وأنا أردت عمل فيلم بدون لقاءات وبدون أى كلام للكاميرا، فالموضوع استغرق بعض الوقت، وعدة زيارات وضحت فيها لكابتن «رمضان» طبيعة مشروعنا وما نريده فى الفيلم، وقد كان متعاونًا ومتحمسًا جدًا، ونفى تمامًا إحساسه بالكاميرا وتعامل وكأننا غير موجودين فى المكان وهذا سهل عملية التصوير جدًا. أما الفتيات فبعد مرور عام من التصوير سألننى متى سينتهى الفيلم ونشاهده، ولكن مع الأربع سنوات معايشة أصبحنا أشبه بعائلة، وبعد المونتاج وذهابنا لهن لمشاهدة النسخة الأولى، وقتها أدركن ما كنا نفعل خلال 4 سنوات، و«الفيلم كان بالظبط عن إيه». وهو ما ظهر من ردود فعلهن التى كانت فى غاية السعادة والحماس.
ما هى التحديات التى تواجه بطلات فيلمك «عاش ياكابتن»؟
- ما يُميز هذا المكان الذى تتدرب فيه الفتيات أنه يكسر كل التوقعات وما يقال عن رفض المجتمع أو الأهل لممارسة البنات هذه اللعبة الذكورية، فما شاهدته خلال 4 سنوات أن الأهالى داعمة جدًا للفتيات، ورغم التوقعات بأن لعبة رفع الاثقال تُفقد الفتيات أنوثتهن، إلا أنهن لا يشغل ذهنهن هذه الأفكار إطلاقا ولا يهتممن بها، فهن يتجاوزن ما يًقال وكل النظرة النمطية للمجتمع وما يشغلهن فقط التدريب، أما عن بعض المضايقات فتأتى من بعض المارة بالشارع؛ خاصة أن البنات بتتدرب حرفيًا فى الشارع !! فى مكان كان أشبه بـ«خرابة» أمام الميناء بحى الودريان، حولها الكابتن «رمضان» لساحة تدريب، هناك لا تستطيعين سماع من بجوارك نظرًا لصوت التريللات الضخمة العابرة باستمرار من الميناء.
فى رأيك، ما الدافع لاستمرار هؤلاء الفتيات فى التدريب.. ألم تمر إحداهن بلحظة إحباط؟
- إيمانهن الشديد بالحلم والنجاح. أدرك تمامًا أنه من غير المعتاد أن ترى الناس «بنات ترفع أثقال وتتمرن فى الشارع»، الموضوع ليس سهلًا على الإطلاق، وخلال الـ4 سنوات تصوير؛ هناك فتيات كثيرات جئن للتمرين ولم يُكملن، وأتفهم أيضًا الصعوبات التى واجهتهن، لكن حكاية فيلم «عاش ياكابتن» قائمة على متابعة هذا الحلم والإصرار والحماس مع البنات اللائى قررن استكمال مشوارهن فى ظل هذه الظروف والتحديات الصعبة ليصلن للنجاح ويُصبحن بطلات، فالإرادة والاستمرار لهؤلاء الفتيات هى التى كسرت فكرة عدم القبول المجتمعى وأصبح حى الورديان ومكان التدريب للفتيات أمرًا مُعتادًا وطبيعيًا لمعظم سكان المنطقة وهى ما جعلت كابتن «رمضان» يستمر فى التدريب لأكثر من 20 سنة بتفانٍ وإخلاص لما يفعله رغم أنه يقدمه مجانًا.
كمخرجة ومُنتجة.. كيف واجهت التحديات الإنتاجية الحالية للسينما المستقلة؟
- بلا شك أن الإنتاج يُمثل تحديًا كبيرًا أمامنا كشباب مخرجين فى ظل عدم استعداد شركات الإنتاج الحالية فى دعم المخرجين الجُدد، وهو ما دفعني فى 2013 لأن أشارك خمسة من زملائى المخرجين لإخراج فيلم «أوضة الفيران» وتأسيس شركة لإنتاج الفيلم وغيره من أفلام زملائنا، ولكنى أسست بمفردى فيما بعد شركة «كليوميديا» ليكون «عاش ياكابتن» أول أفلامها مع إنتاج مشترك دنماركي/ ألماني، ولم يحصل الفيلم على أى منحة إلا بعد 3 سنوات من التصوير! لذلك أتمنى جدًا عودة الدولة للإنتاج ودعمها للسينمائيين ولكن بدون التدخل فى الأفكار المطروحة.
ماذا يمثل لك مشاركة الفيلم فى مهرجانى تورنتو والقاهرة؟
- سعيدة جدًا بمشاركة الفيلم فى مهرجان عريق مثل تورنتو، ربما شعرت بالانزعاج لعدم سفرى مع الفيلم فى عرضه الأول ولكننا أبناء اللحظة. ومشاركة القاهرة سعيدة جدًا بها لأن «عاش ياكابتن» وغيره من الأفلام الوثائقية فرصة جيدة للجمهور أن يشاهد أنواعًا مختلفة من الأفلام، خاصة أن فى كل العالم الفروق بين التسجيلى والروائى أصبحت معدومة.
أخيرًا.. بعد أربع سنوات تصوير مع بطلات رفع الأثقال.. ما الذى أضافته التجربة لك على المستوى الشخصى؟
- تعلمت الكثير من كابتن «رمضان» و«زبيبة» و«نهلة» و«عصمت»، عندما كنت أعيش أوقاتًا صعبة من ظروف صحية، كنت أنظر لهؤلاء الفتيات الملهمات وكنت أستمد الطاقة منهن جدًا، وأقارن بين ما يعشنه من تحديات مادية وصحية وإمكانيات ضعيفة وبين قدرتهن على الإصرار والاستمرار فى التدريب.كل هذه العوامل كانت تشجعنى أكثر لاستكمال الفيلم.