
اقبال السباعى
«الغلول»
كعادة الجماعات الإرهابية فى رفع الشعارات التى يمكن التدليس بها على الناس للوصول إلى مآربهم فى التخريف والتفريق وإحداث الفتن يرفعون هذه الأيام شعارات هدم الدولة المصرية للمساجد وكأن مصر التى حمت الإسلام وحفظته وبلغته للدنيا بأسرها من خلال الأزهر الشريف قد تحولت بين يوم وليلة إلى دولة هادمة للإسلام.
وما من شك أن هذا الكلام وإن كان يحمل بين طياته ما يكذبه شأنه شأن كل ما تقول به تلك الجماعات التى أدمنت الكذب إلا أنه ومن المعلوم لما له أدنى دراية بالتشريع الإسلامى أن بناء المساجد وإدارتها من اختصاص الحاكم وليس صحيحا ما تردده تلك الجماعات من أن المساجد بيوت الله وأن الأرض التى تبنى عليها ملك لله فكيف تزال بيوت الله من على الأرض التى يملكها الله وقد غاب عن ذهن هؤلاء أن الأرض التى يملكها الله عز وجل تنعقد الولاية فيها للدولة التى من حقها أن تنظم بناء المساجد وفقا للموازنة بين المصالح المختلفة..
وتشييد الطرق التى تسهل على الناس أرزاقهم ومعاشهم ولأن الانتصار لهذه المصلحة لم يمنع أن المساجد التى تزال يبنى مكانها مساجد أخرى أكبر وأوسع وأجمل تشييدا وتصميما بما يليق باللمسة الحضارية التى تقدم عليها مصر.
ولذلك فإن من يتأمل فى هذا الافتعال الإعلامى وتلك الزوبعة المأجورة يجد أنه لا أساس لها من الناحية الشرعية.
وإذا كانت الولاية على المساجد تنعقد شرعا للحاكم فى كل بلد إسلامى فإنه يكون هو الملزم شرعا بتنظيم هذا الأمر كما يجب على الجميع شرعا أن يحترموا قراره وسياسته وأساس هذا الواجب الشرعى أن مخالفته تعنى اغتصاب الأرض التى تحت ولايته واغتصاب الأرض حتى لو كان لبناء مسجد عليها حرام شرعا فهو يعتبر «غلول» والله سبحانه وتعالى يقول «من يغلل يأتى بما غل يوم القيامة» والغلول معناه أن يستولى الإنسان على مال عام «ملك لله» بدون مقابل ودون رضا أو تخصيص من صاحب الولاية الشرعية عليه وهو الحاكم والنبى «صلى الله عليه وسلم» حذر من اغتصاب الأرض حتى ولو كان المغتصب منها مقدار شبر.
فيقول «صلى الله عليه وسلم» «من اغتصب شبرا من الأرض طوقه من سبع أراضين» بمعنى أنه سيحاسب عليه يوم القيامة ولهذا قرر الفقهاء أن الصلاة فى المسجد المغتصب حرام شرعا فهل يريد هؤلاء الذين يتباكون على هدم المساجد لتصحيح أوضاعها التقرب إلى الله بالحرام ؟
يبدو أن ذلك هو شأنهم لأنهم قد مارسوا الحرام منذ زمن بعيد بالقتل والتخريب والتدمير، ولأن المسجد حق الله خالص ويشق الطرق وتيسير الحياة على الناس حق الله وحق للناس فى آن واحد فما يجتمع فيه الحقان أقوى مما يجتمع فيه حق واحد لذلك يجوز شرعا إزالة المساجد والزوايا التى تعيق التطوير الذى يعود بالنفع على المواطنين.